انبعاثات السيارات المتوقفة... أزمة تواجه المدن في سعيها لهواء أنظف

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في نهاية فبراير 2020، وقبل أيام فقط من إعلان مدينة نيويورك عن تسجيل أول إصابة لديها بفيروس كورونا، تجمع حشد من الأشخاص أمام مبنى بلدية المدينة، لحضور مؤتمر صحفي، جرت أحداثه على وقع أغنية "الزفاف الأبيض" للمغني البريطاني بيلي أيدول.

حينها، وقف أيدول بنفسه إلى جانب رئيس البلدية بيل دي بلاسيو، الذي أعلن أن موسيقى أغنية "الزفاف الأبيض"، ستُعتمد لترافق كل إعلانات السياسيات الصادرة عن بلدية المدينة مستقبلاً.

كان عازف موسيقى الروك، البالغ من العمر 64 عاماً، موجوداً لتقديم دعمه، أثناء إطلاق حملة التوعية الجديدة تحت اسم: "بيلي لا يقوم بالتوقف الخامل أبداً" (Billy Never Idles)، وهي حملة تستهدف تذكير سكان نيويورك بإيقاف تشغيل محركات سياراتهم عند عدم استخدامها.

صاح أيدول بأسلوبه الخاص قائلاً : "أوقفه!" في إشارة للمحرك.

دراسة: الحياة في المدن الكبرى لا تجعلك مكتئباً

الجانب المظلم من حملات زراعة الأشجار في المدن

الحرب على "التوقف الخامل"

قدم الحدث بعض الصور الصادمة التي لا تُنسى، وبعد فترة وجيزة انتشرت في أنحاء المدينة لافتات تحمل صور أيدول وشعاره. لكن الوباء تفشى بعد ذلك في نيويورك، وسرعان ما طغى على الحملة المحاربة للسيارات المتوقفة بمحرك شغّال. واليوم من السهل لكل من يسير في شوارع المدينة أن يعرف من كان الرابح في هذه الحرب.

ففي أي شارع كنت، يكفي أن تنظر حولك في أي من أيام صيف 2021 شديد الحرارة، وسترى على الأرجح شخصاً يجلس في سيارته المركونة بينما تتصاعد الأبخرة من عادم سيارته.

نيويورك، ليست المدينة الوحيدة التي تعاني من هذه المشكلة التي تعتبر ظاهرة عالمية، إذ أينما تواجدت السيارات، تجد سائقين محاصرين في سياراتهم ذات المحركات الهادرة، بينما غالباً ما يبدو هؤلاء منشغلين بهواتفهم الذكية، متجاهلين على ما يبدو هدير المحرك الذي يعمل بلا أي هدف في مركباتهم.

هيئة الأمم المتحدة لتغير المناخ تعتبر إزالة الكربون "ضرورة مُلحة" لإنقاذ الكوكب

عادة أو إهمال

يمكن أن توصف هذه المشكلة على أنها عادة سيئة أو إهمال من قبل السائقين، حيث يكون المذنبون غالباً هم السائقون الذي يركنون سياراتهم في مناطق "ممنوع الوقوف"، مثل أماكن الوقوف أمام صنابير مياه إطفاء الحريق، أو في محطات الحافلات. كذلك الأمر بالنسبة إلى سائقي سيارات الأجرة، ورجال الشرطة، والأمهات، والآباء الذين ينتظرون خروج أبنائهم من المدارس. وهم جميعاً ممن يقومون بممارسة التوقف الخامل سيئ السمعة، وينضم إليهم أيضاً سائقو شاحنات التوصيل التي تتوقف هي أيضاً بمحركات عاملة، بينما تواصل أعدادها الارتفاع في ظل ازدهار التجارة الإلكترونية، خلال عصر الوباء.

