فضيحة مغادرة ميسي لبرشلونة تكشف عيوب الفرق التي يملكها المشجعون

ليونيل ميسي مرتديا قميص منتخب بلاده الأرجنتين في مباراة ضد نيجيريا. نادي برشلونة أعلن خروج اللاعب النجم من صفوفه
ليونيل ميسي مرتديا قميص منتخب بلاده الأرجنتين في مباراة ضد نيجيريا. نادي برشلونة أعلن خروج اللاعب النجم من صفوفه المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لم يؤشر عجز نادي برشلونة عن إبقاء ليونيل ميسي فقط على مدى سوء إدارة عملاق كرة القدم الإسبانية، بل سلط الضوء أيضاً على عيوب ملكية المشجعين.

أعلن النادي الخميس مغادرة ميسي، النجم الساحر الذي قاد النادي للفوز بعشرة ألقاب في الدوري الإسباني، وأربعة في دوري أبطال أوروبا. لم يكن برشلونة في النهاية قادراً على تحمل راتبه، التي تبلغ وفقاً للصحافة 160 مليون دولار سنوياً، دون كسر لوائح "لا ليغا"، وهو أكبر رابطة كرة قدم في إسبانيا.

حذاء ليونيل ميسي للبيع.. فهل من مشترين؟

ليس نادي برشلونة فقط أغنى فريق في كرة القدم، بل أنه أغنى فريق رياضة على الاطلاق، من حيث الإيرادات على الأقل. أصبح برشلونة عام 2018 أول نادٍ رياضي يحقق أكثر من مليار دولار كإيرادت سنوية، وعلى سبيل المقارنة، حقق فريق "دالاس كاوبويز" الذي ينضوي تحت "الرابطة الوطنية لكرة القدم" الأمريكية مبلغاً ضئيلاً نسبياً يبلغ 800 مليون دولار.

ولكن على النقيض من فريق "دالاس كاوبويز"، يحقق برشلونة أرباحاً ضئيلةً للغاية. حيث سجل خسارة تشغيلية بلغت 100 مليون يورو (118 مليون دولار) في السنة المنتهية في يونيو 2020. حتى بعد تعديل أثر كوفيد-19 على الرياضات الحية، كان الفريق سيحقق ربحاً تشغيلياً قدره 29 مليون يورو فقط، ويتوقع خسائر قدرها 487 مليون يورو هذا العام. تُقدر "فوربس" أن "دالاس كاوبويز" تمتع بأرباح تشغيلية قدرها 280 مليون دولار في 2020.

رواتب تفوق الإيرادات

بالطبع، ثمة أسباب هيكلية تجعل مكاسب كرة القدم الأمريكية أكثر استقراراً وأماناً من كرة القدم، ليس أقلها أن هذه الفرق لا تخاطر أبداً بالهبوط إلى درجة منافسة أقل. لكن سجل برشلونة محزن حتى بالمقارنة مع نظرائه في كرة القدم. إذ قال جوان لابورتا، رئيس النادي، يوم الجمعة أن فاتورة الرواتب تمثل 110% من الإيرادات. سبب ذلك هو نموذج ملكية المشجعين.

نادي "برشلونة" المثقل بالديون يتنفس الصعداء بعد تخفيف شروط المديونية

معظم فرق أوروبا هي شركات لديها مالكيها من القطاع الخاص مع وجود استثناءات. لدى ألمانيا ما يسمى بقاعدة 50 + 1، حيث يجب أن تكون الحصة المسيطرة في معظم أندية الدوري الألماني مملوكة لمنظمات المشجعين، رغم أنه يمكن للمستثمرين من القطاع الخاص امتلاك باقي الأسهم. أما في إسبانيا، يمتلك المشجعون أنجح ناديين وهما برشلونة وريال مدريد بالكامل.

منح هذا الواقع العمالقة الإسبان ميزة مالية على منافسيهم في إنجلترا وإيطاليا خلال التسعينات والعقد الذي تلاها، حيث تمكنوا من تمويل عمليات استحواذ باهظة الثمن للاعبين عبر أكوام كبيرة من الديون لأنهم ليسوا مجبرين على تحقيق أرباح للمساهمين. نشأ نتيجة ذلك طابور من نجوم مثل زين الدين زيدان، ولويس فيغو، وديفيد بيكهام، ورونالدينيو متجهاً إلى شبه الجزيرة الإيبيرية.

