الأثرياء يشعلون موجة "هوَس عقاري" في سنغافورة خوفاً من التضخم

منظر من منزل له واجهة على البحر بحي نورث كوف بمنطقة "سنتوسا كوف" في سنغافورة
منظر من منزل له واجهة على البحر بحي نورث كوف بمنطقة "سنتوسا كوف" في سنغافورة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في حي خاص مظلل بأشجار المطر بسنغافورة، دفع ملياردير بقطاع التكنولوجيا المحلي 95 مليون دولار ثمنا لقصر. وبالقرب من منطقة تسوق راقية، أنفقت عائلة تايوانية لديها إمبراطورية بمجال البقالة 216 مليون دولار على جميع الوحدات لتطوير عمارة سكنية.

هذا هو نوع المال الذي يتدفق حول سوق العقارات السكنية في سنغافورة خلال العام الجاري. على وجه الدقة، فقد جرى إنفاق 32.9 مليار دولار سنغافوري (24 مليار دولار أمريكي) في النصف الأول وحده من العام الجاري في السوق - وهي أكبر حالة هوس في المدينة منذ أكثر منذ عقد، وتمثل ضعف ما جرى تسجيله في مانهاتن خلال نفس الأشهر الستة.

في ظل وجود التضخم بأذهان العديد من الأشخاص، فإن شديدي الثراء يكدسون الأموال في العقارات الفاخرة في جميع أنحاء العالم، وفي أماكن قليلة يكون الاتجاه واضحا كما هو الحال في سنغافورة. قفزت أسعار المساكن في المدينة بنسبة قياسية بلغت 4.1% في النصف الأول، حيث يسعى كبار رجال الأعمال في جميع أنحاء آسيا إلى ملاذ آمن، ويحوّل بعضهم الأموال من الاقتصادات التي ضربها وباء فيروس كورونا أو الاضطرابات السياسية، كما في حالة هونغ كونغ.

اقرأ أيضا: فقاعة العقارات العالمية تُطل برأسها مجدداً وتضع البنوك المركزية في مأزق

قال نيكولاس ماك، رئيس قسم الأبحاث والاستشارات في وحدة "إي أر أيه" التابعة لشركة أيه بي أيه سي ريالتي" (APAC Realty Ltd): "يذكرنا الازدهار في سنغافورة بعام 2007، عندما جذب الأجانب الأثرياء البريق الذي تمثل في اثنين من المنتجعات والكازينوهات الواعدة، وهو الازدهار الذي أخمدته الأزمة المالية العالمية، والقيود المفروضة على الممتلكات. تابع: "الاختلاف الآن هو أن هناك عددا أكبر من الأثرياء الجدد، وخاصة من الصين والهند".

شراء محموم

عندما كشفت شركة "شون تاك هولدينغز" (Shun Tak Holdings) المدرجة في بورصة هونغ كونغ النقاب عن أول مشروع سكني لها، لم يكن مجمع "بارك نوفا" السكني مجرد عرض لـ 54 شقة فاخرة. لقد كان عرضا لثروة المشترين، حيث وصلت سيارات "رولز رويس كولينان" و"فيراري" إلى الموقع، على بعد 10 دقائق سيرا على الأقدام من شارع "أورشارد رود" الشهير للتسوق في سنغافورة.

قال دومينيك لي، رئيس فريق الإسكان الفاخر في شركة "بروبنيكس ريالتي" (PropNex Realty) ومقرها في سنغافورة: "لم أر هذا العدد الكبير من السيارات الفاخرة في أي وقت.. إذا كنت تقود سيارة بي أم دبليو اليوم، فسوف تشعر بالاكتئاب".

تم شراء جميع شقق الطابق الأخير "بنتهاوس" الثلاثة، حيث وصلت أسعارها إلى 34.4 مليون دولار سنغافوري. بالنسبة للأشخاص الأثرياء، لا تعد هذه الأسعار مصدر قلق لهم، فوفقا لـ"لي": "إذا كانت عملية شراء جيدة، فإنهم يريدون ذلك"، مضيفا أن المشترين كانوا محليين وأجانب.

ارتفعت مبيعات المنازل الكبيرة ذات الطابق الواحد أو الطابقين- التي تعادل القصور وأفضل المساكن - بنسبة 83% إلى أكثر من 1.5 مليار دولار سنغافوري في النصف الأول، مقارنة مع عام سابق، وهو ما يعد أعلى بنسبة 79% من مبيعات ما قبل الجائحة في عام 2019.

