من سيرشد طالبان هذه المرة: باكستان أم قطر؟

 الملا عبد الغني بارادار (وسط الصور) أحد زعماء حركة طالبان الأفغانية وأعضاء آخرون في الحركة في العاصمة القطرية الدوحة. 18 يوليو 2021.  وصل "بارادار" الذي يعيش في الدوحة منذ ثلاث سنوات إلى كابل ومن المتوقع أن يرأس الحكومة الجديدة كما يبدو أن إدارة "بايدن" قررت إمكانية التعامل معه حيث أجرى مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز محادثات سرية مع بارادار يوم الاثنين الماضي
الملا عبد الغني بارادار (وسط الصور) أحد زعماء حركة طالبان الأفغانية وأعضاء آخرون في الحركة في العاصمة القطرية الدوحة. 18 يوليو 2021. وصل "بارادار" الذي يعيش في الدوحة منذ ثلاث سنوات إلى كابل ومن المتوقع أن يرأس الحكومة الجديدة كما يبدو أن إدارة "بايدن" قررت إمكانية التعامل معه حيث أجرى مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز محادثات سرية مع بارادار يوم الاثنين الماضي المصدر: أ.ف.ب
Bobby Ghosh
Bobby Ghosh

Bobby Ghosh is a Bloomberg Opinion columnist. He writes on foreign affairs, with a special focus on the Middle East and Africa.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بواسطة: بوبي غوش وحسين إبيش

بينما تستقر حركة طالبان في مهمتها الثانية كحاكم لأفغانستان، فإن أي أمل في تجنب تكرار الفترة الأولى من حكمها قد يعتمد على التنافس على النفوذ في كابل، بين باكستان وقطر. ستحدد النتيجة الدور الذي يمكن أن يلعبه العالم الأوسع، وخاصة الغرب، في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية.

سيشجع معظم الأفغان -وكذلك الحكومات الأجنبية، ووكالات المعونة، والمانحين، والمستثمرين- الدوحة أكثر من إسلام أباد، لأن ذكريات أداء إدارة طالبان السابقة تحت الوصاية الباكستانية لا تسمح بالتفاؤل بشأن الكيفية التي ستسير بها الأمور هذه المرة. وفي حين أن أداء القطريين غير معروف نسبياً في جنوب آسيا، إلا أنه من غير المرجح أن يكون أسوأ من أداء باكستان.

اقرأ أيضاً: أين المليارات التي أهدرتها الولايات المتحدة في أفغانستان؟

علاوةً على ذلك، سيتحدّد الفائز إلى حد كبير من خلال منافسة أخرى داخل طالبان؛ فعلى الرغم من أن المجموعة يرأسها المرشد الأعلى، هبة الله أخوند زاده، لكنها ليست كتلة واحدة. حيث تتحالف قطر مع الفصيل السياسي بقيادة الملا عبد الغني بارادار، في حين تدعم باكستان الجناح العسكري الذي يتزعمه أمثال محمد يعقوب، نجل المرشد الأعلى السابق الملا عمر، وسراج الدين حقاني، رئيس شبكة حقاني السيئة السمعة، التي صنفتها الولايات المتحدة على أنها جماعة إرهابية.

على السطح، تبدو الأمور جيدة بالنسبة للقطريين؛ حيث وصل "بارادار"، الذي يعيش في الدوحة منذ ثلاث سنوات، إلى كابل، ومن المتوقع أن يرأس الحكومة الجديدة، كما يبدو أن إدارة "بايدن" قررت إمكانية التعامل معه، حيث أجرى مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز محادثات سرية مع بارادار يوم الاثنين الماضي.

قلق باكستاني

ما من شكٍ أن ذلك سيؤدي إلى إثارة قلق الباكستانيين، الذين يُعتقد أنهم على خلاف مع "بارادار"؛ حيث قاموا أولاً بإيوائه بعد هزيمة طالبان بقيادة الولايات المتحدة، ثم اعتقلوه في عام 2010. وبحسب ما ورد فقد تعرض للتعذيب في الأسر. من ناحية أخرى، كان القطريون يعاملونه باعتباره القائد المنتظر لأفغانستان، وأقاموا علاقات قوية مع الآخرين في فصيله.

لكن حتى لو كان "بارادار" يرأس الحكومة، فإن القوة الحقيقية في طالبان تكمن في "شورى" أخوند زاده، حيث يتمتع يعقوب وحقاني بنفوذ كبير. ومنذ عام 1996 حتى عام 2001، عندما حكمت طالبان آخر مرة، كانت القرارات التي تُتخذ في كابل تُلغى بشكل روتيني من قبل المجلس الأعلى في قندهار، حيث القاعدة الروحية للجماعة وموطن زعيمها الأعلى.