يرجع جزء من انتشار هذه العادة، إلى مفهوم قديم، تغيّر حالياً، وهو الذي يشير إلى ضرورة إلى "تدفئة" محرك السيارة البارد لدقائق عدة قبل قيادتها، خصوصاً في فصل الشتاء. كذلك غالباً ما يقوم سائقو الشاحنات التي تقطع مسافات طويلة، والذين يفتقرون إلى وحدات طاقة مساعدة، بتشغيل محركات الديزل طوال الليل لتدفئة، أو لتبريد المقصورات التي ينامون فيها، وهي ممارسة مسؤولة عن حرق نحو 2 غالون من الوقود في الساعة.

وفيما تنتشر قوانين الولاية، والقوانين المحلية التي تحظر وقوف السيارات أثناء عمل محركاتها لأكثر من دقائق معدودة على نطاق واسع، إلا أنه يتم تجاهلها تقريباً على مستوى العالم، كما تُظهر العناوين الرئيسية للصحف، مراراً وتكراراً.

وفقاً لوزارة الطاقة الأمريكية، فإن المركبات الثقيلة والخفيفة، تهدر 6 مليارات غالون من الوقود سنوياً بسبب توقفها دون إيقاف المحرك، ونصف تلك المركبات هي من المركبات الخاصة، التي تضيف مجتمعة حوالي 30 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي سنوياً.

وإذا فرضناً، أنه تم التخلص تماماً من مفهوم ركن السيارات أثناء عمل محركاتها غداً، فإن هذا سيعادل إخراج 5 ملايين مركبة من الطرقات. كذلك، أفادت ورقة صدرت عام 2009 بأن التوقف الخامل شكل 1.6% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الولايات المتحدة.

مكيف هواء عامل بالبنزين!

اتخذت الآثار السلبية الكثيرة الناتجة عن هذه الممارسة طابعاً ملحاً جديداً، وسط تزايد الأزمات المتعلقة بتغير المناخ خلال العام الماضي. فبجانب الانبعاثات الكربونية، تسهم هذه الممارسة في تلوث الهواء، وهي مسألة متزايدة الأهمية في قضايا العدالة البيئية، حيث يبحث المزيد من العلماء في الروابط بين "كوفيد-19"، وجودة الهواء المحلي.

كما إن هذه القضية تشكل دافعاً إضافياً رئيسياً لتأثير الجزر الحرارية الحضرية.

في حال أردت تجربة الشعور السيئ الناتج عن هذه الظاهرة، ما عليك إلا أن تمشي وسط صفوف السيارات المتوقفة بمحركات هادرة أثناء يوم حار، وسرعان ما ستصطدم بالحرارة الهائلة التي تبعث بها هذه المحركات، والتي تتحول معها هذه السيارات إلى مكيفات خاصة لسائقيها، تعمل بالوقود، بقوة 300 حصان!

علاوة على كل شيء آخر، فإن هذه الممارسة سيئة بالنسبة إلى محرك سيارتك أيضاً.

عند قراءة ما كتبه ديفيد والاس ويلز، من "مجلة نيويورك"، في كتابه الذي يحمل عنوان "الأرض غير الصالحة للسكن"، واصفاً البشرية بأننا "حضارة تُغرق نفسها في انتحار غازي، كسيارة تعمل في مرآب مغلق"، من الصعب ألا نفكر في التوقف الخامل، على أنه تجلٍ واضح جداً لاستعارة ديفيد في كتابه، حيث تعد هذه الممارسة كتذكير دائم أمامنا، برفض الإنسانية لتبني حتى أقل التعديلات السلوكية، بغرض إنقاذ نفسها (كل ما عليك فعله، هو مد يدك وإدارة المفتاح!).

في ما يتعلق بالتخفيف من آثار تغير المناخ، فإن حث الناس على تغيير هذا السلوك، هو أقل ما يمكن أن يطلب من الجهد، بهذا الغرض.

لكن أغلب المبادرات المناهضة للتوقف الخامل، تتلخص في حملات تعليمية، وتعهدات، ونشر بعض اللافتات، وهذه المبادرات قد أثبتت فشلها الذريع بشكل عام.

