هل تأخذ أمريكا دروس التعايش مع "دلتا" من بريطانيا؟

تتجه بريطانيا إلى التعايش مع سلالة "دلتا" المتحورة ولا تعتزم إعادة فرض القيود
تتجه بريطانيا إلى التعايش مع سلالة "دلتا" المتحورة ولا تعتزم إعادة فرض القيود المصدر: غيتي إيميجز
Therese Raphael
Therese Raphael

Therese Raphael is a columnist for Bloomberg Opinion. She was editorial page editor of the Wall Street Journal Europe.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

على امتداد الجزء الأكبر من الجائحة، قدّمت بريطانيا أمثولة تحذيرية حول الأمور التي يتعين تجنبها في مجال إدارة الأزمات.

فقد سجلت البلاد أسوأ معدل وفيات في العالم، فيما تفشى الوباء كالنار في الهشيم في دور الرعاية، وذلك في خضمّ سلسلة من السياسات والسياسات المضادة التي هدّدت بفقدان الثقة الشعبية.

فهل يصحّ أن تصبح بريطانيا اليوم المثال الذي تَحتذيه الولايات المتحدة على صعيد التعايش مع سلالة دلتا المتحورة؟

وبينما ارتفعت معدلات الإصابة بفيروس كورونا في المملكة المتحدة إثر رفع القيود المرتبطة بالوباء في 19 يوليو الماضي، بدأت هذه الأعداد تسجّل تراجعاً منذ نهاية الشهر الماضي، فيما لا تزال نسبة الاستشفاء منخفضة.

وعلى الرغم من أن نسبة الوفيات لا تزال أعلى بواقع 7.2% مقارنة بالمعدل العامّ الذي كان قائماً في السنوات الخمس التي سبقت الوباء، فإن هذه الأرقام الإحصائية قد تتطلب وقتاً أطول حتى تنخفض.

تباين أمريكا وبريطانيا

حتى إن الجو العامّ يختلف بين الولايات المتحدة وبريطانيا، على الأقلّ على صعيد الظروف السائدة في الدولتين.

فلدى زيارتي ثلاث مدن مختلفة على الساحل الشرقي للولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي، لاحظت العودة إلى وضع الأقنعة الطبية في المتاجر والسوبرماركتات بعد تسجيل عدد كبير من الإصابات بين الأشخاص الملقحين في مدينة بروفينستاون، فيما عادت العاصمة واشنطن إلى فرض ارتداء الأقنعة الطبية في الأماكن المغلقة.

وكانت البيانات الجديدة التي أظهرت أن الحِمل الفيروسي لدى الأشخاص الملقحين بالكامل قد يوازي الحمل الفيروسي لدى الأشخاص غير الملقحين، دفعت مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها إلى التراجع عن توصياته السابقة المتعلقة بارتداء الكمامات.

أمّا في لندن، فبات ارتداء الكمامة أمراً اختيارياً، وخفّفت البلاد القيود إلى حد كبير جداً.

أمم أوروبا ترفع الإصابات

بالطبع لا يزال من المبكر الاحتفال بالنتيجة البريطانية. فتراجع عدد الإصابات في المملكة المتحدة قد يكون ناجماً عن توافق العطلة الصيفية مع الطقس الدافئ، مما دفع عدداً أكبر من الأشخاص إلى الالتقاء في الهواء الطلق. كذلك تفيد إحدى النظريات بأن بطولة أمم أوروبا لكرة القدم كانت تسببت في ارتفاع كبير بعدد الإصابات، وعاد هذا العدد لينحسر بعدها.

ربما أيضاً لقيت دعوات الحكومة المتكررة إلى توخي الحذر بعد رفع القيود في 19 يوليو آذاناً صاغية، أو ربما طُلب من عدد كافٍ من الأشخاص عزل أنفسهم بواسطة تطبيق التعقب التابع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، المعروف باسم "pingdemic"، مما أدى إلى إخماد التفشِّي الوبائي طبيعياً.

إلا أن كثيرين لا يزالون يتذكرون كيف أدَّى تخفيف القيود في صيف العام الماضي إلى ارتفاع كبير في الإصابات لاحقاً وازدياد الوفيات وفرض حظر جديد.

لا داعي إلى إعادة القيود

إذا كان هذا الانحسار في عدد الإصابات مصطنَعاً ومؤقتاً، فعلى الأرجح سوف ترتفع أعداد الإصابات بسلالة دلتا المتحورة أو بسلالة متحوة أخرى في الخريف المقبل.

مع ذلك فإن الأدلة القادمة من اسكتلندا ومناطق أخرى، والتي تظهر تدنِّي معدل الاستشفاء والوفيات، تدعم وجهة النظر القائلة إنه لن تكون ضرورة للعودة إلى فرض القيود.

وكانت الحكومة البريطانية أعلنت الأربعاء عن توسيع نطاق حملة التلقيح التي تنفّذها، لتشمل المراهقين بسنّ 16 و17 سنة الذين سيحصلون على الجرعة الأولى من اللقاح على الأقل، ما قد يسهم في الحدّ من انتشار العدوى حين تفتح المدارس أبوابها.

