"وايمو" قطعت 99% من الطريق إلى السيارات ذاتية القيادة.. لكن الـ1% المتبقية هي الأصعب

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كان جويل جونسون يضحك رغم توتره وهو جالس في المقعد الخلفي، عندما توقفت سيارة الأجرة ذاتية القيادة التي يستقلّها وسط طريق مزدحم في إحدى ضواحي مدينة فينيكس في أريزونا. فقد واجهت السيارة، التي تديرها رائدة المركبات ذاتية القيادة "وايمو" (Waymo)، صفاً من الأقماع المرورية في منطقة إنشاءات، ما جعلها تتوقف عن الحركة، وما كان عليه حينها سوى أن يلوّح بيده إلى السائقين الذين أخذوا يطلقون زمامير سياراتهم من خلفه، طالباً منهم أن يتجاوزوا السيارة المتوقفة.

بعد نحو 14 دقيقة على هذه الحالة، ومع عرقلة حركة المرور، حاول إخصائي فني من شركة "وايمو" الاقتراب، إلا أن السيارة بدأت تتحرك بشكل غير متوقع، مبتعدة عنه. يقول جونسون: "كان الوضع خطيراً بكل تأكيد".

تعتبر مثل هذه الحوادث، التي نشرها جونسون على قناته على موقع "يوتيوب" في مايو، محرجة بالنسبة إلى شركة "وايمو"، وهي شركة تواجه مشكلاتها الخاصة في المضي قدماً. فهذه الوحدة التابعة لشركة "ألفابت" لم توسع نطاق خدمات سيارات الأجرة ذاتية القيادة خارج نطاق مدينة فينيكس بعد سنوات من الاختبارات الدقيقة. وقد انتقلت الشركة إلى مجالات أخرى، مثل النقل بالشاحنات والخدمات اللوجستية والمركبات الشخصية، لكن هذه الأعمال لا تزال في مراحلها الأولى، كما أن عملية إنتاجها لإضافة سيارات إلى أسطولها ذاتي القيادة كانت بطيئة بشكل مؤلم.

اقرأ أيضاً: هل صحيح أن مصطلح "القيادة الذاتية" مضلل؟

خلال فصل الربيع، شهدت شركة "وايمو" نزوحاً جماعياً لأفضل المواهب، وهذا شمل الرئيس التنفيذي والمدير المالي ورؤساء منتجات النقل بالشاحنات والتصنيع وشراكات السيارات. ويقول أشخاص مطلعون على عمليات النزوح هذه إن بعض المديرين التنفيذيين شعروا بالإحباط إزاء وتيرة التقدم البطيئة في المؤسسة.

رغم سنوات البحث ومليارات الدولارات المستثمرة، لا تزال التكنولوجيا الكامنة وراء السيارات ذاتية القيادة تعاني وجود ثغرات. فحتى وقت قريب، بدا المستقبل المجيد للمركبات ذاتية القيادة الخاصة بـ"وايمو" وعديد من منافسيها في متناول اليد. والآن، "ما يدركه الناس هو أن ما ينتظرنا هو عمل شاق حقاً"، حسب ما يقوله تيم باباندريو، المستشار والموظف السابق في الشركة.

وفقاً لمعظم المقاييس، لا تزال "وايمو" رائدة في جهود المركبات المستقلة في العالم، إذ بدأت الشركة تطوير تقنيتها في "غوغل" قبل أكثر من عقد من الزمان، وقد حققت إنجازاً تاريخياً العام الماضي عندما بدأت برنامج سيارات الأجرة ذاتية القيادة بالكامل في ولاية أريزونا.

