"اشتر أمريكا" سياسة حمائية رديئة زادت سوءاً

ستترك عيوب هذه السياسة الاقتصاد الأمريكي يراوح مكانه في القرن العشرين

الصين نفذت مشروعات بنية تحتية ضخمة في العقد الماضي في مجالات الطرق والنقل والمواصلات
الصين نفذت مشروعات بنية تحتية ضخمة في العقد الماضي في مجالات الطرق والنقل والمواصلات المصدر: بلومبرغ
Allison Schrager
Allison Schrager

Allison Schrager is a Bloomberg Opinion columnist. She is a senior fellow at the Manhattan Institute and author of "An Economist Walks Into a Brothel: And Other Unexpected Places to Understand Risk."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يسعى مشروع قانون البنية الأساسية الذي يجوب أرجاء مجلس الشيوخ بصفحات تنيف على 2700 لإقرار إنفاق تريليون دولار. ستروق جوانب عديدة من الخطة لكثرة من الناس، حيث يحب الأمريكيون مشاريع البنية الأساسية. من منّا لا يريد مطارات وطرق وجسور أفضل؟ من منّا لا يريد مياه شرب نظيفة وإنترنت سريع أرخص؟ نظرياً على الأقل، لن يقتصر الأمر على الاستمتاع ببنية أساسية أفضل، بل هو استثمار في مستقبلنا أيضاً من شأنه جعل البلاد أكثر أمناً ومناعةً فيما يتعزز معدل النمو. لكن نصوص نحو 60 صفحة من مشروع القانون الذي يحمل شعار "اصنع في أمريكا، اشتر أمريكا" تبدد كثيراً من المكاسب الاقتصادية المحتملة.

أجهزة كشف السائقين الثملين جزء من مشروع قانون البنية التحتية الأمريكي

اشتراطات برنامج "اشتر أمريكا" قائمة منذ الكساد الكبير وهي في الغالب عنصر مستدام في مشاريع البنية الأساسية بالولايات المتحدة، حيث تشترط أن تعتمد المشاريع التي تمولها الحكومة على مواد ومكونات منتجة محلياً وأن تنجزها شركات أمريكية بعمال أمريكيين.

النسخة الأخيرة مشابهة لسابقاتها وبالتأكيد هنالك صفحات عدة من الاستثناءات مثل أنه يمكن الاعتماد على الصلب المستورد إن كانت تكلفة استخدام الصلب الأمريكي أعلى بنسبة 25%. غير أن هناك ثمنا لتفعيل هذه الاستثناءات، فقد تنضوي على جهود مكلفة وبطيئة وغير قابلة للاستشراف.

تزداد سوءاً

"اشتر أمريكا" كانت سياسةً سيئةً على الدوام، لكن إن كان الهدف تحديث الاقتصاد الأمريكي وقواه العاملة، تكون حالياً أسوأ.

أولا حجم المشروع الحالي هائل، فهو أضخم مشروع للبنية الأساسية منذ أكثر من 70 عاما، وشروط "اشتر أمريكا" ترفع تكلفته وتعقده. ستكلف كل فرصة عمل تأتي عبر اشتراطات "اشتر أمريكا" دافعي الضرائب وفق بعض التقديرات من 250 ألفا إلى مليون دولار، كما أن الوظائف التي سيوفرها المشروع قد لا تستمر إلا لسنوات قليلة، فيما تنتهي أعمال البناء. غالباً ما يكون العمل والمواد المتوافقة مع أحكام البرنامج أقل جودة. كما غالى موردون أمريكيون في الأسعار في بعض الأحيان.

