مستقبل المناخ الذي تخيلناه أصبح واقعاً

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عند مغادرة منتزه "يوسيميتي" الوطني، والسفر غرباً على طول طريق ولاية كاليفورنيا السريع رقم 140، سينتهي بك الأمر بالخروج من سلسلة "سييرا نيفادا" الجبلية إلى التلال السفحية المتموِّجة، لتعبر في النهاية وادي "سنترال فالي" الممهد. ولو قمت بقيادة سيارتك عبر هذا الطريق في 12 أغسطس كما فعلت أنا؛ سيتمُّ إيقافك عند المرور عبر نهر "مرسيد" بسبب عملية مثيرة إلى حدٍّ ما.

في ذلك اليوم، كانت المروحيات تحلِّق فوق السيارة المستأجرة التي كنا نستقلها أنا وعائلتي، حيث كانت تنقل العمال والخرسانة لصبِّ أساسات خطوط نقل الطاقة الجديدة على ارتفاع مئات الأقدام فوق الجانب الشرقي من الجبال. تمتد خطوط نقل الطاقة المملوكة لشركة "باسيفيك للغاز والكهرباء" (Pacific Gas & Electric)، وهي مرفق الإمداد العمومي في المنطقة، بطول 18466 ميلاً بين مدينتي "إوريكا" و"بيكرسفيلد". وبدا جزء كبير من هذه الشبكة معزولاً في أحضان التضاريس الصعبة، ومعرَّضاً لخطر الطقس القاسي، وخطر الحريق في حدِّ ذاته. والأهم من ذلك، أنَّ هذه الشبكة والعديد من الشبكات الأخرى، بحاجة إلى إعادة بناء ضخمة، وتوسيع نطاقها لمواجهة المناخ السائد اليوم.

اقرأ أيضاً: كيف أعاد "كورونا" رسم خريطة التغييرات المناخية في 2020؟

أقول: "المناخ السائد اليوم"، لأنَّه بعد إجازتي التي دامت أسبوعين في كاليفورنيا الحارة والجافة و"المضغوطة" بيئياً، لم يعد مصطلح "تغيُّر المناخ" يبدو مناسباً. سواء كنا نتحرَّك لإيقاف التغييرات المستقبلية، أو مجرد التكيف معها عند حدوثها، فنحن نعيش في مناخ قد تغيّر بالفعل.

على سبيل المثال، كان متوسط ​​درجة الحرارة في شهر أغسطس من كل عام خلال الفترة بين 1991 و2020 في وادي "يوسيميتي"، 89 درجة فهرنهايت، وهي درجة حرارة دافئة، ولكن يمكن التحكُّم فيها (وبعيداً عن المزاح بشأن الحرارة والجفاف؛ فإنَّه في الواقع منخفض الرطوبة للغاية). خلال زيارة عائلتي، بلغت درجة الحرارة ذروتها متجاوزةً 106 درجات فهرنهايت. ولم تفشل درجات الحرارة خلال النهار مطلقاً في تجاوز المتوسط خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر أغسطس.

تشكِّل الغابات جزءاً كبيراً من وادي "يوسيميتي"، كما هو الحال بالفعل في أغلب مناطق شمال كاليفورنيا. وبغضِّ النظر عن مدى استقرار الغابات ومرونتها، إلا أنَّها

لا تجيد تحمُّل هذا النوع من درجات الحرارة، أو انخفاض معدل هطول الأمطار. وبحلول نهاية ما كان من المفترض أن يكون موسم الأمطار لعام 2021، كان معدل تراكم الثلوج في سلسلة "سييرا نيفادا" مايزال أقل من المتوسط بنسبة 41%، الأمر الذي يجعل اندلاع الحرائق نتيجة متوقَّعة بقدر ما هي مرعبة.

حرائق "ديكسي"

أثناء وجودنا في "يوسيميتي"، كانت حرائق "ديكسي" تشتعل على بعد مئات الأميال باتجاه الشمال. وفي اليوم الذي غادرنا فيه المتنزه، كانت الحرائق قد انتشرت على مساحة 515 ألف فدان من الغابات. وفي حين أكتب هذا المقال، التهمت نيران "ديكسي" الآن أكثر من 735 ألف فدان، مما يجعل المنطقة المتضررة تقارب حجم "يوسيميتي". ولم يتم احتواء سوى 45% فقط من الحرائق.