خلال فترة تفشي الوباء، تخلى عديد من المنافسين عن القيادة الذاتية، مثل "أوبر تكنولوجيز" (Uber Technologies)، أو باعوا أنفسهم إلى المنافسين، مثل "زوكس" التي استحوذت عليها شركة "أمازون دوت كوم"، في حين أن "وايمو" واصلت العمل، إذ جمعت 5.7 مليار دولار من المستثمرين الخارجيين منذ الصيف الماضي، مما أضاف إلى المليارات التي لا تحصى التي أنفقتها "ألفابت" بالفعل.

تشير "وايمو" إلى سجلّها المُشرف مقابل سجلّات منافسيها، فتقول الشركة إنها منذ الخريف الماضي سيّرت "عشرات الآلاف" من الرحلات دون سائق في ولاية أريزونا.

تعليقاً على هذا الأمر، قال المتحدث باسم "وايمو" في بيان: "نحن نعتبر ذلك إنجازاً كبيراً. في الواقع إن عدم وجود أي أي جهة أخرى توفر رحلات تجارية من خلال القيادة الذاتية يُعَدّ دليلاً على مدى صعوبة إنجاز هذه المهمة".

إنجازات المنافسين

مع ذلك، بدأ باقي منافسي الشركة أيضاً في تحقيق إنجازات بارزة، إذ تعتزم شركة "آرغو إيه آي" (Argo AI) المدعومة من "فورد موتور" و"فولكس واغن" فرض رسوم على الجولات الروبوتية في ميامي وأوستن في وقت لاحق من هذا العام، لكن مع وجود سائق خلف عجلة القيادة. كما بدأت "زوكس" (Zoox)، وكذلك "كروز" (Cruise) الممولة من "جنرال موتورز" و"هوندا" و"سوفت بنك"، في اختبار المركبات ذاتية القيادة دون سائق أمان على الطرق العامة في كاليفورنيا. ورغم أن هذه الشركات لم تحقق ربحاً حتى الآن من تكنولوجيا القيادة الذاتية، فإنها كلها توجّه مليارات الدولارات لانتزاع سبق الريادة من "وايمو".

انفصلت "وايمو" عن معمل أبحاث "غوغل" في عام 2016 لتصبح أحدث شركة فرعية تابعة لـ"ألفابت"، واستمرت الشركة في عمليات التوظيف، وعينت موظفين لإبرام الصفقات التجارية مع شركات صناعة السيارات وصياغة النماذج المالية والضغط على مجالس الولايات وتسويق تكنولوجياتها.

في ذلك الوقت، اعتقد عديد من موظفي "وايمو" الذين يطلقون على أنفسهم اسم "Waymonauts" أن كل المكننة متوافرة بما يسمح بوصول السيارات ذاتية القيادة بالكامل إلى الطرق العامة في أي وقت قريب.

سيارات "موشينال" دون سائق قريباً على طرقات نيفادا

في عام 2017، وهو العام الذي أطلقت فيه "وايمو" رحلات ذاتية القيادة مع وجود سائق احتياطي خلف المقود في مدينة فينيكس، أُخبر شخص واحد عُيّن في الشركة بأن الأساطيل الروبوتية ستتوسع إلى تسع مدن في غضون 18 شهراً.

ناقش الموظفون في الغالب مسألة حل 99% من مشكلة السيارات ذاتية القيادة، وعن ذلك يقول موظف آخر سابق في "وايمو": "لقد افترضنا جميعاً أنها كانت جاهزة، فكل ما سنقوم به هو تحريك المفتاح وتشغيل المركبة".

ومع ذلك، اتضح أن الـ1% المتبقية كانت قاتلة، فالاضطرابات الصغيرة مثل طواقم عمال الطرقات وراكبي الدراجات والانعطاف إلى الجهة اليسرى والمشاة، لا تزال تشكل إزعاجاً للسائقين الإلكترونيين.

كذلك تثير كل مدينة تحديات جديدة وفريدة من نوعها، ففي الوقت الراهن لا يمكن لأي سيارة ذاتية القيادة تابعة لأي شركة التعامل مع المطر أو المطر الثلجي أو الثلج، وحتى تُحَلّ هذه التفاصيل القليلة الأخيرة فإن التسويق التجاري واسع النطاق للمركبات ذاتية القيادة يظل أمراً شبه مستحيل.