إذاً، كيف يمكن للمدن وقف هذه الممارسة اللعينة، إلى الأبد؟

جهود فردية

إذا بحثت بشكل أعمق في هذا الموضوع، ستصادف على الأرجح اسم جورج باكينهام سريعاً، وهو مصرفي في وول ستريت، وأيضاً "رجل الانبعاثات"، كما وصفه الفيلم الوثائقي الذي يروي سيرته الذاتية "تهديد التوقف الخامل" (Idle Threat)، والذي صدر عام 2012.

منذ عام 2005، كان باكينهام يطالب بأدب، الآلاف من سائقي المركبات التجارية، المتوقفة في أنحاء مانهاتن، بإطفاء محركات سياراتهم أثناء وقوفهم، ويقدم لهم بطاقة عمل، يرفق بها الغرامات القانونية المترتبة على هذا الفعل. وقد احتفظ احتفظ باكينهام بجميع هذه المحاولات ضمن جدول بيانات على برنامج "إكسل"، وقد بلغ معدل نجاحه في إقناع السائقين بإطفاء محركاتهم 80% حسب قوله. (حققت النتيجة ذاتها، عندما حاولت أن أحذو حذوه).

بعد نحو شهرين من معركته لمكافحة هذه الظاهرة، وبينما نقر باكينهام على نافذة سيارة "ليموزين" متوقفة، يقول: "صاح السائق: دعني وشأني، أنا شرطي، أنا في مهمة مراقبة، اذهب بعيداً". وبينما كان باكينهام يبتعد، قال له السائق: "كما تعلم هناك قانون ضد ما أفعله. لا أعرف ما هو هذا القانون بالضبط، لكنني أعلم أن هناك واحداً. وإن كنت مهتماً جداً بالأمر، فلماذا لا تلجأ إليه؟".

هكذا اكتشف باكينهام، الذي يصف نفسه بـ"حارس" الهواء النظيف، أن في مدينة نيويورك كحال العديد من المدن، تقبع في الكتب قوانين ضد هذه الممارسة منذ السبعينيات. لكن لا يتم تنفيذ هذه القوانين، حيث تعد "قوانين رمزية غالباً"، كما وصفتها إحدى الصحف المحلية في ولاية يوتا، كمصطلح بات مستخدماً على نطاق واسع.

رغم أن توقف السيارات من دون إطفاء المحرك، يعد مخالفة لها علاقة بحركة المرور، إلا أن هذه المخالفات لا تخضع لسلطة وكالات إنفاذ قوانين حركة المرور (TEAs). ولكن، بما أنها قضية بيئية أيضاً، فإنها تخضع لإشراف إدارة الحماية البيئية بالمدينة (DEP). لكن الإدارة البيئية تفتقر إلى العدد الكافي من الموظفين في الشوارع. وبناءً على ذلك، فإن توقف السيارات الخامل، يُترك من دون تطبيق العقاب. وفي معظم المدن، بالكاد يتم إصدار أي مخالفات لهذه الممارسة سنوياً.

وبدعم من صندوق الدفاع عن البيئة، حفزت جهود باكينهام، التغطية الإعلامية وساعدت رئيس البلدية اللاحق آنذاك، مايكل بلومبرغ، على فرض قيود أكثر صرامة على السيارات المتوقفة مع محرك عامل، لاسيما بالقرب من المدارس، حيث يكون الأطفال أكثر عرضة لتلوث الهواء. (مايكل آر بلومبرغ، هو مؤسس ومالك الأغلبية في "بلومبرغ إل بي").

ومع ذلك، فإن هذه القوانين "تفتقر إلى الحزم"، كما يقول باكينهام، حيث يستمر سكان نيويورك (بما في ذلك رئيس البلدية) باتباع هذه الممارسة.

