حاوية أسمدة عالقة تبرز معاناة سلسلة التوريد العالمية

حاويات ينتظر تحميلها على السفن في ميناء نينغبو بمقاطعة تشجيانغ، الصين. أدى تفشي فيروس كورونا والأعاصير والاضطرابات المناخية إلى حدوث أزمة في سلاسل التوريد العالمية، وإطالة عملية التسليم التي تستغرق عادة أسابيع إلى أكثر من نصف عام
حاويات ينتظر تحميلها على السفن في ميناء نينغبو بمقاطعة تشجيانغ، الصين. أدى تفشي فيروس كورونا والأعاصير والاضطرابات المناخية إلى حدوث أزمة في سلاسل التوريد العالمية، وإطالة عملية التسليم التي تستغرق عادة أسابيع إلى أكثر من نصف عام المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في مكان ما بميناء شنغهاي الأكثر ازدحاماً في العالم، توجد حاوية من الأسمدة بين عشرات الآلاف من الصناديق، في انتظار انطلاقها في رحلة إلى الولايات المتحدة. ظلَّت الحاوية على رصيف الميناء لعدَّة أشهر، فقد كانت محاصرة بسبب الأعاصير، وتفشي كوفيد، الذي أدى إلى تفاقم الازدحام الكبير في شبكة سلاسل التوريد العالمية.

برغم أنَّ حاوية الأسمدة عالقة هناك منذ شهر مايو الماضي، إلا أنَّ الميناء ليس إلا محطة واحدة في الرحلة الطويلة من وسط الصين إلى الغرب الأوسط الأمريكي. وأدت التأخيرات إلى إطالة عملية التسليم التي تستغرق عادة من أسابيع إلى أكثر من نصف عام. وسيستمر هذا الإطار الزمني في الزيادة، فقد بدأت البضائع بالكاد الرحلة المضنية التي يبلغ طولها 15 ألف كيلومتر تقريباً (ما يعادل 9,300 ميل).

اقرأ المزيد: ضربة جديدة لسلاسل التوريد العالمية بسبب انتشار "دلتا" في آسيا

نشاط اقتصادي مقيد

تعبر هذه القصة عن شحنة واحدة متواضعة، ورحلتها الشاقة حول العالم. وبرغم أنَّ بعض الحواجز التي تمنعها من الوصول إلى وجهتها النهائية قد تكون استثنائية في هذه الحالة بالذات، إلا أنَّ الرحلة نفسها تعدُّ رمزاً للجمود الذي أصاب التجارة العالمية أثناء الوباء.

فمن الولايات المتحدة إلى السودان حتى الصين؛ كانت صناديق الحاويات ملقاة في الموانئ، وساحات السكك الحديدية، والمستودعات وسط تفشي الوباء. وذلك في صناعة تضمُّ 25 مليون حاوية، ونحو 6 آلاف سفينة تقوم بنقلها، ويسهل النظر إلى الاضطرابات على أنَّها صداع كبير يقتصر على عالم الشحن. لكن كل حاوية يتمُّ تأجيلها هي نشاط اقتصادي مقيد، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الحاوية الواحدة في كل مرة على المستهلكين، ويجعل من وضع الذرة على موائد المستهلكين، أو تقديم الهدايا لقضاء العطلات أكثر صعوبة.

تأخر التسليمات بموانئ الصين يتجاوز أزمة قناة السويس ويزيد معاناة سلاسل التوريد

تستمر مشكلة سلاسل توريد الاقتصاد العالمي في التدهور. ويعتبر هذا أيضاً درساً في الآثار المتراكمة عبر سلاسل التوريد العالمية، مع إظهارها لقيود التنويع، وسط استمرار ارتباط جميع الشبكات بشكل وثيق بالصين.

قال دون تيورا، رئيس مجموعة "سورسينغ إندستري غروب" (Sourcing Industry Group)، التي يقع مقرّها في الولايات المتحدة: "كل الطرق تؤدي إلى الصين، وهذا له تأثير كبير عبر سلسلة التوريد بأكملها". وأضاف: "الازدحام في أحد الموانئ أو المصانع له آثار بعيدة المدى على المرافق المتصلة به، التي تنتشر في جميع أنحاء العالم".

