كورونا.. كيف يصف المتعافون الآثار الصحية طويلة الأمد ؟

هانا واي، 27 أكتوبر 2020
هانا واي، 27 أكتوبر 2020 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد مرور عدَّة أشهر على بدء الجائحة وتشخيص أكثر من خمسين مليون إصابة، مانزال لا نفهم أموراً كثيرة عن فيروس كورونا المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة "سارس كوف 2". وفي حين أنَّنا نعلم أنَّ أغلبية المصابين بفيروس كورونا المستجد، إمَّا لا يُبدون أيَّ أعراض، وإمَّا تكون أعراضهم طفيفةً، فإنَّه يبقى من المقلق أنَّ حصةً لا بأس بها من الذين تعافوا، الذين يصل عددهم إلى 20 مليون نسمة حول العالم، يعانون من آثار خلَّفها المرض، ومنها اعتلالات في الرئتين، والقلب، والجهاز العصبي.

وفي حين يجمع الباحثون بيانات من المرضى لاستقصاء مدَّة هذه العواقب الصحية وعمقها، تُفتح عيادات تختصُّ بالمرحلة التي تلي الإصابة بفيروس كورونا، وذلك من أجل خدمة هذه الشريحة المتنامية من مرضى "كوفيد طويل الأجل" المعروفين اصطلاحاً بـ"Long haulers"، وهم مرضى متعافون لا يزالون يعانون من ندوب في الرئتين، وضرر مزمن في القلب، وإرهاق بعد الإصابة بالفيروس وغيرها من الظروف الصحيَّة المستمرة والمنهِكة، مع الإشارة إلى أنَّ هذا الاعتلال الدائم لدى هذه الشريحة قد يُثقِل كاهل النظُم الصحية، والقوى العاملة حتى بعد فترة طويلة من توفُّر لقاح للفيروس على نطاق واسع.

وليست هذه الظاهرة التي باتت تُعرَف بـ"الإصابة بكوفيد طويلة الأجل" بالأمر الفريد من نوعه، إذ يمكن أن تحدث متلازمات بعد الإصابة بفيروسات كثيرة، ومنها الإصابة بنزلات البرد العادية، والإنفلوانزا، وفيروس "إبشتاين-بار"، لكنَّ الجديد بشأن "كوفيد-19" هو اتساع طيف الأعراض التي يفيد عنها المصابون واستمرارها لأشهر عديدة، وليس لأسابيع فقط.

ومن المرجَّح لهذه الآثار طويلة الأجل التي تصيب أعضاء عدَّة في الجسم أن تطيل المخلَّفات الاقتصادية للجائحة، لتضيف إلى كلفتها العالمية التي لم يسبق لها نظير، التي ستناهز بحسب توقُّعات الباحثين في الجامعة الوطنية الأسترالية 35.3 تريليون دولار حتى عام 2025.

وفي مجلة الجمعية الطبية الأمريكية (Journal of the American Medical Association) التي استعرضت آثار الفيروس المستمرة، كتب كارلوس دل ريو، العميد المشارك التنفيذي في كلية الطب بجامعة إيموري، وزملاؤه ضمن دراسة نُشرَت في 5 أكتوبر: "لأنَّ (كوفيد-19) لا يزال مرضاً جديداً، فلا يزال الغموض يحيط بجزء كبير من مساره السريري، خصوصاً في ما يتصل بآثاره المحتملة طويلة الأجل على الصحة، إن وُجِدَت". ويتابع التقرير: "نحن بحاجة إلى تقديم رعاية متعددة التخصصات، وإلى بحوث متكاملة مدروسة لتخفيف الآثار الصحية الجسدية والنفسية التي تصيب مئات الآلاف من المتعافين من (كوفيد-19)، هذا إن لم يكن الملايين منهم".

ومع أنَّه لا يزال من غير الواضح نسبة المتعافين من الفيروس ممن سيحملون آثاره على المدى الطويل، فإنَّ المملكة المتحدة تُجري دراسة على أكثر من 4 ملايين مشارك، وقد خلُصَت إلى أنَّ واحداً من بين كل 10 أشخاص يبقى مريضاً لأربعة أسابيع على الأقل. واللافت أنَّ المصابين من ذوي الحالات الخفيفة، هم الأكثر ترجيحاً بأن يعانوا من مجموعة متنوعة من الأعراض "الغريبة" التي تظهر وتختفي على مدى فترة أطول، بحسب تيم سبكتور، الأستاذ في علم الوراثة الوبائي في كلية كينغز لندن، الذي يقود الدراسة.