الجانب المظلم من حملات زراعة الأشجار في المدن

استثمار الدول للتكيّف مع تغيّر المناخ... ضرورة عالمية لكوكبنا

برنامج الشكاوى

في عام 2018، حققت الحركة المناهضة لهذه الممارسة في نيويورك انتصاراً كبيراً، حيث بدأت المدينة ما يُعرف ببرنامج شكاوى المواطنين حول جودة الهواء، وهو البرنامج الأول من نوعه في البلاد. من خلال هذا البرنامج، يتم تشجيع المواطنين على تقديم دليل على وجود شاحنة، أو حافلة، تمارس التوقف الخامل، إلى إدارة الحماية البيئية، مقابل حصولهم على ربع قيمة الغرامة في حال إصدارها. (يتم التغاضي عن مخالفات سيارات الركّاب بشكل ملحوظ).

المسؤولية على عاتق المواطنين

قبل سن هذا البرنامج، في عام 2017، لم يتم إصدار سوى 24 أمر امتثال متعلق بهذه الظاهرة، لكن هذا العدد ارتفع إلى ألف و38 أمر استدعاء في عام 2018، وذلك بعد وضع القانون الجديد. وحتى الآن، تم تقديم نحو 20 ألف شكوى، من حوالي ألفين و500 شخص، أسفرت 90% منها عن إصدار مخالفات. وباكينهام نفسه قد جنى أكثر من 10 آلاف دولار جراء ذلك، وهو الآن جزء من مجموعة تضم 40 شخصاً تقريباً، يطلقون على أنفسهم "محاربو التوقف الخامل"، وهم يقدمون الجزء الأكبر من مقاطع الفيديو كأدلّة عن هذه الممارسات. ويقول باكينهام عن زملائه: "إنهم متحمسون ومحترفون للغاية، وهم جادون جداً إزاء إنجاح هذا الأمر".

كذلك، أخبرني أحد أعضاء مجموعة "محاربو التوقف الخامل" أن حملات التوعية مثل "بيلي نيفر إيدلز" غير كافية. ويقول هذا العضو: "شكل التعليم وسيلة تم استخدامها لفترة طويلة، لكن حتى وضع عقوبة مترتبة على الأمر، ستكون إجابات السائقين هي إما: لا أهتم، أو أنا انتظر شخصاً ما فقط. إنها مأساة العامة حقاً". (طلب هؤلاء الأعضاء عدم الكشف عن هوياتهم، بسبب تلقيهم لتهديدات السائقين الغاضبين بين الحين والآخر).

يقول المؤيدون لهذه الجماعات، إن هناك حاجة ملحة لهؤلاء المواطنين الذين يلعبون دور المراقب، لأن تأثير جهودهم يتجاوز تأثير جهات إنفاذ القانون في بعض المدن. وعندما سألت باكينهام إذا كان يعتقد بأن هذا هو النظام الأفضل لمواجهة القضية، أي إبلاغ المواطنين عن المخالفات بدلاً من الحكومة، تذمر قائلاً: "من السخيف جداً إلقاء مسؤولية الأمر على المواطنين!". وأوضح أن الجائزة النقدية تشجع الأشخاص على التحرك، لكن المزيد من الدعم المؤسسي ضروري أيضاً.

يذكر أن مدينة نيويورك كانت تدرس طرح تطبيق للهواتف الذكية، من شأنه تبسيط البيانات المقدمة للإبلاغ، لكن محادثات المشروع توقفت منذ "كوفيد". (جدير بالذكر أن واشنطن العاصمة وفيلادلفيا أطلقتا برامج مماثلة باستخدام تطبيقات ذكية مختلفة، لكن دون حوافز مالية).

