لا ترمِ الطفل في الغسيل الأخضر

المصدر: غيتي إيمجز
Mark Gilbert
Mark Gilbert

Mark Gilbert is a Bloomberg Opinion columnist covering asset management. He previously was the London bureau chief for Bloomberg News. He is also the author of "Complicit: How Greed and Collusion Made the Credit Crisis Unstoppable."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

إنَّ أنباء تحقيق الجهات الرقابية والتنظيمية مع شركة إدارة الأصول "دي دبليو إس غروب" (DWS Group GmbH) في مزاعم التمويه الأخضر في بعض صناديقها، تلقي ضوءاً على حقيقة مزعجة بشأن مدى توافق الممارسات مع معايير حماية "البيئة والمجتمع والحوكمة"، إذ يستحيل الاتفاق بشأن ما ينطبق عليه وصف الاستثمار المقبول. غير أنَّ النتائج ستكون أفضل، كلما بذلت جهوداً أكثر، حتى إنْ لم تبلغ حد الكمال.

تُجري هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية تحقيقاً مع شركة "دي دبليو إس غروب"، وهي شركة لإدارة الأصول، مقرَها فرانكفورت، ويملك "دويتشه بنك" 80% من أسهمها. يهدف التحقيق إلى معرفة ما إذا كانت الشركة تبالغ في تقاريرها حول تطبيق معايير حماية "البيئة والمجتمع والحوكمة" (ESG) في بعض الاستثمارات، وفق تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال". كما أنَّ هيئة الرقابة المالية الألمانية "بافين" (BaFin) هي الأخرى، تجري تحقيقاً مع الشركة بحسب تقرير نشرته "بلومبرغ نيوز" يوم الخميس الماضي. وبدأت التحقيقات بعد أن نشرت "وول ستريت جورنال" أوائل الشهر الجاري أنَّ ديزيري فيكسلر، التي فُصلت من منصبها كرئيس الشركة لشؤون الاستدامة في مارس الماضي، رفعت دعوى فصل تعسفي، زاعمةً في دعواها أنَّها فُصلت بسبب اعتراضها على مزاعم معايير حماية "البيئة، والمجتمع، والحوكمة" التي وردت في تقرير الشركة السنوي.

اقرأ أيضاً: البنوك الأوروبية تبدأ ربط أجور عامليها بأهداف التغير المناخي والاستدامة

ليست فيكسلر أوَّل رئيس مختص بشؤون معايير "البيئة والمجتمع والحوكمة" يتهم صاحب العمل بممارسة التمويه الأخضر. كان طارق فانسي رئيساً سابقاً لشؤون الاستثمار المستدام لدى شركة "بلاك روك" (BlackRock)، وهي أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، وتشرف على استثمارات بقيمة 9.5 تريليون دولار. وفي مارس الماضي، قال فانسي، إنَّ هذا القطاع لا يقوم بأكثر من "دعاية وضوضاء تسويقية، ونشاط علاقات عامة ووعود مراوغة" في ترويج صناديق تزعم أنَّها تراعي معايير حماية "البيئة، والمجتمع، والحوكمة".

مع زيادة طلب العملاء بأن لا تُستثمر أموالهم في أنشطة تضرُّ بالبيئة، أو تدعم الظلم الاجتماعي، تزداد ضغوط المنافسة، وتحتدم على تقديم هذه الاستراتيجيات الاستثمارية. وتقدِّر وحدة "بلومبرغ إنتيليجنس" أنَّ إجمالي القيمة السوقية لمنتجات الاستثمار وفق معايير "البيئة والمجتمع والحكومة" في العالم، سوف يتجاوز 50 تريليون دولار خلال الأعوام الخمسة المقبلة، وهي قافلة لا تحتمل شركة لإدارة الصناديق أن تفوتها.

