شجرة مزروعة حديثاً في مدينة كوبنهاغن الدنماركية. المصدر: بلومبرغ

الجانب المظلم من حملات زراعة الأشجار في المدن

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في عام 2015، كشفت الدنمارك بحماسة بالغة عن عزمها زراعة 100 ألف شجرة جديدة في العاصمة كوبنهاغن بحلول عام 2025. وكما يحصل مع الكثير من التعهدات المماثلة لزراعة الأشجار، فقد تمَّ تصوير هذا الالتزام على أنَّه عنصر أساسي ضمن خطة المدينة الرامية للحدِّ من انبعاثات الكربون.

ولكن، بعد مرور ستِّ سنوات على الإعلان؛ فإنَّ الكثير من تلك الشجيرات، قد انتهى بها الأمر بالذبول والموت.

تقول ساندرا هوج، الناشطة المناصرة لزراعة الأشجار في المدن، إنَّ "الأشخاص يصطدمون بها فيما يقودون دراجاتهم أو سياراتهم"، و هي "لا تحظى بالحماية اللازمة غالباً" إذ يتشقق لحاء تلك الأشجار، أو تتعرَّض للتسمم في فصل الشتاء، بسبب نثر البلدية الملح في الشوارع لإذابة الثلوج، عوضاً عن استخدام بديل أكثر أمناً من ذلك.

تضيف هوج: "في غضون ذلك، تواصل البلدية استبدال بعض الأشجار الجميلة كاملة النمو بشجيرات ذات أغصان صغيرة تموت، وتعاد زراعتها، ثمَّ تموت مجدداً".

الدنمارك تعزز الإنفاق على تقنيات الزراعة الخضراء لخفض الانبعاثات

زراعة الأشجار والخطاب الشعبوي

وبالرغم من ذلك؛ فلا يمكن تصنيف سجل كوبنهاغن على هذا الصعيد على أنَّه سيىء بالضرورة، إذ تشير المدينة إلى أنَّ خطة زراعة الأشجار التي اعتمدتها، قد أسهمت في زيادة الغطاء الأخضر بنسبة 1.5% منذ عام 2015.

ولكنَّ المشكلة تكمن بأنه في الكثير من الأحيان يتمُّ النظر إلى زراعة الأشجار على أنَّه العلاج المتكامل للاحترار العالمي، إذ يمنح هذا الفعل من يقوم به شعوراً بالرضا عن الذات. في الولايات المتحدة مثلاً، روَّج القادة المحافظون مثل دونالد ترمب لزراعة الأشجار، في الوقت نفسه الذي كانوا يعملون فيه للتخفيف من القيود الهادفة للحدِّ من الانبعاثات.

كذلك؛ فإنَّ تبني مثل هذه المبادرات واسعة النطاق ليس بالأمر السهل، لأنَّ الهفوات التي ارتكبتها كوبنهاغن شائعة جداً، وهو ما يكشف عن الجانب المظلم للاندفاع نحو زراعة الأشجار، وهو أمر لا تتمُّ مناقشته كثيراً. وفي أحيان كثيرة يتمُّ الإعلان بحماسة بالغة عن خطط شعبوية لزراعة مليون شجرة في مدن من لندن ولوس أنجلوس، إلى فينكس وأريزونا، إلا أنَّ هذه الخطط نادراً ما تحقِّق غاياتها. كما أنَّ الكثير من الأشجار التي تتمُّ زراعتها، لا تعيش، أو لا تنمو، أو لا تحقق الفوائد المرجوة منها.

كما أنَّ بعض تلك الأشجار لا تتمُّ زراعتها أصلاً. على سبيل المثال، في لوس أنجلوس ودينفر، أطلق كلٌّ من عمدتيّ المدينتين، حملات لزراعة مليون شجرة، إلا أنَّ هذه الحملات لم تكن قد بلغت العدد الذي تستهدفه بعد، في حين تبنَّت الإدارة اللاحقة في كلا المدينتين استراتيجيات مغايرة. وبالتالي، لم تزرع لوس أنجلوس إلا 407 آلاف شجرة، فيما زرعت دينفر بين 250 ألف، و500 ألف شجرة فقط.