من جهتها، عارضت إدارة شرطة نيويورك، الدعوات المطالبة بالسماح لموظفي وكالات إنفاذ قوانين المرور بالمدينة من مخالفة التوقف الخامل، وذلك لأسباب لوجستية، وهي أنه في ظل القانون الراهن، سيتعين على الموظف الانتظار حوالي ثلاث دقائق قبل إصدار المخالفة للسائق. بالإضافة إلى المخاوف من المواجهة العنيفة، حيث يقول مسؤولو الشرطة إن موظفي وكالات إنفاذ قوانين حركة المرور، أكثر عرضة للتعرض للاعتداء مقارنة بالضباط الذين يرتدون الزي الرسمي. وقد برزت حجج مماثلة على برنامج شكاوى المواطنين بسبب وقوف السيارات غير القانوني في يناير، لكن هذا السؤال يأتي في وقت يعيد فيه المؤيدون وصناع القرار، النظر في دور الشرطة بإنفاذ قوانين المرور بشكل كبير، وذلك بسبب قضايا التمييز العنصري وغيرها من المشكلات، وبالتالي هل يستحق الأمر إعطاء سلطات إنفاذ القانون المزيد من المسؤوليات؟ أم هل ينبغي اتباع نهج جديد كلياً؟

خيارات بديلة

في محاولة للرد على هذا السؤال، تواصلت مع جيف نوفيتش، الذي حلل كافة شكاوى المواطنين البالغ عددها 20 ألف شكوى، حول السيارات المتوقفة من دون إطفاء المحركات، في مدينة نيويورك في يونيو الماضي، ضمن منشور على موقع "ميديوم" (Medium). وقد ابتكر نوفيتش، تطبيق "ريبورتد" الذي يسمح لأي مستخدم في نيويورك، بالإبلاغ عن سيارة تحجب ممرات المشاة، أو متوقفة بشكل غير قانوني، أو أي سائق يقود بتهور، لكن هذا التطبيق غير مدعوم بفكرة الجائزة النقدية. ويقول: "المواطنون بحاجة لأن يشعروا دائماً بالقدرة على تقديم شكاوى بشأن السائقين، وأن يكونوا قادرين على التصرف حيالها دون تدخل الشرطة"، مضيفاً: "لكن هذه الفكرة في تراجع".

وكغيره من نشطاء المرور ، فإن نوفيتش متشكك في قدرة الشرطة على حل المشكلة، حتى لو شاركت بشكل أكبر. وقال نوفيتش: "بصفتي مواطناً يدفع الضرائب، يجب أن أشعر بالثقة بأن إنفاذ القانون يجري بشكل فعال، لكني لا أشعر بهذا الأمر على الإطلاق". ويشار إلى أن تفشي استخدام اللافتات غير القانوني، والتوقف غير القانوني للمركبات الرسمية (ليس فقط في نيويورك) يدعمان وجهة نظره.

وبدلاً من ذلك، يقول نوفيتش إن المدن بحاجة إلى استكشاف طرق مؤتمتة لإنفاذ القانون آلياً. فبرغم عدم وجود كاميرات حالياً لرصد السيارات المتوقفة من دون إطفاء المحركات، إلا أن نوفيتش يستطيع تخيل وجود واحدة ترصد تلك السيارات وتحدد المدة الزمنية التي استغرقتها في منطقة ما، على غرار نظام إنفاذ قوانين وقوف السيارات في أمستردام. كذلك، تُعد الكاميرات الحرارية خياراً آخرً.

يقول نوفيتش: "على أقل تقدير، لدينا تقنية بإمكانها مساعدتنا على جمع بيانات الدراسة الاستطلاعية، بشكل أكثر دقة لمعرفة ما يجري".

هل ستدفع قريباً للتطبيقات التي تُحدِّث سيارتك عن بعد؟

الحلول التكنولوجية

كذلك، فإن السيارات الكهربائية تعد نوعاً آخر من الحلول التكنولوجية التي تعد بحل هذه المشكلة في نهاية المطاف، إذ يمكن لهذه الظاهرة الاختفاء عند استبدال كل سيارة وشاحنة، تعمل بمحرك الاحتراق الداخلي على الطرقات، بأخرى كهربائية تعمل بالبطارية.

