محمد العريان: لماذا الصدمة الكبيرة فقط هي التي ستردع المستثمرين المغامرين؟

قد يؤدي ميل مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي نحو بدء عملية تقليص مبكرة في مشتريات الأصول الشهرية إلى ترك أهم الأصوات في الاحتياطي الفيدرالي – باول، وريتشارد كلاريدا، وجون ويليامز – أكثر عزلة
قد يؤدي ميل مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي نحو بدء عملية تقليص مبكرة في مشتريات الأصول الشهرية إلى ترك أهم الأصوات في الاحتياطي الفيدرالي – باول، وريتشارد كلاريدا، وجون ويليامز – أكثر عزلة المصدر: بلومبرغ
Mohamed El Erian
Mohamed El Erian

Mohamed A. El-Erian is a Bloomberg Opinion columnist. He is the chief economic adviser at Allianz SE, the parent company of Pimco, where he served as CEO and co-CIO. He is president-elect of Queens' College, Cambridge, senior adviser at Gramercy and professor of practice at Wharton. His books include "The Only Game in Town" and "When Markets Collide."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما بدأتُ العمل مباشرة في أسواق المال عام 1998، بعد 15 عاماً من العمل في صندوق النقد الدولي، أذكرُ أنَّني شعرتُ بالدهشة بشكل خاص من القناعة الراسخة لدى زملائي الجدد حول تعويذتين متكررتين كثيراً: "لا تحارب بنك الاحتياطي الفيدرالي أبداً"، و"الاتجاه هو حليفك".

إذ لم تكن مثل هذه القناعة الراسخة مصدر إلهام لآرائهم فحسب؛ بل أثَّرت أيضاً على تداولهم، ووضع محافظهم على الأجل الطويل. كما لم تتزعزع هذه القناعة بأيِّ شكل من الأشكال منذ ذلك الحين؛ بل تلعب في الواقع دوراً قوياً الآن، فقد أنجبت ثلاث تعويذات أخرى تتردد على شفاه المشاركين في السوق بنفس اليقين لتلك التي قبلها.

3 تعويذات

حصل المستثمرون على مكافأة سخية لالتزامهم بالتعويذتين القديمتين. فقد سجَّلت الأسهم، وفقاً لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، حوالي 48 قمةً هذا العام وحده في ظلِّ استمرار دعم بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الأصول، كما حافظ على تدابير الطوارئ - بما في ذلك 120 مليار دولار من أسعار الأصول الشهرية - على الرغم من تراجع أسوأ التداعيات الاقتصادية والمالية المرتبطة بكوفيد-19، وتزايد المخاوف بشأن الإفراط في المخاطرة المالية.

مسؤول: "الفيدرالي الأمريكي" قد يُقلِّص مشتريات الأصول في سبتمبر

الجدير بالذكر أنَّ قوة تكييف السوق هذه ليست جديدة. وباستثناء بعض الومضات المفاجئة، بما في ذلك في مارس من العام الماضي، فقد كانت تلعب دورها، وتبني المزيد من الزخم منذ الأزمة المالية العالمية. كما كان أداء الأسهم بشكل عام جيداً للغاية خلال هذا الوقت، وهذا ليس مفاجئاً.

إنَّ القمع القوي المستمر من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي لعائدات السندات، بشكل مباشر وغير مباشر، أدى إلى أكثر من دفع المستثمرين إلى تبني المزيد من المخاطر في أماكن أخرى بحثاً عن عائدات أعلى؛ فقد غذَّى التعويذات الثلاث الأخرى التي ذكرتها سابقاً: ("لا يوجد بديل" لأصول المخاطرة)؛ و("الخوف من تفويت الفرصة")؛ و("شراء الأسهم عند انخفاضها") في الأسواق بغضِّ النظر عن سبب ذلك.

فضلاً عن ذلك، شهدت قوة هذه الظاهرة مجتمعة دليلاً واضحاً الأسبوع الماضي. فقد سجَّل "مؤشر ستاندرد آند بورز" أربعة أرقام قياسية، على الرغم من الرياح المعاكسة لموضوعاته الكلية الداعمة الثلاثة: النمو المرتفع والدائم؛ والتضخم العابر؛ والبنك الاحتياطي الفيدرالي الذي سيستمر في تقديم المفاجآت في الجانب الداعم للنمو.