اقرأ أيضاً: دراسة: 356 ألف حالة وفاة بسبب شدة الحرارة والأعداد ستزداد مستقبلاً

هناك مواسم للحرائق. وكان موسم الحرائق في كاليفورنيا قد بدأ في وقت مبكِّر (في يونيو)، وسيستمر لفترة أطول (حتى نوفمبر) مقارنة بالسنوات الماضية. في العام الماضي، التهمت الحرائق أكثر من 4 ملايين فدان في الولاية. وفي حين لم نبلغ منتصف موسم هذا العام بعد؛ فقد احترق أكثر من 1.5 مليون فدان حتى الآن، مما يعني أنَّ عام 2021 هو بالفعل ثاني أسوأ موسم للحرائق في هذه الألفية.

كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتصدى لتغيّر المناخ؟

كل ما يحترق ينفث ثاني أكسيد الكربون، وقد تجاوزت انبعاثات حرائق الغابات في كاليفورنيا 100 مليون طن في عام 2020. وبالنظر إلى ارتباط الانبعاثات ارتباطاً وثيقاً بالمنطقة التي تعرَّضت للحريق؛ فإذا كان العام الحالي هو بالفعل ثاني أسوأ موسم للحرائق، فلن يكون الافتراض بأنَّه ثاني أكبر موسم للحرائق من ناحية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أمراً مبالغاً فيه.

اقرأ أيضاً: الديمقراطيون يرون الميزانية ترجح تحقيق أهداف بايدن المناخية

وفي حين تؤجج عوامل مثل الجفاف والحرارة تلك الحرائق، إلا أنَّهما يؤثِّران على كاليفورنيا بطرق أخرى أيضاً. فقبل زيارتي بفترة وجيزة، قامت إدارة الموارد المائية بإيقاف تشغيل محطة كهرباء "حياة" (Hyatt) للمرَّة الأولى على الإطلاق، بسبب انخفاض منسوب المياه في بحيرة "أوروفيل". وقبل أربع سنوات فقط، أوشك سدّ "أوروفيل" على الانهيار بسبب ارتفاع مستويات المياه بشكل مفرط، عندما بلغ معدل تراكم الثلوج في كاليفورنيا 180% من متوسطه لهذا العام.

خلال رحلتنا، رأيت وتأملت أنا وعائلتي، ذلك الجفاف، والحرائق، وذكريات الفيضانات، والأفكار حول ما قد يسبِّبه تغيُّر المناخ. هذه أيضاً لمحة عن المستقبل، إذ يدفعنا الطقس الأكثر تطرُّفاً وتكراراً إلى أن نصبح أكثر وعياً، وبشكل مفرط بشأن المناخ، وأن نسأل: كم تبلغ درجة الحرارة؟ ما هي نسبة الجفاف؟ ما هي جودة الهواء؟ كم يبعد أقرب حريق ضخم؟ في أي اتجاه تهب الرياح؟

بالطبع، يتطلَّب التخطيط للتعامل مع مناخ متغيِّر النظر إلى ما بعد الأسبوع المقبل. إنَّ القيام بشيء حيال ذلك يتطلَّب فعل المزيد، بما في ذلك بعض المكاسب السريعة، ولكن أيضاً الرافعات الثقيلة، أي ما يعادل تريليون ضعف طائرات الهليكوبتر التي تحلِّق بالعمال والخرسانة فوق جبل بعيد وجاف للغاية لتشييد بنية تحتية منخفضة الانبعاثات، وخالية من الكربون.

أخيراً، يتطلَّب التخطيط للتعامل مع مناخ متغير، التعلُّم من المناطق التي تقوم بما يلزم حقاً لتغيير المستقبل بجدٍّ وتحدٍّ بقدر العمل الذي شهدته اليوم. وتعدُّ كاليفورنيا واحدة من تلك المناطق، إذ تخطط الولاية لجعل قطاعات الطاقة والنقل خالية من الانبعاثات. إنَّها بمثابة مختبر للعالم، في طليعة ما يعنيه العيش في مناخنا المتغيّر، ولكنَّها أيضاً خطوة أولى لما يمكننا القيام به حيال هذا التغيير.