بعكس من تخلى عنهم بايدن لحكم الحركة .. طالبان لا تعاني أزمة وجودية

حشد من المواطنين الأفغان عند أسوار مطار كابل. أفغانستان
حشد من المواطنين الأفغان عند أسوار مطار كابل. أفغانستان المصدر: أ.ف.ب
Bobby Ghosh
Bobby Ghosh

Bobby Ghosh is a Bloomberg Opinion columnist. He writes on foreign affairs, with a special focus on the Middle East and Africa.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا يعرف الرئيس الأمريكي جو بايدن كيف يتصرَّف إزاء طالبان. عندما سئل في مقابلة مع قناة " ايه بي سي نيوز" الأسبوع الماضي، عمَّا إذا كان يعتقد أنَّ المسلحين الأفغان قد تغيّروا، قدَّم بايدن إجابة يغلب عليها الحزن: "نعم، وربما لا".

يجدر النظر في حديثه مع جورج ستيفانوبولوس بشيء من التفصيل من أجل التقدير الكامل لخداع بايدن ذاتياً:

سؤال: ماذا يحدث حالياً في أفغانستان؟ هل تعتقد أنَّ طالبان قد تغيّرت؟

جواب: لا ، أعتقد ... دعني أضع الأمر في نصابه، أعتقد أنَّ مسلحي طالبان يشهدون أزمة وجودية، إذ يريدون أن يتمَّ الاعتراف بهم من جانب المجتمع الدولي، باعتبارهم حكومة شرعية. لست متأكِّداً من أنَّهم سيحصلون على ذلك الاعتراف.

سؤال: هم يهتمون بمعتقداتهم أكثر؟

جواب: حسناً، إنَّهم يفعلون ذلك. لكنَّهم يهتمون أيضاً بما إذا كان لديهم طعام يأكلونه، وما إذا كان لديهم دخل يمكن توفيره لهم ... يمكنهم جني أي أموال، وإدارة الاقتصاد. إنَّهم يهتمون بما إذا كان بإمكانهم الحفاظ على تماسك المجتمع الذي يقولون، في الواقع؛ إنَّهم يهتمون به كثيراً أم لا.

أنا لا أعوِّل على أيِّ من تلك الأمور. لكنْ هذا جانب مما أعتقد مما يحدث حالياً. لست متأكِّداً من أنني كنت أتوقَّع يا جورج -ولا أنت أو أي شخص آخر- أنَّه عندما قررنا المغادرة، فإنَّهم سيوفِّرون (مسلحو طالبان) ممرَّاً آمناً للأمريكيين للخروج.

بعد الفشل الكبير... كيف يمكن لأمريكا أن تتدارك "كارثة" أفغانستان؟

هذا، على سبيل المثال، حالة من إسقاطات الرئيس. لا يوجد دليل ذو مغزى على أنَّ طالبان تشعر بأيِّ أزمة وجودية، ناهيك عن اهتمامهم بجني الأموال، أو إدارة الاقتصاد.

وعلى عكس السياسيين الأمريكيين؛ نادراً ما يشعر المسلحون الأفغان بالحاجة إلى القول، إنَّهم "يهتمون كثيراً" بالمجتمع.

أي قراءة لتصرُّفات طالبان، سواء كانت في الماضي أو الحاصر على حدٍّ سواء، توضِّح أنَّ عدم الثقة بالنفس ليست أقوى مشكلة لديهم.

وفي حين أنَّ مسلحي طالبان يهتمون بشكل واضح بجني الأموال لمواصلة القتال -إلى حدٍّ كبير عبر تهريب المخدرات- إلا أنَّهم أظهروا القليل من الاهتمام بإدارة اقتصاد من أجل الرفاهية المادية للمجتمع الأفغاني.

في أجزاء من البلاد كانت تحت سيطرة طالبان لفترة طويلة من الزمن، أظهرت عناصر طالبان -إذا كان هناك أي شيء- إخلاصاً عنيداً لوجهة نظرهم القديمة للعالم.

لا ينبغي، إذن، أن نتفاجأ إذا قرَّرت طالبان أنَّها لا تحتاج إلى اعتراف دولي أو شرعية، ناهيك عن المساعدة والتجارة. وبدلاً من ذلك ستعود إلى وضع الإمارة المنعزلة، مثل كوريا الشمالية، في ظل توافر معاقل للإرهابيين.

قد تجلب العزلة مشقة كبيرة على المجتمع الأفغاني، لكنَّ قيادة طالبان قد لا تهتم؛ إذا استخدمنا مصطلح بايدن المفضَّل.