وبحسب باحثي كلية كينغز، تشير البيانات إلى أنَّ من بين المصابين بالموجة الأُولى من الفيروس في المملكة المتحدة يُفتَرض أنَّ 300 ألف شخص أصيبوا بأعراض كوفيد لمدة شهر، و60 ألفاً منهم لمدة ثلاثة أشهر أو أكثر.

وكتب سبكتور في تمهيد تقريرٍ نُشر في 5 أكتوبر حول الظاهرة لمعهد توني بلير للتغيير العالمي قائلاً: "الجانب الآخر لكوفيد يتمثَّل بوجود هؤلاء المصابين لفترات طويلة، الذين قد يشكِّلون مشكلة على الصحَّة العامَّة أكبر من مشكلة ارتفاع الوَفَيَات التي يتسبَّب بها المرض، التي تصيب كبار السنِّ بشكل خاص".

صعوبة التكهن بالاَثار الصحية طويلة الأمد

وفي هذا الصدد يقول كريستوفر موراي، وهو مدير معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن في سياتل، إنَّ قلَّة متابعة المرضى، وعدم اكتمال البيانات حول عدد المصابين بـ"كوفيد-19" يصعِّبان عملية التكهُّن بالآثار الصحية والاقتصادية طويلة الأمد للجائحة.

ويضيف موراي الذي ينوي دراسة آثار ما بعد الإصابة بكوفيد في إطار الأبحاث حول الأعباء العالمية للأمراض، التي يُجريها منذ قرابة ثلاثين عاماً، أنَّه باتت تتوفر الآن معلومات كافية للإشارة إلى أنَّ هذه الآثار "لا يُستهان بها".

وستكون هذه المعلومات بالغة الأهمية للتوقُّع باحتياجات الرعاية الصحية المستقبلية وتمويلها، بحسب توماس فايل جونيور، رئيس جمعية الأمراض المعدية الأمريكية، الذي يتوقَّع أن تخلِّف الجائحة "عبئاً هائلاً على نظام الرعاية الصحية لسنوات قادمة".

وسيكون الأثر الاقتصادي أكبر بكثير إن عانى المتعافون الأصغر سناً من اعتلالات مرتبطة بفيروس كورونا على مدى عقود، ذلك وفقاً لأولغا جوناس، وهي مستشارة اقتصادية سابقة في البنك الدولي تدرس في جامعة هارفارد تأثير انتشار العدوى. وبحسب دراسة نُشرت عام 2006، كان شلل الأطفال سيؤدي إلى تكاليف علاجية تقدر بـ215 مليار دولار في الولايات المتحدة ما بين 1955 و2015 إن لم تتوفر اللقاحات له على نطاق واسع.

قلَّما أُقِرَّ حتى الآن بآثار "كوفيد-19" السلبية في الراشدين الأصغر سناً، بحسب هانا واي البالغة ثلاثين عاماً، التي عانت من المرض لفترة طويلة في كندا، وتساعد في إجراء البحوث حول المرض لصالح "بودي بوليتيك" (Body Politic)، هي ومجموعة مساندة للمتعافين من كوفيد عبر الإنترنت. وقد خلص تحليل إجابات 640 مريضاً جمعتها المجموعة التي تضمُّ علماء في شهرَي أبريل ومايو إلى أنَّ "التعافي أمرٌ شديد التقلُّب ينطوي على انتكاسات كثيرة، وقد يمتدُّ على مدى ستة أسابيع أو أكثر".

ومع أنَّ المجيبين كلهم اختبروا أعراضاً متعلقة بـ"كوفيد-19"، فإنَّ 48% منهم، ربما لم ينالوا فرصة لإجراء اختبار الفيروس، أو لم يخضعوا له لأسباب أخرى. وذلك قد يصعِّب حصولهم على المساعدة المالية لإعادة التأهيل والاستفادة من الخدمات المتصلة بالإعاقة، بحسب واي، التي وجدت أنَّ الأشخاص الذين في سنها لم يُشخَّص مرضهم في مرحلة مبكرة من الجائحة، أي في تلك الفترة التي كانت تُخصَّص فيها موارد الاختبار الشحيحة للمرضى الأكبر سناً الذين يعانون بالإجمال من أعراض أكثر خطورة.

