واشنطن تحتاج أكثر من مجرد الظهور في زيارات لجنوب شرق آسيا

الرئيس الأمريكي جو بايدن ونانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب (يسار) وكاميلا هاريس نائبة الرئيس (يمين)
الرئيس الأمريكي جو بايدن ونانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب (يسار) وكاميلا هاريس نائبة الرئيس (يمين) المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد سنوات من الانخراط الفاتر في جنوب شرق آسيا، عادت أمريكا. على الأقل، هذا هو الطريق الذي تحاول حكومة بايدن سلوكه.

لكن بعد الطريقة التي غادرت بها الولايات المتحدة أفغانستان وتعاملت بها مع شركائها الرئيسيين، يبقى السؤال هنا: هل سيتقبلها زعماء المنطقة؟

زيارة هاريس

سينظر الكثيرون إلى واشنطن بمزيد من الشك وعدم الثقة، خاصة بعد الأوضاع الخطيرة التي حدثت في مطار كابل واحتمال عودة الإرهاب من أفغانستان التي تحكمها طالبان، كل ذلك في أعقاب رئاسة ترمب المضطربة. ستقدم زيارة نائبة الرئيس، كامالا هاريس، لجنوب شرق آسيا الأسبوع الجاري مؤشراً على مقدار الرصيد الدبلوماسي الذي فقده جو بايدن بسبب أفغانستان، بجانب المقارنات الحتمية مع الانسحاب الأمريكي من جنوب فيتنام وكمبوديا ولاوس في 1975.

هكذا سمحت أمريكا بفتح باب الشر مجدداً في أفغانستان

تأتي زيارة هاريس في أعقاب زيارات وزير الدفاع، لويد أوستن، ونائبة وزير الخارجية، ويندي شيرمان، واللذان حاولا تقديم ولايات متحدة أكثر تواضعاً للمنطقة - وهي واحدة يمكن أن تقر بأخطائها السياسية ومشكلاتها المحلية، بما في ذلك الهجوم على الأمريكيين من أصل آسيوي - كطريقة لإعادة بناء الثقة عبر جنوب شرق آسيا.

ميثاق التجارة الرقمية

تريد واشنطن من المنطقة أن تقف وراء مبادرتها لكبح تحركات الصين، بل إنها قدمت خطة لميثاق التجارة الرقمية تغطي الاقتصادات من المحيط الهندي إلى الهادي، لكن ترددت بعض الدول في تأييد الفكرة - وردعها مزيج من نقص الثقة في الولايات المتحدة والخوف من كيفية استجابة بكين.

قادت أكبر الشركات الصينية، مثل "علي بابا غروب هولدينغ"، و"تنسينت هولدينغز"، موجة من الاستثمارات في جنوب شرق آسيا، التي لديها أكثر من نصف مليار شخص يلجؤون بشكل متزايد إلى الإنترنت، وبالتالي لا يوجد جانب إيجابي لاتفاقية تعزل البر الرئيسي.

"تينسنت" الصينية تتعهد بزيادة الاستثمار بعد ارتفاع إيراداتها 25%

ينبغي أن تكون المنطقة هامة لواشنطن، فهي تضم حليفين للولايات المتحدة منذ وقت طويل - الفلبين وتايلاند - وأيضاً شركاء رئيسيين مثل فيتنام وإندونيسيا وسنغافورة. لكن بعد سنوات من الإهمال تحولت العلاقات الاقتصادية تجاه بكين رغم المخاوف الجدية لدى تلك الدول من أفعال الصين في بحر الصين الجنوبي وفخ الديون المحتمل من مشروع شي جين بينغ، الحزام والطريق.

الثقة

كانت هاريس حريصة على التأكيد على التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة، وركزت على الحاجة لاتفاقية حرة ومفتوحة في منطقة المحيطين الهندي والهادي - وهو حديث دبلوماسي للتعامل مع إثبات الذات لبكين في بحر الصين الجنوبي - بجانب توسيع التعاون بشأن قضايا الأمن والاقتصاد العالمي والاستجابات للوباء، وكان شعارها "إعادة التأكيد والتعزيز والتجديد" عندما تحدثت في سنغافورة يوم الاثنين بعد مقابلة رئيس الوزراء، لي هسين لونغ.