بطبيعة الحال، موعد هذا التحوّل لا يزال يشوبه الغموض، خصوصاً أن المركبات الكهربائية تشكل أقل من 5% من إجمالي مبيعات المركبات الجديدة في الولايات المتحدة، في حين أن سرعة تبني تلك المركبات تزداد في دول أخرى.

من هذا المنطلق، يدفع الرئيس الأمريكي جو بايدن لوضع أكبر عدد ممكن من المركبات الكهربائية في الطرقات الأمريكية بحلول عام 2030، ويصطف صناع السيارات للتخلص من السيارات العاملة بالوقود الأحفوري في الأعوام المقبلة.

وبالفعل، تتميز العديد من السيارات الأحدث، خصوصاً الهجينة ومنخفضة الانبعاثات، بميزة منع التوقف مع استمرار عمل محركاتها، فهي تضم أنظمة توقف تشغيل المحرك تلقائياً، عندما تكون السيارة في حالة تأهب لكنها لا تتحرك، حتى توفر الطاقة. (أنصت، في المرة القادمة التي تتوقف فيها عند إشارة المرور، ستكتشف أن السيارة الأحدث ستتوقف تماماً قبل إعادة تدويرها مرة أخرى عند تحول الضوء إلى اللون الأخضر). ومع ذلك، فإن هذه الأنظمة لا تعمل عادةً عند توقف السيارة في "موقف السيارات" لفترات طويلة، لكن الكثير من أصحاب السيارات منزعجون بما فيه الكفاية من هذه الميزة لدرجة إنهم يرغبون في تعطيلها.

في الوقت ذاته، تركز الأشكال الأخرى للتقنيات المتعلقة بالمركبات على سلوك السائق.

عن ذلك، يقول كورت وايمان، نائب رئيس المبيعات في أمريكا الشمالية لدى شركة "تليتراك نافمان" (Teletrac Navman)، وهي شركة تكنولوجيا معلومات تساعد المؤسسات العامة والخاصة على مراقبة أساطيلها: "الأمر كله يتعلق بالبيانات. إذا استطعت جمع البيانات، يمكنك البدء في التأثير على السلوكيات".

وفي دراسة حالة أجريت على المدينة، تتبعت الشركة حالات توقف مركبات الشرطة، ووجدت أن سيارة الشرطة تتوقف 20 دقيقة يومياً في المتوسط. وتعليقاً على الأمر، قال وايمان: "أنظر فقط إلى الأرقام الأولية. إذا كان هناك ألف مركبة، كل منها تتوقف لمدة 20 دقيقة في اليوم، فإنك في حال خفضت مدة التوقف بمقدار دقيقتين فقط لكل سيارة، فقد تحقق وفورات في التكاليف، مقدارها عشرات الآلاف من الدولارات". وعند تحليل البيانات، تم تحديد أماكن توقف الضباط، ومن هم أكبر المخالفين. ويقول وايمان إن النظام قد تمكن من "دفع تكاليفه على مدى أشهر".

كذلك، تم العثور على نتائج مماثلة في مدن أخرى استثمرت في تكنولوجيا مضادة لتوقف السيارات الخامل. ويشير وايمان إلى ضرورة أخذ الجغرافيا وعوامل أخرى في الاعتبار، فسيارات الشرطة في مدينة فينيكس قد تستخدم محركاتها خلال فصل الصيف بشكل مختلف عن تلك الموجودة في مدينة ديترويت خلال فصل الشتاء. ويوصي وايمان بمشاركة البيانات بانتظام وبشكل موسع مع موظفي البلدية.

