هل ستأتي الأزمة المالية القادمة من قطاع التمويل عبر الإنترنت؟

التكنولوجيا تدعم بقوة الشمول المالي لكن هناك مخاوف من أن يؤدي عالم التمويل الجديد على الإنترنت لانهيار النظام المالي
التكنولوجيا تدعم بقوة الشمول المالي لكن هناك مخاوف من أن يؤدي عالم التمويل الجديد على الإنترنت لانهيار النظام المالي المصدر: بلومبرغ
Andy Mukherjee
Andy Mukherjee

Andy Mukherjee is a Bloomberg Opinion columnist covering industrial companies and financial services. He previously was a columnist for Reuters Breakingviews. He has also worked for the Straits Times, ET NOW and Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لماذا ينبغي على الأجهزة الرقابية في القطاع المصرفي أن تهتم بسلوك المستهلكين عبر الإنترنت؟

تكمن الإجابة، كما يحذِّر الباحثون منذ وقت طويل، في "الحلقة التكرارية" (DNA)– أي البيانات والشبكة والنشاط.

وهي دائرة قوية يجب أن تكون الجهات الرقابية قادرة على اختراقها متى أرادت بهدف وقف الأزمة المالية التالية في الوقت المناسب.

ربما تأتي البيانات الأصلية المتعلقة بالمستهلكين من التجارة الإلكترونية، أو شبكات التواصل الاجتماعي، أو محركات البحث على الإنترنت، دون أن يكون لذلك أي علاقة بالنقود.

غير أنه مع نجاح الشبكة وتوسعها المستمر، يصبح التنقيب عن المعلومات سهلاً بهدف معرفة سلوك المستخدمين في رد الالتزامات، وتأسيس مؤسسات إقراض تستفيد من هذه المعلومات.

كما أن نشاط المستخدمين على منصات المدفوعات والقروض يوفر مزيداً من المعلومات والبيانات.

الشمول المالي

كما أوضح اقتصاديون لدى بنك التسويات الدولية في وقت سابق أن نموذج تقييم الجدارة الائتمانية القائم على نظام تعلم الآلة لدى منصة "ميركادوليبر" للتجارة عبر الإنترنت في أمريكا اللاتينية يتفوق على ما تستطيع مكاتب الاستعلام الائتماني أن تقدمه من معلومات لبنك تقليدي حول الجدارة الائتمانية للمقترضين في الأرجنتين. كل ذلك يصنع العجائب في تحقيق الشمول المالي، خاصة بالنسبة للشركات الصغيرة التي لا تمتلك سجلات ضريبية ولا دلائل رسمية أخرى توضح قدرتها على الوفاء بالتزاماتها.

اكتشاف المخاطر مبكراً

لكن اتساع حلقة البيانات والشبكة والنشاط (DNA Loop) يعني توافر القدرة بنيوياً لتجنب المنافسة من لاعبين آخرين لا يملكون نفس المنصات التكنولوجية.

وبفضل سيطرة منصتي المدفوعات عبر الموبايل "علي باي" و"ويتشات باي" على 94% من السوق في الصين، استطاعت بكين أن ترى الخطر أولاً واتخذت إجراءاتها. وربما تضطر الدول الأخرى قريباً أن تنتهج نفس الطريقة.

من الألعاب عبر الإنترنت إلى خدمات النقل الذكي والتدريس خارج المدرسة، تمكنت الصين من فرض إجراءات صارمة لتنظيم كثير من شركات القطاع الخاص الناجحة التي يسهل غياب أي معلومات عن بدايتها: مع تمكنها من إفشال خطة طرح أولي بقيمة 35 مليار دولار هي الأكبر في التاريخ لشركة "آنت" جروب في اللحظة الأخيرة.

إعادة هيكلة "آنت"

تضمنت عملية إعادة هيكلة الشركة المالية العملاقة المملوكة للملياردير جاك ما -والتي أمر بتنفيذها البنك المركزي في الصين بعد إفشال طرحها بالبورصة- فصل وحدتين تابعتين لها للإقراض الاستهلاكي هما "هو باي" و"جي باي" من شبكة "علي باي" واسعة الانتشار التابعة لها للمدفوعات عبر الانترنت.

