لسلاسل توريد أفضل... على أمريكا الاتجاه جنوباً

تحتاج الولايات المتحدة لتوجيه أنظارها إلى دول أمريكا الوسطى والجنوبية من أجل تعزيز سلاسل التوريد الخاصة بها والتي تضررت وسط جائحة كورونا التي عطلت حركة السفن والطائرات
تحتاج الولايات المتحدة لتوجيه أنظارها إلى دول أمريكا الوسطى والجنوبية من أجل تعزيز سلاسل التوريد الخاصة بها والتي تضررت وسط جائحة كورونا التي عطلت حركة السفن والطائرات المصدر: غيتي إيمجز
Shannon O'Neil
Shannon O'Neil

Shannon O'Neil is a senior fellow for Latin America Studies at the Council on Foreign Relations in New York.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تحفز التوترات الجيوسياسية المتزايدة مع الصين، والاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن الوباء، الحكومة الأمريكية على تقصير سلاسل التوريد وجلب التصنيع أقرب للوطن.

وفي هذا المسعى لتعزيز "الروابط مع الأصدقاء"، ليس للولايات المتحدة شركاء كثر أفضل من جاراتها الجنوبيات، التي تتمتع معها بتحالفات ثنائية طويلة الأجل وقرب جغرافي وقواعد تجارية تفضيلية وموارد طبيعية وفيرة.

وقد تحصد أمريكا اللاتينية مكاسب هائلة من خلال إقامة روابط جديدة في سلسلة التوريد، وبنفس المنطق، إذا فوتت المنطقة هذه الفرصة التي لا تأتي سوى كل جيل، فهي تخاطر بدفع نفسها أكثر إلى هامش الاقتصاد العالمي.

وبعد أن كانت في يوم من الأيام موطناً لسياسات عدم التدخل الاقتصادية التي يطلق عليها إجماع واشنطن، أدركت الولايات المتحدة خطأها في السياسة الصناعية، وتأمل حكومة الرئيس، جو بايدن، أن تستخدم السياسات والضغوط الحكومية لإعادة تنظيم الصناعات بأكملها أملاً في تعزيز الأمن القومي والعدالة المحلية والحفاظ على تقدمها التكنولوجي وحماية الأمريكيين من الأوبئة المستقبلية.

سلاسل توريد مرنة

وفي يونيو، أصدر البيت الأبيض مخطط "بناء سلاسل توريد مرنة، وإنعاش التصنيع الأمريكي، ورعاية النمو واسع النطاق"، المكون من 250 صفحة لتحويل أربعة قطاعات حيوية: أشباه الموصلات، والبطاريات كبيرة السعة (للسيارات الكهربائية والطاقة النظيفة)، والمعادن الحساسة، والأدوية.

وينبغي أن تكون أمريكا اللاتينية في قلب تلك المجهودات، وسياسياً، لطالما كانت دولها حليفة للولايات المتحدة، فقد قاتلت البرازيل والمكسيك مع الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وأرسلت الأرجنتين سفناً حربية إلى الخليج العربي في حرب العراق الأولى، وانضمت القوات من السلفادور وهندوراس ونيكاراغوا إلى القتال على الأرض في حرب العراق الثانية، وتعد المنطقة موطناً لعدد كبير من الديمقراطيات في العالم، وتشارك الولايات المتحدة في نظام الحكم وقيمه وتطلعاته.

بديل استراتيجي

وجغرافياً، تقدم دول نصف الكرة الغربي حلاً معتدلاً لسلاسل التوريد المرنة فهي ليست قريبة للغاية ولا بعيدة جداً، وسلطت أوجه الضعف الجديدة في سلاسل التوريد التي كشفها كوفيد- 19 الضوء على فوائد مثل هذا الموقع.

ومع انتشار الفيروس، تباطأت الموانئ أو أغلقت، وحطت الطائرات على الأرض وارتفعت تكاليف النقل بشكل كبير، والاضطرابات مازالت مستمرة لليوم، مع ارتفاع رسوم الشحن إلى مستويات قياسية.

