كيف ستؤثر ميزانية بقيمة 3.5 تريليون دولار على التضخم بأمريكا؟

أسعار الأخشاب عكست مسارها الصاعد مع وجود مؤشرات على تباطؤ بناء المنازل الجديدة في أمريكا
أسعار الأخشاب عكست مسارها الصاعد مع وجود مؤشرات على تباطؤ بناء المنازل الجديدة في أمريكا المصدر: بلومبرغ
Karl W. Smith
Karl W. Smith

Karl W. Smith is a Bloomberg Opinion columnist. He was formerly vice president for federal policy at the Tax Foundation and assistant professor of economics at the University of North Carolina. He is also co-founder of the economics blog Modeled Behavior.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مع ارتفاع التضخم لأعلى مستوى له منذ عدة عقود، بدأ الديمقراطيون الوسطيون في ترديد نفس مخاوف الجمهوريين بخصوص تصاعد سخونة الاقتصاد الأمريكي، الذي يجاهد لمواكبة الطلب فعلياً، جرَّاء حزمة الإنفاق الديمقراطية البالغة 3.5 تريليون دولار. قد يكون لهذه المخاوف ما يبررها ولكن لا ينبغي للنقّاد التفوُّق على أنفسهم.

يكاد من شبه المؤكد أن ينجرف التضخم إلى مستوى منخفض في الوقت القريب، حتى وإن تحوَّلت الحزمة الكاملة إلى قانون، وهو أمر غير مرجح.

لكن بواعث القلق الحقيقية تنبع من إمكانية تفاقم القيود الأساسية للعرض نتيجة للحزمة، مما سيؤدي إلى ارتفاع التضخم على المدى الطويل.

ضغوط تضخمية

ولرؤية ما يجري بوضوح، يجب تقسيم الضغوط التضخمية إلى ثلاثة أجزاء تشمل زيادة الإنفاق العام في القطاعين العام والخاص، واضطرابات سلسلة التوريد المرتبطة مباشرة بوباء كورونا، والضعف المُحيِّر في سوق العمل.

ويعتبر تأمل الناتج المحلي الإجمالي الاسمي أفضل طريقة للنظر إلى الجزء الأول، لأنه يقيس إجمالي الإنفاق في الاقتصاد دون تصحيح التغيُّرات السعرية.

يتميز الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بالركود المدفوع بالطلب، ويبقى الانتعاش هنا ضعيفاً لحين عودة الناتج الاسمي إلى مساره السابق.

كان انهيار الناتج المحلي الإجمالي الاسمي تاريخياً في ربيع وصيف 2020، مما أدى إلى تقزيم كافة شواهد الفترة التي تلت الركود العظيم.

مع ذلك، كان الانتعاش استثنائياً في الناتج الاسمي أيضاً بفضل حزم الإغاثة الهائلة التي أقرها الكونغرس والتدخلات غير التقليدية من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

أضف إلى ذلك، كانت الزيادات في إنفاق القطاعين العام والخاص كافية فقط لإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح دون التسبب في إحداث تضخمٍ زائد، وفي الظروف العادية، يؤدي هذا إلى اعتدال الاقتصاد، فلا يُصبح شديد البرودة ولا شديد السخونة.

ركود تضخمي

إلا أن الظروف بعيدة كل البعد عن كونها طبيعية، فقد تسبب الوباء في اضطراب سلسلة التوريد، خصوصاً في صناعة السيارات ومواد البناء والأغذية والطاقة، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وتقويض القدرة الشرائية عن بقية مفاصل الاقتصاد.

وبالتالي، ارتفعت أسعار السيارات المستعملة بنسبة هائلة بلغت 41.7% خلال الشهور الـ12 الماضية، لتتطابق كلية مع الارتفاع البالغ 41.8% في تكلفة البنزين.

وبدلاً من تحقيق الاقتصاد المعتدل، تخاطر الولايات المتحدة بركود التضخم، ليُصاحب ارتفاع الأسعار ركوداً في نمو الوظائف.