عن ذلك، تقول لوسي هوتيرا، العالمة البيئية في "جامعة بوسطن":

تستطيع مبادرات زرع الأشجار تحقيق فوائد كبرى، ولكن أظن أن الكثير منها يتم تنفيذه بطريقة عشوائية

هناك سبب وجيه للشعور بالحماسة تجاه زراعة الأشجار، لأنَّ قدرة هذه الكائنات على تخزين الكربون، تجعل منها أدوات فعَّالة في مواجهة التغيُّر المناخي. وقد أظهرت العديد من الدراسات أنَّ الأشجار تسهم أيضاً في التخفيف من التلوث، وفي تخفيض تأثير الجُزر الحرارية الحضرية، وتساعد على جعل الشوارع أكثر قابلية للمشي. إلا أنَّ التطور المدني المتواصل في ظلِّ الظروف المناخية المتطرفة، أدى إلى تدهور سريع في الغطاء الشجري في معظم الأماكن.

مع ذلك، فإنَّ زرع أعداد كبيرة من الأشجار لن يشكِّل استثماراً إيجابياً في حال لم يعش ما يكفي منها حتى يبلغ مرحلة النضوج. وتقول لارا رومان، الباحثة في خدمة الغابات الأميركية، التي تدرس موت الأشجار: "الأمر لا يتعلَّق فقط بزراعة مليون شجرة، بل بزراعتها والاعتناء بها في الأماكن المناسبة".

تجدر الإشارة إلى أنَّ زراعة الأشجار تكبِّد تكلفة على صعيد انبعاثات الكربون، لذا، على الأشجار أن تعيش لسنوات طويلة، قبل أن تبدأ في التعويض عن التكلفة الكربونية الناجمة عن زراعتها. وبالتالي، فإنَّ المكسب البيئي الأكبر من زراعة الأشجار لا يتحقق إلا حين تنمو، وأحياناً لا يحصل ذلك إلا بعد عقود من زراعتها.

لا شكَّ أنَّ العناية بالأشجار الجديدة في المدن هو أمر صعب. كما أنَّ زراعة هذه الأشجار بالشكل المناسب، ليس أمراً زهيد التكلفة.

تذكر هوتيرا أنَّه في الكثير من الأحيان، حين تقرر المدن زراعة عدد ضخم من الأشجار، فإنَّها تقع في خطأ تقدير قيمة الاستثمار الذي يتوجَّب عليها القيام به، بما في ذلك، الموارد الطبيعية، واليد العاملة، والأموال اللازمة للحفاظ على هذه الأشجار بما يكفي من الوقت لتحقيق المكاسب المرجوَّة من زراعتها.

تضيف هوتيرا: "الأمر يتوقَّف على المكان الذي تزرع فيه هذه الأشجار، فقد تكون نوعية التربة سيئة، أو أنَّ الناس يرمون القهوة أو الملح في المكان، أو يتم نثر الملح على الطرقات، أو ربما لا تحظى هذه الأشجار بما يكفي من المساحة حتى تنمو".

اقرأ أيضاً: وفقاً لصُناع الأخشاب..قطع الأشجار مفيد للمناخ

وبالنسبة لكوبنهاغن، فقد بدأت المدينة تسعى لخفض النفقات بعد أن أدركت التكلفة المرتفعة لطموحاتها. فانتقلت أولويات زراعة الأشجار من الشوارع- لأنَّ الحاجة ماسة إليها- نحو المنتزهات والأطراف حيث لا تحتاج الأشجار إلى القدر نفسه من العناية، كما تقلُّ المخاطر والمنافسة على الحيز المكاني. إذاً، بدلاً من زرع شجيرات على جوانب الشوارع في العاصمة، ركَّزت المدينة جهودها على غابة تقع عند الأطراف على مقربة من منشأة لمعالجة النفايات في جزيرة أماغر، إذ زرعت عشرات الآلاف من أشجار البلوط بدلاً من الأشجار الصغيرة. ولكن بحسب هوج؛ فإنَّ الكثير من هذه الأشجار قد مات بالفعل.

