تفاصيل تم إخفاؤها حول لغز منشأ "كوفيد" في تقرير من ووهان

سوق الجملة في مدينة ووهان الصينية، في 31 ديسمبر 2019. من المنتظر أن تقوم وكالات الاستخبارات الأمريكية بالإفصاح عن نتائجها حول منشأ "كوفيد-19" في وقت لاحق من أغسطس الحالي
سوق الجملة في مدينة ووهان الصينية، في 31 ديسمبر 2019. من المنتظر أن تقوم وكالات الاستخبارات الأمريكية بالإفصاح عن نتائجها حول منشأ "كوفيد-19" في وقت لاحق من أغسطس الحالي المصدر: أورينتل ايمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا تزال قصة منشأ "كوفيد-19" لغزاً غارقاً في خضم جدل جيوسياسي عالمي. إلا أن ورقة بحثية لم يتم نشرها، ووضعت طي النسيان لمدة عام ونصف، تتضمن بيانات دقيقة تم جمعها مع أدلة فوتوغرافية من ووهان، تدعم فرضية العلماء الأساسية المتعلّقة بنشأة الوباء من الحيوانات البريّة الحاملة للفيروس. وهي النظرية التي سادت لفترة، قبل ظهور تكهنات قويّة تشير إلى تسرب فيروس "سارس-كوف-2"، من مختبر قريب.

هل أصبحت مناعة القطيع ضد "كورونا" شبه مستحيلة؟

معلومات 30 شهراً

وفقاً للتقرير، الذي نُشر في المجلة الإلكترونية "ساينتيفيك ريبوترس" في شهر يونيو الماضي، فقد بيعت حيوانات المنك، وقط الزبّاد، والراكون، وغيرها من الثدييات المعروفة باحتوائها على فيروسات كورونا، بشكل علني في متاجر المدينة بأكملها، بما في ذلك سوق ووهان للحيوانات البرية (السوق الرطبة)، الذي أصبح سيئ السمعة حالياً، وانبثقت منه حالات الإصابة المُبكّرة بالفيروس.

جُمعت بيانات التقرير خلال 30 شهراً من قبل عالم الفيروسات وعالم الأوبئة والبحوث الحيوانية، شياو شياو، في المختبر الرئيسي للحفاظ على موارد الحياة البرية، المموّل من الحكومة، والواقع في جنوب غرب الصين، وأيضاً في جامعة "خوبى" للطب الصيني التقليدي.

في مايو 2017، بدأ شياو، بإجراء مسح لـ17 متجراً، موزعة في أربعة أسواق لبيع الحيوانات البرية الحيّة في ووهان. كان الباحث يحاول بالأصل العثور على مصدر مرض ينتقل عبر لدغة القراد، شبيه بداء "لايم" الذي كان ينتشر في مقاطعة خوبي منذ سنوات. واصل شياو زيارة هذه الأسواق شهرياً حتى نوفمبر من عام 2019، عندما بدأت اكتشافات حالات الالتهاب الرئوي الغامضة في المدينة، والتي مهّدت لوباء كورونا، ما وضع حداً لزياراته بشكل قاطع.

بداية الانتشار

مع بدء انتشار الفيروس، أدرك شياو الأهمية المحتملة لبياناته. ولذلك قام في يناير 2020، بالتعاون مع الباحث زو زاومين، من مختبر موارد الحياة البرية التابع لوزارة التعليم الصينية، وبالاشتراك مع ثلاثة علماء متمرِّسين من وحدة أبحاث الحفاظ على الحياة البرية بـ"جامعة أكسفورد"، وضع الباحثون مخطوطة عن هذه البيانات، تم تقديمها بعد ذلك بشهر إلى مجلة علمية، (رفضوا الإفصاح عن اسمها).

