الدروس المستفادة والمنسية من الحرب التجارية الأخيرة

أزمة كساد عام 1930 نتيجة تعريفات جمركية فرضها "هربرت هوفر" الرئيس الأمريكي آنذاك.
أزمة كساد عام 1930 نتيجة تعريفات جمركية فرضها "هربرت هوفر" الرئيس الأمريكي آنذاك. المصدر: Library of Congress
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

توصلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق لوقف الحرب التجارية، في الوقت الراهن على الأقل، ولكن الرئيس "دونالد ترامب" (Donald Trump) بقي عالقًا في حرب جمركية مع الصين في وقت فرض فيه ضرائب جمركية على واردات الصلب والألومنيوم من معظم دول العالم، وهدد بالانسحاب من الاتفاق التجاري الذي يربط الولايات المتحدة بكندا والمكسيك ما لم يُعدل وفق رغباته.

وتدفع قرارات ترامب لمقارنته بالانهيار التجاري الذي نتج عن أزمة الكساد العظيم عندما قام "هربرت هوفر" (Herbert Hoover) الرئيس الأمريكي آنذاك بإقرار قانون التعريفات الأمريكي لعام 1930، المعروف باسم قانون "سموت هاولي" (Smoot-Hawley)، رافعًا التعريفة الأمريكية المرتفعة أصلًا على مئات السلع المستوردة، لترد عليه الدول الأخرى بسياسة المعاملة بالمثل، ما مهد لانتشار سياسة الحمائية الاقتصادية حول العالم وازدياد الكساد الذي تمر به البلاد، سوءًا حتى استغرقت الولايات المتحدة عقودًا للتعافي من أضراره. فهل يعيد التاريخ نفسه؟

السبب وراء رفع الرسوم عام 1930

فاز الرئيس الجمهوري "هوفر" في الانتخابات عام 1928 متعهّدًا برفع التعاريف المفروضة على الواردات الزراعية بغية مساعدة المزارعين المثقلين بالديون نتيجة انخفاض أسعار المحاصيل والأراضي، وتوسعت الضرائب لتشمل أصحاب المصانع بعد أن تبادل المشرعون الجميل في سياق عملية تشريعية مضنية استمرت 18 شهرًا.

وعلى الرغم من معارضة أكثر من 1000 خبير اقتصادي وصحفي بارز مثل "والتر ليبمان" (Walter Lippmann)، أقر "هوفر" في يونيو 1930 التعريفة التي عرفت باسمي القائمين عليها، وهما السناتور "ريد سموت" (Reed Smoot) من ولاية يوتا والنائب "ويليس هاولي" (Willis Hawley) من أوريغون، بعد أن انهار سوق الأسهم أصلًا في أكتوبر 1929.

ما القرارات التي نتجت عن تعريفة سموت هاولي؟

رفع قانون سموت هاولي التعاريف المفروضة على 900 سلعة مستوردة، تشمل كل شيء بدءًا من السكر والبيض وحتى مشابك الغسيل وبراميل النفط، بحيث وصلت الزيادة على هذه السلع بين 15 إلى 20 بالمئة وحتى أكثر من 40 بالمئة، كما أدى انهيار الأسعار الناتج عن الكساد العظيم إلى زيادة التعاريف بشكل ملحوظ، إذ اتُبعت تلك السياسة فرض ضرائب تمثلت في مبلغ ثابت من الدولارات حسب حجم السلعة أو وزنها لا كنسبة مئوية من سعر الاستيراد.

وعلى سبيل المثال، رفع هذا القانون الضريبة المفروضة على السكر المستورد من كوبا من 1.76 سنتًا إلى سنتين اثنين لنصف الكيلو تقريبًا، وتم تطبيقها بغض النظر عن تكلفة السكر حتى وإن كانت أقل من سنتين لنصف الكيلو. ووفقًا لما كتبة البروفيسور "دوغلاس إيروين" (Douglas Irwin) في كلية دارتموث، بلغت التعريفة ذروتها بنسبة 59 بالمئة عام 1932 دون أن يسبقها في ذلك إلا التعريفة الأمريكية الشنيعة عام 1828.

ما الآثار التي ترتبت على تطبيق تعريفة سموت هاولي؟

خلال عامين من توقيعها، هبطت نسبة الواردات والصادرات بنحو 40 بالمئة، عندما انتقم التجار بفرض تعرفتهم الخاصة، بينما قلصت الشركات المنتجة من الدول الأخرى شحناتها إلى الولايات المتحدة أو إيقافها؛ لأن بيعها لم يعد مربحًا، في حين اضطر بعض المصدرين لدفع المزيد من المال مقابل استيراد المواد التي يستخدمونها في صنع منتجاتهم النهائية وواجهوا حواجز أكبر في بيعها خارج البلاد. أما المزارعون الأمريكيون الذين كان من المفترض أن يكونوا المستفيدين الرئيسيين من هذا القانون، فانهارت أسعار محاصيلهم وصادراتها.

