الانتفاضة السياسية في ماليزيا أمامها طريق طويل للاستقرار

تشبه الانقسامات تلك التي عززت تصويت بريكست من الاتحاد الأوروبي عام 2016 في بريطانيا، والتي أدت إلى انتخاب دونالد ترمب لرئاسة البيت الأبيض بعد بضعة أشهر
تشبه الانقسامات تلك التي عززت تصويت بريكست من الاتحاد الأوروبي عام 2016 في بريطانيا، والتي أدت إلى انتخاب دونالد ترمب لرئاسة البيت الأبيض بعد بضعة أشهر المصدر: بلومبرغ
Daniel Moss
Daniel Moss

Daniel Moss is a Bloomberg Opinion columnist covering Asian economies. Previously he was executive editor of Bloomberg News for global economics, and has led teams in Asia, Europe and North America.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تغلق استقالة محيي الدين ياسين من رئاسة وزراء ماليزيا فصلاً من المتاعب السياسة في الدولة، ومن غير المرجح أن ينهي الخروج إراقة الدماء البرلمانية أو يحل الأزمات الاقتصادية والصحية التي تهز أمة كانت ذات يوم مثالا للاستقرار في جنوب شرق آسيا، وطالما أن الطبقة الحاكمة العرقية الملاوية منقسمة، فإن تساؤلات الشرعية التي أضعفت محيي الدين ستظل تحوم حول خليفته.

رغم كل عيوب رحيل محيي الدين، فإنه يقدم على الأقل بعض المساءلة عن سوء الحوكمة، وما تحتاجه ماليزيا حقاً هو إجراء انتخابات، وهو أمر شبه مستحيل الآن، وأصبحت مراكز الاقتراع في ولاية صباح، بجزيرة بورنيو، مركزاً لانتشار فائق لوباء كوفيد 19 العام الماضي.

وعلى مستوى الأمة بأكملها، سجلت الإصابات اليومية رقماً قياسياً بلغ 21,668 حالة إصابة يوم الخميس حتى مع إحراز حملة التطعيم تقدماً، وتلقى حوالي ثلث السكان البالغين جرعتين وحصل أكثر من 60% من السكان على جرعة واحدة على الأقل، وتقلصت توقعات النمو الاقتصادي.

الأمل

يُعد أفضل أمل على المدى القصير هو وجود قائد، بدون معوقات محيي الدين، يمكنه حشد دعم كافٍ ليكون فعالاً ويصل إلى مرحلة ما يمكن عندها معالجة الانقسامات السياسية من خلال صناديق الاقتراع. وكحد أدنى، يتعين على القائد التالي أن يثبت من خلال تصويت الثقة أنه يحظى بدعم البرلمان.

كان محيي الدين قلقاً من السعي وراء تلك الخطوات الشفافة التي تظهر الثقة، ربما لأنه شعر أن النتيجة ستكون غير مواتية، وأنهى 17 شهرا في منصبه، يوم الاثنين، عندما قدم استقالته إلى الملك عبد الله أحمد شاه. وسيظل متولياً لمهام منصبه حتى يُعيَّن من يخلفه.

أصبحت قبضة محيي الدين على السلطة، التي لم تكن واضحة القوة، ضعيفة بشكل خاص منذ أن عاب الملك الدستوري على مناورات الحكومة في البرلمان الشهر الماضي، وكان التوبيخ نقطة تحول أكثر من السبب الكامن وراء ضعف محيي الدين، وكان قد أعلن عدد كبير من المشرعين من كتلة رئيس الوزراء أنهم سيغادرون، وجردوه من أغلبية مجلس النواب في الهيئة التشريعية، وقدم التماس دعم مدته 11 ساعة لأحزاب المعارضة والذي لم يحقق أي نتائج.

لا توحي المؤامرة بالثقة في اقتصاد تمتع بمتنفس قصير من الركود المطول الناتج عن وباء كوفيد، وقبل ساعات من تقديم محيي الدين للالتماس يوم الجمعة، قلص البنك المركزي توقعاته للنمو بحده، وقال بنك نيجارا ماليزيا إن الناتج المحلي الإجمالي سينمو بنسبة 3- 4% العام الجاري، منخفضاً عن التقديرات السابقة البالغة 7.5%.