اعترفت المدينة بهذا الواقع إلى حدٍّ ما. إذ تقول، إنَّها زرعت 61600 شجرة حتى الآن، كما أنَّ 58 ألفاً منها تقع في غابة حضرية في أماغر. وقال متحدِّث باسم المدينة في بيان، إنَّ الأشجار الجديدة التي تنمو على طرف المدينة ستزوِّد سكان كوبنهاغن بغابة جديدة، مطمئناً الجميع، أنَّ لدى المدينة نظامَ ريٍّ للأشجار الجديدة، وهو معدٌّ بعناية. كما شدَّد على أنَّه بالرغم من كون خطة المدينة ما تزال ضيقة النطاق، إلا أنَّها تعبِّر عن طموحها والتزامها على هذا الصعيد، وقد أسهمت بالفعل بزيادة الغطاء الشجري عموماً في المدينة. وقال المتحدِّث: "انطلاقاً من تجربتنا، فإنَّ نحو 50% من الأشجار المزروعة في الأراضي المفتوحة، مثل تلك في أماغر، قد تمكَّنت من البقاء"، مضيفاً أنَّ "الأشجار في أماغر ما تزال صغيرة، إلا أنَّها ستنمو وتكبر".

دراسة حالة: لوس أنجلوس

في الولايات المتحدة، اكتسبت زراعة الأشجار زخماً في بداية الألفية، مع إطلاق كلّ من دنفر ولوس أنجلوس، ونيويورك، مبادرات في هذا السياق. وقد بدا تبني مثل هذه الأهداف أمراً طموحاً في مدينة لوس أنجلوس القاحلة، فقد وضع العمدة السابق أنتونيو فيلارايغوسا، خطة لزراعة مليون شجرة بحلول نهاية ولايته في عام 2009، أي في غضون أربع سنوات فقط. إلا أنَّه واجه عثرة كبرى في البداية، إذ تعيّن زراعة 700 ألف شجرة من أصل مليون في أراضٍ ذات ملكية خاصة، وذلك بسبب ضيق المساحة المتوفِّرة في أماكن أخرى، بحسب ما أفادت به المدينة، وهو ما كان يعني أنَّ غالبية عمليات الصيانة والريّ، وقعت على عاتق السكان.

تكلفة العناية

وزَّعت المدينة شتلات مجانية على السكان، على أنَّ بعضاً منهم أخذوا شتلات هشة، وتركوها منسية على شرفاتهم، بحسب ما أفادت به صحيفة "لوس أنجلوس تايمز". كما أقامت المدينة شراكة مع منظمات محلية غير ربحية، لزراعة الأشجار في الفواصل الوسطى بالطرقات، وملاعب المدارس، وفي التجمُّعات السكانية منخفضة الدخل التي كانت تفتقر للغطاء الشجري. ولكن زراعة الأشجار في أراضٍ ذات ملكية خاصة، أمر يتطلَّب مشاركة ملَّاك الأراضي في المشروع، والتزامهم في الكثير من الأحيان بتولي عمليات ريّ الأشجار على امتداد السنوات الخمس الأولى، وهو ما تبيَّن أنَّه صعب التحقق، وفقاً لدراسة أجريت حول تنفيذ البرنامج.

تقول ستيفاني بينسيتل، التي أعدّت الدراسة، والأستاذة في "معهد البيئة والاستدامة التابع لجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس": "تمَّ اتباع نهج يقوم على فعل كلِّ شيء دفعة واحدة من أجل توزيع الأشجار في أنحاء لوس أنجلوس كافة، وتمَّ القيام بمعظم هذا العمل بطريقة متسرعة، وبالاعتماد على المنظمات غير الربحية للقيادة". وخلف الكواليس، انكبَّ المنظِّمون على العمل من أجل جمع التمويل من جهات خاصة بهدف دعم جهود زراعة الأشجار. ولكن بحسب بينسيتل: "لم تتوفَّر الأموال الكافية من أجل عمليات الريّ".