اقرأ أيضاً:

أكبر صندوق سيادي في العالم.. يضع معايير جديدة للحوكمة الاجتماعية

موقف ألمانيا الصارم تجاه الغسل الأخضر قد يكون مرجعاً لقواعد الاتحاد الأوروبي المنتظرة

شركة "دي دبليو إس" راهنت على هذا الاتجاه. إذ بلغ حجم الأموال التي استطاعت جذبها خلال الربع الثاني من العام الحالي إلى صناديق تطبِّق معايير حماية "البيئة، والمجتمع، والحوكمة" نحو 4 مليارات يورو (4.7 مليار دولار) من 19.7 مليار يورو تمثِّل إجمالي الاستثمارات التي تدفَّقت إليها. وفي عام 2020، كان ثلث تدفُّقات "دي دبليو إس" من الاستثمارات الصافية التي بلغت 30 مليار يورو موجَّهاً إلى الاستثمار في منتجات تطبِّق معايير "البيئة، والمجتمع، والحوكمة". انخفاض سعر سهم الشركة بما يزيد على 10% في التعاملات الصباحية في أوروبا يوم الخميس الماضي، يسلِّط الضوء على أنَّ حاملي الأسهم يخشون من أنَّ الجهات الرقابية سوف تكتشف خطأ في ممارسة الشركة بشأن معايير "البيئة، والمجتمع، والحوكمة".

إنَّ المستثمرين على وعي شديد بمخاطر تضليلهم بواسطة الدعاية التسويقية. في مايو الماضي، نشرت شركة إدارة الثروات "كويلتر" (Quilter) مسحاً كشف أنَّ التمويه الأخضر كان أكبر مصادر القلق عند قرار الاستثمار المسؤول لدى 1500 مستثمر بحد أدنى لكلٍّ منهم يبلغ 60 ألف جنيه إسترليني من الأصول الاستثمارية، متجاوزةً حتى مخاطر ارتفاع الرسوم أو تدهور الأداء. وتشرف الشركة التي تتخذ من لندن مقرَّاً لها على إدارة استثمارات بقيمة 127 مليار جنيه إسترليني (نحو 175 مليار دولار).

اقرأ أيضاً: أسهم ذراع الاستثمار في "دويتشه بنك" تتراجع بعد تحقيق أمريكي بمزاعم الاستدامة

تابع المسؤول السابق لدى شركة "بلاك روك" طارق فانسي، نقده اللاذع بكتابة مقال أوائل الشهر الحالي، قال فيه، إنَّ ما يوصف بأنَّه استثمار مستدام هو "علاج وهمي خطير". وأضاف أنَّ "التدخل الحكومي وحده هو ما يمكن أن يحلَّ مشكلة المناخ الملحة".

ربما كان على حق في أنَّ الدول وحدها لديها القوة اللازمة لمعالجة مختلف الأمراض التي تفسد الكوكب. لكنْ هذا لا يعني أنَّ قطاع إدارة الصناديق لا يستطيع ممارسة دوره في التأثير على الشركات التي يستثمر أموالاً فيها حتى تكون أقل ضرراً للبيئة في ممارسة نشاطها.

مثال ذلك، يظهر في الشركة التي كان فانسي يعمل لديها؛ فقد أدلت بتصويتها ضد 255 عضواً في مجالس الإدارات بسبب عدم اتخاذ إجراءات تتعلَّق بقضايا المناخ خلال فترة التفويض التي تنتهي في 30 يونيو، مما يمثِّل زيادة بواقع خمسة أضعاف في نشاط حاملي الأسهم مقارنة بالعام السابق. كما دعمت "بلاك روك" شركة إدارة الصناديق الصغيرة "إنجين نامبر وان" (Engine No. 1) في وقت سابق من العام العام الحالي، في محاولتها الناجحة في تصعيد ثلاثة أعضاء منشقين بمجلس الإدارة في شركة "إكسون موبيل" (Exxon Mobil) بهدف الضغط من أجل اتخاذ شركة الطاقة إجراءات لحماية المناخ.

باعتبارها شركات مهمة في تخصيص رأس المال، دفعت شركات إدارة الأصول، بنوع من التردد، إلى مقدِّمة الصفوف في معركة المناخ. غير أنَّها على الأقل مؤخراً، قبلت التحدي في أن تكون نشطة في طلب التغيير مقابل الأموال التي تقوم باستثمارها. وسوف يكون من العار على أجهزة رقابية مغالية في حماستها، أن تكون قوَّة ردع لهذه الجهود. فلا ينبغي أن نسمح للكمال أن يصبح عدواً لما هو جيد.