يقول مايك رامسي، مدير البحوث لدى "غارتنر" في ديترويت والمتابع الأقدم للصناعة: "لقد وصلنا إلى القمر، وأصبح الأمر مثل: ماذا سيحدث الآن؟... نضع علماً عليه، ونمسك ببعض الصخور، لكن ما العمل الآن؟ لا يمكننا فعل أي شيء مع هذا القمر".

في البداية، بدا أن "وايمو" ستنتج سيارات بسرعة فائقة. وفي عام 2018، اتفقت "وايمو" على تحويل نحو 20 ألف سيارة من سيارات الدفع الرباعي "جاكوار" إلى سيارات "وايمو" ذاتية القيادة. وبعد أشهر قالت إنها ستوسع أسطولها من سيارات "ميني فان كرايسلر باسيفيكا" إلى أكثر من 60 ألفاً. كذلك خططت الشركة لشراء السيارات وتركيب ما سمته "برامج تشغيلها"، وهي عبارة عن مجموعة من الكاميرات وأجهزة الاستشعار ومعدات الكمبيوتر.

خلال إحدى المناسبات في عام 2018، قال جون كرافسيك، الرئيس التنفيذي لشركة "وايمو" آنذاك، وهو مدير تنفيذي سابق في صناعة السيارات: "لا توجد أمور كثيرة في عملية التجميع".

في الواقع، مطلوب عامل تفكيك ماهر. يتعين على المهندسين تفكيك السيارات وإعادة تجميعها يدوياً، ويمكن لأحد الأسلاك الموضوعة في غير محلها أن يجعل المهندسين في حيرة من أمرهم لأيام حول مكمن المشكلة، وفقاً لشخص على دراية بالعمليات، إذ يصف النظام بأنه مرهق ومعرض لمشكلات تتعلق بالجودة.

وعلى غرار الآخرين الذين تحدثوا صراحة عن الشركة، طلب الموظف السابق عدم الكشف عن هويته خوفاً من رد الفعل الانتقامي. فقد قال هذا الموظف إن الطبيعة الشاقة للعملية تركت "وايمو" من دون مسار قابل للتطبيق للإنتاج الشامل.

طلبيات الإنتاج

الجدير بالذكر أن "وايمو" خفضت الطلبيات الخاصة بقطع الغيار في مشروع سيارات "ميني فان كرايسلر"، وسلمت عدداً أقل بكثير من سيارات "جاكوار" مما كان متوقعاً في البداية، حسب أشخاص مطلعين على خطط صانعي السيارات.

ويقول المتحدث باسم "وايمو" إن شركته ليست مقيدة بالعرض في ديترويت، وإنها تسير على طريق صحيح لتحقيق كل أهداف الإنتاج الداخلية مع "جاكوار"، لكنها ترفض مشاركة التفاصيل. كما تعترض الشركة أيضاً على الحديث عن تأخرها عن الجدول الزمني المحدد لبناء مركباتها من طراز "كرايسلر"، مشيرة إلى أن هذه الاتفاقيات "مرنة وقابلة للتغيير".

مما لا شك فيه أن منافسي "وايمو" في ديترويت يتمتعون بقدرات تصنيعية هائلة، فهناك "آرغو" و"كروز" على سبيل المثال، اللتين تخططان لبناء سياراتهما ذاتية القيادة من الصفر.

يعتقد المطلعون عموماً بأن "وايمو" هي الشركة الرائدة في مجال التكنولوجيا، لكن القدرة التصنيعية يمكن أن تمنح سكان ديترويت ميزة عندما يتعلق الأمر بطرح الأساطيل، وفقاً لرامسي، محلل "غارتنر". وفي ما يتعلق بإنتاج "وايمو"، قال رامسي: "لا أعرف ما رقمهم الحالي، لكنه لم يتغير كثيراً".