استعدوا للمعارك السياسية الكبيرة حول كيفية احتساب الكربون

في نهاية المطاف، اضطر المنظِّمون لتخفيض سقف توقُّعاتهم، وبحلول نهاية ولاية فيلارايغوسا الثانية في عام 2013، كان البرنامج قد أسهم في زراعة 407 آلاف شجرة جديدة فقط.

تقييم مدى نجاح المشروع

في المقابل، أطلقت مدينة نيويورك حملة مماثلة في عام 2007، في عهد العمدة السابق مايكل بلومبرغ، وتمكَّنت من زرع مليون شجرة بحلول عام 2015، أي قبل عامين من الموعد النهائي. (مايكل بلومبرغ هو المؤسس، والمالك الأكبر لـ"بلومبرغ"، الشركة الأم لـ"بلومبرغ سيتي لاب").

من جهته، قال غريغ ماكفيرسون، خبير الغابات المتقاعد لدى دائرة الغابات الوطنية إنَّ "البرنامج الذي اعتُمد في لوس أنجلوس لم يحقق الهدف المرجوّ منه. لذلك يقول بعضهم، إنَّه فشل، في حين يقول الآخر، إنَّ الكثير من الأشجار التي تمَّت زراعتها لم تكن ستوجد لو لم يقم فيلارايغوسا بهذه المخاطرة".

إلا أنَّ الاستناد إلى الأرقام وحدها من أجل تقييم النجاح لا يروي القصة كاملة. فقد أثنت رومان على جهود نيويورك، ليس لأنَّها زرعت مليون شجرة، بل لأنَّها تبنَّت استراتيجية صلبة تضمَّنت تمويلاً من جهات خاصة وعامة، لأنشطة الزراعة والإدارة، بالتعاون بين المدينة وشركائها.

انتقادات

وهنا لا ندّعي أنَّ برنامج نيويورك كان مثالياً، أو أنَّ برنامج لوس أنجلوس لم يحقق أي نجاح، لأنَّ الدراسة التي أجراها ماكفيرسون عام 2014، وجدت أنَّه من أصل 92 ألف شجرة تمَّ غرسها في لوس أنجلوس بين عاميّ 2006 و2010، بلغ معدل موت الأشجار المزروعة في الشوارع 4.4%. وهذه نسبة تتوافق مع المعدل العام في المناطق الأخرى، الذي يتراوح بين 3% و5%، وفق مراجعة لـ16 دراسة حول الأشجار في الشوارع. كما استنتج ماكفيرسون، أنَّ بقاء 79.8% من تلك الأشجار المزروعة في الشوارع، يعدُّ نسبة عالية في مدينة ضخمة وجافة. من ناحية أخرى، تعرَّض برنامج مدينة نيويورك إلى انتقادات بسبب التفاوت في نسبة موت الأشجار بين الأحياء.

وقال رومان: "يتعلَّق الأمر بتحسين الحوكمة الإجمالية على صعيد الأشجار، وضمان إنشاء نظام مستدام من الشركاء، وسبل التمويل، بهدف العناية بالأشجار على المدى الطويل".

ليست كلّ الأشجار متشابهة

نضوج الأشجار ليس العامل الوحيد الذي يزيد من فائدتها البيئية، إذ يضاف لذلك موضوع نوعية هذه الأشجار أيضاً. وترى ماري غاغين، أستاذة الجغرافيا في "جامعة ساونسيا" أنَّ "كل الفوائد التي قد تنجم عن الأشجار، يمكن أن تنجم عن الأشجار الضخمة بشكل أكبر بكثير". وكلما كبر حجم الشجرة، تزيد كمية الكربون التي تستطيع تخزينها، إذ يمكن للأشجار الضخمة أن تأمن الظلّ، وكمية وفيرة من البخار الذي يساعد على تعديل الحرارة، مما يخفف من الحاجة إلى التكييف في فصل الصيف، والتدفئة في فصل الشتاء. كما تساعد هذه الأشجار في التخفيف من أثر الفيضانات.

