"طالبان" تخلصت من أمريكا.. لكن يبقى نفوذ الدولار

الحالة الاقتصادية المتردية في أفغانستان تمنح الولايات المتحدة نفوذاً في البلاد التي تعتمد بشكل أساسي على المساعدات الأجنبية
الحالة الاقتصادية المتردية في أفغانستان تمنح الولايات المتحدة نفوذاً في البلاد التي تعتمد بشكل أساسي على المساعدات الأجنبية المصدر: غيتي إيمجز
Daniel Moss
Daniel Moss

Daniel Moss is a Bloomberg Opinion columnist covering Asian economies. Previously he was executive editor of Bloomberg News for global economics, and has led teams in Asia, Europe and North America.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ربما اجتاحت طالبان أفغانستان، لكنها لم تقهر بعدُ نظامها المالي الذي تعتمد أجزاء كبيرة منه على الدعم الخارجي.

تحظى الولايات المتحدة بمكانة كبيرة في المنظمات متعددة الأطراف المانحة للمساعدات الدولية التي يعتمد عليها الاقتصاد المهتز، ورغم رحيلها عن أفغانستان يبقى الدولار في البلاد.

منع صندوق النقد الدولي، الذي تسهم فيه الولايات المتحدة بالحصة الأكبر، طالبان من الوصول إلى الأصول الاحتياطية، يوم الأربعاء الماضي، وذلك قبل أيام من الموعد المقرّر لاستلامها نحو 500 مليون دولار، وبعد يوم من تأكيد أحد مسؤولي إدارة بايدن تجميد الولايات المتحدة لنحو 9.5 مليار دولار من أموال البنك المركزي ووقف الشحنات النقدية للبلاد.

قال صندوق النقد الدولي إن القرار يعكس افتقار طالبان إلى الاعتراف الدولي، ولكن يصعب هنا عدم تصور ضلوع الولايات المتحدة في قرار الرفض.

اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة تجمد 9.5 مليار دولار من أصول البنك المركزي الأفغاني

نفوذ أمريكي قوي

هذا الأمر يعني أن الحالة الاقتصادية المتردية في أفغانستان تمنح الولايات المتحدة نفوذاً كبيراً. ففي نهاية 2010 كانت غالبية الودائع المصرفية بالعملات الأجنبية، وحتى لو لم تكن جميعها بالدولار، فهناك فرصة جيدة لأن تتطلب أي تعاملات تحويلها إلى الدولار.

ورغم أن طالبان قد لا تستجيب بشكل كامل للدبلوماسية المالية التقليدية، فإن القليل من المصادر النقدية يعتمد على تلك المرتبطة بالولايات المتحدة.

مع ذلك، يعتمد النشاط اليومي الأفغاني على نظام الحوالة القائم على الثقة منذ عدة قرون، وشكّل الأفيون نسبة 11% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018، وتوصلت دراسة لصندوق النقد الدولي في العام الماضي إلى أن تجارة المخدرات غير المشروعة مثلت "مصدراً هاماً لتمويل قوات المتمردين".

لكن سعر الأفيون انخفض إلى أدنى مستوياته منذ عام 2013 بنسبة قدرها 38%، وفقاً لتقرير البنك الدولي في شهر أبريل، ولا يُمكن اعتماد الاقتصاد على قطاع غير مستقر مثل تجارة المخدرات، لكونها غير مستدامة وغير مستحسنة بشكل خاص.

اللجوء إلى روسيا والصين

لكن طالبان قد تلجأ إلى الصين أو روسيا للحصول على الأموال، بافتراض أن الأخيرة ستفكر في العودة إلى أفغانستان بعد الكارثة العسكرية التي تعرّض لها الاتحاد السوفييتي خلال الثمانينيات.

يقرّ فلاديمير بوتين أيضاً بأن المكاسب المالية تُعَدّ مفتاح التجارة العالمية ويصعب العمل من دونها. أما الصين، التي سبق لها الفشل في استثماراتها الأفغانية، فهي تقلق حالياً بخصوص مليارات الدولارات التي ضختها في باكستان المجاورة.