من هذا المنطلق، يُمكن تفهُّم مخاوف الجمهوريين والديمقراطيين الوسطيين على حد سواء من زيادة الإنفاق.

تراجع الأسعار

قد يجد الجمهوريون والديمقراطيون الوسطيون بعض المواساة في احتمال أن هذه الارتفاعات الشديدة في الأسعار من المرجح ألا تتباطأ فحسب، بل ستعكس مسارها أيضاً في الأشهر المقبلة.

فمثلاً، ازدادت تكاليف الأخشاب لدى شركات البناء بنسبة 125% بين أبريل 2020 ويوليو 2021، لكن وفقاً للبيانات الشهرية المتوّفرة، تراجعت تلك الأسعار فعلياً في شهر يونيو، وستنخفض مرة أخرى حتماً على ضوء الهبوط الحاد في أسعار العقود الآجلة منذ شهر مايو.

لكن الحقائق غير المريحة تتعلّق بقطاعات الخدمات والإسكان حيث تشهد المطاعم والفنادق وغيرها من الخدمات الترفيهية ارتفاعاً في الأسعار رغم استمرار ضعف الطلب عليها بسبب وباء كورونا.

ارتفاع الأجور

ترتفع الأجور كذلك في تلك القطاعات، ومن المثير أن نعزو تلك الزيادات إلى التأثير العابر للوباء أيضاً، فقد صعَّب بالتأكيد الخوف من الوباء، والنقص في رعاية الأطفال، والآثار المستمرة لمكافآت التأمين على أصحاب العمل شغل تلك المناصب.

مع ذلك، يصعب التراجع عن زيادات الأجور للغاية، ولذلك يميل أصحاب العمل إلى التردد في عرضها استجابة للنقص المؤقت.

ومن هنا، يؤشر ارتفاع الأجور إلى أن عدداً قليلاً من الشركات يتوّقع صعوداً في عدد المتقدِّمين للوظائف بمجرد إعادة فتح المدارس ونفاذ مكافآت البطالة.

ارتفاع أسعار المساكن

أما بالنسبة لقطاع الإسكان، فقد ارتفعت أسعار المساكن القائمة بوتيرة قياسية، وربما يعود ذلك ببساطة إلى قيام العاملين عن بعد حديثاً باستبدال شققهم الضيقة في المدينة بمنازل أكبر في الضواحي أو خارجها. إن كان الأمر كذلك، فسيؤدي مثل هذه الزيادات إلى انتعاش بناء المنازل الجديدة، مما سيوفر فرصاً للعمل ومخزوناً إضافياً من المساكن.

ومع القفزة الحادة في شهر يونيو، تراجعت مبيعات المنازل بشكلٍ ثابت، مما يؤشر إلى عدم وجود توافق عميق بين العرض والطلب، وهو أمر لا يُمكن تفسيره من خلال أسعار الأخشاب وحدها.

وإذا استمر هذا الخلل، فقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع ثابت في قيم الإيجارات المكافئة للمُلاَّك، وهو عنصر أساسي في التضخم.

اقرأ أيضاً: أسعار المنازل في الولايات المتحدة ترتفع بأسرع وتيرة على الإطلاق

بعد عرض كل تلك البيانات وجمعها معاً ووضعها إلى جانب فشل سوق العمل في التعافي، خصوصاً أنه لا يزال يقل بـ7 ملايين وظيفة عن عدد وظائف ما قبل وباء كورونا، يُمكننا القول إن السبب لا يرجع إلى نقص الإنفاق العام، بل إلى قيود العرض، حيث يؤدي الإنفاق إلى ارتفاع الأسعار بدلاً من المزيد من الوظائف.

بعض القيود الأكثر تطرفاً ستتقلّص من تلقاء نفسها، لينخفض المعدل الإجمالي للتضخم بعد ذلك، لكنه من المرجح أن تستمر القيود الأكثر جوهرية.

تلك القيود هي التي يجب أن تكون مبعث قلق لدى الرئيس، جو بايدن، والديمقراطيين، بينما يواصلون جهودهم لإضافة المزيد من الإنفاق إلى الاقتصاد.