وفي الأشهر الأخيرة بيَّنَت الدراسات أنَّ الأضرار لدى المرضى الأصغر سناً لا تصيب أعضاءهم فحسب، بل قد لا يدركون الحاجة حتى إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمنع وقوع مزيد من الضرر، فقد استنتجت دراسة مصغَّرة أُجريت في سبتمبر وجود علامات التهاب لعضلة القلب، يمكن أن تكون مميتة لدى 4 من بين 26 طالباً جامعياً رياضياً، ومنهم اثنان لم تتسبب إصابتهما بالفيروس في أيِّ أعراض ظاهرة.

وحتى في الحالات التي تُشخَّص فيها الإصابة بكوفيد لفترات طويلة، ما تزال آثارها الاقتصادية لا تُحدَّد على النحو الكافي، بحسب جانيت كوري، الأستاذة في علم الاقتصاد في جامعة برينستون، مع الإشارة إلى أنَّ استبيانات التوظيف التي يؤيدها علماء الاقتصاد في العادة لا تسأل عمَّا إذا كان الأفراد يعانون من أيَّة إعاقات.

في الصفحات التالية، تخبركم واي بالإضافة إلى خمسة أشخاص ممَّن عانوا من المرض لفترات طويلة حول التعايش مع هذه الحالة المحيرة. وقد نُقِّحَت المقابلات لضمان قِصَرها، وتعزيز وضوحها.

لم يكن من الممكن لمعلِّمة المدرسة الابتدائية هذه أن تعمل من المنزل عندما أُقِرَّ الإقفال العامّ في المملكة المتحدة في مارس. وطلبت منا جيني عدم الإفصاح عن اسمها الكامل لأنَّ ذلك قد يضرُّ بفُرص عملها. وهي التي لم تُعِر بداية الأمر أهمية عندما بدأت تعاني من أعراض شبيهة بالإنفلوانزا في أبريل، واعتقدت أنَّها منهكة من عملها لا غير. والآن، وبعد سبعة أشهر، تركت جيني التعليم، وهي التي لديها ثلاثة أطفال، ولا تزال تواجه صعوبةً في العودة إلى حياتها الطبيعية.

وفي مايو، أُرسلت إلى المستشفى لتصوير صدري بالأشعة السينية، وكنت أسمع كل أولئك الأشخاص في الجناح يقولون: "أنا في أسبوعي الثامن، وأنا في أسبوعي التاسع". كنت أنا في أسبوعي السادس في ذلك الوقت. ومع بداية يونيو، كنت أشعر وكأنَّ الأعراض تأتي على دفعات، وأنني أخوض المرض على دفعات، فكنت أعاني مدة أسبوع من آلام حادَّة في الحنجرة، أو أسبوع من آلام الرأس الحادَّة، وشيئاً فشيئاً بدأت أستعيد بعض القوة. أصبحت أستيقظ لفترة أطول، وأتمكَّن من أداء مهامّي في الصباح، وأدرِّس أطفالي في المنزل، لكنني كنت أعود وأنهار بعد الغداء. وكان طفلي الأصغر يمضي ساعات وساعات وهو يلعب بالـ"ليغو" ويشاهد التلفاز. وكان هذا الأمر الأصعب وسط الإقفال العامّ، لأنني شعرت وكأنَّ كل ما كنت أستمدُّ منه الدعم في السابق انتُزع مني. ففي العادة، إذا كنت مريضة فقد يعرض عليك أحد أصدقائك أن يُقِلَّ طفلك من المدرسة، ويصحبه إلى منزله ليلعب، أو كانت أمي ستقول لي: "يمكنهم المجيء والنوم عندي". لكن كل ذلك سُلِب مني. وفي حين أنَّ الوقت ليس مثالياً لأكون عاطلةً عن العمل، فإنني لم أتوقف عن التفكير في أنه لا بُدَّ لي أن أمنح جسمي فرصة للتعافي. فالتعليم مهنة تتطلب مجهوداً جسديًاً كبيراً. ولو كنت أعلم الآن لكنت واقفةً أجهد رئتي طَوال اليوم. والعارض الرئيسي الذي أعاني منه الآن هو ألم في صدري، وهذا مرهق فعلاً. لا أعلم ما هو ولا أحد يعرف أصلاً" (بعد هذه المقابلة، علمت جيني أن المرض قد أخلَّ بعمل قلبها). – بحسب ما أخبرت سوزي رينغ.


ماريو إسكوبار، 53 عاماً

أتت نتيجةُ فحص كشف الإصابة بـ"كوفيد-19" الذي خضع له رئيس الطب الداخلي في أحد مستشفيات بوغوتا إيجابيةً مطلع شهر يوليو. تحسَّنت حالته بسرعة، لكنَّه سرعان ما عاد وانتكس بعد العودة إلى العمل. وكشفت الفحوصات أنَّه أُصيب بجلطات دموية تهدِّد حياته في رئتيه وساقه.