أحد المؤلفين المشاركين في هذه الورقة البحثية، هو كريس نيومان، عالم البيئة البريطاني، وقال عن ذلك: "تصوّرنا أن يقولوا: هذا أمر رائع، بالطبع نريد هذه البيانات على وجه السرعة. واعتقدنا أن منظمة الصحة العالمية ستكون مسرورة للغاية لتلقّي هذه المعلومات"، ولكن الدراسة قوبلت بالرفض، ويضيف نيومان: "كانوا يعتقدون أن الدراسة لن تحظى بقبول واسع النطاق".

على الأرجح لو أُعلنت الدراسة بشكل فوري حينها لكان البحث عن منشأ الفيروس قد اتخذ مساراً مختلفاً تماماً. فالدراسة لم تقتصر على أدلة قاطعة تثبت بيع الحيوانات الحيّة للاستهلاك البشري في بؤرة تفشي المرض فقط، ولكنها أيضاً، كما يعتقد نيومان، تضمنت عينات جمعها شياو، من حشرة القراد الماصة للدم من الحيوانات البرّية، والتي صنفها عن قرب. وكان يُمكن فحص دم عيّنات القراد المُجمّدة بحثاً عن آثار فيروس كورونا، والذي كان قد يشكل أمراً مفيداً للغاية لتحديد أنواع الحيوانات المصابة بالفيروس، قبل ديسمبر 2019.

لم يرد شياو على طلبات التعليق على البحث، التي أرسلت عبر البريد الإلكتروني.

خلال الأشهر الأولى من انتشار الوباء، أكد باحثون محليون أن فيروس كورونا الجديد يذكرنا بفيروس آخر انتشر عبر الحيوانات سابقاً، وهو المسبب لمرض الالتهاب الرئوي الحاد "سارس"، الذي انتشر في الأسواق الرطبة (أسواق الحيوانات البرية) في غوانغدونغ، منذ ما يقرب من 20 عاماً. كما أقر الباحثون بوجود "مجموعة متنوّعة من الحيوانات البرية الحيّة" التي تباع في أسواق ووهان.

بعد تساؤلات عن منشأ "كورونا".. مختبرات الفيروسات تستحق مزيداً من الإشراف

الأسواق الحيّة

خلال الساعات الأولى من اليوم الأول في عام 2020، تم إغلاق سوق "هونان" في المدينة، وتم إفراغ وتعقيم الأكشاك فيه البالغ عددها 678 كشكاً. إلا أن شبكة "سي إن إن" بثّت في منتصف الشهر نفسه لقطات غير مؤكدة تم تسجيلها في أوائل ديسمبر تظهر غزلانا حبيسة في أقفاص، وقوارض المرموط، وحيوان الراكون في السوق. كذلك، تم تداول صور فوتوغرافية لقائمة تعرض أسعار هذه الحيوانات، وتعلن عن توافرها عبر الإنترنت.

تحقيقات 2020

وصل محققو الأمراض، من بكين في اليوم الأول من عام 2020، وباشروا بأوامر جمع العينات البيئية من الصرف الصحي، والأسطح الموجودة في السوق. وقد أظهرت نتائج الاختبارات التي أجريت على 585 عيّنة، وجود فيروس "سارس-كو في-2" في 33 منها. وقد كتب مدير المركز الصيني لمكافحة الأمراض، جورج غاو، وزملاؤه، ضمن النشرة الأسبوعية الخاصة بالمركز، في أواخر يناير: "تشير جميع الأدلة الحالية إلى بيع الحيوانات البرية بشكل غير قانوني في السوق". مضيفاً: "جاءت جميع العيّنات الإيجابية، باستثناء اثنتين، من متاجر بيع الحيوانات بالقسم الداخلي، قليل التهوية في الجناح الغربي للسوق، حيث تبيع معظم المتاجر الحيوانات".

بعد عدة أيام، نقلت صحيفة "تشاينا ديلي" الحكومية، عن الباحث تان وينجي، في معهد السيطرة على الأمراض والوقاية منها، قوله:

لقد اكتشفنا الأكشاك التي تحتوي على الفيروس في أسواق ووهان للحيوانات البرية. هذا اكتشاف هام وسنتحرى عن الحيوان المُصدّر لهذا الفيروس.

