لماذا لا نتحوّل إلى لحوم المختبرات طالما أنها أكثر صحة ونظافة؟

المصدر: غيتي إيمجز
Amanda Little
Amanda Little

Amanda Little is a professor of journalism and science writing at Vanderbilt University. She is the author of a Bloomberg Opinion series on the fate of food after Covid-19 as well as the book "The Fate of Food: What We'll Eat in a Bigger, Hotter, Smarter World."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تتزايد الأدلة حول حاجة قطاع اللحوم العالمي، الذي يرزح تحت الكثير من الضغوط، إلى نموذج عمل جديد بالكامل. فمن ارتفاع أسعار اللحم البقري، وحتى سحب منتجات بسبب موجة جديدة من بكتيريا "إي كولاي" (الإشريكية القولونية)، بالإضافة إلى تفشٍ وبائي آخر لإنفلونزا الخنازير، بات من الضروري إصلاح هذا الجزء من إمدادات الغذاء في عالمنا، وإعادة رسم تصوّر جديد له، قبل أن يصبح هذا القطاع حتى، أقل جدارة بالثقة، وتزداد تكلفته البيئية بشكل أكبر.

وفيما استحوذت البدائل النباتية على حصة أوسع من السوق خلال العام الماضي، إلا أن اللحوم، وثمار البحر المُصنعة، بحاجة إلى مُنقذ أكثر جدارة من مجرد "شطيرة برغر نباتية"، أو بديل السمك (توناتو)، وهي منتجات تحاول محاكاة نكهة وقوام اللحوم الحقيقية. ومن بين المرشحين الأوفر حظاً لإنقاذ القطاع، يبرز اللحم المصنّع في المختبرات، والذي يُطلق عليه أيضاً "اللحم المزروع"، أو اللحم المنتج من "الزراعة الخلوية"، وهو يتمتع بالإمكانات اللازمة لأن يصبح مصدراً بروتينياً للبشرية، يتحلى بصفات أكثر إنسانية، وصداقة للبيئة.

وعلى الرغم من أن هذه اللحوم المصنعة تنمو في أنابيب المختبر، إلا أنها لا تختلف عن المنتجات الحيوانية على المستوى الخلوي. كما أنها تحمل القيم الغذائية ذاتها، ولكن مع فارق أنها لا تحمل العبء البيئي والأخلاقي ذاته، الناجم عن تربية الحيوانات لقتلها، وأكلها.

لكن، لكي يحقق اللحم المصنّع مخبرياً النجاح على أرض الواقع، لا بدّ أن يتجاوز عائقين رئيسين، هما: السعر، وشكوك المستهلكين.

لحوم أكثر كفاءة

حقق روّاد هذا القطاع تقدماً استثنائياً خلال السنوات القليلة الماضية، في جعل التقنية الخاصة بتطوير هذا النوع من اللحوم أمراً قابلاً للتطبيق. وفيما ترتفع أسعار اللحوم البقرية، بدأت التكلفة الإنتاجية لصناعة اللحوم في المختبرات تنخفض، كما إن عملية تصنيعها تُعدّ أكثر كفاءة من تربية الماشية.

فعلى سبيل المثال، يمكن إعداد اللحم في المختبر، وتجهيزه للطرح في الأسواق، في غضون ثلاثة أسابيع فقط، فيما تستغرق تربية عجل للذبح ما بين 18 إلى 24 أسبوعاً. كما يمكن تشييد هذه المختبرات قرب التجمعات السكانية، ما يسهم في تركيز الإمدادات محلياً، ويحدّ من خطر تعرض سلاسل الإمداد للعراقيل.

ينمو قطاع اللحوم المصنّعة في المختبرات اليوم بشكل سريع، حيث ارتفع حجم الاستثمارات في هذا القطاع الجديد عالمياً، بواقع ستة أضعاف، ليصل إلى 3.2 مليار دولار، في عام 2020. كما زاد عدد الشركات الناشئة الناشطة في القطاع، من نحو 10 شركات حول العالم في عام 2017، إلى أكثر من 100 شركة حالياً، جاذبة مستثمرين بدءاً من طراز بيل غيتس، وحتى شركة "تايسون فودز"فيما الدفعة الأولى من المنتجات المصنعة في المختبرات، قد تُطرح في الأسواق الأمريكية بحلول بداية العام المقبل.