كذلك؛ فإنَّ الأغطية الشجرية الواسعة تمنح الحياة البرية في المدينة شبكة متواصلة، بشكل تعجز عن توفيره الشجيرات الصغيرة، بحسب غاغين التي لفتت أيضاً إلى أنَّ "لدى هذه الأشجار غطاءً ورقياً كبيراً، وتجويفات في جذوعها، تمنح الحياة البرية أماكن متنوعة للعيش فيها".

مع ذلك؛ فإنَّ الأشجار الأكبر ليست دائماً الخيار الأفضل، بالأخص في المناطق المدنيّة ذات الكثافة السكانية العالية. ويقول بول وود، خبير الأشجار في المدن، ومعدّ دراسة "أشجار الشارع في لندن: دليل ميداني إلى الغابة الحضرية"، إنَّ "الأشجار الصغيرة لن تقدِّم الفائدة عينها التي تقدِّمها أشجار الدلب اللندني على سبيل المثال، فهي لا توفِّر الظلّ فحسب، بل هي تعيش لأكثر من مئة عام أيضاً". ثم استدرك بالقول، إنَّ "الأشجار الأصغر حجماً مثل الكرز والسمن، واسعة الشعبية في الشوارع اللندنية، ربما تكون أكثر ملاءمة لبعض المناطق ذات الكثافة السكانية العالية".

ولهذا السبب إذا أرادت المدن فعلاً أن تقيس مدى نجاح برامجها لزرع الأشجار، لا بدَّ لها أن تأخذ في الاعتبار، مدى نضج الأشجار، ونوع هذه الأشجار المزروعة. وفي هذا السياق، يقدِّم قياس الغطاء الشجري وسيلةً جيدة للمدن لتقييم الفوائد النسبية للأنواع المختلفة من الأشجار.

وكانت دراسة أجريت مؤخَّراً من قبل منظمة "الغابات الأميركية" غير الربحية، كشفت أنَّ توزع الغطاء الشجري على امتداد الولايات المتحدة يفتقر للعدالة، فقد ظهر أنَّ الأحياء حيث غالبية السكان من أصحاب البشرة الملونة، ينخفض فيها الغطاء بنسبة 33% بالمقارنة مع الأحياء التي يغلب عليها السكان البيض. كما أنَّه أقل بنسبة 41% في الأحياء الفقيرة، مقارنة بالأحياء الثرية. ويشكِّل هذا التفاوت أحد العوامل الإضافية التي يتعيَّن أخذها في عين الاعتبار عند قياس مدى نجاح جهود غرس الأشجار.

كن مستعدَّاً للتغيّر المناخي

ترتبط الكثير من المدن ارتباطاً وثيقاً بنوع معيّن من الأشجار، مثل الزيزفون في برلين، والدلب في لندن، وأشجار النخيل في لوس أنجلوس، ولكن ذلك لا يعني أنَّ هذه الأجناس هي الخيار الأقدر على الصمود في المستقبل بالنسبة لهذه المدن. فعلى الرغم من أنَّ سعف النخيل، تعدُّ رمزاً لمدينة لوس أنجلوس، إلا أنَّ هذه الأشجار تذوي ببطء اليوم بسبب الأمراض والتقدُّم في العمر، ولن يُستبدل الكثير منها بأشجار نخيل أخرى، بل ستعمل المدينة بدلاً من ذلك، على غرس نوعية من الأشجار التي تعطي المزيد من الظلّ، وتتطلَّب كميات أقل من المياه.