بعد ذلك، قامت الصين بحظر تجارة الحيوانات البرية مؤقتاً، ثم أصبح قراراها دائماً بعد ذلك بشهر، ووسعت نطاقه ليشمل حظر الاستهلاك البشري للحيوانات البرية.

في فبراير 2020، تم إرسال بعثة مشتركة بين منظمة الصحة العالمية، والصين إلى ووهان، بهدف فحص استجابة الصين لتفشي الوباء. وجمعت البعثة سجلات مفصلة عن مصادر وأنواع الحيوانات البرية التي تم بيعها في سوق "هونان" والوجهة التي سيتم نقل الحيوانات إليها بعد إغلاق السوق. إلا أنه لا وجود لسجلات عامة بهذه المعلومات على الإطلاق.

وكان العالمان تشانغ يونغ تشين، وإدوارد هولمز، وهما ناشرا أول تسلسل جيني لفيروس "سارس-كوف-2"، كتبا في تعليق لهما نُشر بمجلة "سيل"، خلال مارس 2020: "لسوء الحظ. النقص الواضح في أخذ العيّنات الحيوانية مباشرة من السوق، يعني أنه سيكون من الصعب، بل ربما من المستحيل لاحقاً، تحديد أي وجود للفيروسات في الحيوانات بتلك المنطقة بشكل دقيق".

وعندما بدأت الدول الأخرى في إلقاء اللوم على الحزب الشيوعي الصيني بشأن الوباء، اتخذت الحكومة الصينية موقفاً دفاعياً، والذي كان ناتجا ربما عن شعور بالإحراج من أن مواطنيها لا يزالون يأكلون الحيوانات البرية التي يتم شراؤها من الأسواق الرطبة، وهو أمر معروف بنقله للأمراض حيوانية المنشأ، وقد حاولت الصين حظره قبل 20 عاماً تقريباً دون جدوى.

وفي أبريل 2020، دعت أستراليا إلى إجراء تحقيق عالمي في منشأ الوباء، وطريقة تعامل الصين مع تفشيه الأوّلي، لتتبعها بعد ذلك بأيام الولايات المتحدة. ووصل الأمر إلى حد تخصيص وزير الخارجية السابق، مايك بومبيو، جزءاً من رسالته خلال يوم الأرض، لدعوة الصين إلى إغلاق الأسواق الرطبة لبيع الحيوانات البرية، بهدف "تقليل المخاطر على صحة الإنسان، داخل الصين وخارجها".

إحراج صيني

رداً على ذلك، نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، غينغ شوانغ، وجود "أسواق الحيوانات البرية الرطبة" بشكل كليّ في البلاد، ورفض الباحثون الحكوميون، فرضية نشأة الفيروس من الأسواق بشكل تام. وفي شهر يوليو، قالت ورقة بحثية صادرة من قبل 22 باحثاً في مختبرات حكومية، أغلبها تابع للأكاديمية الصينية: "لا يُمكن أن يكون (سارس -كوف-2) قد تطوّر في سوق للحيوانات بمدينة كبيرة، ومن المستبعد أكثر أن يكون قد نشأ في مختبر".

بينما أفادت ورقة بحثية أكثر حداثة، صدرت من قبل علماء مرتبطين بالحكومة الصينية، أن الفيروس قد يكون أتى إلى الصين عبر الاستيراد من مواقع مختلفة حول العالم، بما في ذلك أجزاء من أوروبا، حيث تتم تربية حيوانات المنك في المناطق التي تسكنها أيضاً خفافيش حدوة الحصان، المعروفة باحتوائها لفيروسات كورونا.