لكنْ من الواضح أنَّ الرئيس يأمل في أن تكون طالبان قد تغيّرت.

"طالبان" تخلصت من أمريكا.. لكن يبقى نفوذ الدولار

في الواقع، قد يحتاج إلى حدوث تغيير لدى طالبان. تستند مغامرته في أفغانستان على أنَّ المتمردين يتصرَّفون مثل الفاعلين السياسيين الذين يتَّسمون بالعقلانية والمسؤولية، كما يمكن للولايات المتحدة التعامل معهم- أو على الأقل عقد الصفقات- على أمل احترام الاتفاقيات، والوفاء بالوعود.

إنَّ إجراء مثل هذا الحساب هو تجاهل متعمَّد لسلوك طالبان، منذ العام الماضي والقرن الماضي.

وفي حين لم يجف الحبر الذي كتب به اتفاق السلام لعام 2020 مع الرئيس السابق دونالد ترمب، استأنفت حركة طالبان عملياتها العسكرية. فهذا ما يتَّسم به المتمرِّدون الذين اتسم صعودهم إلى السلطة في التسعينيات بالانتهازية في إبرام الصفقات وفسخها.

لا يمكن أن يكون بايدن، المخضرم في السياسة الخارجية بواشنطن، غير مدرك لتاريخ طالبان في الازدواجية والتلاعب. كما لا يستطيع بايدن أن يتجاهل الرسالة التي يرسلها الآن عشرات الآلاف من الأفغان الذين يفرُّون من البلاد، على الرغم من وعود طالبان بالعفو والتسامح.

يتذكر الأفغان، إذا لم يتحرَّك بايدن، ما حدث عندما غزا " الطالبان أو الطلاب"، كما يُعرَّف المتمردون، كابل لأوَّل مرة في عام 1996، فيما يتعلَّق بوعود إرساء السلام والنظام، والعفو عن الأفغان الذين خدموا في حكومة الرئيس محمد نجيب الله، التي انهارت بسرعة. فقد بدأت عملية تصفية الحسابات من الأعلى، فقد تمَّ التنكيل بالرئيس وتعليقه بعمود مصباح في كابول، وتمَّ حشو فمه بأعضائه التناسلية.

طالبان الكارهة للبنوك تضع الولايات المتحدة في حيرة لضبطها مالياً

كما أشار بايدن في مقابلته؛ فإنَّ حركة طالبان، في معظمها، نأت بنفسها عن مهاجمة الأمريكيين منذ عودتهم المظفرة الثانية إلى كابل. لكنَّ المدينة سقطت أسرع مما توقَّعه المتمرِّدون، ولم يكن لديهم القوة العددية لتحدي الجيش الأمريكي بشكل مباشر، خاصة بعد إرسال 3000 جندي إضافي من مشاة البحرية لإدارة عمليات الإجلاء.

عزَّزت حركة طالبان نفسها، وأصبح الأمن في العاصمة الآن تحت سيطرة شبكة "حقاني"، أكثر فصائل الحركة عنفاً وعناداً.

كم من الوقت سيحترمون ما أعلنوا عنه من عفو وصفح تمَّ الاتفاق عليه مسبقاً، هو تخمين أي شخص.

لن تنسَ شبكة "حقاني" أنَّها مصنَّفة كمنظمة إرهابية من قبل الدولة ( الولايات المتحدة) ذاتها التي يتوقَّع رئيسها الآن منها ضمان المرور الآمن لمواطنيها وحلفائها.

إحدى النقاط الساخنة المحتملة ستأتي قريباً -حتى مع اعتراف بايدن بأنَّ الإجلاء قد يستغرق وقتاً أطول من المتوقَّع- فقد قالت طالبان، إنَّها لن تتراجع عن الموعد النهائي للانسحاب النهائي في 31 أغسطس.

في غضون ذلك، تقوم شبكة "حقاني" بتنفيذ عمليات تفتيش للمنازل في جميع أنحاء المدينة، سعياً منها للانتقام من أولئك الذين عملوا ضدَّها.

تمَّ بالفعل إثناء الفتيات والنساء عن العودة إلى المدرسة والعمل. وحاصر مسلحون الأئمة خلال صلاة الجمعة الماضية.

إذا كانت هناك أزمة وجودية في أفغانستان، فسيشعر بها أولئك الذين تخلَّى عنهم بايدن لحكم طالبان.