ما وجه المقارنة مع تعريفة ترامب؟

يبدو "ترامب" مقامرًا حذرًا بالمقارنة مع "هوفر"، على الرغم من أن ذلك قد يتغير في حال انهارت الهدنة مع الاتحاد الأوروبي، فحتى الآن، فرض "ترامب" تعريفة جمركية على واردات الصلب والألومنيوم والغسالات والألواح الشمسية من معظم أنحاء العالم، كما فرض ضرائب على منتجات مستوردة من الصين تصل قيمتها إلى 34 مليار دولار.

كما حضر الرئيس الأمريكي قائمة أخرى بقيمة 16 مليار دولار، فيما تصل قيمته بالمجمل إلى حوالي 5 بالمئة من الواردات الأمريكية، في حين خضع ثلث الواردات تقريبًا للضرائب عام 1930. ولكن إذا ما أقر "ترامب" رفع التعريفة الجمركية على جميع الشحنات الصينية إلى الولايات المتحدة - كما هدد – فإنه سيرفع نسبة الواردات الخاضعة للضريبة إلى حوالي 25 بالمئة.

ما أوجه الشبه الأخرى بين تعريفة ترامب وسموت هاولي؟

في كلا الحالتين كان المستفيد المفترض من التعريفة هو نفسه المتضرر منها في النهاية، من الأمثلة على ذلك شركتا "ويرلبول كروب" (Whirlpool Corp) و"هارلي-دايفيدسون إنك" (Harley-Davidson Inc) اللتين وقعتا ضحية الحرب التجارية التي أشعلها ترامب، كما اضطرت إدارته إلى اللجوء إلى "كوموديتي كرديت كوربوراشن" (Commodity Credit Corporation) التي أنشئت خلال الكساد الاقتصادي لدعم أسعار المحاصيل، وذلك بهدف تمويل مساعدات بقيمة 12 مليار دولار لتعويض المزارعين الأمريكيين الذين استُهدفت صادراتهم من قبل البلدان الأخرى بدافع الانتقام من التعريفات التي فرضتها الولايات المتحدة.

لكن ردود أفعال الدول الأخرى كانت مختلفة حتى الآن، ففي حين فرضت تعريفات انتقامية على صادرات الولايات المتحدة، فإنها لم تفرض أي تعريفة على الشحنات المتبادلة فيما بينها - كما فعلت خلال الثلاثينيات، بل وقام بعضها بعكس ذلك بالتوقيع على اتفاقيات تجارية جديدة.

هل من الممكن أن يسبب ترامب كسادًا آخر؟

على الأغلب لن يفعل، إذ ساهم توسع الحماية الاقتصادية الذي شهده العالم عام 1930 في انهيار القطاع التجاري آنذاك، ولو لم ير العديد من الاقتصاديين في الحماية الاقتصادية السبب وراء الكساد العظيم، ملقين اللوم في ذلك على نظام الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى لالتزامها بالغطاء الذهبي الذي ربط قيمة العملة بالذهب، والذي يعد سلعة نادرة بينما كان بإمكانها خفض قيمة الدولار للحفاظ على القدرة التنافسية للبضائع الأمريكية.

وقام الاحتياطي الفيدرالي بعكس ذلك، فأبقى على أسعار الفائدة مرتفعة وحافظ على تزمت السياسة النقدية على الرغم من انهيار سوق الأسهم والبنوك والاقتصاد، ما قاد إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى 25 بالمئة. ومما لا شك فيه أن ذلك كان قرارًا خاطئًا يتجنبه صناع القرار اليوم.

إذًا.. هل من داع للقلق؟

ليس تمامًا فرغم امتلاك ممثلي البنوك المركزية ما يكفي من الذكاء لتفادي حدوث كساد آخر، إلا أنهم لا يملكون القدرة على عكس الآثار السلبية للحرب التجارية بخفض سعر الفائدة، ومن المحتمل أن يؤدي الصراع الجمركي المطول إلى تفاقم التضخم وإبطاء النمو الاقتصادي، وفي أسوأ الحالات إلى دفع الولايات المتحدة وبقية العالم نحو حالة من الركود.