كيف سيعوض بايدن سياسة أسلافه تجاه الصين؟

لكن لم يكن هناك تجنب لقضية أفغانستان وكيف ينظر جنوب شرق آسيا إلى رحيل الولايات المتحدة غير اللائق وتأثيره على مصداقية وعود السياسة الخارجية لواشنطن. وكما قال لي، فإن التصورات حول عزم الولايات المتحدة والتزامها تجاه المنطقة ستتأثر بما ستفعله في المستقبل، وكيف تتخذ مواقفها وتواصل الحرب ضد الإرهاب، كما وصف الزيارة على أنها علامة على "تجديد العلاقات" الأمريكية.

تحويل الدفة

تشير الرحلات رفيعة المستوى في الآونة الأخيرة للمنطقة إلى أن واشنطن تدرك أن لديها بعض الأعمال التي يتعين عليها القيام بها، ولاقت زيارة أوستن استقبالاً جيداً بشكل خاص، وأسفرت عن استعادة صفقة عسكرية رئيسية بين الفلبين والولايات المتحدة، ما عزز بعض اليقين في علاقاتهما الدفاعية، وأرسل رسالة واضحة إلى بكين بشأن استمرار وجودها العسكري في المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي.

الفلبين تحتج على وجود سفن صينية بمنطقة شعب مرجانية متنازع عليها

وكما أشار بيك ستراينغ، المدير التنفيذي لمشروع "لاتروب آسيا" والمحاضر البارز في السياسة والعلاقات الدولية في جامعة لاتروب في ملبورن، فإن انسحاب الولايات المتحدة من كابل قد لا يُنظر إليه بشكل سلبي تماماً بالنسبة لجنوب شرق آسيا. ورغم أن الانسحاب يثير مشكلات مصداقية لواشنطن، فإنه قد يُنظر إلى هذه الخطوة أيضاً على أنها تحول بعيداً عن عمليات الانتشار الموسعة في أفغانستان والشرق الأوسط تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ويقول ستراينغ، بعبارة أخرى، يمكن اعتبارها فرصة للولايات المتحدة لتكريس المزيد من الوقت والثقل الدبلوماسي للتحديات الجيوسياسية التي تفرضها الصين.

مبادرات

قال السفير الأمريكي السابق لدى سنغافورة، فرانك لافين، في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ"، يوم الاثنين، إن جزءا كبيرا من الدبلوماسية يظهر للتو، لكنه أشار إلى أن الزيارات والتعاون لا توصلك إلا إلى هذا الحد، والأمر متروك الآن للولايات المتحدة لوضع مبادرات إقليمية مهمة تسمح لدول جنوب شرق آسيا بالارتياح لواشنطن، وينبغي ألا تنطوي على اتفاقات يُنظر إليها على أنها معادية للصين. يشغل لافين الآن منصب رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة "إكسبورت ناو" (Export Now)، والتي تساعد الشركات على اقتحام سوق التجارة الإلكترونية في الصين.

أعطت دبلوماسية اللقاحات الأمريكية واشنطن بداية جيدة لإعادة الانخراط في المنطقة، وقد تبرعت حتى الآن بأكثر من 23 مليون جرعة لقاح و158 مليون دولار لمساعدة الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا لمكافحة كوفيد 19، إلى جانب 500 مليون جرعة لتوزيعها من خلال برنامج "كوفاكس" التابع لمنظمة الصحة العالمية الذي يوفر التطعيمات للدول النامية.

على الولايات المتحدة توفير لقاح "كورونا" لباقي العالم.. لماذا؟

كما ساعد حضور وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، في الاجتماعات السنوية لوزراء خارجية دول الآسيان العشرة ودول أخرى والاجتماعات المنفصلة لبلدان منطقة حوض الميكونغ السفلى مثل ميانمار وكمبوديا ولاوس وفيتنام وتايلاند في إظهار أن واشنطن جادة بشأن نواياها، وتساهم رحلة هاريس في هذه الجهود أيضاً. في السنوات القليلة الماضية، لم تحضر الولايات المتحدة في كثير من الأحيان هذه الاجتماعات الإقليمية أو حتى ترسل دبلوماسيين مبتدئين.

الآن تحتاج الولايات المتحدة إلى التوصل إلى شيء ملموس يمكن للدول تأييده مثل اتفاقية أو مبادرة ليست معادية للصين بشكل واضح، وهذا هو المكان الذي سيبدأ فيه العمل الحقيقي.