لكن وصول أصحاب المليارات مثل رومان أبراموفيتش إلى تشيلسي، و"جهاز قطر للاستثمار" إلى نادي باريس سان جيرمان، والشيخ منصور بن زايد آل نهيان إلى مانشستر سيتي، أعاد ضبط الموازين. أصبح تمويل هذه الأندية لا يأتي عبر الديون فقط، لكن من خلال استثمارات في حصص. لا يمكن للأندية الإسبانية بيع حصة بدون موافقة المشجعين، وهو سيناريو يمكن تصوره لا تحقيقه. لذا كان عليهم التنافس مع أموال الرياضة الجديدة عندما يتعلق الأمر بالتعاقد مع كبار اللاعبين، ولكن دون حيازة نفس القدر من المال.

حل نفَق سريعاً

ترك ذلك ريال وبرشلونة مضطرين لإيجاد طرق مبتكرة للوصول إلى أموال جديدة. كان دوري السوبر الأوروبي الذي تعرض لانتقادات لاذعة أحد الطرق لذلك، حيث أتى اقتراح البطولة المغلقة المستقاة من الرياضة الأمريكية كمشروع مشترك بين الأعضاء. هذا يعني أنهم يمتلكون حصصاً قابلة للتسييل أو لتكون ضامناً لدين للحصول على مال، لكن هذا الدوري مات سريعاً كما يستحق.

برشلونة وريال مدريد.. الديون توحّد الأعداء حول "السوبر الأوروبي"

تقدم الرابطة الإسبانية الآن للفرق الإسبانية فرصة مشابهة. وافقت الرابطة على بيع حصة تداني 10% من مصالحها التجارية إلى شركة الملكية الخاصة العملاقة "سي في سي كابيتال بارتنرز" مقابل نحو 3.2 مليار دولار. بينما كان دوري الدرجة الأولى الإيطالي، والرابطة الاتحادية الألماني رفضا مقترحات مشابهة. قد يحتاج برشلونة على وجه الخصوص لهذه الصفقة أكثر من منافسيه في القارة.

“بي إن" القطرية تدفع 600 مليون دولار لحقوق بث دوري أبطال أوروبا

في النهاية، نظراً لأن نادي برشلونة لم يضطر أبداً إلى تحقيق أرباح للمساهمين، فقد أُدير بهوامش ضيقة للغاية على الدوام. كان يعيد استثمار معظم رأس المال في الفريق طالما أمكنه تغطية التزامات ديونه، وكان ذلك جيداً طالما استمرت الإيرادات بالصعود. لكنه خصص قليلاً من المال ليوم أسود، وكان الفيروس هو ذاك اليوم. تمكنت معظم الأندية من تخطي التراجع، لكن برشلونة لم يستطع ذلك. ريال مدريد ليس في مثل هذا الموقف الصعب، لكنه أيضاً لم يكن مضطراً لتحمل التأثير التضخمي لفاتورة راتب ميسي.

دفع دوري السوبر المشؤوم البعض إلى اقتراح ملكية المشجعين كحل لتفادي تغلغل رأس المال الخاص في الرياضة. لكن تجربة برشلونة تشير إلى نواقص هذا الاقتراح. يبدو النموذج الألماني، بتوازنه بين الملكية الخاصة وملكية المعجبين، أكثر حكمة.

ينذر قرار لابورتا بالتخلي عن ميسي بحدوث تغيير في العقلية. حيث قال الجمعة، إنه لن يدعم بيع حقوق البث المستقبلية للرياضة لتمويل فريق اللعب الحالي. يبدو أن هذا تلميح إلى معارضته صفقة "سي في سي كابيتال بارتنرز" مع الدوري الإسباني. لكن بقدر ما قد يرغب في التوقف عن رهن أرباح النادي المستقبلية من أجل شراء أفضل اللاعبين اليوم، فإن هذا ليس عادةً ما يريد المشجعون سماعه، فهم يريدون شيكات مفتوحة لشراء أفضل اللاعبين، والمشجعون هم من ينتخبون الرئيس.

إذا سادت حكمة الجماهير في المرة القادمة التي ستجري فيها انتخابات الأندية، فليس هناك سبب وجيه كي لا يجد برشلونة نفسه مجدداً في مأزق مشابه للحالي.