بعد الفشل الكبير... كيف يمكن لأمريكا أن تتدارك "كارثة" أفغانستان؟

الوجه الجديد لكابل
الوجه الجديد لكابل المصدر: أ.ف.ب
محررو بلومبرغ
محررو بلومبرغ

الهيئة التحريرية في (رأي بلومبرغ)

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

اتسم دفاع الرئيس الأمريكي الرئيس جو بايدن عن انسحاب بلاده من أفغانستان بأنه "قاسٍ وأناني وغير مقنع على الإطلاق".

قبل كل شيء، كان الدفاع خارج السياق. لم يعد السؤال هو ما إذا كان ينبغي بقاء القوات الأمريكية، لكن السؤال هو: ما هي الطريقة التي يمكن بها للولايات المتحدة تقليل الضرر الناجم عن هذا الخروج الفاشل بشكل خطير؟.

بعض الشماتة بين خصوم الولايات المتحدة مبالغ فيها، لكن لا شك في أن مصداقية الولايات المتحدة تعرضت لضربة قاتلة. إن التخلي عن الحلفاء الأفغان المخلصين ليواجهوا مصيرهم بأنفسهم سوف يطارد التدخلات الأمريكية مستقبلاً في جميع أنحاء العالم.

بالتزامن مع تجاهل الأصدقاء، تقوم القوى المتنافسة باستجماع شجاعتها. الجماعات الإرهابية التي كان من الصعب دائما استهدافها من بعيد، أصبحت الآن أكبر وأسرع من ذي قبل. وسيتطلب التعافي من هذه الكارثة جهداً طويلًا ومضنياً.

اقرأ أيضاً: اين المليارات التي أهدرتها الولايات المتحدة في أفغانستان؟

يجب أن يبدأ الجهد للتعافي من الكارثة بسرد الحقيقة. حتى الآن، رفض الرئيس الاعتراف بهذه المغامرة باعتبارها فاشلة. في حال حدوث فوضى، فمن الصعب معرفة ما الذي يمكن أن يحدث. يتعين على "بايدن" أن يتحلى بالصدق، وألا يكون عنيداً في دفاعه عن نفسه.

يأتي بعد ذلك تأمين إجلاء الأمريكيين وحلفائهم، إذ يجب على الولايات المتحدة أن تفعل كل ما في وسعها لضمان المرور الآمن للأفغان المؤهلين للحصول على تأشيرات دخول أمريكية إلى مطار كابول – واستمرار تحليق الطائرات حتى يتمكنوا من الخروج.

عمليات الإجلاء

لا ينبغي أن يشمل الإجلاء فقط الأفغان الذين عملوا مباشرة مع الجيش الأمريكي، ولكن أيضاً أولئك المرتبطين بوسائل الإعلام ومنظمات الإغاثة ومقرها الولايات المتحدة، والذين من المفترض رسمياً أن يتقدموا بطلب للحصول على تأشيرات من دولة ثالثة.

هناك حاجة إلى برنامج جديد إنساني للعفو المشروط، على غرار ما حدث سابقاً للفيتناميين الجنوبيين والكوبيين، حتى يمكن نقلهم وغيرهم من الأفغان المستضعفين مباشرة إلى مقاطعة "غوام" أو البر الرئيسي للولايات المتحدة، لاستيعابهم، كما يجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تقود الجهود العالمية لتجنب أزمة لاجئين أوسع نطاقاً.

تقوم دول مجاورة مثل إيران وباكستان - تؤوي بالفعل ملايين اللاجئين الأفغان- بإغلاق حدودها أمام تدفق المزيد، بينما تحذر الحكومات الأوروبية طالبي اللجوء من محاولة الوصول إلى الغرب، وهنا يجب على الولايات المتحدة أن تكون مثالاً يحتذى به، وأن تلتزم بأخذ نصيبها العادل من أي تدفق لللاجئين للخارج.

