صدمة الطاقة تقلق أوروبا بعد طفرة أسعار الغاز والكهرباء

في ألمانيا، ارتفعت أسعار الكهرباء بأكثر من 60% هذا العام، لتعد بذلك ضربة مزدوجة على قطاع الأعمال بعد فترة الإغلاق التي امتدت لأشهر
في ألمانيا، ارتفعت أسعار الكهرباء بأكثر من 60% هذا العام، لتعد بذلك ضربة مزدوجة على قطاع الأعمال بعد فترة الإغلاق التي امتدت لأشهر المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد أن أجبرت عمليات الإغلاق باسل حمزة على إغلاق المقهى الخاص به في أحد أحياء برلين العصرية لعدَّة أشهر، تواجه حمزة -البالغ من العمر 53 عاماً- أزمة جديدة تتمثَّل في ارتفاع فواتير الطاقة.

صعدت تكلفة الغاز الطبيعي والكهرباء في جميع أنحاء أوروبا، ووصلت إلى أرقام قياسية في بعض البلدان، مع إعادة فتح الشركات، وعودة العمال إلى المكاتب.

في ألمانيا، ارتفعت أسعار الكهرباء بأكثر من 60% هذا العام، تاركة صاحب مقهى "فراو هونيغ" (Frau Honig) في فريدريشاين دون خيار سوى رفع أسعار كل شيء من الكابتشينو إلى لفائف القرفة.

ضربة مزدوجة

قال: "كان ارتفاع أسعار الطاقة بمثابة الضربة المزدوجة خاصة بعد أن أُجبرنا على غلق المقهى لفترة طويلة، ولم يكن هناك سوى توصيل الطلبات الجاهزة أثناء الوباء.. كان علينا تمرير التكاليف إلى العملاء".

تقفز أسعار الطاقة في جميع أنحاء العالم مع خروج الاقتصاد العالمي من الوباء، مما يثير المخاوف بشأن التضخم. في أوروبا، تلعب خطط إزالة الكربون من الاقتصاد دوراً أيضاً، إذ تدفع المرافق أسعاراً شبه قياسية لشراء تصاريح التلوُّث الضرورية لمواصلة إنتاج الطاقة من الوقود الأحفوري.


أضف إلى ذلك النقص في الغاز الطبيعي، والنتيجة هي أسعار كهرباء فائقة الثمن، مما سيتعيَّن على المستهلكين دفع قيمة الفاتورة في نهاية المطاف.

ومع ارتفاع أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية، اضطرت إسبانيا بالفعل إلى خفض الضرائب على الطاقة، ومن المتوقَّع أن تسمح المملكة المتحدة بزيادة الأسعار على المرافق للمرة الثانية هذا العام، وهي خطوة سيتمُّ الإعلان عنها يوم الجمعة، وستؤثِّر على 15 مليون شخص.

مصدر إزعاج

تُشكِّل التكاليف المرتفعة مصدر إزعاج للسياسيين قبيل أقل من 100 يوم من اجتماع قادة العالم في أسكتلندا لتحديد مسار الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية. وتخشى الحكومات من حدوث رد فعل عنيف، إذ يزيد ارتفاع فواتير الخدمات العامة من مقاومة الناخبين لدفع تكاليف إحداث التحوُّل في الطاقة.

إنفوغراف: كم تبلغ حصة الطاقة المتجددة من إنتاج الكهرباء بالدول المتقدمة؟

رفض الناخبون السويسريون هذا العام قانوناً طموحاً للمناخ من شأنه أن يرفع الضرائب على أنشطة مثل الطيران والقيادة.

"هل سنرى سترات صفراء في الشوارع، هل سنشهد تكراراً للاستفتاء السويسري؟" هذا ما قاله تييري بروس، أستاذ الطاقة في معهد باريس للدراسات السياسية. وأضاف: "لن يتم إعادة انتخابك إذا كنت تدفع الكثير من المواطنين نحو فقر الطاقة. سيكون ذلك بمثابة جرس إنذار للحكومات".

تكلفة المرافق

من المتوقَّع أن تستمر تكاليف الطاقة المرتفعة. إذ تعمل روسيا على ضخِّ كميات أقل من الغاز إلى أوروبا، في حين تقوم آسيا بتجميع شحنات الغاز الطبيعي المسال، مما يجعل من الصعب إعادة ملء مواقع التخزين المستنفدة بعد شتاء قارس. كما سجَّلت أسعار الغاز الأوروبية القياسية بالفعل رقماً قياسياً، ويعمل ذلك على تأجيج أسعار الطاقة، وزيادة أرباح شركات المرافق، بما في ذلك "أر دبليو إي" (RWE AG) الألمانية، و"إنجي" (Engie) الفرنسية.


يمكن أن يؤدي ارتفاع فواتير المرافق- وهي في كثير من الأحيان أكبر تكلفة ثابتة بعد الإيجار- إلى دفع العديد من الشركات الصغيرة إلى حافة الهاوية.