كنت أعلم ما يجب توقعه، ففي الأغلبية القصوى من الحالات يبدأ المرض بأعراض طفيفة، ومع حلول نهاية الأسبوع الأول تبدأ الأعراض بالازدياد سوءاً. وهذا ماحصل لي بالضبط. ثم بعد اليوم الحادي عشر بدأت أشعر بحالة أفضل، وأتممت الحَجْر لأربعة عشر يوماً وعُدت إلى العمل. وإن سألتني كنت سأقول لك، إنَّني لم أشعر بأنني مريض، لكنَّ الأمور لم تكُن طبيعيةً تماماً. في المستشفى رحت ألاحظ كلما كنت أصعد السلالم أنَّ الأمر يستلزم مني مجهوداً إضافياً، وعندما عدت لاستعمال دراجتي كان من الصعب علَيَّ أن أركبها صعوداً. وبعد ذلك ببضعة أيام، بدأت الأعراض تعاود الظهور، بدأت أعطس وبات سعالي أكثر وتيرة وأقوى. وراحت مستويات الأكسجين في دمي تهبط من جديد، لذا عُدت إلى المنزل في 9 سبتمبر، وبتُّ أستخدم آلة الأكسجين ليلاً ونهاراً هذه المرَّة.

وإذ لم ألحظ أي تحسن، دخلت المستشفى من جديد في 15 سبتمبر لإجراء المزيد من الاختبارات، فوجدنا تجلطاً في الأوردة العميقة في ساقي اليمنى، وانسدادات في الرئتين. وعندما أفكر في الأمر، كانت كلُّ نوبات السعال وصعوبة التنفس تلك، تحصل إثر الانسدادات في رئتي. ثم بدأت أتناول مسيلات الدم، وسرعان ما بدأت حالتي تتحسَّن. وفي غضون بضعة أيام بدأت مستويات تشبع دمي بالأكسجين بالارتفاع ومن ثم اختفى السعال.

لحُسن حظي بقي بوسعي وسط كل ذلك أن أعمل من المنزل، فبقيت نشطاً ذهنياً، وكان ذلك عاملاً أساسياً لي، فالطريقة التي تواجه فيها المرض بالغة الأهمية أيضاً. وكوني أمارس التأمل بانتظام منذ سنوات، فأنا لا أفرط في التفكير في ما سيحصل في المستقبل القريب. وغالباً أكرر لابنتي قائلاً: "اليوم هو أفضل يوم في حياتك". والآن أنا أركِّز على التعافي تماماً.

هانا واي، 30 عاماً

أوتاوا

شُخِّصَت إصابة واي التي تعمل في مجال تصميم المنتجات بـ"كوفيد-19" في مارس بعد العودة من رحلة إلى آسيا، إذ تُمضي في العادة بعض الوقت كل عام. وقد تحسَّنت حالة هذه الشابة الآن، لكنها تقول بعدما كانت تمارس فنون القتال المختلطة، إنَّ عدم قدرتها على ممارسة الرياضة كما كانت تفعل في السابق خلَّف فجوةً كبيرة في هُوِيَّتها.

أثَّر المرض كثيراً في مجرى التنفس لديَّ، ففي نحو اليوم العاشر إلى اليوم الرابع عشر كانت رئتاي تؤلمانني فعلاً، كنت أشعر بهما. لا نفكر في العادة في الشعور برئتينا، ولكن، رباه! كنت أشعر كما لو أنني ركضت الماراثون للتوِّ، ذلك الشعور الذي ينتابك عندما لا تعود قادراً على التنفس. ثم عندما أصبح الطقس أدفأ بدأت رئتاي تتحسنان. وأعتقد أنني في ذلك الوقت بدأت أعاني من مجموعة من أعراض الإصابة بكوفيد طويل الأجل، فبدأ يصيبني مزيد من الإرهاق وضيق في النفس من وقت لآخر وصعوبة في التركيز. وهنا تردُّ الأعراض العصبية الصاع صاعين، فتصيبك مجموعة مختلفة تماماً من الأعراض من طفح جلديٍّ وما شابه، وتبرز كل تلك الأمور الغريبة.

