خفض الأجور بنسبة 36% يُظهر تعثر اقتصادات أمريكا اللاتينية

بائع متجول يبيع الفواكه والخضروات في حي بالفانيرا في بوينس آيرس بالأرجنتين يوم الخميس 22 يوليو
بائع متجول يبيع الفواكه والخضروات في حي بالفانيرا في بوينس آيرس بالأرجنتين يوم الخميس 22 يوليو المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من بين كافة الأرقام التي تكشف معاناة العمال ذوي الياقات الزرقاء بعد تفشي وباء كوفيد-19، هناك القليل مما يثير الانزعاج، مثل خفض الأجور الذي عانى منه ملايين الأرجنتينيين الذين يكدحون في مهن حرة وغير مسجلين في بيانات سوق العمل.

كان انخفاض الأجور بالنسبة إلى الأفراد، مثل النوادل وعمّال البناء وبائعي الحلوى، يبلغ 36% في المتوسط ​​العام الماضي، مع أخذ التضخم بعين الاعتبار. هذا الرقم المذهل يقارب أربعة أضعاف متوسط ​​انخفاض الأجور الذي كان لا بد للأرجنتينيين استيعابه في الاقتصاد الرسمي.

لا يزال المزيد من الأمريكيين اللاتينيين عالقين في وظائف غير رسمية كل يوم، وهو ما أدى إلى نشوب فخ مدمّر احتجز الملايين في هاوية من العمل غير المستقر والفقر والاعتماد على المساعدات المقدّمة من الحكومات التي تواجه ضائقة مالية مفاجئة.

يشير بنك التنمية للبلدان الأمريكية إلى أن حوالي 7.6 مليون شخص إضافي في المنطقة، أي ما يعادل جميع من يعيشون في بوغوتا، سيعملون ضمن الاقتصاد غير رسمي هذا العام بشكل أكثر مما كان عليه الوضع قبل الجائحة.

لقد كان الركود الذي عانت منه أمريكا اللاتينية، والذي يعتبر الأسوأ منذ قرنين، سبباً في تسجيل معدلات بطالة من رقمين، لكن التعافي سيعزز التفاوت على الأرجح، خصوصاً أن الوظائف "السوداء" -كما يطلق عليها باللغة الإسبانية- غير مرئية بالنسبة إلى الحكومات، ولا تسهم في خطط الضمان الاجتماعي، فضلاً عن أن هؤلاء العمال ليست لديهم نقابات تدافع عنهم.

في الأرجنتين، انتعاش الوظائف غير الرسمية يكون أسرع بمرتين من نظيرتها الرسمية بعد الوباء، وبعد تخلف الحكومة عن سداد ديونها.

بالنسبة إلى خوان كارلوس مويانو، كان هذا الأمر يعني الانتقال من مهنة مدفوعة الأجر دامت لمدة 15 عاماً كحارس أمن ومدير صيانة إلى وظائف غريبة حول بوينس آيرس، والتي تدفع دولاراً واحداً في الساعة، عندما يكون هناك عمل متاح. يقول مويانو: "عندما تعمل في القطاع غير الرسمي، فإنك تحصل على وظيفة لليوم أو الغد، لكن ربما لا يكون ذلك متاحاً في غضون 20 يوماً".

قبل الجائحة، كان هناك 140 مليون أمريكي لاتيني تقريباً، أو حوالي 53% من القوة العاملة، يعملون في الاقتصاد غير رسمي. وفي النصف الثاني من العام الماضي، كان أكثر من 60% من الوظائف الجديدة في أكبر البلدان يندرج ضمن الاقتصاد غير الرسمي، وفقاً لمنظمة العمل الدولية التالبعة للأمم المتحدة.

تمتلك أمريكا اللاتينية ثلاثة أضعاف مستوى العمالة ذات الأجور النقدية بالكامل مقارنة بالولايات المتحدة أو أوروبا، وهي تأتي من حيث الترتيب مباشرة بعد منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.

كتبت جوانا سيلفا، كبيرة الاقتصاديين في البنك الدولي، في تقرير حديث، أن العمال شهدوا "خسائر فادحة" جراء تفشي الوباء. وأضافت: "الخاسرون يخسرون الكثير". كما قالت في مقابلة: "في كل مرة تحدث فيها أزمة أو ركود، يزداد الطابع غير الرسمي بشكل مستمر. نحن نشهد تداعيات تستمر لعقد من الزمن".