خسر قطاع الضيافة في المملكة المتحدة ما لا يقل عن 80 مليار جنيه إسترليني (111 مليار دولار) بسبب الإغلاق، مما دفع الحكومة إلى التدخُّل. قالت كيت نيكولز، الرئيس التنفيذي لـ "جمعية الضيافة البريطانية" (UKH Hospitality)، إنَّ الارتفاع الكبير في تكاليف الطاقة "سيكون مدمِّراً ". وأضافت: "يعدُّ بقاء وتعافي العديد من شركات الضيافة على حافة الهاوية بالفعل.. سيصبح الأمر ضرورياً لتقديم المزيد من الدعم، إذا ما تمَّت زيادة فواتير المرافق بتلك التوقُّعات السائدة".

تتزايد وتيرة معدلات التضخم في أوروبا مع انتعاش الاقتصادات، وارتفاع أسعار السلع الأساسية. ارتفعت التكاليف على المستهلكين في منطقة اليورو بنسبة 2.2% في يوليو، وهو أعلى معدل منذ أكتوبر 2018.

سوق الكربون الجديدة

في حين أنَّ لدى أوروبا خططَ إزالة الكربون الأكثر طموحاً حول العالم، إذ كشفت عن مقترحات الشهر الماضي لخفض الانبعاثات بحلول عام 2030 بنسبة 55% على الأقل عن مستويات عام 1990، فقد بدأت بعض الدول في رفض أجزاء من الخطة.

اقرأ المزيد: خطة الاتحاد الأوروبي المناخية رغم ضخامتها لا تعدو كونها بداية

تمارس فرنسا ضغوطاً من وراء الكواليس لإرجاء أو تأخير سوق الكربون الجديدة المقترحة للتدفئة والنقل البري. كما تشعر العديد من الدول، بما في ذلك هولندا والمجر، بالقلق أيضاً بشأن تأثيره الاجتماعي، وفقاً لدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي المطَّلعين على المحادثات.

في بريطانيا، أُثيرت أسئلة حول تكلفة الوصول إلى الانبعاثت الصفرية. فما يزال من غير الواضح كيف تعتزم الحكومة تحقيق الأهداف، بما في ذلك إقناع 600 ألف شخص سنوياً بالتخلُّص من غلايات الغاز الخاصة بهم، واستبدالها بمضخَّات حرارية باهظة الثمن.

الاتحاد الأوروبي يتوقع ارتفاع أسعار الكربون 50% بحلول 2030

قال جوناثان ستيرن، زميل باحث في "معهد أكسفورد لدراسات الطاقة" :"بات واضحاً أنَّ جيلنا الحالي هو الذي سيتحمَّل تكلفة التحوُّل في استخدام الطاقة.. كيف سيحدث ذلك في منتصف العقد إذا قيل لهم، إنَّنا لن نحقق أهداف اتفاقية باريس ناهيك عن صافي انبعاثات صفرية؟ كيف سيغيّر ذلك وجهات نظرهم؟".

تحديات

في الوقت الحالي، تشعر إسبانيا بالتأثير الأكبر. فبدون ربطٍ كافٍ بفرنسا، قفزت أسعار الكهرباء إلى أكثر من 100 يورو لكل ميغاواط/ ساعة، أي أكثر من ضعف الأسعار في هذا الوقت من عام 2019، قبيل أن يؤثِّر الوباء على الطلب. و هذا موضوع حساس بالنسبة للحكومة التي يقودها الاشتراكيون، التي قامت ببناء حملتها الانتخابية على أساس خفض تكاليف الطاقة.

قال خافيير توبياس غونزاليس، المهندس الذي يعمل في مكافحة فقر الطاقة لدى "ECODES"، وهي منظمة إسبانية تركِّز على التنمية المستدامة: "إنَّها ضربة قوية للحكومة... فقبل انتخابهم، كانوا ينتقدون بشدَّة الحكومة في ذلك الوقت فيما يتعلَّق بفقر الطاقة".

في المملكة المتحدة، يتوقَّع محللو "مورغان ستانلي" أن يسمح "مكتب أسواق الغاز والكهرباء" (Ofgem)، الجهة المعنية بتنظيم شؤون الكهرباء في بريطانيا، للمرافق بزيادة الأسعار بمقدار 125 جنيهاً إسترلينياً عند إعلان القرار يوم الجمعة.

إذا ما كانت نسبة الزيادة بأكثر من 10%، فستعدُّ هي الأكبر على الإطلاق بالنسبة لسقف الأسعار، الذي تم تطبيقه في عام 2019 لحماية الأسر البريطانية من التعريفات التلقائية.

بالعودة إلى برلين ، يقول حمزة، إنَّ المقهى الخاص به ما يزال يواصل العمل.

قال: "لقد قدَّم الحي دعماً هائلاً طوال فترة الوباء، وأيضاً عندما اضطررنا إلى زيادة أسعارنا ... نحن ممتنون جداً لذلك".

غاز طبيعي