اقرأ أيضاً: بولندا تُحكم حدودها لمنع تدفق الأفغان المهاجرين عبر بيلاروسيا

كما يتعين على الولايات المتحدة حشد المانحين لسد الفجوة في تمويل اللاجئين من الأمم المتحدة. ينبغي أن تستغل واشنطن محادثات مجموعة السبع الأسبوع المقبل للمضي قدماً في خطة إعادة توطين أوسع للأفغان، مثل تلك التي وُضعت لاستيعاب اللاجئين الهنود الصينيين بعد حرب فيتنام.

الأفغان الباقون سيحتاجون أيضاً إلى المساعدة. حتى قبل استيلاء طالبان على السلطة، واجهت أفغانستان أزمة إنسانية متفاقمة، حيث كان ما يقرب من نصف السكان بحاجة إلى المساعدة وأكثر من 550 ألف أفغاني تم تشريدهم قسراً من ديارهم منذ بداية 2021 فقط.

وكالة الاستخبارات

بالإضافة إلى ضمان حصول الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة على الموارد التي تحتاجها ، يجب على الولايات المتحدة العمل مع شركائها في مجلس الأمن لضمان سماح طالبان بتدفق المساعدات بِحريّة. بعد ذلك، يجب أن تتعامل الولايات المتحدة مع ما يحتمل أن يكون تهديداً إرهابياً كبيراً في ظل حكم طالبان.

يتعين على وكالات الاستخبارات إعادة تخصيص الموارد وتكثيف المراقبة لتتبع أي زيادة في أعداد الجهاديين بالبلاد، كما يجب عليها تعزيز الاتصالات مع العملاء السابقين لوكالة المخابرات المركزية والقوات الخاصة الأفغانية، الذين قد يوفرون الدعم فعلياً.

لا تشترك القوى الإقليمية مثل باكستان وروسيا والصين في نفس الأهداف مع واشنطن، لكنها جميعاً تخشى عودة التطرف، ويجب حث الدول الإقليمية على تنسيق الضغط على طالبان لكبح جماح أخطر الجماعات.

اقرأ أيضاً: هكذا سمحت أمريكا بفتح باب الشر مجدداً في أفغانستان

أخيراً ، لابد لإدارة "بايدن" أن تُطلق جهداً شاملاً لإعادة بناء الثقة مع الحلفاء والشركاء. إن فشل الرئيس في التحدث مع الحلفاء على الفور بعد سقوط كابول لا يمكن تبريره. لوضع الأمور في نصابها، لا توجد طرق مختصرة، وسيتطلب الأمر أكثر من إلقاء خطابات جيدة وعقد مؤتمرات قمة للديمقراطية.

يمكن للولايات المتحدة أن تساعد الهند في التعامل مع تهديد الإرهاب المتجدد. على سبيل المثال، لقد توقعت أمريكا سابقاً أن يدعم حلفاؤها في الحوار الأمني الرباعي، المعروف أيضاً باسم "كواد" الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، والـ"ناتو" أولوياتها الاستراتيجية في المنطقة، لكن سيتعين على واشنطن حاليا الإصغاء باهتمام أكبر لمخاوفهم.

يجب أن تسعى الولايات المتحدة جاهدة للقضاء على الخلافات التجارية غير الضرورية مع أوروبا والانخراط بجدية في المحادثات التجارية مع الدول الآسيوية، لذلك يعتقد هؤلاء أن هناك فوائد واضحة لعلاقة أوثق مع الولايات المتحدة.

على الأقل، إذا اختبر المنافسون عزيمة البلاد، كما فعل السوفييت بعد سقوط "سايغون"، عاصمة فيتنام الجنوبية، فإن الولايات المتحدة سوف تضطر إلى الاستجابة بسرعة وذكاء. سيتطلب التعافي من هذه النكسة وقتاً وجهداً وموارد، كما سيتطلب تعاوناً وثيقاً ومنسقاً مع الحلفاء، اعتباراً من الآن.