على الرغم من ارتفاع أسعار هذه اللحوم المصنعة بشكل كبير، إلا أنها من المرجح أن تنخفض مع زيادة حجم الإنتاج. بالتالي، يبقى الأمر الأساسي الذي يعوّل عليه للنجاح على المدى الطويل، هو تسويقها بالشكل الصحيح. فثقة المستهلكين بلحوم المختبرات، وإقبالهم عليها، يتعلقان بمدى وضع روّاد هذا القطاع لاستراتيجيات تواصل فعّالة منذ البداية. في الوقت الحالي، لا تزال فكرة "لحوم المختبر" غير مفهومة تماماً لدى معظم الناس، كما أن وقع اسمها يجعلها أبعد ما تكون عن الفكرة المثيرة للشهية.

يجب على الصناعة التوافق على تسمية أكثر اتساقاً، لتكون ذات وقع يفتح الشهية لتجربتها حالياً، تطلق بعض الشركات على منتجاتها تسمية لحوم "مزروعة"، أو لحوم ذات "أساس خلوي"، فيما تستخدم شركات أخرى مصطلحات مثل "لحوم بدون قتل". وفي هذا الإطار، على رواد الصناعة الابتعاد عن كل هذه التسميات والتوجه نحو اسم أكثر بساطة، كــ"اللحم النظيف" على سبيل المثال.

فبعد أن اكتسبت "الطاقة النظيفة" ثقة المستهلكين، يمكن اعتبار اللحوم المصنعة في المختبرات، مرادفاً لها على صعيد مصادر البروتين. وفي غضون ذلك، لا تزال تقديرات المنافع البيئية للحم النظيف تتضارب أحياناً، حيث تبقى أمور عديدة غير واضحة (الطلب على الطاقة في القطاع، على سبيل المثال، سوف يرتفع مع توسع الإنتاج).

إلا أن دراسة نشرت في "دورية العلوم البيئية والتكنولوجيا"، وجدت أن اللحم المصنع مخبرياً، يستهلك طاقة أقل بنسبة 40%، وأراض أقل بنسبة 99%، ويسهم بانبعاثات كربون أقل بنسبة 85%، ويستهلك كميات أقل من المياه بنسبة 90%، مقارنة مع مزارع تربية الماشية التقليدية في أوروبا.

لحوم أكثر نظافة

كذلك، فإن اللحم المصنع مخبرياً أكثر نظافة على صعيد صحة البشر أيضاً. فهو يخلو من التلوث البكتيري مثل بكتيريا "إي كولاي"، ومن بقايا البراز التي تمتزج في كثير من الأحيان مع اللحوم في المسالخ. كما إنه يحوي على الأرجح، مستويات أقل من الكوليسترول، والدهون المشبعة، حيث يمكن التحكم بهذه المعدلات خلال عملية تصنيع اللحم في المختبر.

كلما زاد فهم المستهلكين للعملية الإنتاجية وراء اللحم النظيف، زادت ثقتهم بهذه المنتجات. وقد اكتشف العلماء طرقاً لتصنيع أنواع البروتينات كافة، من الدجاج، إلى سمك الجراج أصفر الذيل، وحتى لحم الـ"واغو" الأسترالي، وذلك انطلاقاً من عينة صغيرة مستخرجة من خلايا العضلات، والدهون من حيوان حيّ، أو نافق حديثاً، بطريقة تشبه عملية أخذ خزعة. وتوضع هذه الخلايا في بيئة يتم التحكم بظروفها، كأنبوب مختبر مثلاً، أو مفاعل حيوي، لتقوم هذه الخلايا بالتكاثر عن طريق الاستنتساخ، كالخلايا الطبيعية تماماً. ويمكن النظر للمفاعل الحيوي بهذا الإطار، كقدر طهي منمّق، تجري فيه تغذية الخلايا بمزيج خاص من المغذيات والأكسجين التي تحتاج إليها لتنمو، وهي المغذيات ذاتها التي تستهلكها الكائنات الحية.