جهود القطاع الخاص

يتمثل أحد الأساليب الشائعة أيضاً لحل المشكلة، باستخدام المكافئات، حيث يحصل العمّال في الشركات ممن يوقفون عمل محركات السيارات على مكافآت، وهو أسلوب شائع الاستخدام في صناعة التأمين على السيارات، وهو نهج يركز على المكافأة بدلاً من العقاب. قال وايمان: "هذا يشجعهم على استخدام القفل الإلكتروني، بدلاً من النظر إليه باعتباره وسيلة للسيطرة على حرية الأفراد".

تنضم المدن التي تعمل على كهربة أساطيلها المحلية، أو تتخذ إجراءات صارمة ضد السيارات المتوقفة رغم عمل محركاتها، إلى آخرين في القطاع الخاص. ومع تزايد التركيز على لوجستيات "الميل الأخير" أو الرحلة من مركز التوزيع إلى عتبة الباب، قال وايمان إن المشغلين من القطاع الخاص يظهرون اهتماماً متزايداً بخفض تكاليف الوقود، والتأثيرات المناخية لعملياتهم.

وبالنسبة إلى الأساطيل الكبيرة مثل تلك التابعة لشركة "أمازون"، على سبيل المثال، التي تخطط لوضع 100 ألف شاحنة توصيل كهربائية على الطريق بحلول عام 2030، فإن أي شيء يخفض التكاليف، ويخفف من التأثيرات الخارجية السلبية مثل تلوث الهواء والانبعاثات الكربونية، يوفر ميزة تنافسية بالنسبة إليها. ويقول وايمان: "إنهم يولون اهتماماً للأمر".

حتى لو لم يطبق السائقون آليات الرقابة الذاتية بأنفسهم، فإن لندن تمتلك سلاحاً سرياً، وهو يتمثل بمنطقة الانبعاثات المنخفضة للغاية

تجربة لندن

في لندن، حيث تعتبر جودة الهواء نقطة نقاش رئيسية، اتبعت الحرب على السيارات المتوقفة بمحركات عاملة، السيناريو نفسه على مدى سنوات. فقد أطلقت "مؤسسة مدينة لندن" حملة "أيام التحرك ضد التوقف الخامل" (Idling Action Days) في عام 2015، على حد قول كريستينا دريك، المتحدثة باسم المؤسسة. وما بدأ كحملة إعلامية تحول منذ ذلك الحين إلى مجموعة من الإجراءات تشمل 31 سلطة محلية، يتم تمويلها من قبل مجلس المدينة.

تتمتع السلطات المحلية بالقدرة على معاقبة السائقين جراء إيقاف سياراتهم أثناء عمل محركاتها في المملكة المتحدة. ومع ذلك، يقول جاك ألكساندر، موظف المشروع لدى الحملة، إن العمل مع تلك السلطات أدى إلى ظهور مشكلات مع التشريعات الحالية. فعلى سبيل المثال، لا يُعدّ مقدار الغرامة التي تصل عادةً لــ20 جنيه إسترليني، مبلغاً كافياً حقاً لإحداث فرق.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على الضابط أن يطلب من السائق إيقاف تشغيل محرك سيارته قبل إصدار غرامة. وعن ذلك، يقول ألكساندر: "في الممارسة العملية، هذا يعني أن الغرامات يتم إصدارها بسبب عدم التعاون مع الضابط المكلف بإنفاذ القوانين بدلاً من مخالفة القانون الخاص بتوقف السيارات".

رغم وجود ما يقدر بنحو 13 ألف عملية تفاعل خلال العام الماضي بين الضباط والسائقين في الجهات المشاركة لوقف هذه المشكلة، لم يتم إصدار سوى القليل من الغرامات.

كما إن عدم وضوح كيفية إنفاذ القانون يجعل الأمر مربكاً بالنسبة إلى السائقين أيضاً، حيث يقول ألكساندر: "في النهاية، بينما نرحب بفرض غرامات أعلى وعدد أقل من الحواجز القانونية التي تحول دون الإنفاذ، نعتقد بأن تطبيق القانون وحده غير كافٍ لدفع التغيير السلوكي بشأن تشغيل المحرك".