المصنع

بدأت رحلة الحاوية التي نخصُّها بالذكر، التي تحتوي على فوسفات الأمونيوم بمظهره الرملي، شهر فبراير الماضي. ففي ذلك الوقت، وفي قلب الأراضي الزراعية في الغرب الأوسط الأمريكي، قدَّم مورِّد للمزارعين في إلينوي طلباً لشراء ثمانية صناديق من الحاويات مملوءة بالأسمدة من المصانع في وسط الصين.

شركات الشحن والتوصيل تجني المليارات من اختناقات سلاسل التوريد

قال ستيف كرانيغ، مدير الخدمات اللوجستية في شركة "آيمكس غلوبال" (IM-EX Global)، المسؤولة عن تنسيق نقل بضائع الأسمدة: "قبل الوباء، كانت شحنة مثل هذه تصل إلى شيكاغو عادةً في إبريل، وهو الوقت المناسب تماماً للمزارعين، الذين يستخدمونها خلال موسم الزراعة".

لكن بحلول شهر مايو، كانت بعض الأسمدة ما تزال موجودة في مدينة تشونغتشينغ، على بعد 2400 كيلومتر غرب شنغهاي، حيث تمَّ تصنيعها. والمتهم وراء هذا الأمر هو نقص الحاويات الفارغة المتاحة للنقل، فقد تأخرت العودة المصيرية لهذه الصناديق الفولاذية من الرحلات المتجهة إلى الولايات المتحدة وأوروبا بسبب كل شيء، بدءاً من نقص الموظفين إلى قلة معدات النقل بالشاحنات التي تنقل البضائع خارج الموانئ.

استغرق الأمر عدَّة أشهر من كرانيغ حتى يستطيع تأمين الصناديق والمواقع على العديد من السفن التي ستغادر من شنغهاي. وتمَّ تحميل الأسمدة في الحاويات، ونقلهم إلى البوارج في نهر يانغتسي.

النهر

استغرقت الرحلة عبر الممر المائي الداخلي الأكثر ازدحاماً في الصين 8 أيام. كانت هذه الحاوية محظوظة، فقد تمَّ شحنها قبل موسم الأعاصير، في حين لم يحالف الحظ الآخرين مؤخَّراً.

تعرَّضت حركة المرور في نهر يانغتسي، الذي شهد معدل مرور قياسي بلغ 2.93 مليار طن من البضائع خلال عام 2019، لضربة قوية بسبب موجات الطقس القاسي، التي اجتاحت ربوع الصين هذا الصيف. واضطرت السلطات إلى إغلاق النهر أثناء العواصف، مما تسبَّب في تأخيرات شديدة في الموانئ الصينية، إذ تنتظر السفن أياماً لاستئناف المرور.

بالرغم من أنَّ الشحنة تجنَّبت كوارث الفيضانات، لكنَّها لم تستطع الهروب من تكاليف النقل المرتفعة، فقد صعدت أسعار الشحن بشكل كبير على الطرق الدولية، وكذلك على طول نهر يانغتسي. وبالإضافة إلى زيادة الطلب على السلع وسط انتعاش الاقتصاد الصيني؛ فإنَّ عدد السفن الشحيح دفع الأسعار للارتفاع. وتعمل خطوط الشحن على سحب السفن الساحلية الصغيرة بعيداً لاستخدامها في طرق المسافات الطويلة، مثل الوجهات المربحة عبر المحيط الهادئ من الصين إلى الولايات المتحدة.

قال كرانيغ: "هناك بالفعل كمية محدودة من الحاويات التي تمر عبر ممر نهر يانغتسي، وتدفع بعض الشركات مبالغ قياسية بالدولار لاقتناص أي حاويات متاحة، حتى لا تضطر إلى محاولة نقل بضائعها إلى شنغهاي عبر طرق غير مائية".

وصلت الحاوية أخيراً إلى شانغهاي في 27 مايو، وسلَّمتها الشاحنة إلى أكثر الموانئ ازدحاماً في العالم.

