على مدى سنوات، عانت الحكومة الأمريكية من تتبع الأشخاص المتوفين حيث يتم إرسال ملايين الدولارات إلى حساباتهم عن طريق الخطأ المصدر: بلومبرغ

لماذا ترسل الحكومة الأمريكية ملايين الدولارات إلى الموتى؟

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أرسلت وزارة الخزانة في الولايات المتحدة خلال العام الماضي شيكات بقيمة 1.4 مليار دولار، من أموال حزمة التحفيز الأمريكية لأشخاص متوفين.

وحتى قبل ذلك بوقت طويل؛ فإنَّ الحكومة الأمريكية عانت مراراً في تعقُّب معلومات الأشخاص المتوفين. فعلى مدى خمس سنوات، أرسلت الحكومة الأمريكية نحو 22 مليون دولار من مخصصات دعم المحاصيل إلى مزارعين متوفين. وأرسلت الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ أموالاً من إعانات كارثة إعصار ساندي إلى 45 شخصاً كانوا قد توفوا قبل أن تتسلَّم الوكالة طلبات المساعدة الخاصة بهم. كما دفعت وزارة الزراعة عن طريق الخطأ 35 مليون دولار مساعدات لإيجارات المساكن الريفية لأشخاص لم تكن تعرف إن كانوا قد توفوا أم لا.

هذه الأخطاء، هي ليست بشرية عادة؛ و إنَّما هي نتيجة لمعركة مستمرة منذ عقود، بين كلٍّ من المسؤولين الحكوميين، والمحليين، ومسؤولي الولايات، حول أحقية الوصول إلى سجلات إدارة الضمان الاجتماعي الخاصة بالأمريكيين المتوفين.

هذه المصالح المتضاربة، شكَّلت عقبات خلال العقد الماضي، أمام نجاح أي من محاولات الكونغرس الأمريكي لتغيير وضع أحقية الوصول للسجلات. وذلك حتى أشار تقرير صدر عن جهة رقابية إلى أنَّ أكثر من مليون شيك من أموال حزمة التحفيز، قد صرفت لصالح أشخاص متوفين، مسلِّطاً الضوء على المشكلة من جديد.

عن ذلك، يقول السيناتور توم كاربر، وهو ديمقراطي من ولاية ديلاوير: "أي شخص عادي يفكر في الأمر، سيقول: هل فقدوا عقولهم؟". وكان كاربر قد اقترح 3 مشاريع قوانين خلال حياته المهنية، تتعلَّق بموضوع مدفوعات المتوفين.

أحقية الوصول للبيانات

من جهته، وجد مكتب محاسبة الحكومة الأمريكية أنَّ دائرة الإيرادات الداخلية (الضرائب الأمريكية)، ومكتب الخدمات المالية التابع لوزارة الخزانة أرسلا أموال التحفيز إلى الأشخاص المتوفين بسبب الاعتقاد بأنَّه يتعيَّن إرسال الشيكات بسرعة إلى جميع الأمريكيين الذين قدَّموا إقراراتهم الضريبية في سنوات معينة، وليس لأنَّ محصلي الضرائب لم يتمكَّنوا من معرفة هوية الأشخاص المتوفين. (تتمتَّع دائرة الإيرادات الداخلية بإمكانية الوصول إلى سجلات الوفيات الكاملة للضمان الاجتماعي، لكنَّ مكتب الخدمات المالية لا يتمتَّع بهذه الإمكانية، على الرغم من أنَّهما جزء من وزارة الخزانة).

لكن هذا الوضع، دفع أعضاء الكونغرس لتنفيذ التوصيات التي وضعتها الجهات الرقابية على رأس قائمتها، وذلك بهدف تحسين الاستجابة الفيدرالية لفيروس كورونا، وتمَّ توجيه مكتب الخدمات المالية، للتحقق من سجلات الوفيات للولايات في إدارة الضمان الاجتماعي قبل دفع وإرسال الأموال من الوكالات المختلفة، لكنَّ المسؤولين قالوا، إنهم لا يستطيعون المضي قدماً بذلك دون تغيير القانون الحالي.

