هل يتجنب بايدن الفخ الروسي الذي وقع فيه أوباما؟

الاستخفاف بالدب أمر سيئ تماماً مثل إطعامه.
الاستخفاف بالدب أمر سيئ تماماً مثل إطعامه. المصدر: غيتي إيمجز
Leonid Bershidsky
Leonid Bershidsky

Leonid Bershidsky is Bloomberg Opinion's Europe columnist. He was the founding editor of the Russian business daily Vedomosti and founded the opinion website Slon.ru.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مع إحياء الرئيس الأمريكي، جو بايدن فكرة أن روسيا هي قوة متداعية وذات اقتصاد لا ينتج سوى النفط والغاز، ليس على الأمريكيين سوى أن يأملوا في أن رئيسهم، لا يؤمن حقاً بتلك الفكرة. عدم صحة هذه النظرة إلى روسيا، هو نصف المشكلة فقط، إذ عندما يكرر القادة الأمريكيون الحديث عن هذا التصور لروسيا، فإنهم بذلك يثيرون المتاعب، لأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يكره ويحب في الوقت ذاته، أن يُقلل الآخرون من شأنه.

يوم 27 يوليو، قال بايدن عن بوتين:

"عندما كنت مع بوتين، الذي لديه مشكلة حقيقية - فهو - هو يجلس على قمة اقتصاد يمتلك أسلحة نووية وآبار نفط ولا شيء آخر. لا شيء آخر. ووضع اقتصادهم، ماذا يكون؟ ثامن أصغر اقتصاد في العالم الآن - (أقصد) أكبر اقتصاد! هو (بوتين) يعلم أنه واقع في مشكلة حقيقية ما يجعله أكثر خطورة من وجهة نظري".

هناك تاريخ طويل من التصريحات المشابهة من قبل الدوائر السياسة الأمريكية. فقد كان السيناتور الراحل، جون ماكين، يحب أن يطلق على روسيا عبارة "محطة وقود تتنكر بزي دولة". لكن الواقع في الحقيقة، مختلف بشكل مدهش.

تحتل روسيا المرتبة الحادية عشرة كأكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بالدولار، وفقاً لصندوق النقد الدولي، لكنها سادس أكبر اقتصاد إذا احتسبنا حجم القوة الشرائية، أي أنها أصغر قليلاً من اقتصاد ألمانيا. أما أن روسيا هي تاسع أكبر دولة من حيث الكثافة السكانية في العالم، فهذا في الواقع، ليس أمراً سيئاً.

مساهمة القطاع النفطي

أجرت هيئة الإحصاءات الروسية الرسمية "روستات" مؤخراً تقييماً لحصة قطاع النفط والغاز الكاملة من الناتج المحلي الإجمالي الروسي، بما في ذلك مساهماته في القطاعات الأخرى، ووجدت أنها بلغت 15.2% في 2020 مقارنة بـ21.1% في 2018، وهو ما يعادل تقريباً ضعف مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي والبالغة 8%.

لن تكون روسيا قوة تصدير عظمى إذا استبعدنا النفط والغاز (اللذان سيوفران لها على الأرجح، إيرادات موثوقة لفترة طويلة بعد وفاة بوتين البالغ من العمر 68 عاماً)، لكن لديها سوقاً محلية كبيرة بما يكفي لامتلاك واحد من أكبر الاقتصادات في العالم، والأهم من ذلك، أكثرها مرونة.

ينجح مديرو الاقتصاد لدى بوتين في اعتصار مزيد من الأموال من الاقتصاد المحلي، وبنسبة أقل من موارد الطاقة. ولا تزال روسيا تعتمد على النفط والغاز في 27.9% من إيرادات الموازنة الفيدرالية، لكن هذه النسبة تقلصت بحدة في السنوات الماضية، وللمرة الأولى على الإطلاق، تجاوزت الإيرادات المجمعة من ضريبة القيمة المضافة والرسوم وضريبة دخل الشركات، مساهمة الهيدروكربونات في موازنة عام 2020.

بعبارة أخرى، بوتين ليس، بأي مقياس من المقاييس، "في مشكلة حقيقية" بسبب الاقتصاد الروسي الذي يعاني اختلالات وفساد ونمو ضعيف، كما أنه ليس من الواضح أيضاً، لماذا قد يجعله اليأس الاقتصادي المفترض "أكثر خطورة". في الواقع، لقد جعلت الصعوبات من قادة الاتحاد السوفييتي وروسيا، قادة مرنين وليسوا عدوانيين منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي وحتى القرن الجاري.

بالتالي، إذا كان بايدن يقصد ما يقوله، فمعلوماته مضللة بشكل سيئ، كما أن استنتاجاته بليدة بقدر المعلومات التي استوعبها. هذا قد يقود إلى عواقب وخيمة.