يقول روبرت غاري، أستاذ علم الأحياء الدقيقة وعلم المناعة في كلية الطب بـ"جامعة تولين" في مدينة نيو أورلينز الأمريكية: "لم تتغير الرواية الرسمية بسبب أن الأدلة تغيّرت"، وأضاف: "انتشار فيروسي في أسواق الحيوانات البرية الرطبة، كان هو السبب في نشأة مرض "سارس" سابقاً، ومن المحرج بالنسبة للصين، أنها لم تقم بإغلاق تلك الأسواق أبداً".

كان غاري أحد المؤلفين المشاركين لواحدة من أوائل الأوراق البحثية حول منشأ "كوفيد"، لكنه لم يشارك في بحث أسواق ووهان.

بحث شياو المُبكر

وبما أن الباحث شياو لم يكن مرتبطاً بوكالات إنفاذ القانون في الصين، فقد استطاع أن يُمنح فرصة "الوصول الفريد والكامل لطريقة ممارسة التجارة" كما كتب هو وزملاؤه. وكانت 7 من المتاجر التي تضمنتها دراستهم تقع في سوق "هونان" بالمدينة، وهو المكان الذي شهد اثنتين من أوائل الحالات الموثّقة للإصابة بـ"كوفيد-19". وسأل شياو البائعين في كل زيارة عن الأنواع التي باعوها خلال الشهر السابق، موثقاً أعدادها وأسعارها.

فحص شياو الحيوانات بحثاً عن إصابات وأمراض. وكان ما يقرب من ثلث الإصابات، والجروح، ناتجة عن اصطياد هذه الحيوانات من البرية. ووفقاً للدراسة فإن كافة المتاجر لم تعرض شهادة منشأ، أو شهادة حجر صحي لهذه الحيوانات، ما جعل التجارة "غير قانونية بشكل رئيسي".

وتضمنت سجلات الحيوانات التي فحصها شياو: زبّاد النخيل المقنّع، وكلاب الراكون، وقد ارتبط كلاهما بظهور "سارس" خلال العام 2003، كما فحص أنواعاً أخرى معرّضة للإصابة بفيروس كورونا، من أمثال فئران الخيزران، والمنك، وحيوان الغرير. وثّق شياو 38 نوعاً من الحيوانات. وكان 31 منها من الحيوانات البرية المحمية قانونياً.

تجارة الحيوانات البريّة

وفقاً للقوانين الصينية، يواجه أي منتهك لقانون حماية الحيوانات البرية الصيني، غرامات وأحكاماً بالسجن تصل إلى 15 عاماً. لكن تطبيق هذه القوانين كان متساهلاً، كما هو واضح من عرض العديد من متاجر ووهان للحيوانات، بشكل علني، في حالة وصفها تشاهو في التقرير: "مُكدّسة في أقفاص، وبحالة سيئة".

قدّر تشاو أن هناك 47 ألفا و381 حيواناً برياً بيع في ووهان، خلال الفترة التي أجرى فيها المسح. وتعتبر هذه الحيوانات من الأطعمة الفاخرة، حيث يصل سعر الكيلوغرام منها إلى 25 دولاراً، وهو ما يزيد بأربع مرات عن سعر لحم الخنزير في الصين، الذي يعتبر نوع اللحم الأكثر انتشاراً في البلاد.

تمت مراجعة المخطوطة الأولية للدراسة، مرتين، بعد التعليقات التي قدّمتها الجهة المُراجعة، وبعد أكثر من ستة أشهر من المداولات، تم رفضها.

راجع الباحثون الدراسة للمرة الثالثة، وأدرجوا فيها بيانات حول الشبكات العاملة في الصين لتجارة حيوان البنغول، (نشرت دراسة سابقة أفادت أن البنغول هو المُتسبّب في نشر الفيروس إلى الإنسان، لكن تم الطعن فيها لاحقاً). وقد أرسل الباحثون الدراسة المنقحة إلى مجلة "ساينتيفيك ريبورتس"، في شهر أكتوبر من عام 2020.