يتوقف تعافي اقتصاد أمريكا اللاتينية على الوظائف التي يمكن تنظيمها، فالحكومات المثقلة بالديون لا تستطيع تحمل تكاليف برامج التحفيز، ويجب عليها خفض الإنفاق الذي تضخم في خضم الجائحة. ومما لا شك فيه أن العمل في القطاع غير الرسمي يؤدي إلى نمو أضعف وإيرادات ضريبية منخفضة، وإنفاق اجتماعي يترجم إلى عجز أو ديون أو تضخم.

وبينما تحاول حكومات المنطقة التخلص من الديون الناتجة عن الإنفاق الوبائي، تتقدم الولايات المتحدة على هذا الصعيد بشكل سريع، الأمر الذي يؤدي إلى اتساع التباين بين الدول المتقدمة والناشئة.

تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن إجمالي الدين الخارجي لأمريكا اللاتينية ارتفع من 27% من الناتج المحلي الإجمالي قبل عقد من الزمن إلى 54% العام الماضي. وفي غضون ذلك، حفزت خطة الإنقاذ الأمريكية التي أقرتها إدارة بايدن الاقتصاد لدرجة أن الفقر في الولايات المتحدة سيسجل انخفاضاً كبيراً هذا العام، بحسب دراسة حديثة نشرها المعهد الحضري في واشنطن.

كذلك، عانى العمال الأرجنتينيون العاملون في الاقتصاد الأسود، من أكبر انخفاض في الأجور في المنطقة. ويرجع ذلك جزئياً إلى التضخم البالغة نسبته 50%، وهي مشكلة مزمنة حلتها دول الجوار قبل أعوام.

تم طرد مويانو، البالغ من العمر 53 عاماً، والذي تلقى تعليمه حتى الصف السابع ويعيش في إحدى ضواحي بوينس آيرس، في بداية الركود الاقتصادي للأرجنتين في عام 2018. سمحت له وظيفته ذات الراتب بإعالة زوجته مابيل، التي تعمل كمدرسة في مدرسة عامة.

الآن، يعمل مويانو في وظائف منفردة، مثل تفريغ صناديق الفاكهة في السوق، ما أدى إلى تفاقم معاناته من التهاب مفاصل الركبة. وكان يتعين على مابيل، التي كانت تتحمل بالفعل معظم الأعباء المالية، تغطية تكاليف زيارات الطبيب.

يقول مويانو: "واحد من أكثر الأمور إيلاماً، هو أن زوجتي تعمل طوال العام ولا يمكنني اصطحابها إلى الشاطئ لمدة 10 أيام". جدير بالذكر أن مويانو يكسب حوالي 200 دولار شهرياً من تحصيل مدفوعات البطالة والعمل اليدوي.

وجد البنك الدولي أن موظفي الاقتصاد غير الرسمي في أمريكا اللاتينية يتقاضون أجوراً أقل بنسبة 23% ممن هم في الاقتصاد الرسمي الذين يتمتعون بنفس المؤهلات والوظائف. كذلك انخفضت الأجور في الاقتصاد غير الرسمي في بداية الوباء بشكل أكثر من الانخفاض المسجل في الاقتصاد الرسمي في الأرجنتين والبرازيل وكولومبيا والمكسيك، بحسب بنك التنمية للبلدان الأمريكية.

هذه الأزمة تخلق مشطلات اجتماعية. فقد أظهرت البيانات الحكومية أن المكالمات الواردة إلى الخط الساخن المخصص للعنف المنزلي في الأرجنتين ارتفعت بنسبة 22% في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام مقارنة بالعام الماضي.

تعليقاً على هذا الأمر، يقول سيرجيو مورينو، الذي يدير مركز تدريب وظيفي للفقراء في ضواحي بوينس آيرس: "الكثير من الناس يشعرون بالبؤس والاكتئاب، وهذا يخلق المزيد من العنف المنزلي".