كيف يغير "كورونا" سلاسل الإمداد الغذائي؟

سنغافورة أول دولة تسمح ببيع لحوم المختبرات

فكرة قديمة بتقنيات جديدة

الجدير بالذكر أن هذه التقنيات ليست بالجديدة. فالعلماء يزرعون الأنسجة الحيوانية في المختبرات لأغراض طبية منذ سنوات، ومنها صمامات القلب التي تستخدم في عمليات تنقذ الكثير من الأرواح. وحتى قبل زمن طويل من بدء الخبراء الطبيين باستكشاف مثل هذه التقنيات، كانت شخصيات عامة بارزة قد تحدثت عن عدم كفاءة تربية الحيوانات الحية بغرض إنتاج اللحوم. فقد كتب ونستون تشرشل، في عام 1931: "سوف نتخلص من سخافة تربية دجاجة بأكملها، بغرض تناول صدرها أو جوانحها، وذلك من خلال صنع هذه الأجزاء بشكل منفصل، باعتماد وسيط مناسب".

من المتوقع أن تعرض هذه المنتجات ضمن قوائم الطعام، قبل طرحها في متاجر البقالة، كون المطاعم سوقاً تتيح قابلية دراسة الموضوع بشكل أسهل. وكانت سنغافورة قد تبنت هذه الاستراتيجية في ديسمبر الماضي، لتصبح الدولة الأولى التي توافق على البيع التجاري للحوم المصنعة مخبرياً. وكانت شركة "إيت جست" (Eat Just Inc)، في سان فرانسيسكو قد طرحت أطباق دجاج من أساس خلوي في بعض المطاعم بأسعار تراوحت ما بين 17 و20 دولاراً. وعلى الرغم من أن هذه الأسعار تبدو مخفّضة إلى حدّ كبير، إلا أنها تظلّ أكثر ممّا يرغب بعض الناس في إنفاقه مقابل طبق "ناغيت" بسيط من لحم الدجاج.

ولذلك، فإن الأولوية القصوى حالياً تتمثل في تثقيف المستهلكين.

إنتاج ثمار البحر، والدجاج، واللحم البقري في المختبرات، بدأ ينتشر بالفعل في جميع أنحاء العالم. حيث جمعت شركة "إيت" مؤخراً مبلغ 200 مليون دولار لأهداف توسعية، فيما وصلت قيمة الشركة إلى 1.2 مليار دولار. كما بدأت شركة "وايلد تايب" (Wildtype) بإنتاج أنواع سلمون في المختبرات، في مصنع تجريبي تابع لها في سان فرانسيسكو. وفي سنغافورة، بدأت شركة "شيوك ميتس" (Shiok Meats) بتوسيع صناعة الروبيان، والسلطعون في المختبرات. كما جمعت شركة "أليف فارمز" (Aleph Farms) الإسرائيلية مبلغ 105 ملايين دولار لإنتاج اللحم البقري مخبرياً، وافتتحت شركة "فيوتشر ميت تكنولوجيز" (Future Meat) في مدينة رحوبوت بإسرائيل، معملاً بسعة إنتاجية تصل إلى ألف و100 رطل يومياً من لحوم الدجاج، والخنازير، والضأن، المصنّعة في المختبرات.

أما في الولايات المتحدة، فقد تطرح أول دفعة من منتجات اللحوم المصنعة مخبرياً في الأسواق هذا العام، أو خلال العام المقبل، وذلك فور حصول الجهات التي تسعى لأن تكون سبّاقة في السوق، على الموافقات اللازمة من إدارة الغذاء والدواء، وهو أمر يبدو حتمياً. إذ كانت إدارة الغذاء والدواء، ووزارة الزراعة الأمريكية، قد وافقتا في عام 2019 على تنظيم هذه المنتجات، وهما تجريان مراجعات لسلامتها منذ ثلاث سنوات.

تجربتي مع لحوم المختبرات

في الأشهر المقبلة، يتوقع أن تقوم شركة "أبسايد فودز" (Upside Foods) (التي كانت معروفة سابقاً باسم "ميمفيس ميتس") بافتتاح معمل إنتاج ضخم لها في منطقة خليج سان فرانسيسكو، حيث تمكن الرئيس التنفيذي، أوما فاليتي، من توسيع شركته، من موظفين اثنين إلى 125 موظفاً. كما جمع تمويلاً بأكثر من 200 مليون دولار من مستثمرين بينهم جون ماكي، مؤسس "هول فودز ماركت"، كما نجح فاليتي بخفّض التكلفة الإنتاجية لمنتجاته منذ عام 2015 بحوالي ألف مرة.