اقتصاد ماليزيا يختتم 2020 بأسوأ أداء له منذ 22 سنة

فوتت الدولة أغلب التعافي الواسع الذي استفادت منه سنغافورة والصين وكوريا الجنوبية والاقتصادات الغربية، ولوّح الماليزيون، الذين يعانون من ضائقة - يختبرون الجوع ويحتاجون مأوى ويشعرون بالاشمئزاز من التسييس- بأعلام بيضاء من منازلهم، وأصبحت حركة الأعلام إدانة للحكومة.

مزيج قابل للاشتعال

كان محيي الدين أول رئيس وزراء منذ الاستقلال في 1957 يحصل على منصبه دون قيادة حزبه إلى الانتصار في الانتخابات، وتولى المنصب بعد أن انهار الائتلاف بقيادة مهاتير محمد - الذي كان حينها في ثاني فترة ولاية له كرئيس وزراء في التسعين من عمره - بعد أن اكتسح كوفيد الكوكب، وأقنع محيي الدين الملك، الذي يشغل عادة دوراً فخرياً، بأنه يستطيع حشد أغلبية.

لا ينبغي أن يكون مجلس الوزراء الجديد هو الأفضل والألمع، وإنما يحتاج لأن يكون معتدل الكفاءة وأقل تقييداً بالانتقادات المتواصلة التي أصابت طاقم محيي الدين. ومع ذلك، يبدو المعيار الأول أكثر قابلية للتحقيق من الثاني.

في نهاية المطاف، تعكس الانقسامات في البرلمان انشقاقات المجتمع خاصة بين جماعة الملايو العرقية المهيمنة سياسياً. خلال أغلب تاريخ ماليزيا، سيطر حزب واحد على ولاء الأغلبية الساحقة من الناخبين من الملايو، وقاد هذا الحزب، "المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة"، الحكومات منذ الاستقلال وحتى فقد السلطة في 2018 نتيجة فضيحة الفساد في الصندوق السيادي الماليزي، وأصبح من ذلك الحين واحداً من مجموعة تعد على الأصابع من الأحزاب التي تسعى للحصول على دعم جماعة الملايو.

أصبحت ماليزيا أكثر تمدناً، وتعلماً وازدهاراً - رغم الركود الحالي - مما كانت عليه في سنواتها الأولى عندما كانت الأحزاب العرقية هي المسيطرة. ومع الوقت تآكل الدعم لحزب المنظمة الوطنية وازداد في كتلة المعارضة بقيادة أنور إبراهيم، بجانب من انشقوا عن حزب المنظمة، والذي يعد محيي الدين واحداً منهم.

ماليزيا تحصل على 432 مليون دولار ضمن تسوية فضيحة" الصندوق السيادي"

أصبحت الأجزاء الشمالية من البلاد أكثر تحفظاً وانجذابًا للإسلام السياسي، مما أعطى الحزب الإسلامي الماليزي الأصولي "PAS" مخزونات من الدعم في المناطق النائية، واجتمع حزبا المنظمة الوطنية والإسلامي معاً على نحو غير مريح في ائتلاف محيي الدين المتداعي، وتمتعا بامتيازات وزارية، بينما قاما بمناورات من أجل ميزة انتخابية منفصلة.

وهذا مزيج قابل للاشتعال، وتشبه الانقسامات تلك التي عززت تصويت بريكست من الاتحاد الأوروبي عام 2016 في بريطانيا، والتي أدت إلى انتخاب دونالد ترمب لرئاسة البيت الأبيض بعد بضعة أشهر. وبعد انهيار نموذج الحزب الواحد القديم في ماليزيا هناك شيء أكثر مرونة قيد التطور، وإن كان هناك عزاء في هذه القصة، فهو أن البرلمان أخيراً - وربما بشكل عابر - أصبح شيئاً أكثر من مجرد ختم يُصدق على السلطة التنفيذية.

والمشهد حالياً غير سار وفوضوي، لكن الديمقراطية ليست دائما جذابة للعين، ومن المؤسف للغاية أن محيي الدين حاول إعاقتها، وسيكون من المؤسف أن يتم تعليق عمل البرلمان في كل مرة يعاني فيها زعيم من أرقام سيئة، وينبغي إلقاء اللوم على من يحمل الأنباء السيئة.

نزاعات ماليزيا ليست قريبة من الحل، وأمام هذه الملحمة طريق طويل لتقطعه.