كذلك، تؤدي الوظائف في الاقتصاد الأسود إلى تفاقم الفجوة الحادة بين الجنسين في أمريكا اللاتينية. في بيرو، على سبيل المثال، نصف النساء العاملات في القطاع غير الرسمي -العاملات في الخدمة المنزلية وعاملات الفنادق والنادلات- فقدن وظائفهن في الأشهر الستة الأولى من العام الماضي. وهذا أعلى بنحو 20% من رجال بيرو الذين يعملون بشكل غير رسمي، وفقاً لمنظمة العمل الدولية.

من وسط حيها الفقير في بوينس آيرس، تنظر ليديا كارينا بيريز إلى الوظيفة ذات الراتب وكأنها حلم، فهي لم يسبق أن حصلت على واحدة من قبل.

سجلت بيريز، التي تشرف على مركز القمامة وإعادة التدوير، مراراً وتكراراً في صفوف المدارس الثانوية التي تؤهلها للحصول على الرعاية الاجتماعية المرتبطة بالتعليم. كما بدأت أيضاً برنامجاً تدريبياً لأعمال الغزل والنسيج في مارس. لكنها تركت كلا الأمرين، لأن التعلم على الهاتف المحمول أشعرها بالاستياء، كما إنها لم تكن تملك مساحة لوضع معدات الخياطة في المنزل.

تعتزم بيريز التسجيل في الفصل الدراسي القادم بصرف النظر عن أنها تجني من وظيفتها الحالية ما قيمته 14 ألف بيزو (150 دولاراً) شهرياً -وهو ما يعادل نصف الحد الأدنى للأجور للموظفين الفيدراليين في الأرجنتين. كما إن برنامج الرفاه يقدم 10 آلاف بيزو أخرى.

ومع ذلك، لدى بيريز، التي تطوعت للعمل في أحد المطابخ للحصول على البقالة مجاناً، شكوك في إمكانية حصولها على وظيفة براتب، خصوصاً أنها تبلغ من العمر 47 عاماً، كما إنها غير متعلمة.

قالت بيريز: "أُفضل أن يكون لديّ وظيفة على الحصول على صدقة من الغير. تعجبني الأموال التي أجنيها، وليس ما أحصل عليه مجاناً، لكن لا يمكنك العيش بـ14 ألف بيزو. أجد صعوبة في رؤية ذلك يحدث لجيلي".

في خضم الأزمة، يدعم العديد من ناخبي أمريكا اللاتينية اليساريين الذين تركز خطاباتهم على العمل الأفضل. ويقول مستشارو رئيس بيرو بيدرو كاستيلو، الذي تولى منصبه يوم الأربعاء في 28 يوليو، والذي وعد بإعادة صياغة الدستور، إن أكبر مشكلة تواجهها البلاد هي البطالة الجماعية. كما إن البرازيل وكولومبيا لديهما مرشحون بارزون لانتخابات العام المقبل، هاجموا شاغلي المناصب لفشلهم في خلق فرص عمل جيدة.

يقول إدواردو ليفي يياتي، الزميل الأقدم غير المقيم في معهد "بروكينغز": "الطابع غير الرسمي يغير طريقة تصويت الأفراد. إنهم يفقدون الأمل في التقدم الشخصي، وتتجه توقعاتهم نحو المساعدات الاجتماعية، وبالتالي هم يصوتون لصالح مرشحين مختلفين".

الجدير بالذكر أيضاً، أن الساسة يتغذون على الغضب الشعبي، بعد أن أوقفت حكومات عديدة مدفوعات الإغاثة الطارئة.

في مركز التدريب الوظيفي التابع لسيرجيو مورينو في بوينس آيرس، والذي يُعرف باسم "فونداسيون أوفيشيوس" (Fundacin Oficios)، ارتفعت حالات التسرب من الدراسة أثناء الوباء، مع بكاء الطلاب على برنامج الاجتماعات الافتراضية "زووم"، حيث يشعرون بالغضب من صعوبة التعلم عبر الإنترنت. بكل بساطة، لم يكن لدى البعض اتصال بشبكات الإنترنت على هواتفهم المحمولة للاستمرار في التعلم عبر الإنترنت، كما إنه بالكاد يحصل أي شخص على منصب رسمي.

قال مورينو: "اليأس السائد الآن يجعل معظم الناس يتوقفون عن البحث عن الوظائف ويسعون إلى الكفاف".