وكانت شركة فاليتي، قد قدمت لي طبقي الأول من اللحم المصنّع مخبرياً في عام 2018، والذي كان عبارة عن صدر بطّ مُتبّل ومُحمّر في القدر، مطهو مع الهندباء وصلصة الخلّ بالبرتقال، وقد تم جلب صدر البط في الطبق طازجاً من المفاعل الحيوي مباشرة.

لم أشعر أن طعم اللحم في طبقي يختلف بأي شكل عن طعم اللحم التقليدي، وذلك لأنه لحم بالفعل، ولكنه مصنعّ بدون عظام، أو أعضاء، أو جلد، أو ريش، أو حوافر، وطبعاً من دون التسبب بمعاناة أي حيوان خلال ذلك. وقد أخبرني فاليتي مؤخراً أن الدجاج الذي تصنعه شركته في المختبر، قابل للبيع في الولايات المتحدة بأسعار تنافس منتجات الدجاج الفاخرة (أي بسعر 10 دولارات إلى 12 دولاراً لطبق رئيسي).

أكبر شركة لحوم في العالم تستعيد سيطرتها على عمليات الإنتاج بعد هجوم إلكتروني

تغيُّر المناخ يهدد أسماك السلمون

مشاكل الإمدادات

من جهة أخرى، أثبتت أحداث العام الماضي، وما ترافق معها من ارتفاع الأسعار مؤخراً، الحاجة الملحة إلى البحث عن بدائل جديدة في القطاع. ففي الولايات المتحدة، تتولّى أربع شركات فقط، إنتاج أكثر من 80% من لحوم الأبقار. والأرقام مشابهة في قطاعيّ لحم الخنزير، والدجاج. إلا أن المنافع الاقتصادية لتركيز هذا النشاط في عدد قليل من الشركات، هي أقل بكثير من المخاطر الناجمة عن ذلك، والمتعلقة بمشاكل الإمدادات. وقد شهدنا ذلك في العام الماضي، حين أدى وباء كورونا، إلى إغلاق مصانع اللحوم على امتداد البلاد، إثر إصابة أعداد كبيرة من عمّال تغليف اللحوم بالفيروس، وحين تعرّضت منشأة تصنيع لحوم الخنازير التابعة لشركة (JBS) لهجوم سيبراني في مايو الماضي.

في غضون ذلك، يسجل الطلب على اللحوم ارتفاعاً هائلاً، حيث تضاعف عدد سكان العالم مرتين خلال السنوات الخمسين الماضية، فيما ارتفع استهلاك اللحم بأكثر من ثلاثة أضعاف. ويذبح سنوياً نحو 60 مليار حيوان، بغرض الاستهلاك البشري، فيما يسهم إنتاج اللحوم بنسبة 15% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة، بحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. كما إن التغير المناخي يلقي بثقله على القطاع. فالجفاف، وموجات الحرّ، والفيضانات، والعواصف الكبرى، كلها عوامل تشكل تهديدات متزايدة على المزارع، والحقول، ومعامل معالجة اللحوم.

ولكن في نهاية المطاف، فإنه بغض النظر عن مدى حاجة العالم إلى اللحم المصنّع مخبرياً، فإن مصير القطاع سيكون الفشل، في حال لم يتمكن من إيصال رسالته بالطريقة الصحيحة. هل تذكرون الجدل الذي أثارته المحاصيل المعدلة وراثياً؟

وفي نهاية المطاف، يتعين على قادة القطاع أن يقنعوا عملاءهم بأن منتجاتهم نظيفة، وطبيعية، وأنها لحوم تقليدية، وليست أمراً مستوحى من أفلام الخيال العلمي. وعلى المسؤولين أن يتواصلوا مع الأسواق لتوضيح أن اللحوم النظيفة، ما هي إلا فكرة قديمة، تُقدّم اليوم باستخدام تكنولوجيات حديثة، وهي تقدم الحل الذي طال انتظاره.