ومع تصاعد المنافسات الاستراتيجية والاقتصادية، وسعي الدول الأخرى إلى تأمين مصالحها من خلال السياسات الصناعية، تهدد التعريفات والعقوبات والمقاطعات الإضافية بتعطيل خطوط الإمداد البعيدة عبر الحدود.

وعلى سبيل المثال، يقلق المتشائمون بشأن الصين من أن سيطرتها على المعادن الأرضية النادرة والبولي سيليكون ستمكِّنها من تقليص الإمدادات بشكل مؤكد مثل أي تسونامي.

مخاطر محتملة

ومع ذلك، فإن التركز الجغرافي، حتى محلياً، يحمل معه مخاطره الخاصة، ولأشهر بعد أن ضرب إعصار ماريا في سبتمبر 2017، كانت أكياس المحاليل الملحية ومخففات الدم وأدوية الكوليسترول نادرة في المستشفيات في جميع أنحاء الولايات المتحدة القارية، وكان المصنِّعون الطبِّيون المتركِّزون في بورتوريكو يكافحون من أجل العودة والتشغيل.

ولم تتسبب موجة الصقيع في تكساس في فبراير 2021 في تعطيل شبكات الكهرباء فحسب، بل أدى أيضاً إلى نقصٍ على مستوى البلاد في خزانات الوقود وكابلات الاتصالات وأقنعة الأكسجين وعشرات السلع البلاستيكية الأخرى مع إغلاق مصانع ولاية لون ستار.

انخفاض التكلفة

ويقلل القرب من دول أمريكا اللاتينية من تكاليف النقل ومن فرص حدوث الاضطرابات المحتملة في الأماكن البعيدة، كما أنها توفر المسافة الجغرافية والتنويع الذي يجعل الإنتاج أكثر أماناً.

ويجعل النفاذ التجاري الأفضل المنطقة جذابة للقطاعات التجارية الاستراتيجية أيضاً خاصة أن الولايات المتحدة لديها عدد قليل نسبياً من اتفاقيات التجارة الحرة، والتي تغطي أقل من 10% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم، وتتركز في نصف الكرة الغربي وهي الاتفاقية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا "USMCA" (كندا والمكسيك)، واتفاقية التجارة الحرة بين جمهورية الدومينيكان وأمريكا الوسطى "CAFTA-DR" (مع السلفادور وغواتيمالا ونيكاراغوا و كوستاريكا وجمهورية الدومينيكان وهندوراس)، بجانب الاتفاقيات الثنائية مع بيرو وكولومبيا وتشيلي وبنما.

توفر هذه القواعد الأساسية حماية للملكية الفكرية، وضمانات للسوق الحرة، وتكاليف أقل للاستيراد والتصدير من وإلى الولايات المتحدة، وأضف على ذلك أن شبكات الكهرباء والطاقة في أمريكا اللاتينية منخفضة الكربون، ويمكن للمصنعين الوفاء بتعهدات المناخ، وإنشاء سلاسل إمداد أكثر أماناً من الناحية الجيوسياسية، وتحقيق أرباح.

وفرة المعادن والخامات

علاوة على ذلك، تبرز إمكانات أمريكا اللاتينية في اثنين على الأقل من المجالات التي تشكل مصادر قلق لصناع السياسة الأمريكيين، بدءاً من وفرة المعادن والمواد الخام إذ يحتوي ما يسمى بمثلث الليثيوم للأرجنتين وبوليفيا وتشيلي على ما يزيد قليلاً عن نصف احتياطيات العالم، بينما تمتلك المكسيك والبرازيل وبيرو رواسبها الخاصة من هذا المكون الأساسي في العديد من تكنولوجيات اليوم والغد.

وهناك كميات وفيرة في جميع أنحاء المنطقة من النحاس والكوبالت والنيكل والجرافيت والعديد من "المعادن الهامة" الأخرى المدرجة في قائمة وزارة الدفاع الأمريكية.