وبعد إعادة تنظيمها في شكل وحدة لتقديم التمويل الاستهلاكي التي وافقت عليها الجهات الرقابية والإشرافية منذ شهرين، أصبحت قدرة الشركة على الإقراض من مالها الخاص أو بالتعاون مع البنوك منظمة ومحددة بصرامة وفق معيار رأس المال.

إن الحكمة وراء هذه الخطوة سوف تدركها وتعترف بها الجهات الرقابية الأخرى في نهاية المطاف، رغم أن الكثير منها يدركونها حالياً بأثر رجعي.

إحكام رقابة البنوك المركزية

إن القواعد المصرفية المفتوحة في الاتحاد الأوروبي تجبر البنوك على مشاركة بيانات المدفوعات مع قطاع التكنولوجيا، لكن القانون العام لحماية البيانات يعرقل انتقالها في الاتجاه الآخر.

من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى البنك المركزي الأوروبي، سوف يكون على الجهات الرقابية والإشرافية أن تتعامل مع منصات التمويل الاستهلاكي عبر الإنترنت كمؤسسات مالية مهمة وأن تصر – كما فعلت الصين – على هيكلتها بحيث تكون الشركة القابضة لديها رأس مال كاف وكذلك الوحدات التابعة لها.

بالنسبة لبكين، تمتد جهودها لكبح تمدد أذرع شركات التكنولوجيا في مجال التمويل إلى أبعد من شركات الإقراض وحدها.

صندوق "يو إي باو" التابع لشركة "آنت جروب"، الذي كان ذات يوم أكبر صندوق نقدي في العالم، انكمش بنحو 20% تقريباً خلال الفصل المنتهي في يونيو الماضي.

العملات المستقرة

بنوك مركزية أخرى سيكون عليها أن تتعامل مع تحديات شبيهة جداً من العملة الرقمية المستقرة، وهي عبارة عن رموز تعتمد على البلوكتشين تحاكي قيمة العملة الورقية الإلزامية.

فإذا أطلقت عملة "ديم" الرقمية المدعومة من "فيسبوك"، والتي كانت تعرف سابقاً باسم "ليبرا"، يمكن أن تتحول العملات التي يُصدرها القطاع الخاص من أصل إضافي ثانوي يخص مجتمع العملات المشفرة إلى مستودع لثروة المستهلكين "كبير جداً بما لا يسمح بانهياره".

بدون الرقابة والإشراف الجيد، سيكون دائماً عند مصدري العملات المسقرة حافز لزيادة أرباحهم عبر تخزين الأموال في أصول خطرة، والتي قد يصعب تسييلها في حالة انسحاب مفاجئ وكبير من العملة واصطفاف المستخدمين لتسييل محافظهم منها. وحسب مدى انتشار هذه العملات في تلك اللحظة، ربما تؤدي هذه الهزات إلى أي شيء، من التذبذبات العادية في بعض أسواق الأصول إلى زلزال مالي كامل وعنيف.

تهديد النقود التقليدية

طبيعة النقود نفسها باعتبارها السلعة العامة يمكن أن تتعرض للخطر إذا كونت العملات المستقرة مع الابتكارات الرقمية الأخرى حلقات تكرارية مغلقة يدعمها تأثير الشبكات من البيانات القادمة من شبكات التواصل الاجتماعي أو التجارة الإلكترونية، كما يلاحظ المدير العام لبنك التسويات الدولية أوجستين كارستن وزملاؤه في ورقة صدرت هذا الأسبوع بعنوان "مراقبة وتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى في قطاع المال".

إحدى طرق مواجهة هذا الخطر هي أن تدخل البنوك المركزية المنافسة مع القطاع الخاص عبر إصدار عملات رقمية تابعة لها.

وهذا أحد الدوافع القوية وراء مبادرة بكين بمشروع إصدار البنك المركزي لعملة افتراضية "اليوان الرقمي".

غير أنه يجب أن يصاحب ذلك كخط دفاعي إضافي عملية التنظيم والرقابة على قطاع التكنولوجيا.

إن بيانات وشبكة ونشاط الأبناء الجدد ككل هي ما تحتاج الجهات الرقابية والإشرافية إلى متابعته، لا مجرد الهجمات المالية المنفردة.