مع تأخر الحلول السياسية.. هل تنجرف تونس إلى مصير لبنان؟

الرئيس التونسي قيس سعيد
الرئيس التونسي قيس سعيد المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

دفعت سيطرة الرئيس التونسي على السلطة بالديمقراطية الهشة في البلاد إلى حافة الهاوية، ما شكّل تهديداً للاقتصاد في الوقت الحالي.

بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من إقالته لرئيس الوزراء وتعليق عمل البرلمان، وتعهده بإنقاذ الأمّة مع احتدام الاحتجاجات المناهضة للحكومة، لم يكشف قيس سعيد عن العودة إلى الحكم المنتخب. ويهدد عدم إحراز تقدم في تونس على هذا الصعيد بتأجيل اتفاقٍ طال انتظاره مع صندوق النقد الدولي، وخططٍ لبيع الديون بالخارج في أكتوبر، ما يثير مخاوف بعض المحللين من تخلّف مضطرب عن السداد على غرار لبنان.

"يُعَدّ لبنان، الذي أدى الجمود السياسي فيه إلى انهيار الاقتصاد، مثالاً مرعباً عن مدى السوء الذي تصل إليه الأحوال عندما تكون هناك قوى متساوية ولكنها غير قابلة للتصالح على المسرح نفسه"، حسب حسنين مالك، رئيس أبحاث الأسهم في شركة "تيليميرريسيرش"، التي ترى أن مستوى خطر التخلف عن السداد في تونس مرتفع جداً.

تونس تمنع سفر 12 مسؤولاً بسبب شبهات فساد في صفقات فوسفات

الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تونس الأدنى منذ 2005

100 ألف تونسي انضموا إلى طابور العاطلين في 2020

تدهور المؤشرات الاقتصادية

سيكون لانهيار بلد يعمل كصلة بين إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط تداعيات خارج تونس، وقد يرسل ذلك موجة أخرى من الشباب المضطرب عبر البحر الأبيض المتوسط.

قالت سارة يركس، الزميلة البارزة في مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي، إنه بعد عقد من الانتفاضة التونسية التي أنهت الحكم الاستبدادي، يبدو أن هناك تهديداً أيضاً "لملاذ التعبير الحر للناس في جميع أنحاء العالم العربي".

يبدو الدَّين الخارجي لتونس في طريقه للوصول إلى نحو 100% من الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل. وبلغ التضخم أعلى مستوياته منذ خريف 2019، والبطالة آخذة في الارتفاع بأسرع وتيرة لها منذ عام 2010، عندما انفجر السخط ضد الديكتاتور زين العابدين بن علي.

منذ ذلك الحين، أسهمت التغييرات المتكررة في الحكومة، والهجمات الإرهابية المتفرقة ضد قطاع السياحة الرئيسي، وجائحة كوفيد-19، في الشعور بالضيق. وانكمش الاقتصاد بنسبة 8.6% العام الماضي.

ردود فعل متباينة

فاز أستاذ القانون السابق، قيس سعيد، البالغ من العمر 63 عاماً، في انتخابات عام 2019 وسط موجة من الاستياء من المشاحنات والنزعة المتصورة للسياسيين في فترة ما بعد الانتفاضة.

ندد الإسلاميون المعتدلون في البرلمان بخطوته في يوليو التي جرت وسط احتجاجات على طريقة التعامل مع تفشي كوفيد-19 في تونس، ووصفوها بأنها انقلاب.

لكنها في أماكن أخرى قوبلت بدعم شعبي ونقابة عمالية قوية للاتحاد العام التونسي للشغل، عارضت منذ فترة طويلة الإعانات وتخفيضات الأجور التي اقترح صندوق النقد الدولي أنها ضرورية للإصلاح الاقتصادي الذي عرض دعمه، وتطالب حالياً بخريطة طريق للعودة إلى الديمقراطية.

مخاطر التخلف عن سداد الديون

يرى جيمس سوانستون، الخبير الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "كابيتال إيكونوميكس"، أنه رغم أن هناك مخاطر متزايدة للتخلف عن السداد إذا لم تُعزَّز المالية العامة، فمن المرجح أن تضطر تونس إلى إعادة هيكلة ديونها.

وقال إن خفض التكاليف في أثناء الوباء قد يكون غير مستساغ سياسياً، و"من المحتمل أن تضطر الحكومة الجديدة إلى تقديم تنازلات لتأمين السلطة، وسيُطبَّق التقشف".

من حهته، قال "بنك أوف أميركا" إنه دون برنامج صندوق النقد الدولي أو الدعم الثنائي والمتعدد الأطراف ذي الصلة، فإن الاحتياطيات الدولية التونسية "قد تنضب مادياً بحلول نهاية عام 2022".

بلغ صافي احتياطيات النقد الأجنبي نحو 7.4 مليار دولار في نهاية يوليو، ما يكفي 219 يوماً من الواردات، بانخفاض طفيف عن العام السابق.

مكان مظلم جداً

وصف مسؤول سابق في حكومة هشام المشيشي، رئيس الوزراء الذي أُقيل في 25 يوليو، الوضع الاقتصادي بأنه خطير ولا يمكن التنبؤ به.

لمّح سعيد إلى محادثات مع دول "شقيقة". وقال المسؤول السابق إن السعي للحصول على تمويل من السعودية والإمارات هو الحل الوحيد المحتمل، إذ سيستغرق اتفاق صندوق النقد الدولي ستة أشهر أخرى على الأقل.

وقال طارق المجريسي، زميل السياسة البارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "أمام تونس فترة أشهر لتظهر للعالم أنها تهتم بالأعمال وأنها تتجه نحو شيء بنّاء، أو تخاطر بالدخول إلى مكان مظلم للغاية".