قوانين مُعقدة

على مدى سنوات، مارست الولايات ضغوطاً ضد إتاحة سجلاتها لجميع الوكالات، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنَّها تموِّل عملية حفظ السجلات الخاصة بها، عن طريق بيع معلومات المتوفين إلى إدارة الضمان الاجتماعي، وهي تريد أن تستطيع فعل ذلك أيضاً مع الوكالات الفيدرالية الأخرى، لتحصل على الأموال. ووفقاً لمتحدِّث من الوكالة؛ فإنَّ ما يقرب من ربع سجلات الوفيات في الضمان الاجتماعي، مصدرها سجلات الولايات.

بموجب القانون العام (116-260) الذي وقَّعه الرئيس السابق دونالد ترمب في شهر ديسمبر الماضي، فإنَّه يتعيّن على إدارة الضمان الاجتماعي، إعادة تقدير المبالغ التي تدفعها للولايات مقابل بيانات المتوفين، ويتعيّن على الوكالات الأخرى التي تستخدم هذه المعلومات تحمُّل بعض التكاليف. وسيستغرق الأمر حتى عام 2023، حتى يصبح بإمكان مكتب الخدمات المالية التحقق من سجلات الوفيات، قبل إرسال الشيكات إلى الأمريكيين، في حين ما يزال توزيع أموال التحفيز مستمراً.

اعتباراً من 30 إبريل الماضي، تمكَّنت الضرائب الأمريكية، من استرداد نحو 57% من قيمة الـ 1.2 مليار دولار، من الشيكات المرسلة إلى الأشخاص المتوفين ضمن الدفعة الأولى من حزمة التحفيز، وفقاً لمكتب المحاسبة الحكومي. لكنَّها قرَّرت التخلي عن الأمر عقب ذلك، بسبب عدم جدواه من جانبي النفقات والوقت.

على أمريكا البناء للمستقبل بدلاً من عيش اللحظة الراهنة

ترامب على خطأ بشأن دور الكونغرس في طلب إقراراته الضريبة

نموذج عتيق

من جهتها، تعرف إدارة الضمان الاجتماعي الأمريكية عن كبار السن في أمريكا، والوقت الذي يتوفون فيه أكثر مما تعرفه شريحة واسعة من الوكالات الفيدرالية الأخرى في البلاد. ومع ذلك، فهي لا تشارك سجلات الوفاة البالغ عددها 2.9 مليون، التي تجمعها سنوياً مع زملائها في جميع أنحاء الحكومة؛.ويرجع ذلك إلى كيفية تفسيرها لقانون صدر منذ عدة عقود طويلة.

يسمح ذلك القانون للضمان الاجتماعي، بجمع سجلات الوفيات من الولايات الأمريكية، كوسيلة لتسريع معرفة الإدارة بوفاة الأشخاص. وهناك حوافز مالية تشجِّع الولايات على تقديم بيانات الوفيات في غضون أيام. إذ تساعد عملية حفظ سجل الوفيات إدارة الضمان الاجتماعي على توفير 50​​ مليون دولار شهرياً من الشيكات الخاطئة المرسلة للمتوفين، وفقاً لشهادة مسؤول في الإدارة.

وتعليقاً على ذلك، تقول جانيت وايس، باحثة الإدارة العامة في "جامعة ميشيغان":

إذا أرسلت إعانات إلى حسابات أشخاص متوفين، فسيكون من السيِّئ أن تمرَّ ستة أشهر، قبل أن تدرك الأمر.

لكن يمكن لإدارة الضمان الاجتماعي أن تشارك سجلات الوفيات من الولايات مع الجهات الفيدرالية التي تدفع إعانات للأمريكيين فقط، مثل خدمات مراكز "ميديكير"، و"ميديك ايد"، ووزارة الزراعة، التي تستخدم البيانات لتساعدها في وقف المدفوعات للمزارعين المتوفين. في حين يتمُّ حظر الوكالات الأخرى من الوصول إلى السجلات الحكومية، وعليها أن تستخدم سجلات الوفيات غير المكتملة، التي تجمعها إدارة الضمان الاجتماعي من مصادر أخرى، مثل أفراد الأسر، ودور الجنازات.