في عام 2019، استأجرت "وايمو" مستودعاً في ديترويت ليكون -كما قال كرافسيك آنذاك- "أول مصنع متخصص مستقل في العالم".

وافق مسؤولو ميشيغان على منح الشركة ما يصل إلى 8 ملايين دولار مقابل خلق ما لا يقل عن 100 وظيفة في الولاية. واعتباراً من الخريف الماضي، وظفت "وايمو" 22 شخصاً للعمل في المنشأة، حسب ملفات الولاية، وتقول الشركة إنها تجاوزت التعهد بتوفير وظائف لـ100 شخص في الولاية، لكنها لن تعلق على عدد الموظفين في مكاتب محددة.

وفي وقت سابق من هذا العام، كانت شركة "وايمو" تحاول إنتاج ما يتراوح بين 5 و10 مركبات يومياً في المصنع، على حد قول موظف سابق، لكن الشركة تعترض على هذا الادعاء.

"ألفابت" حذرة للغاية

بعد أعوام من الترويج العلني لعجائب القيادة الذاتية، بدأ موظفو "وايمو" يتحدثون في الأعوام الأخيرة عن إدارة توقعات الناس لما يمكن أن تفعله سياراتهم ومتى. فعديد ممن عملوا لصالح "وايمو" وصفوا الشركة الأم "ألفابت" بأنها حذرة للغاية، خصوصاً بعد اصطدام مركبة اختبار ذاتية القيادة تابعة لـ"أوبر" ومقتل أحد المشاة في ولاية أريزونا عام 2018.

على سبيل المثال، أسقط مجلس إدارة "وايمو" عرضاً تسويقياً مبتذلاً من كرافسيك، حسب ثلاثة أشخاص على دراية بالقرار. وفي عام 2018، أراد تقديم عرض توضيحي لتكنولوجيا الشركة في مدن متعددة، مع منشآت تسويقية منبثقة تعرض ما يمكن أن تفعله "وايمو"، وكانت شركة "تسلا" قد نفذت شيئاً مشابهاً مع نماذجها المبكرة. لكن مجلس إدارة الشركة -الذي كان يتألف من مؤسسي "غوغل" لاري بيغ وسيرجي برين، إلى جانب مديري "ألفابت" وقلة من المستثمرين الخارجيين- قلق بشأن تكرار إخفاقات نظارات "غوغل" ونظارات الواقع المعزز من خلال تقديم منتج قبل أن يصبح جاهزاً. وفي هذا الشأن يقول المتحدث باسم "وايمو" إن الشركة تسير ببساطة في اتجاه مختلف.

غادر كرافسيك شركة "وايمو" في شهر أبريل، ليصبح الرئيسان التنفيذيان الجديدان كلاً من تيكيدرا ماواكانا، المسؤول التنفيذي السابق لعمليات "وايمو"، وديميتري دولغوف، الذي كان يعمل مديراً للتكنولوجيا في الشركة. والتقى الثنائي مع الداعمين والشركاء هذا الربيع، إذ أنهت "وايمو" جولتها التمويلية.

أشار أحد المستثمرين إلى أن الرئيسين التنفيذيين الجديدين كانا متفائلين في اجتماع عُقد مؤخراً، إذ قالا إن الشركة تستعد لتحقيق "تقدم كبير" في أهدافها مع تلاشي الوباء.

في الوقت ذاته في فينيكس، حتى بعد حادثة الأقماع المرورية، كان صاحب قناة اليوتيوب جويل جونسون لا يزال متحمساً لهذه التكنولوجيا، ويقول: "يبدو أنها تجيد التعامل مع أي شيء إلى حد كبير". وبعبارة أخرى، فإن هذه التكنولوجيا تعمل في 99% من الأوقات.