بدورها، أرسلت الجهة الناشرة للمجلة -وهي شركة "سبرينغر نيتشير"- نسخة إلى منظمة الصحة العالمية بشكل سريع، بموجب اتفاقية بين الطرفين، وفقاً لإد غيرستنر، مدير المجلات والسياسات والاستراتيجيات في الشركة. لكن الشركة أرسلت الورقة البحثية تحت عنوان: "تجارة البنغول في الصين: حجة تغيّب ووهان عن نشأة كوفيد-19"، وبُعثت الدراسة إلى عنوان عام تابع لمنظمة الصحة العالمية، يُستخدم كصندوق وارد لعشرات آلاف البحوث غير المنشورة، فلم تتم ملاحظتها.

كما أرسلت "سبرينغير نيتشير" نسخة من الدراسة أيضاً إلى المُنسقة الفنية لـ"كوفيد-19 في المنظمة، ماري فان كيركهوف، التي قالت إن المنظمة تتلقّى الكثير من الطلبات المتعلّقة بالوباء، إلى درجة أنها لم تلتفت للدراسة فوراً، معربة عن أسفها لعدم وجود متابعة مباشرة من المجلة، أو المؤلفين. وقالت في رسالة بالبريد الإلكتروني: "إنه لأمر مخزٍ أنه لم تتم مشاركة هذه المعلومات الهامة بشكل مباشر مع فريق البعثة أثناء تواجده في ووهان وزيارته للأسواق. من المؤكد أن هذه الورقة كانت ستضيف قيمة كبيرة".

موقف منظمة الصحة

علّق نيومان، الباحث المشارك في دارسة شياو، على هذا الأمر بالقول إن المؤلفين الصينيين المشاركين لم يخبروه أبداً بالسبب وراء عدم قيامهم بتسليم البيانات مباشرة إلى منظمة الصحة العالمية، لكن من المحتمل أنهم كانوا يشعرون براحة أكبر حول فكرة كتابة تقرير حول استطلاعات السوق للنشر في مجلة.

وبالفعل، كان لدى الباحثين المقيمين في الصين سبب للحذر. ففي فبراير 2020، منع مركز السيطرة على الأمراض في الصين العلماء العاملين على الأبحاث المتعلقة بـ"كوفيد-19" من مشاركة بياناتهم، وفرض عليهم الحصول على إذن مسبق قبل إجراء أي دراسات، أو نشر نتائج. وبعد أيام من ذلك، تولَّت لجنة خاصة اجتمعت مع الهيئة التنفيذية العليا في الصين الإشرافَ على أبحاث فيروس كورونا، والسيطرةَ على جميع المنشورات المتعلّقة بالوباء من أجل "تنسيق النشر".

سافر فريق من الخبراء مع منظمة الصحة العالمية للبحث في منشأ فيروس "كوفيد-19" في وقت سابق من عام 2020، إلى ووهان. كان من الممكن أن تسفر الرحلة عن نتائج مختلفة لو كان العلماء على علم مُسبق بعمل شياو.

عندما زار الفريق الدولي سوق "هونان" من بعد ظهر 31 يناير من العام الماضي، كان قد مر أكثر من عام على إغلاقه، ولم يتبق سوى القليل من المعلومات التي كان من الممكن أن تساعد في هذا النوع من الاستقصاء السري الذي سبق له أن قاد محققي "سارس" إلى حيوان الزبّاد في جبال الهيمالايا، والراكون، وغرير النمس الصيني، التي تم بيعها بأسواق الحيوانات الحيّة في غوانغدونغ، منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.

وقد لاحظ الباحثون وجود رائحة مختلطة من الحيوانات والمُطهِّرات في بعض مناطق السوق، لكن مدير السوق أخبرهم بأنهم ربما يشمّون الرائحة الكريهة للحوم الفاسدة، ومياه الصرف الصحي، وفقاً لتقرير مشترك رسمي مشترك بين منظمة الصحة العالمية، والصين صدر في مارس 2021.