كنت رياضيةً، وما أزال أعتبر نفسي رياضيةً، لذا فإنَّ محاولاتي للتحسن واستعادة أدائي السابق، واسترجاع هُوِيتي كرياضية وكمؤدية هي صعبة جداً، إذ من الصعب جداً التخيُّل أنَّ كل أولئك الأشخاص الذين كانوا معتادين القيام بكثير من الأنشطة المفعمة بالحيوية، ما عادوا قادرين على القيام بها الآن. إنَّه أثر بالغ في نظرتنا إلى أنفسنا.

ستيفانيا دغاردوني، 50 عاماً

روما

أتت نتيجة دغاردوني إيجابيةً في اختبار الكشف عن كوفيد في مطلع شهر مارس وأُدخلت المستشفى، إذ تضمَّن علاجها جرعات من الـ"هيدروكسي كلوروكوين"، وهو دواء تبيَّن أنه بالكاد يتحلى بأيَّة قيمة علاجية لمرضى "كوفيد-19" وترافقه آثار جانبية خطيرة. ومنذ أن خرجت ستيفانيا دغاردوني من المستشفى في مايو، عانت كثيراً في بحثها عن عمل منتظم، ونبذها جيرانها.

منذ أن غادرت المستشفى حتى أسابيع قليلة مضت، بقي شعري يتساقط بكثرة، وما زلت أعاني من آلام في الصدر ومن ارتفاع في ضغط الدم. وأعتقد أنَّ ذلك كلَّه ناجم عن دواء "هيدروكسي كلوروكوين" الذي أعطوني إياه في المستشفى، لأنَّني لم أكُن أعاني من ذلك في السابق. وأحياناً ذاكرتي تخذلني كما لو كنت أُبدي أُولى علامات الإصابة بمرض الزهايمر، فمنذ بضعة أسابيع كنت أتحدَّث مع شريكي الحالي كما لو كان والد ابني. ويبدأ الخوف يصيبك من هذه الأمور وتسأل نفسك: "كيف يُعقل ذلك؟!". أيضاً فإنّ حاسَّة الشمِّ لديَّ لا تزال متضررة حتى بعد أربعة أشهر، فمن الصعب علَيَّ أن أشمَّ حتى رائحة سائل التبييض، فهو كالمياه بالنسبة إليَّ. وأعاني أيضاً لأشمَّ الثوم أو البصل، ومذاق مشروب الكوكا كولا أصبح أشبه بالنفط بالنسبة إليَّ، ولا يمكنني التمييز بين النكهات، فمعظم المأكولات لها المذاق الحلو عينه، وهذا أمر محزن لأنني كنت طباخةً ماهرةً. وبعد إخراجي من المستشفى، اتَّهمني جيراني وأقربائي بأنني لا أتحمَّل المسؤولية، وأنني أنشر الفيروس. وأُلحق الضرر بسيارتنا وهُدِّد ابناي الراشدان من قِبل شخص كان يحمل رافعة سيارات. وقد قدَّمت شكوى لدى الشرطة لكنني عُدت وتنازلت عنها، إذ لم أُرِد أن أشنَّ حرباً لا نفع لها معهم. وحتى اليوم في المبنى الذي أقطنه، يخاف الجيران أن يلتقوني في المصعد، وهم يغلقون الباب عندما أمرُّ بجانبه، ولا يسعني أن أفهم كل هذا البغض. وذلك مؤسفٌ لأنَّه كانت تربطنا علاقة متينة في السابق. – كما أخبرت ألبيرتو برامبيلا

راهول ساهجبال، 33 عاماً

نيودلهي

يتطلَّب عمل ساهجبال كمدير في شركة تعهُّد خارجية البقاء مستيقظاً طَوال الليل للتعامل مع عملاء من أنحاء العالم كافة. لذلك أنهكه عارض "الضباب الدماغي"، وهو أحد أكثر الأعراض التي عانى منها بشكل مستمرٍّ منذ بدء وعكته نتيجة فيروس كورونا في أوائل مارس.