المخاطر

ما من شكٍّ في أنَّ النشاط الاقتصادي العالمي يواجه تحديات جديدة مرتبطة بكوفيد، إذ تؤدي سلالة "دلتا" المتحوِّلة إلى ارتفاع معدلات العدوى، ودخول المستشفيات في المزيد من البلدان. وقد تمَّ تسليط الضوء على مخاطر الطلب يوم الجمعة من خلال الانخفاض الحاد في ثقة المستهلك الأمريكي، كما ذكرت جامعة ميشيغان. وجاء ذلك قبل الإلغاء المقرَّر الشهر المقبل لمزايا التأمين ضد البطالة الإضافية التي ساعدت في تعزيز دخل الأسرة ومدَّخراتها.

كذلك هناك أيضاً خطر متجدد مرتبط بكوفيد، ومتعلق بالإمداد، فقد تعطَّلت سلاسل التوريد العالمية جنباً إلى جنب مع النقل؛ إذ تُضيف مثل هذه الاضطرابات إلى المخاوف بشأن التضخم في سلسلة التوريد، وهي قضية أبرزتها أرقام مؤشر أسعار المنتجين الأكثر سخونة من المتوقَّع يوم الخميس، مما يقلل من الراحة التي جاءت مع تقرير مؤشر أسعار المستهلك لليوم السابق، الذي أظهر أنَّ التضخم لا يتسارع من المستويات المرتفعة بالفعل.

ضربة جديدة لسلاسل التوريد العالمية بسبب انتشار "دلتا" في آسيا

إلى جانب الرياح المعاكسة للنمو والتضخم، أشار المزيد من مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي إلى ميلهم الأكبر نحو بدء عملية تقليص مبكِّرة في مشتريات الأصول الشهرية؛ وهي خطوة تخاطر بترك أهم الأصوات في الاحتياطي الفيدرالي – باول، ونائب الرئيس ريتشارد كلاريدا، ورئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك جون ويليامز – أكثر عزلة، مما يسلِّط الضوء على التحديات التي تواجه وحدة اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة.

لكن مع ذلك، لم تقف هذه العوامل في وجه تلك الأرقام القياسية الأربعة لمؤشر "ستاندرد آند بورز" الأسبوع الماضي، وهو الأمر الذي لن يفاجئ معظم علماء السلوك.

الصدمة

في الحقيقة، وبالنظر إلى التكييف العميق للأسواق، وتعزيزها الإيجابي من خلال المكافآت المالية؛ ستكون هناك حاجة لصدمة كبيرة لسيكولوجية السوق - مثل أي خطأ سياسي خطير، أو حادث كبير في السوق، أو مزيج من الاثنين- لإخراج المستثمرين من العقلية التي خدمتهم بشكل جيد للغاية حتى الآن. وهي عقلية محصَّنة ضد الكثير من الأخبار السيئة؛ إذ تسمح بالفعل بإعادة صياغة مثل هذه الأخبار السيئة، وتحويلها على الفور إلى أخبار جيدة - على سبيل المثال، كلما زادت الرياح المعاكسة للاقتصاد، زادت احتمالية قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بجولة أخرى من إجراءات التحفيز. ولا عجب أنَّ المشككين، لا سيَّما في مجال صناديق التحوُّط، فقدوا الرغبة في تحدي الأسواق الصاعدة باستمرار.

كما أنَّ المستثمرين ليسوا وحدهم في تبني نهج أحادي الجانب. إذ يبدو رسمياً أنَّ بنك الاحتياطي الفيدرالي ما يزال لا يفكر كثيراً في التوزيعات ثنائية الجانب للنتائج المحتملة، والحاجة ذات الصلة إلى التفكير في التأمين لطرفي هذا التوزيع.

وبالنظر إلى التطورات والتوقُّعات الأخيرة؛ يميل العديد من الاقتصاديين إلى الحذر بشأن النطاق الواسع للنتائج المحتملة. وليس هذا هو المكان الذي يوجد فيه المستثمرون؛ فمن خلال الاستناد إلى التعويذتين القديمتين، والمشتقات الثلاثة الأحدث، يميل المستثمرون بقوة إلى التوسُّع أكثر من أجل تحقيق عوائد عالية، والاستمرار في تحضير محافظهم الاستثمارية لأكثر من 48 ارتفاعاً قياسياً في عام 2021.