عندما تتحكم السياسة بالعلم

كذلك أطلع المسؤولون الصينيون الزائرين، على أنه تم العثور على عشرة متاجر في سوق "هونان" تبيع حيوانات برية "مستأنسة" تشمل فئران الخيزران، تم الحصول على بعض منها من مقاطعة يونان، التي اكتشف فيها العلماء خفافيش حدوة الحصان الحاملة لفيروس كورونا المتطابق بشكل وثيق مع "سارس-كو في-2". ولكن المسؤول الصيني قال إنه لم تتم مشاهدة أي حيوانات حيّة، قبل إغلاق السوق.

ولم ير الباحثون العالميون شيئاً يُخالف هذه الأقوال. كما تمت دعوتهم من قبل المسؤولين، لاستجواب شخصين من سكان ووهان قيل إنهما كانا عميلين منتظمين للسوق منذ 20 و30 عاماً، وفقاً للتقرير. وقالا للوفد إنهما "لم يشهدا بيعا لأي حيوانات حيّة أبداً".

في وقت سابق من اليوم نفسه، زار فريق البحث الدولي سوق "بايشازهو" الأكبر في ووهان، الذي كان شياو قد أجرى فيه مسحاً منتظماً لاثنين من بائعي الحيوانات البرية الحيّة. مع ذلك. قيل للباحثين حينها إن السوق تعرض الأطعمة والمكوّنات المُجمّدة، وأدوات المطبخ فقط. وقال ليانغ وانيان، عالم الأوبئة وقائد الخبراء الصينيين المتعاونين مع فريق منظمة الصحة العالمية، إن مجموعته لم تكن على علم ببيانات شياو أيضاً.

شملت أوائل الإصابات المُسجّلة في ووهان، ثلاث حالات لعمّال في كشك بسوق "هونان"، أحدهم يبلغ من العمر 32 عاماً، وقد أصيب بالفيروس بتاريخ 19 ديسمبر، وكان يعمل بنقل البضائع بين أسواق "هونان"، و"بايشازهو".

وعن هذا الموضوع قال ستيفن غولدشتاين، الباحث المشارك في علم الفيروسات الناشئة، في "جامعة يوتاه" بمدينة سولت لايك، إن الربط المؤكد بين سوقين يبيعان الحيوانات البريّة أمر "مثير للاهتمام للغاية"، لكن تتبّع العامل لمعرفة اتصاله بأي من الحيوانات البرية المصابة، يعد أمراً مستحيلاً حالياً بسبب اختفاء الحيوانات منذ فترة طويلة.

أما فيما يتعلّق بازدهار تجارة الحيوانات البرية، قال غولدشتاين: "كما بدا لي، حاولت السلطات المحلية أو الإقليمية عن عمد أن تخفي معلومات، بأقل حد.. لا أصدق كيف يضع الناس النظريات للتغطية على أمر ما، فما بالك أن يتم إخفاء المعلومات بهذا الشكل المباشر".

ومن المنتظر أن تقوم وكالات الاستخبارات الأمريكية بالإفصاح عن نتائجها حول منشأ "كوفيد-19" في وقت لاحق من أغسطس الحالي، لكن العالم قد لا يعرف أبداً سبب تفشي المرض، مع عدم توفر سوى الأدلة الحالية فقط.

يقول غاري من "جامعة تولين": "ليس من الواضح، لماذا قامت الصين بتقليص المبادرات السابقة، الخاصة بتحديد موقع الحيوانات المُتسببة في فيروس "سارس-كوف-2"، داخل البلاد. والتي يبدو أنها توقفت بشكل كامل الآن، مع الأسف". وأضاف: "ينصب التركيز حالياً، بدلاً من ذلك، على وضع سيناريوهات غير معقولة عن حقيقة منشأ الفيروس. إذا استمرينا بوضع السياسة فوق العلم، ستجد البشرية نفسها مرة أخرى في مواجهة اجتياح فيروس جديد، بدون أي استعداد له".