كما أن الحكومة بدت واثقة بما يكفي لتدرج أمس الخميس مزيداً من الدول على القائمة الخضراء التي يُسمح للمسافرين القادمين منها بدخول بريطانيا بلا حجر صحي.

لا شكّ في أن الولايات سوف تراقب الأعداد في بريطانيا من كثب، على الرغم من أنها كانت سبقتها في المبادرة إلى فتح الاقتصاد.

تفشي "دلتا" في أمريكا

إلا أن تفشي سلالة دلتا المتحورة بدأ في أمريكا بعد بريطانيا، وهي تستمر في الانتشار، بالأخص في فلوريدا وتكساس وأركنساس وميسوري.

إذ ارتفعت معدلات الإصابة في الولايات المتحدة سبع مرات في الفترة الممتدة من يونيو حتى نهاية يوليو، وهي اليوم أعلى من الارتفاع الكبير الذي سجلته البلاد في أبريل 2020.

وفيما لا يزال معدل الدخول إلى المستشفيات أقلّ بنسبة 57% من المعدل المسجَّل في يناير، فإنه ارتفع بنسبة 43% منذ أسبوع 19 يوليو، مع العلم أن أغلب مرضى كورونا من غير الملقحين.

وفي فلوريدا، حيث تتوافر اللقاحات على صعيد واسع، تجاوز عدد المرضى في المستشفيات العدد القياسي المُسجَّل عام 2020.

تباين معدلات التطعيم

تواجه جهود احتواء سلالة دلتا المتحورة عديداً من العوائق الإضافية في الولايات المتحدة، ففيما أنجزت بريطانيا تلقيح أكثر من 73% من السكان الراشدين بالكامل، لم تلقّح الولايات المتحدة حتى اليوم إلا 58% من السكان بشكلٍ كامل على الرغم من توافر اللقاحات على نطاق واسع. وقد حقّق الرئيس جو بايدن للتو هدفه القاضي بتلقيح 70% من السكان المؤهلين للحصول على اللقاح بجرعة واحدة على الأقل.

بايدن الذي احتفل بالإعلان الأولي المتعلق بالتخلي عن الكمامات في مايو، وكان على وشك إعلان النصرعلى الفيروس في الرابع من يوليو، يبدو في مزاج متعكر اليوم.

فإلى جانب التردد في تلقي اللقاح، تظهر أيضاً تجمعات كبرى من الأمريكيين غير الملقحين، مما يزيد خطر التفشي الوبائي.

إلى ذلك، على الرغم من الجدل الذي أثير في بريطانيا حول وضع الكمامات وغيره من القيود، فإن الإجراءات الحكومية حظيت بدعم شعبي واسع، حتى بعد أن طال أمد فرض القيود إلى شهر يوليو.

رفض اللقاح

في المقابل، يكتسب النقاش حول الفيروس طابعاً عاطفياً في الولايات المتحدة، فالنموذج الإحصائي الذي أعدّته مجلة الإيكونوميست بالتعاون مع شركة "يوغوف" البحثية بهدف جمع الاستطلاعات الأسبوعية حول اعتزام السكان تلقِّي اللقاح أظهر أن المؤشر الأكبر حول ما إذا تلقى مواطن أمريكي اللقاح أو لم يتلقَّه يتمثل في ما إذا صوت لجو بايدن أو دونالد ترمب. فمؤيدو بايدن أكثر ترجيحاً بـ18 نقطة مئوية لتلقي اللقاح، على الرغم من أن عديداً من القياديين الجمهوريين البارزين أعرب عن دعمه لحملات التلقيح وشجع عليها.

وفي حال فشلت المساعي الإقناعية، التي تضمنت سحوبات لوتو أو اليانصيب ووصلت إلى درجة دفع المال لمن يتلقون اللقاح، فسيُلجأ على الأرجح إلى أكبر قدر ممكن من الإجراءات القسرية التي يجيزها القانون.

ففي نيويورك، أعلن العمدة بيل دي بلاسيو إلزامية تقديم إثبات بتلقي اللقاح من أجل مزاولة عديد من الأنشطة في الأماكن المغلقة.

من ناحيته، فرض الرئيس بايدن على الموظفين كافة والمتعاقدين الفيدراليين، البالغ عددهم نحو 4 ملايين شخص، تقديم إثبات بخضوعهم للقاح، وإلا فسيُضطرّون إلى الخضوع لفحوصات كورونا أسبوعية ولارتداء الكمامات والتزام التباعد الاجتماعي.

مع ذلك، لا أعتقد أن هذه الإجراءات سوف تنفع كثيراً، نظراً إلى النزعة المتجذرة لدى الأمريكيين برفض الأوامر التي تُفرض بالقوة.

وسيتطلب التشجيع على التلقيح تعزيز التواصل مع المجتمعات المحلية من أجل تغيير القناعات السائدة حيال الفيروس.

مثل مباراة أولمبية، تعرف هذه الجائحة كيف تصنع أضحوكة من المرشحين الأوفر حظّاً والساعين لإثبات وجهة نظرهم.

فصحيح أن المملكة المتحدة تعرضت لكثير من الانتكاسات، ولكن ربما بدأت الأمور تنقلب لصالحها حالياً.