لم أُجرِ الاختبار قط، لأنَّ أحد أبرز المعايير في ذلك الوقت لإجراء فحص الإصابة بفيروس كورونا كان العودة من السفر أو مخالطة مريض مصاب بالفيروس. وفي شهر أبريل، بدأت لديَّ أعراض مختلفة عن تلك الاعتيادية، فَرُحت أعاني من آلام في المفاصل، ومشكلات هضمية، ودوخة، وطفح جلديٍّ، فقصدت طبيب قلب وطبيب أعصاب، لكن معظم الأطباء قالوا لي، إنَّه مجرد قلق مفرط، وإنني أقرأ كثيراً أو أفرط في التفكير. ومع حلول نهاية أبريل بدأت الأمور تتحسن تدريجياً. وقد مضى الآن أكثر من ستة أشهر على إصابتي، لكنني إذا ذهبت للسير أو قمت بأيَّ نشاط اعتياديٍّ، أعاني من آلام في الحنجرة وانسداد الأنف، كما يحصل في حال نزلات البرد. وما أزال أعاني أحياناً من آلام في صدري، وأحياناً من الجهة اليسرى، وأحياناً أخرى من الجهة اليمنى، ذلك على فترات متقطعة لوقت قصير. كما أعاني كثيراً من "الضباب الدماغي"، ففي حين أتحدَّث معك، أنسى ما حصل منذ دقيقتين. وأنا أعمل في مجال التعهد الخارجي، وعلَيَّ العمل مع جهات متعددة حول العالم، حتى إنني في بعض الأوقات لا أستطيع التكلم بتاتاً، ولا يعود بإمكاني تذكُّر الكلمات، وهذا أمر محرج فعلاً لي، وهو يؤثِّر في أدائي. لحسن حظي أنَّ صاحب عملي كان مسانداً جداً لي.

وأخيراً، إذا كان الأطباء غير متأكِّدين من معلوماتهم، فكيف يمكن أن نتوقَّع أن يكون الناس في مجال عملي متأكدين من شيء؟ لكنهم تعاونوا معي، وكلَّما احتجت إلى عطلة منحوني إياها، وكلَّما احتجت إلى أيام إجازة منحوني إياها أيضاً.

جيك إلساس، 53 عاماً

أتلانتا

كان إلساس يوفِّق بين ثلاث وظائف، وكان ناشطاً في مجتمعه المحليِّ، إلى أن أصيب في منتصف مارس بما يعتقد أطباؤه أنه كان " كوفيد-19". ومع أنَّ الأعراض الأولية كانت طفيفةً، فإنَّ المرض جعله يعاني من الإرهاق، و"الضباب الدماغي"، وتفاقم الأرق الذي كان يعاني منه أصلاً وأرغمه على التخفيف كثيراً من عمله.

أصبحت أعاني من صعوبة كبيرة في استيعاب المعلومات، ويتفاقم وضعي حين أبذل كثيراً من الجهد. هل تناولت يوماً كثيراً من الكحول إلى حدِّ أنَّك عندما استلقيت في سريرك مساءً رُحت تشعر بالدوار؟ أعاني من ذلك الآن بدرجة خفيفة نسبياً، ولكن عندما أرهق نفسي كثيراً يزيد الدوار. فحتى هذه المحادثة مثلاً ستصبح أصعب وأصعب لي، كلما تقدَّمنا في الوقت. أمورٌ كنت أعدُّها مهامَّ بسيطة في السابق؛ باتت اليوم حافلةً بالتحديات، فيمكن أن تستغرقني كتابة رسالة إلكترونية حتى ساعتين من الوقت. مثلاً، غيَّرت صندوق القمامة الخاص بالقطة منذ بضعة أيام، وفي منتصف العملية التي تستغرق 10 إلى 15 دقيقةً في العادة وجدت نفسي غارقاً في العرق البارد، وأعاني من دوار شديد. وفي الماضي كنت أنام نحو سبع ساعات تقريباً. أمَّا الآن فلا أنام سوى أربع أو خمس ساعات. لم أنَم جيداً حتى لليلة واحدة منذ سبعة أشهر. لا يمكن التنبؤ بالأمر، وهذه أبرز المشكلات بالنسبة إليَّ، إذ لا يمكنني العمل بشكل مثمر لفترة مطولة. وأنا متأكِّد أنَّه ليس بوسعي العمل بدوام كامل، ذلك أمرٌ مستحيل. صوَّرت صدري بالأشعة السينية، وأجريت اختبارات دم بكميات لا يمكن تخيلها، فقد أجروا اختبارات كثيرة لرصد كلِّ أنواع الالتهابات التي يمكن التفكير فيها، والآن، بدؤوا يركِّزون على دماغي. وقد أثَّر ذلك في صحَّتي النفسيَّة بلا شك، فقد شعرت في بعض الأوقات بالشفقة على نفسي، وفي كل مرة كان يلي ذلك شعور بالذنب فوراً. وفكرة تقبُّل أنَّ هذا وضعي الطبيعي من الآن فصاعداً أفضل لي من أن أفكِّر في أنَّ حالتي ستتحسَّن.