السؤال الأبرز للشركات اليوم: هل يستمر العمل عن بعد؟

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد 16 شهراً من تأثير فيروس كورونا المستجد على عمل الموظفين ذوي الياقات البيضاء، تتجه الشركات الأمريكية نحو تبني نهج، يمكن أن يكون غيرَ واضح في أحسن الأحوال، أو فوضوياً في أسوأ الأحوال. فحملات التطعيم تقترب من بلوغ حدودها، فيما يبدو أن وباء كوفيد-19 سيظل موجوداً بشكل دائم. هذا الأمر فرض على الشركات الأمريكية الكبرى أن تسعى إلى توحيد جهودها في سبتمبر تقريباً، لوضع خطط العمل الجديدة موضع التنفيذ: داخل المكتب؛ أو العمل الهجين؛ أو العمل عن بُعد، وذلك رغم التعقيدات الكبيرة التي يفرضها التفشي السريع للنسخة المتحورة "دلتا" من فيروس كورونا.

إلى جانب النظر في القرار المتعلق بمكان تواجد الموظفين، ثمة قضايا شائكة تتعلق بالمحافظة على الثقافة، والإبقاء على المرونة، وتحديث السياسات، لكي لا يتخلف أولئك الأكثر تضرراً من الوباء -النساء والأقليات- عن الركب.

تقول لوري بينستوك، وهي مديرة في شركة الاستشارات "ويليس تاورز واتسون" (Willis Towers Watson): "السياسات لم تتماشَ مع الواقع على الإطلاق، ولا نعرف حتى الآن كيف سيكون هذا الواقع".

على الرغم من أن العشرات من الشركات الكبيرة بدأت في تحديد توقعاتها، إلا أنها تبقى حذرة في مسألة تحديد التوقيت. والوضع كما يبدو اليوم هو أن شركات كثيرة لن تبدأ في تنفيذ خطط العودة إلى المكتب إلا بعد عطلة عيد العمال في الولايات المتحدة، فيما لم تحدد شركات أخرى بعد موعداً لذلك. وقد تؤدي المخاوف المتعلقة بالسلالات المتحورة وارتفاع معدلات الإصابة في بعض المناطق، إلى تأخير الجداول الزمنية لهذه الخطط. فعلى سبيل المثال، قالت شركة "أبل" في 19 يوليو إنها ستؤخر موعد العودة إلى المكاتب إلى أكتوبر على أقرب تقدير، بسبب الطفرة الجديدة للوباء عالمياً.

تتباين الخطط من شركة إلى أخرى، حيث تتبنى شركات مثل "فورد موتور" و"سيلز فورس دوت كوم" (Salesforce.com) إجراءات مرنة، في حين تصرّ البنوك، مثل "بنك أوف أمريكا" و"غولدمان ساكس" و"جيه بي مورغان تشيس"، على تواجد الموظفين في المكاتب خمسة أيام في الأسبوع. لكن يبدو أن نموذج العمل الهجين، والذي يقضي بتواجد الموظفين في المكاتب في بعض أيام الأسبوع على الأقل، هو الأكثر شعبية.

في استطلاع للرأي أجرته شركة الاستشارات "غرانت ثورنتون" (Grant Thornton) وشمل أكثر من 1500 من العمال والموظفين الأمريكيين، ظهر أن 79% من المستطلعين يريدون المرونة في دوام العمل، في حين أن 40% منهم قالوا إنهم سيبحثون عن وظيفة أخرى إذا أجبروا على التواجد في مكاتبهم بدوام كامل، وذلك حسب ما قاله تيم غلووا، مدير خدمات رأس المال البشري لدى "غرانت ثورنتون". كذلك، قال ثلث هؤلاء المستطلعة آراؤهم إنهم يبحثون بالفعل عن وظيفة أخرى.

وفي استطلاع منفصل أجرته "غرانت ثورنتون" على كبار المديرين الماليين، توقع أكثر من الثلث عودة شركاتهم إلى العمل العادي لمدة خمسة أيام في الأسبوع، ما يكشف عن وجود فجوة بين خطط الشركات وتوقعات العاملين فيها.

يقول غلووا: "سيكون هناك بعض التوتر. من المهم أن ندرك أن الأمر أكثر من مجرد معرفة ما هو النهج الهجين، وأي الموظفين الذين يذهبون إلى المكتب يوم الثلاثاء مقابل يوم الجمعة".

في ظل العمل الهجين، ومع وجود قوى عاملة تعمل من المنزل وفي المكاتب ومواقع العمل، تبرز تحديات لم تكن موجودة من قبل عندما كان معظم الناس يعملون في المكان ذاته طوال الوقت. كذلك، فإن المديرين سيكونون في هذه الحالة، بحاجة إلى التأكد الدائم من أن زملاءهم في فرق العمل يتواصلون بشكل مستمر، ويحصلون في الوقت ذاته على القدر المناسب من الوقت للتعامل مع بعضهم بعضا وجهاً لوجه. وسيتعين على المديرين كذلك، الابتعاد عن أساليب تقييم الأداء القائمة على متابعة الموظفين وهم وراء مكاتبهم، كما سيتعين على المسؤولين التفكير في كيفية ضمان عدم إخفاق أعضاء المجموعات الممثلة تمثيلا ناقصاً، إذا كانوا يجتمعون عن بُعد.