اقرأ أيضاً: قيمتها تريليون دولار... الصين تضع عينها على معادن أفغانستان في رهان خطر على طالبان

وفي حال ظهر أنصار باكستان بوصفهم العصبة المهيمنة، فمن المرجح أن تكون إسلام أباد الوسيط الرئيسي بينهم وبين العالم؛ حيث رأينا هذا الفيلم من قبل، وانتهى بشكل سييء. ففي المرة الأخيرة، وبدلاً من تشجيع طالبان على تطوير دولة حديثة وشاملة، انغمست باكستان في أيديولوجيتها الظلامية، ودافعت عن نظرتها الرجعية للعالم وأجندتها المحلية التقليدية.

الجدير بالذكر أن الحكومات الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، دفعت مبالغ كبيرة مقابل الخدمات الباكستانية باعتبارها المرشدة لطالبان، إلا أن هذا لم يؤد إلا إلى إثراء وتمكين المؤسسة العسكرية والاستخباراتية في إسلام أباد، ولم يفعل شيئاً للتخفيف من محنة الشعب الأفغاني أو تخفيف التهديد الإرهابي الصادر عن بلدهم.

لكن بعد سقوط طالبان في عام 2001، وفّرت باكستان الملاذ الآمن لها، لإعادة تجميع صفوفها، وإعادة تسليحها، والعودة إلى المعركة. وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، لم تبذل الحكومات في إسلام أباد سوى القليل من الجهد لتحسين موقف ضيوفها، والآن بعد أن عادوا إلى السلطة، من الصعب أن نتخيل أن باكستان ستخفف من ميولهم.

الدور القطري

هل يمكن لقطر أن تفعل ما هو أفضل؟. على مدى العقد الماضي، برزت الدولة الصغيرة كمحاور فعّال بين الغرب وطالبان. ومن خلال التوسط في مفاوضات السلام في الدوحة، مهد القطريون الطريق للانسحاب الأمريكي وعودة المتمردين إلى السلطة.

ستعتمد محاولتهم للتأثير في كابل على امتنان "بارادار" للخدمات المقدمة، ورغبته في المزيد. وفي حال كانت طالبان تريد اعترافاً دولياً بحكومتها، فإن الرعاية القطرية ستكون أكثر فاعلية من رعاية باكستان، التي ينظر إليها الغرب بعين الشك.

اقرأ أيضاً: ماذا ستفعل "طالبان" باقتصاد حجمه 22 مليار دولار؟

فضلاً عن ذلك، إذا كانت طالبان تريد المال -المساعدة أو الاستثمار- فإن لدى الدوحة جيوباً أكبر بكثير من إسلام أباد. حيث سيكون هذا مهماً بشكل خاص في الأشهر الأولى من الإدارة الجديدة، عندما تُحجم الحكومات الغربية والمانحون عن التمويل، بينما ترتقي طالبان إلى الحكم. وحتى لو ظلوا مرتابين من طالبان، فإن أولئك الذين يميلون إلى الاستمرار في مساعدة السكان الأفغان سيشعرون براحة أكبر في الاستعانة بقطر كقناة بدلاً من الاعتماد على باكستان.

لكن لا تستبعدوا أنصار طالبان القدامى بعد. فالباكستانيون يتمتعون بميزة كبيرة من جهة القرب الجغرافي، حيث تشترك الدولتان في حدود برية طولها 1,650 ميلاً، بينما تفصل بين قطر وأفغانستان مساحة إيران والخليج العربي. كما يشترك الباكستانيون والأفغان أيضاً في روابط عرقية وثقافية لا يمكن للقطريين مضاهاتها.

والأهم من ذلك، أن للدولة الباكستانية تاريخ مع الحكام الجدد في كابل يعود إلى ولادة طالبان، التي أسهمت فيها أجهزة استخبارات إسلام أباد في أوائل التسعينيات.

وقد توترت بعض هذه العلاقات عندما مكّنت حكومة الجنرال، برويز مشرف الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لأفغانستان عام 2001. إلا أن المجموعة لم تكن لتنجو دون الدعم الباكستاني السري المستمر. وربما يكون "بارادار" قد عانى على أيدي سجانيه، إلا أن كثيرين في الجناح العسكري، من القادة والمقاتلين على حد سواء، سيشعرون أنهم مدينون لمضيفيهم مؤخراً بالامتنان.

وأخيراً، فإن باكستان لديها أيضاً الكثير على المحك. فبالنسبة للدوحة، سيكون وجود حكومة ودية في كابل نتيجة جيدة للغاية؛ أما بالنسبة لإسلام أباد، فتُعتبر هذه المسألة ضرورة وجودية لأن العقيدة العسكرية الباكستانية ترى منذ فترة طويلة أن أفغانستان توفر للبلاد "عمقاً استراتيجياً" في تنافسها مع الهند. لذا، يمكن الاعتماد على باكستان للقتال بقوة أكبر بكثير من قطر من أجل النفوذ في أفغانستان؛ ويمكن لهذا السباق أن يصبح قذراً للغاية.