في منطقة "سينتوسا كوف" المرموقة بالمدينة، حيث المنازل الضخمة المطلة على الواجهة البحرية، وتضم أرصفة خاصة لليخوت، تضاعفت الصفقات ثلاث مرات لتصل إلى 190.7 مليون دولار سنغافوري في النصف الأول، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقا لبيانات من موقع "ليست سوثبيز إنترناشونال ريالتي" (List Sotheby’s International Realty).

اقرأ أيضا: أوروغواي.. الجنّة العقارية الجديدة لأمريكا الجنوبية

قال لويس تشا، المدير التنفيذي في شركة "سوثبيز إنترناشونال ريالتي"(Sotheby’s International Realty)، إن الأسعار في الحي - المنطقة الوحيدة التي يُسمح فيها للأجانب بشراء منازل كبيرة فاخرة مكونة من طابق واحد أو طابقين - قفزت أيضا بنسبة 7% العام الماضي، مدفوعة بشكل أساسي باهتمام قادم من الصين.

وأضاف "تشا": "قرر بعض المشترين الخروج من شققهم المؤجرة للحصول على منزل أكثر ديمومة، بينما قرر البعض الآخر أن سنغافورة هي ملاذ آمن لتخزين أموالهم مؤقتا".

سرية المشترين

وعلى غرار لندن، فإن هناك عاملا آخر يجذب المشترين الأجانب الأثرياء إلى سنغافورة ألا وهو الخصوصية.

يستخدم المشترون صناديق الاستثمار الائتمانية لإخفاء هوياتهم عن الجمهور وحتى عن الحكومة. وعلى سبيل المثال، يمكن للبنوك تسجيل نفسها كمالك قانوني نيابة عن الأفراد، وهو أمر يزيد من صعوبة عبء المطورين لفحص المشترين المحتملين فيما يتعلق بمخاطر غسل الأموال.

قال متحدث باسم هيئة إعادة التطوير الحضري في رد على استفسار من "بلومبرغ" إن سنغافورة تراجع القوانين الحالية لزيادة تعزيز متطلبات المطورين للحماية من أنشطة غسيل الأموال في بيع وشراء العقارات الخاصة غير المكتملة.

اقرأ أيضا: سوق المنازل السويسرية مرشحّة لتصبح فقاعة عقارية

عززت الأسعار المرتفعة التكهنات بأن السلطات قد تفرض قيودا لتهدئة السوق، وهو ما حدث آخر مرة في عام 2018. وقد جرى تهدئة هذه المخاوف عندما قال البنك المركزي إن حركة سوق العقارات لم تكن "محمومة"، مما يشير إلى أن الحكومة لن تتخذ خطوات في أي وقت قريب.

لا يزال لدى المسؤولين أسباب وجيهة ليكونوا يقظين، ويتطلع المزيد من الأشخاص إلى الارتقاء من الوحدات العامة إلى الوحدات الخاصة لإثبات أنهم يتقدمون في سلم التنقل الاجتماعي. إذا ارتفعت الأسعار فوق قدرات هؤلاء المشترين، فقد يصبح ذلك اختبارا سياسيا لحزب العمل الشعبي الحاكم، الذي يخضع بالفعل للتدقيق بعد أن عانى من أسوأ نتائجه البرلمانية في يوليو الماضي.

قال رافي مينون، العضو المنتدب لسلطة النقد في سنغافورة، في شهر يونيو الماضي، إن الاختلاف الممتد بين الأسعار والدخل غير مستدام وغير مرغوب فيه.

وقالت نيديا نجيو، المديرة الأولى في شركة "باور غروب أشيا" (BowerGroupAsia)، وهي شركة استشارية للسياسات الاستراتيجية، ومقرها سنغافورة: "إذا لم يجر حلها، فقد يؤدي ذلك إلى أسئلة حول فجوة أكبر في عدم المساواة وما تتطلع الحكومة لعمله للحد منها".

ومع ذلك، باستثناء أي صدمات في السوق مثل القيود العقارية، من المتوقع أن يستمر هوس الإسكان في سنغافورة. وقال آلان تشيونغ، المدير التنفيذي للأبحاث في شركة "سافيلاس" (Savills Plc): "يبدو أن السوق تسير على غرار مغامرة فيلم "بوسيدون"، حيث يبحر في موجة تسونامي". لقد تبين أن كارثة تسونامي كانت هي السيولة التي تبقي السوق واقفة على قدميها، "وبالتالي، بدلا من الانقلاب في البحر، يمكن للحزب أن يستمر".