بسبب تأثير الجزر الحرارية الحضرية؛ فإنَّ الطقس في المدن بات أكثر دفئاً بشكل كبير، مقارنة بالأطراف الريفية لهذه المدن. وبحسب وود؛ فإنَّ الحرارة في مدينة لندن ترتفع أثناء الليل بما يصل إلى 10 درجات مئوية، مقارنة بالحرارة في المناطق الريفية المجاورة. بالتالي؛ فإنَّ الأجناس المستورة من الخارج، قد تكون خياراً أفضل للمدن، بما أنَّ الأنشطة البشرية جعلت المناخ داخل المدن مختلفاً إلى حدٍّ ما عمَّا هو عن المناخ في محيطها الأوسع.

الغابات وسيلة روسيا لخفض انبعاثات الكربون رغم انتقادات علماء المناخ

وفيما يزيد التغيّر المناخي من خطر انتشار الأوبئة بين النباتات والبشر على حدٍّ سواء، فقد أصبح من الضروري تجنُّب تجانس الأشجار المزروعة التام. فلندن التي تضمُّ 500 نوع مختلف من الأشجار، تبلي حسناً على هذا الصعيد، إذ من المرجَّح أن يكون هذا التنوع قد سمح لها بتجنُّب مصير المدن التي عانت من اضطرارها للقضاء على كامل أشجارها دفعة واحدة بسبب الأمراض.

يقول وود: "التنوّع أساسي من أجل الصمود"، ويضيف شارحاً: "كانت ميلواكي في الماضي تحوي شجر الدردار فقط، ولكن حين وصل مرض الدردار الهولندي في سبعينيات القرن الماضي، تعين على المدينة قطع كلّ الأشجار فيها تقريباً. وفي الماضي الأبعد، كانت نيويورك مليئة بأشجار الكستناء الأميركية، ولكن جميعها ماتت في بداية القرن العشرين".

تطرح الاعتبارات المناخية تعقيدات إضافية في المدن الحارة المعرَّضة للجفاف، إذ تتطلَّب الأشجار الأضخم، التي تسهم بتبريد الجوّ، كميات أكبر من المياه. وفي لوس أنجلوس، تطلَّب هذا الواقع العمل على إحداث توازن، واعتماد استراتيجية لزراعة الأشجار لا ترتكز فقط على الحجم.

وفي عام 2019، أطلق عمدة لوس أنجلوس، إيريك غارسيتي، مبادرة لزراعة الأشجار حدد لها هدفاً أكثر تواضعاً، يقضي بزراعة 90 ألف شجرة بحلول عام 2021، أو 30 ألف شجرة في العام، على أن يتمَّ التركيز أكثر على العناية بالأشجار. وعيَّن ريتشل مالاريش في منصب أول مديرة للغابات في المدينة، وتمثَّلت أولى مهامها بوضع خطة للتعامل مع الجفاف. كما بدأت المدينة بإعداد أول جرد للأشجار منذ التسعينيات، وهو ما سيساعد المسؤولين على مراقبة الأشجار المعرَّضة للإرهاق.

أشجار مهيِّئة للمناخ

فيما خصّ الأشجار الجديدة، زرعت المدينة حتى الآن أكثر من نصف الهدف الذي حدَّدته لنفسها على الرغم من التباطؤ الذي نتج عن الوباء، وما نجم عنه من تخفيض في الميزانية. وتقول مالاريش، إنَّهم سيواصلون العمل بما يتجاوز العام 2021 كما كان محدَّداً سابقاً. كما أوضحت أنَّ المدينة ستركِّز أكثر على أجناس الأشجار المقاومة للمناخ، إذ سيتمُّ الاختيار من قائمة معدَّة من قبل ماكفيرسون وغيره من الباحثين في دائرة الغابات، الذين كانوا وراء المشروع البحثي "الأشجار المهيِّئة للمناخ".

وقالت مالاريش: "تاريخ لوس أنجلوس حافل باستيراد الأشجار من المناخات المتوسطية"، وأضافت: "الأشجار الإضافية التي قد نقوم باختبارها مع الوقت، هي أشجار من منطقة جنوب غرب المحيط الهادئ، وهي تبلي جيداً في المناخ الحار والجاف".