الميناء

لا يعلم كرانيغ بالتحديد سبب بقاء الحاوية في شنغهاي، في حين وصلت 7 صناديق من الطلبية إلى شيكاغو، لكنَّه يشتبه في أنَّ الفوضى التي ضربت الموانئ الصينية هي عامل رئيسي وراء ذلك. فتسبَّب الوباء في حدوث اضطراب في الشحن خلال العام ونصف العام الماضيين، وأصبحت الصين نقطة اختناق رئيسية.

تمَّ إغلاق ميناء يانتيان في شنتشن خلال مايو بسبب تفشي كوفيد، مما تسبَّب في ازدحام للساحل الشرقي بأكمله، وأدى ذلك بدوره إلى آثار متراكمة عبر سلسلة التوريد العالمية. في وقت سابق من هذا الشهر، كان لابد أيضاً من إعادة توجيه الشحن بعيداً عن نينغبو، ثالث أكثر موانئ الحاويات ازدحاماً في العالم، إذ ثبتت إصابة أحد الموظفين بكوفيد.

زادت الأعاصير والطقس القاسي الأمور سوءاً. وفي يوليو، صمدت الحاوية التي تقطَّعت بها السبل أمام إعصار "إن- فا"، الذي أدى إلى إغلاق شنغهاي، والموانئ المجاورة الأخرى لمدَّة أربعة أيام تقريباً.

اقرأ المزيد: صدمة جديدة.. إقفال ميناء في الصين يثير مخاوف من إغلاق عالمي آخر

توقَّع غلين كوبكي، نائب الرئيس الأول في شركة "فور كايتس" (FourKites) المزوِّدة لمعلومات سلسلة التوريد، أن تصل التأخيرات إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في الأسابيع المقبلة إذا استمر هذا الاتجاه.

حتى الآن، مايزال صندوق الأسمدة غير المحظوظ عالقاً بين الأكوام في الميناء، مدفوناً مثل القفص في المشهد الأخير من فيلم "رايدرز أوف ذا لاست أرك".

المحيط الهادئ وما بعده

لن تنتهِ المخاطر بمجرَّد وضع السماد على رحلة متجهة إلى الولايات المتحدة في نهاية المطاف، حيث يمكن أن يكون المحيط الهادئ معبراً غادراً لقباطنة السفن، ممَن يتسابقون للوفاء بالمواعيد النهائية. وعندما تصل الشحنة بأمان إلى ساحل أمريكا الشمالية، ستنتظرها المزيد من المشاكل.

تفاقم ازدحام الموانئ الصينية مع إغلاق ميناء نينغبو لليوم السابع

تمَّ انسداد أكبر بوابة تجارية للولايات المتحدة مع آسيا بأكثر عدد من سفن الحاويات الواردة منذ أكثر من 6 أشهر. وفي وقت سابق من هذا الشهر، رست 35 سفينة في انتظار مكان على رصيف خارج ميناء لوس أنجلوس، وميناء لونغ بيتش التوءم في كاليفورنيا. ومن أجل الحصول على دعم، يتمُّ تحويل العديد من السفن إلى فانكوفر.

بعد ذلك تأتي الرحلة داخل البلاد. وقد يستغرق الأمر من شهر إلى ثلاثة أشهر أخرى حتى تصل الحاوية من ميناء الساحل الغربي إلى شيكاغو باستخدام السكك الحديدية أو الشاحنات.

رحلة أخرى

تبدو قضية الحاوية التي تقطَّعت بها السبل كأسوأ كابوس لأي شخص ضمن منظومة التجارة العالمية. لكن عاد كرانيغ لإجراء جولة أخرى من الطلبات، تضمَّنت 8 حاويات أخرى يجب نقلها من الصين للولايات المتحدة.

يبدو أنَّ نمط التأخير يتكرر. فمرة أخرى؛ لم تكن هناك صناديق فارغة في تشونغتشينغ، لذلك قرر كرانيغ تخطي طريق النهر، وقام بتحميل الأسمدة في شكل رملي فضفاض على متن شاحنات مفتوحة تمَّ نقلها إلى مستودع في شنغهاي. وكانت الشحنة معبأة في حاويات، وتمَّ جلب بعضها إلى نينغبو هذا الشهر. ثم جاءت أنباء عن إغلاق جزء من ميناء نينغبو بسبب إصابة عامل بفيروس كورونا.

اختتم كرانيغ: "إنَّها معركة مرهقة".