تشير حالة عدم اليقين إلى أن العديد من الشركات ستستخدم ما تبقى من هذا العام لاختبار أفكارها، وقد لا تنفذ استراتيجية العودة إلى المكتب على نطاق واسع حتى عام 2022، كما تقول بينستوك، من "ويليس تاورز واتسون". تشير بينستوك إلى أن الشركات بحاجة ماسة إلى فهم ما يريده موظفوها، وتقييم العمل الذي يمكن إنجازه حقاً عن بُعد، وكذلك تحديد ما إذا كان المديرون مستعدين لهذا التحول. قال أكثر من ثلاثة أرباع أرباب العمل الذين خضعوا لاستطلاع "ويليس تاورز واتسون" في شهري مارس وأبريل، إن بيئة العمل المرنة ستكون مهمة. ومع ذلك فإن أكثر من نصفهم بقليل لم يطوروا مثل هذه الخطة لقواهم العاملة، على حد قول بينستوك.

ربما ينتهي الأمر باقتناع الشركات الراغبة في العودة إلى نموذج العمل الذي كان سائداً قبل تفشي الوباء، بأن أفكارها هذه مكلفة، وفق ما يقوله بيل زيبيل، الرئيس التنفيذي لقسم استشارات الموارد البشرية لدى شركة "آرثر جيه غالاغر آند كو" (Arthur J. Gallagher & Co).

مما لا شك فيه أن أرباب العمل، الذين يريدون تبني سياسة العمل من المكتب لمدة خمسة أيام أسبوعياً، سيحتاجون إلى إضافة امتيازات، مثل مكافآت لإبقاء الموظفين وتغطية تكاليف استبدال أولئك الذين يغادرون العمل. وبالفعل، تعمل البنوك على رفع أجور المصرفيين المبتدئين، وتقدم آلاف الدولارات في شكل امتيازات، مثل دراجات "بيلوتون" (Peloton) للتمارين الرياضية، ومنتجات "أبل" التي تقدمها "جيفريز فاينانشيال غروب" (Jefferies Financial Group). وحتى الشركات التي تتبنى نهجاً مرناً، قد تضطر إلى تحويل الموارد التي تخصصها للامتيازات الوظيفية، نحو مجالات مختلفة، مثل علاج الصحة النفسية والرفاهية المالية والتقاعد.

في الوقت ذاته، تشير استطلاعات "تينيبولس" (Tinypulse)، وهي شركة يقع مقرها في سياتل وتساعد أرباب العمل على إجراء استطلاعات حول آراء موظفيهم من خلال أدوات توفرها عبر الإنترنت، إلى أن العاملين عن بُعد هم الأكثر إرهاقاً. ومع ذلك، فإن قلة منهم يرغبون في العمل من المكتب بدوام كامل. لكن الفكرة الأنسب هي العمل من واحد إلى ثلاثة أيام في الأسبوع من المكتب، كما يقول ديفيد نيو، الرئيس التنفيذي والمؤسس للشركة.

بحسب هذه الاستطلاعات، فإن النساء اللواتي لديهن أطفال، كنّ أقل ميلاً للعودة إلى المكتب، في حين أن الآباء والأمهات الذين لديهم شريك، كانوا أكثر حرصاً على ذلك، وهو ما يعكس حالة عدم اليقين بشأن رعاية الأطفال.

الجدير بالذكر، أن جميع العاملين شعروا أنهم كانوا منتجين في المنزل كما في المكتب، ولذلك سيكون من الصعب على أي شركة إقناع الموظفين بفكرة أن العودة إلى المكتب أمر حتمي كل يوم. وتعليقاً على ذلك، يقول نيو: "أجد صعوبة في تصديق أننا سنعود إلى الأمر الواقع، لمكتب ما قبل الجائحة".

لقد أُرسل العديد من الموظفين فجأة إلى منازلهم للعمل على أجهزة الكمبيوتر المحمولة من على طاولات مطابخهم العام الماضي، وهؤلاء الموظفون مروا بالمراحل الخمس للحزن والفقد، والآن يتعين عليهم اختبار ذلك مرة أخرى عند العودة إلى المكتب، وذلك حسب ما قاله دينيس بالتزلي، عالم النفس الصناعي العالمي الذي يعمل كرئيس عالمي لتنمية المهارات القيادية لدى شركة الاستشارات والتوظيف "كورن فيري" (Korn Ferry). وبالتأكيد، أرباب العمل بحاجة إلى معرفة أين يقع عمالهم في هذه العملية ووضع استراتيجية العمل معهم، حيث يقول بالتزلي: "لقد مررنا بتغيير شامل، لذا أفضل شيء يمكننا القيام به هو مساعدة الناس على الاستعداد للمجهول".