وعلى الأقل منذ عام 2016، تطالب إدارة الضمان الاجتماعي الكونغرس بتغيير هذه القواعد. لكن مثل هذا التحوُّل قد يهدد مستقبل جهات حفظ السجلات الحكومية، التي مايزال نموذج إيراداتها يعتمد غالباً على بيع المعلومات التي تخصُّ هويات المتوفين. ويقول متحدِّث باسم الوكالة، إنَّ إدارة الضمان الاجتماعي، تدفع للولايات حوالي 9 ملايين دولار سنوياً لاستخدام سجلاتها للوفيات.

تقول شونا ويبستر، المديرة التنفيذية للجمعية الوطنية للإحصاءات الصحة العامة، وأنظمة المعلومات، إنَّ الولايات في أمريكا تكسب 3.84 دولاراً عن كلِّ سجل بالحد الأقصى، على الرغم من أنَّ تكلفة عرض أحد هذه السجلات للجمهور يمكن أن تصل إلى 34 دولاراً. وتضيف ويبستر: "إنَّه نموذج عفا عليه الزمن، ويجب أن يتغيّر بالنظر إلى الدور المهم للسجلات المرنة.. لكنْ هذا مستبعد الحدوث".

بعد سنوات

من جهته، يتفحَّص مكتب الخدمات المالية الإعانات الحكومية، للتحقق فيما إذا كان المتلقي لديه أي خصائص تجعله غير مؤهل لها، مثل أن يكون جزءاً من مجموعة خاضعة للعقوبات، أو مديناً بأموال كثيرة لوكالة ما.

بدءاً من عام 2023، سيصبح بإمكان مكتب الخدمات المالية الاطلاع على سجلات الوفيات من الولايات، لكن سيستمر بذلك حتى عام 2026 فقط، إذ يتعيّن على الكونغرس حينها أن يقرر ما إذا كان بإمكان المكتب مواصلة فعل ذلك أو لا. في هذه الأثناء سيدرس خبراء الإدارة العامة القضية، و هذا جزء من حلٍّ وسطيٍّ تمَّ التوصل إليه من قبل المسؤولين الفيدراليين، والمحليين، ومسؤولي الولايات، في ديسمبر الماضي.

ووفقاً للمفتش العام في إدارة الضمان الاجتماعي؛ فإنَّ سجلات الوفيات هذه التي يتجادل الجميع حولها، هي أبعد ما تكون عن الكمال. ففي ولاية إنديانا، حيث تقديم التقارير الإلكترونية عن الوفيات يعدُّ أمر إلزامياً، سجَّل المسؤولون فيها ما معدله 92% من الوفيات بشكل صحيح، بين السنوات المالية الممتدة بين عامي 2012 و2014. لكن في ولاية ميشيغان، حيث لم يكن ذلك إلزامياً، سجَّل المسؤولون 31% من الوفيات بشكل صحيح في المتوسط، خلال الفترة الزمنية ذاتها.

كذلك، يُعيد تغيير القانون تصوُّر دور إدارة الضمان الاجتماعي ضمن الحكومة الفيدرالية، إذ تتمثَّل مهمة الوكالة بشكل أساسي، بأن توفِّر شبكة أمان لكبار السن، والأمريكيين من ذوي الإعاقة، وآخرين. ولكن ليس من الضروري لها، وفي أسوأ حال، أن تكون بنك معلومات للحكومة الفيدرالية بأكملها.

في الختام، تضيف وايس من "جامعة ميشيغان": "إذا قيل للوكالة: يجب عليكم أن تكونوا مصدراً للمعلومات داخل الحكومة لبيانات الوفيات كافةً، سيكون ردّهم: حسناً، هذا ليس ما تمَّ تهيئتنا لفعله بالضبط".