الأدوية والمستلزمات الطبية

على الصعيد الطبي، تتمتع المنطقة بأسبقية في سلسلة التوريد مقارنة بحلفاء الولايات المتحدة الآخرين، وتستورد الولايات المتحدة بالفعل أدوية من المكسيك وكندا أكثر من الصين، وهناك مجال أكبر لنمو الواردات.

وتصنع المكسيك أيضاً مقاييس الحرارة وأجهزة التهوية والعديد من الأجهزة الطبية الأساسية الأخرى المطلوبة كمخزونات وطنية والتي تطلبها المستشفيات الأمريكية.

وإذا اتجهنا أكثر نحو الجنوب، سنجد أن الشركاء التجاريين للولايات المتحدة يتمتعون بقدرة كبيرة على تصنيع البنسلين والأسبرين والمورفين والعديد من الأدوية الأساسية الأخرى، التي لم تعد تُصنع في الولايات المتحدة، وهناك عدد من الدول تكثِّف تصنيع اللقاحات، ما يزيد من قدرة نصف الكرة الأرضية ذاك على تخفيف تأثير هذا الوباء والأوبئة المستقبلية.

ولدى المنطقة الكثير لتكسبه من خلال أسر جزء من التحول العالمي المشهود في الإنتاج، ولطالما كانت أمريكا اللاتينية على أطراف سلاسل التوريد العالمية، وكانت توفر المواد الخام للآخرين لتحويلها ثم تشتري المنتجات النهائية.

تطوير الصناعة

من خلال تشديد روابطها بالأسواق الأمريكية، من المرجح أن تجتذب الدول التصنيع المتقدم والعمل القائم على المهارات، ويمكن أن يساعد العمل مع الولايات المتحدة هذه البلدان على تحقيق أهدافها المتعلقة بالأمن القومي، وأيضاً تسلُّق السلالم الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية.

لكن تمثل سياسات المنطقة الحاجز الأكبر، وتفتقر المكسيك بالفعل للكثير من التحول الصناعي الجاري، وأدت استثمارات البنية التحتية التي في غير محلها، وتدليل مزودي السلع الخاضعين لسيطرة الدولة، وتلويث شبكات الكهرباء، وإلغاء العديد من السياسات الصديقة للسوق، إلى تقليص موجة محتملة من عمليات نقل الإنتاج بشدة.

كما أن الاضطرابات في أمريكا الوسطى تجعل من الصعب تسويقها للعديد من مديري سلسلة التوريد على أنها وجهة جذابة للإنتاج، ويضيف عدم الاستقرار والاضطراب السياسي في كولومبيا وبيرو وتشيلي بُعداً مهما للمخاطر السياسية.

ويضاف إلى كل هذا ارتفاع عدد الإصابات بكوفيد 19، والحاجة للعلاج في المستشفيات، ومعدَّل الوفيات وهي موجة لم تصل إلى ذروتها بعد في العديد من الدول.

فرصة نادرة

ومع ذلك، فإن الفرصة حقيقية، ولن تنتهي ضرورات الأمن القومي للولايات المتحدة لتأمين إنتاج السلع والخدمات الحيوية في أي وقت قريباً، والحلفاء عبر المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ بعيدون جداً للاحتفاظ لديهم بمخزونات الطوارئ أو ضمان الوصول إلى العديد من الأجزاء المهمة في أوقات الأزمات، كما أن نقص القواعد التجارية المواتية يؤدي إلى زيادة التعقيدات ورفع تكاليف الاستعانة بالعديد من الدول الأوروبية والآسيوية.

لكن هذه الفرص لن ترتمي في أحضان أمريكا اللاتينية بل ستحتاج دولها إلى إثبات أنها حليفة موثوق بها للولايات المتحدة ووجهات جذابة تجارياً للشركات الأمريكية التي تأمل في إرضاء كل من صانعي السياسات والمساهمين، وإذا تمكنت من فعل ذلك، فإن نصفي الكرة الأرضية سيستفيد، والوعد البعيد والمبشر بالتكامل الإقليمي سيأخذ خطوة عملاقة أقرب تجاه تحوّله إلى واقع.