في الحقيقة، يشير الواقع إلى أن الأموال النقدية المقدّمة من المؤسسات الدولية والجهات المانحة دعمت النظام المالي الأفغاني منذ عقود، إذ قال تقرير البنك الدولي الصادر في شهر أبريل إن "الاقتصاد الأفغاني يقوم على الهشاشة والاعتماد على المساعدات، ويتقيّد تطوير وتنويع القطاع الخاص بغياب الأمن، وعدم الاستقرار السياسي، وضعف المؤسسات، وعدم ملاءمة البنية التحتية، واستشراء الفساد، والبيئة الصعبة للأعمال".

لم يكن الأمر رائعاً عند وجود الولايات المتحدة في السلطة، لكن يسهل رؤية التدهور الكبير دون وجود بعض من القوة الأمريكية، على الأقل لدعم التجارة. مع ذلك، لنأمل أن تقدّر طالبان ذلك.

صندوق النقد الدولي

لا ينبغي أيضاً الاستهانة بدور الولايات المتحدة في صندوق النقد الدولي. فعلى مدى العقود لم تخرج النتائج في الصندوق دون تنبيهات وزارة الخزانة الأمريكية أو موافقة الوزارة على الأقل، التي تعكس عادة أولويات الإدارة الأوسع والأهداف السياسية.

مع ذلك، لا يزال كثيرون في إندونيسيا ينسبون الفضل أو اللوم إلى صندوق النقد الدولي على إنهاء ثلاثة عقود من حكم سوهارتو المدعوم من الجيش إبان الأزمة المالية العالمية.

وبينما تشمل حقوق السحب الخاصة التابعة لصندوق النقد الدولي عملات عالمية رئيسية أخرى، يقترب القليل منها من تجاوز الدولار الذي يمثل 60% من احتياطيات البنك المركزي، ويجري نحو 90% من معاملات الصرف الأجنبي مقابل الدولار.

في نفس الوقت، لا يظهر في الأفق أي شيء يتعلق بالجهود الصينية المتوقفة لإنشاء عملة احتياطية.

كان اليورو أيضاً، الذي طُرحت أوراقه وعملاته المعدنية في أفغانستان بعد فترة قصيرة من الإطاحة الأمريكية بطالبان عام 2001، يأمل في منافسة الدولار أو تقويض سيطرته، لكن الأزمات السياسية بمنطقة اليورو عصفت بهذا الطموح الكبير.

اللعبة لم تنتهِ

من هذا المنطلق، ستدرك أي حكومة أفغانية أن الولايات المتحدة هي صمام الأمان المالي والاقتصادي للبلاد، خصوصاً إذا عادت أحداث الماضي غير المريحة، وتصف عدة تغريدات مدمرة، من قِبل القائم بأعمال محافظ البنك المركزي الأفغاني أجمل أحمدي، الذعر الناجم عن توقف الشحنات الدولارية جراء التقدم السريع لطالبان وانهيار الحكومة.

وبينما هو في طريقه للهروب، انتقد أحمدي في تغريداته القادة الأفغان المنتهية ولايتهم، متهماً إياهم بالافتقار إلى التخطيط.

وقال في مقابلة هاتفية مع صالحة محسن من "بلومبرغ نيوز": "ستواجه طالبان مشكلات مستقبلية بشأن التخفيف من تأثير التحركات الأخيرة لوقف التدفق النقدي"، في الوقت الذي انخفضت فيه العملة الأفغانية إلى أدنى مستوياتها.

يبقى أن نرى كم يعني كل هذا لأفغانستان، أو درجة الإرادة الأمريكية لاختبار امتدادها النقدي، لكن الأمر بمعناه الواسع يعني أن الولايات المتحدة لا يزال لديها مزيد من أوراق اللعب.