الرقابة الذاتية

هنا يأتي دور حملة "أيام التحرك ضد التوقف الخامل"، حيث يتم توجيه السلطات المحلية التي تتفق على الحملة التعليمية لتدريب المتعهدين الذين توظفهم لرصد السلوك المناهض للسيارات المتوقفة، والحصول على تعهدات من الجهات المختلفة بالالتزام. ومنذ ذلك الحين، امتثل عدد من كبار المتعهدين، بمن فيهم "فيوليا" (Veolia)، وهي من الشركات المتخصصة بخدمات النقل متعددة الجنسيات، ومقرها فرنسا.

كانت فاعلية حملات مكافحة السيارات المتوقفة موضوع دراسة نفسية أجراها الباحثون البريطانيون. وقد لاحظت إحدى الدراسات التي أجريت في عام 2017، أن السائقين عند معبر السكة الحديد في مدينة كانتربري، ممن قُدم لهم رسمٌ تعبيري مخيف، يُظهر عيوناً محدقة، مع رسالة تقول "فكر في نفسك: عند إغلاق الحواجز، أطفئ محرك سيارتك". وقد وجدت الدراسة أن هذا النداء الذي يستهدف نفسيات السائقين، ينشط نوعاً من المراقبة الداخلية، وأثب أنه أكثر فاعلية من لافتات التحذير المعتادة.

لكن حتى لو لم يطبق السائقون القوانين بأنفسهم، فإن لندن لديها سلاحاً سرياً، وهو منطقة الانبعاثات المنخفضة للغاية، التي قدمها عمدة لندن صادق خان في عام 2019، والتي تفرض على السائقين الذين لديهم سيارات أقدم وأكثر تلويثاً، رسوماً إضافية لدخول المنطقة المركزية بالمدينة، بالإضافة إلى رسوم الازدحام.

وبحسب أرقام المدينة، فإن البرنامج يزيل نحو 14 ألف سيارة من الطريق يومياً، ويخفض من تلوث الهواء في المنطقة بمقدار الثلث. ومن المقرر أن تتوسع منطقة الانبعاثات المنخفضة للغاية إلى حجم أكبر بــ18 مرة من المساحة الحالية في أكتوبر المقبل.

وبدعم من وستمنستر، أصبحت لدى مدينتي باث وبرمنغهام أيضاً "مناطق ذات هواء نقي"، ومن المتوقع أن تحذو مدن أخرى حذوها في الأعوام القادمة. وما تفعله هذه الآلية بفاعلية، هو إرغام الشركات والأفراد على الاستثمار في مركبات أنظف وأحدث، تكون أقل احتمالية للتوقف عند عمل محركها.

وقد أثارت معركة باكينهام الفردية ضد السيارات المتوقفة في الولايات المتحدة، ونجاحه في جني أموال منها، الدعوات إلى إنشاء برنامج مكافآت للمواطنين مماثل في المملكة المتحدة أيضاً. وفي الأوقات التي تحدثنا فيها، أعرب باكينهام عن شعوره بالإحباط لأن المزيد من المدن لم تظهر "فضولاً حقيقياً" في التعامل مع مسألة السيارات المتوقفة، لكنه يأمل أن تؤدي السياسات الأكثر جدية، والمقترنة بالوعي المتزايد لتأثير بصمتنا الكربونية الجماعية، إلى جذب انتباه الناس أخيراً.

ختاماً، يقول باكينهام: "بشكل أساسي، تتعلق هذه المسألة بالصحة العامة، حيث يعتبر محرك الاحتراق الداخلي مسؤولاً عن الجزء الأكبر من تلوث الهواء في كافة أنحاء الولايات المتحدة، وهذا الأمر مروع".

وأضاف: "هذا حل. لا أحد يحب إخراج النقود من محفظته، سواء كان شخصاً غنياً أم فقيراً. يكفي أن تقوم بها مرة واحدة، ولن تكررها مرة أخرى".