لا يتصرف بوتين بلطف أمام الاستخفاف العلني، وهذا ما اكتشفه رئيس بايدن السابق، باراك أوباما، على حساب المصالح الأمريكية. وعندما وصف أوباما روسيا بأنها "قوة إقليمية"، لم يخفِ بوتين شعوره بأن هذا الوصف نوع من "قلة الاحترام".

بعد وقت قصير من استخفاف أوباما، كانت الولايات المتحدة تتعامل مع التدخل الروسي في سوريا، والذي قلب خططها في الشرق الأوسط، وأثبت أن روسيا يمكن أن يمتد نفوذها خارج محيطها المباشر. وإذا اعتقد المرء أن روسيا تدخلت بنجاح في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016، كما يؤمن الديمقراطيون على ما يبدو، فمعنى ذلك أن هذا النفوذ قد يصل إلى البيت الأبيض.

علاوة على ذلك، أثبت بوتين بشكل مقنع أن الاقتصاد الديناميكي والمفتوح الذي ينتج سلعاً استهلاكية رائجة أو برمجيات شهيرة، ليس شرطاً مسبقاً للنفوذ الجيوسياسي، ويعد التصرف بثقل أكبر من الوزن الاقتصادي، أمراً سهلاً نسبياً عندما تكون هناك أموال كافية، يتم توجيهها نحو الأسلحة المبتكرة وخبراء التكنولوجيا اليائسين، وعندما يكون النظام السياسي الاستبدادي قادراً على اتخاذ قرارات سريعة ومدفوعة بأسباب شخصية في أغلب الأحيان.

حافز للانتقام

إن التقليل من شأن لاعب ماهر مثل بوتين، والذي يمتلك دولة ضخمة تحت تصرفه، لا يغضبه فحسب وإنما يحفّزه للانتقام وامتصاص الدماء في كل فرصة. وفي ظل استمرار الوضع الخطير في أوكرانيا، وتراجع التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط والاضطرابات التي تعصف بأغلب أفريقيا، فإن فرص تعزيز روسيا لمصالحها ستفرض نفسها باستمرار، وستكسب روسيا بعض الأشياء - مثل في سوريا وبلا شك في فنزويلا - وستخسر البعض مثل في ليبيا وغرب البلقان، ولكنها دائماً ستمثل تهديداً رئيسياً للمصالح الغربية.

من حسن حظ الولايات المتحدة أن بايدن قد لا يقلل من شأن روسيا بقدر ما حمل الناس على اعتقاده، وبالتأكيد ليس بقدر أوباما.

على سبيل المثال، في بداية قمته مع بوتين في يونيو، وصف بايدن الولايات المتحدة وروسيا بأنهما "قوتان عُظميان" - ولم يذكر أياً من الأمور "الإقليمية"، وفق ما أكده بعض الموالين لبوتين بنبرة الانتصار - لكن بايدن كانت لديه أجندة حينها، وهي أنه لم يرد لتلك القمة فقيرة المحتوى، أن تبدو كارثية بالكامل.

حالياً، كانت لدى بايدن أيضاً أجندة من وراء لتصريحاته المهينة الأخيرة، وهي تفادي انتقاد صفقته مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، والتي سمحت لخط أنابيب الغاز الروسي إلى ألمانيا، "نورد ستريم 2"، بالمضي قدماً، رغم المحاولات الأمريكية السابقة لعرقلته. ويبدو أن الاستهزاء بروسيا، بأسلوب ماكين، قد أنجز المهمة على أكمل وجه، وبقدر ما يستطيع أن يفعل مجرد الكلام - ويبدو أن كلمات "آبار النفط ولا شيء آخر" قد أزاحت صفقة ميركل من عناوين الأخبار.

وإذا فصلنا التصرفات عن الكلمات، فإن اجتماع بايدن مع بوتين سابقاً، وتخفيف الضغوط على "نورد ستريم 2"، ورفض بايدن توجيه لوم مباشر إلى الحكومة الروسية على الهجمات السيبرانية الأحدث على أهداف أمريكية، كلها علامات على أن بايدن يكنّ لبوتين احتراماً أكبر من أوباما، وإن كان ذلك ببساطة، من باب الحذر.

لا يبدو أن كلمات بايدن مدفوعة بالإذلال، وإنما هو يحاول بأقصى جهد أن يثبت أنه سيستجيب لأي تصرفات عدائية من جانب بوتين. مع بوتين، من المفترض أن تكون هذه الاستراتيجية فعالة أكثر من التجاهل. فإذا علم أنه يؤخذ على محمل الجد باعتباره تهديداً، فسيكون أكثر حذراً في اقتناص فرص العدوانية.

واحترام الخصم - حتى إن كان هذا الخصم شخصاً مثل بوتين لا يحترم مبدأ اللعب العادل - يمكن أن يكون سلاحاً أقوى من الاستخفاف.