مشاريع الطرق السريعة ليست دائماً مفيدة

ثانيا، العالم تغير منذ نهاية القرن العشرين. أصبح الاقتصاد والصناعة التحويلية أكثر اعتمادا على التقنية الآن وأكثر اندماجا على المستوى العالمي. ترفع سياسة "اشتر أمريكا" تكاليف مشروعات البنية الأساسية على الدوام، غير أنه في خمسينيات وستينيات القرن الماضي كانت لدى أمريكا قاعدة صناعية كبيرة، وكانت البدائل الأجنبية قليلة. لنأخذ القطارات مثلاً؛ سينفق مشروع القانون الحالي 66 مليار دولار على تحديث خدمة السكة الحديد في مجال نقل البضائع والركاب، إضافة إلى 39 مليار دولار للمواصلات العامة سوف تشمل استبدال وتجديد عربات قطار الأنفاق.

تركت الولايات المتحدة عربات القطارات فريسة للإهمال والتلف على مدى سنوات، فيما أصبحت هي لاعباً صغيراً وهامشياً في سوق تصنيع عربات القطار، وفقاً لألون ليفي، زميل معهد مارون التابع لجامعة نيويورك. وجهت دول أخرى كاليابان وبلدان أوروبا اهتماماً أكبر لصناعة القطارات وطورت تكنولوجيا معيارية أفضل. على سبيل المثال، تتيح قطارات الأنفاق لركابها بالسير بين العربات فيما أن صانعي القطارات في الولايات المتحدة بدأوا تواً بتجريب هذه التقنيات. كما يقدر ليفي أن تكلفة القطارات في الولايات المتحدة تزيد بين 35% و60% على منتجات المنافسين الأجانب.

حمائية لا تؤتي ثمارها

يمكننا تبرير الإنفاق على سياسة "اشتر أمريكا" كاستثمار في بناء قاعدة صناعية تتمتع بالتنافسية وتخلق وظائف جيدة على مدى عقود مقبلة. مررنا ببرامج متنوعة تتوافق مع "اشتر أمريكا" على مدى عقود لم تنجح في إنجاز هذه المهمة. أصبحت الصناعة التحويلية في أمريكا جزءاً صغيراً من الاقتصاد لأن سياسة "اشتر أمريكا" في نهاية المطاف لا تكفي لحمايتنا من سوق عالمية متغيرة باستمرار. مهما كانت مشاريع بنيتنا الأساسية طموحة، ستضطر الصناعة الأمريكية في نهاية المطاف للتنافس مع شركات أعلى إنتاجية وجودة تستخدم مدخلات إنتاج أرخص، غالباً ما تكون مستوردة. قد يهدف توفير الدعم وفرض القيود لحماية العمال الأمريكيين من المنافسة، ولكنه أيضا يقضي على حافز الابتكار واستخدام أفضل تكنولوجيا وتوظيف أفضل العمال، حتى لو كانوا أجانب.

مزايا وعيوب الخطة الأمريكية للبنية التحتية

أصبحت الرغبة ببناء القدرات الصناعية لأمريكا ضاغطة أكثر بعد جائحة أفسدت التجارة وأظهرت اعتمادنا على الصين في كثير من المكونات شديدة الأهمية في سلسلة الإمداد. يؤكد مشروع القانون أن إعادة إحياء المزيد من الصناعة التحويلية المحلية يجعل الاقتصاد أكثر قوة وحيوية. يشكل الاعتماد على أي بلد واحد في صناعة المنتجات التي تحتاجها خطراً، لكن ذلك يشمل أيضاً الاعتماد الزائد على بلدك نفسها. حيث إن الإغلاق قد يحدث هنا أيضاً. لا يعني كون سلاسل الإمداد عالمية أنها محدودة ببلد واحد، فالحال المثالي هو أن يكون لنا شبكة متنوعة من الموردين حول العالم. يأتي التكيف نتيجة للتنويع لا المحدودية.

يهدف مشروع البنية الأساسية الحالي لإدخال اقتصاد الولايات المتحدة الى القرن الحادي والعشرين مع بنية أساسية براقة كتلك التي نراها بالخارج. لكن للأسف، ستترك شروط سياسة "اشتر أمريكا" الاقتصاد الأمريكي يراوح مكانه في القرن العشرين.