دفاع بيئي عن مزارع الأسماك

سمك السلمون من نوع شينوك. الأطعمة البحرية هي مصدر البروتين الرئيسي الوحيد للبشرية الذي مازالت تحصل عليه من البرية
سمك السلمون من نوع شينوك. الأطعمة البحرية هي مصدر البروتين الرئيسي الوحيد للبشرية الذي مازالت تحصل عليه من البرية المصدر: أ.ف.ب
Amanda Little
Amanda Little

Amanda Little is a professor of journalism and science writing at Vanderbilt University. She is the author of a Bloomberg Opinion series on the fate of food after Covid-19 as well as the book "The Fate of Food: What We'll Eat in a Bigger, Hotter, Smarter World."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تمَّ طهي عشرات الملايين من أسماك السلمون في كاليفورنيا داخل بيئتها الطبيعية الخاصة، هذا الصيف. فقد أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى أرقام قياسية، والجفاف إلى استنزاف تدفُّقات الماء، مما أدى إلى ارتفاع درجة حرارة المجاري المائية والأنهار بالولاية. وتضافرت صدمة ارتفاع الحرارة مع تأثير الطفيليات، والعفونة الفطرية، نتيجة الماء الدافئ للقضاء على أسماك السلمون البرية.

في مواجهة هذه الأزمة، بذل العلماء حرفياً قصارى جهدهم، وفعلوا أكثر مما يتطلَّب واجبهم بقذف أسماك السلمون عبر السدود باستخدام مدافع الهواء المضغوط، ونقل ملايين الأسماك إلى المحيط الهادئ بالسيارات لتجنُّب المرور بأنهار لا يمكنها الحياة فيها. في هذه الأثناء، وبمساعدة إدارة الرئيس بايدن، حوَّل صنَّاع القرار، ومديرو الموارد المائية موارد مائية ثمينة من المزارع والمدن من أجل وقف انقراض السلمون. وبرغم ذلك؛ فقد تندثر تماماً أنواع أيقونية من السلمون، مثل سلمون شينوك، أو السلمون الملك، من منطقة الساحل الغربي بالولايات المتحدة مع استمرار الجفاف.

تساهم هذه الإجراءات المشدَّدة في الحفاظ على البيئة مساهمة واضحة في التذكرة بأنَّ الولايات المتحدة في حاجة ماسة إلى تشريع فيدرالي شجاع للسيطرة على مشكلة تغيّر المناخ. غير أنَّ أزمة السلمون تبث رسالة أخرى واضحة: وهي أنَّنا بحاجة إلى استراتيجيات للتأقلم بعيدة المدى، بما فيها التوسُّع الكبير في تربية الأحياء المائية في الولايات المتحدة؛ وعلى المستثمرين، والمستهلكين، والمشرِّعين الفيدراليين، وأنصار البيئة جميعهم أن يقوموا بأدوارهم.

ملياردير نرويجي يؤسس شركة لإنتاج السلمون في المحيط المفتوح

وفي حين نتوسَّع في استزراع الأسماك؛ ينبغي علينا أن نحترس جيداً من إنشاء صناعة تربية وتسمين مدمّرة بيئياً في المحيط. ويمكن باستخدام التطورات الجذرية الجديدة في التكنولوجيا، وفي طرائق الزراعة البحرية أن نعالج المشكلات القائمة حتى ينمو نشاط تربية الأحياء المائية نموَّاً مستداماً.

مصدر البروتين

الأطعمة البحرية هي مصدر البروتين الرئيسي الوحيد للبشرية الذي مازالت تحصل عليه من البرية. ونحو 90% تقريباً من مخزون الأسماك العالمي، إمَّا أنَّها استُهلكت أو تعرَّضت للصيد الجائر. وبحسب تقديرات "منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة" (الفاو)، سيتجاوز الاستزراع السمكي حجم مصائد الأسماك الطبيعية بحلول عام 2024. وتتوقَّع إحدى الدراسات الاقتصادية الحديثة أن تتجاوز قيمة السوق العالمية لتربية الأحياء المائية 245 مليار دولار بحلول عام 2027، مرتفعةً عن 180 مليار دولار حالياً.

فرصة النمو هائلة بشكل خاص في الولايات المتحدة، التي تستورد 90% من احتياجاتها من الأطعمة البحرية –وأكثر من ثلثيها من مزارع سمكية– برغم أنَّها تأتي في الترتيب السابع عشر عالمياً في تربية الأحياء المائية.

وهنا يجب التحفظ والحذر؛ فعلى مدى عقود كانت تربية الأحياء المائية –وخاصة استزراع أسماك السلمون– تشكِّل خطراً كبيراً على الأسماك البرية، والنظام البيئي البحري، دون إجراء ضروري لحمايتها. وحتى يومنا هذا، تلوِّث أنشطة استزراع أسماك السلمون -من باتاغونيا إلى النرويج- النظام البيئي البحري البدائي بالطفيليات، والأسماك الهاربة، والأمراض. وفي الوقت نفسه، تستنزف أعداد الأسماك البرية، مثل أسماك الرنجة، والسردين التي تستخدمها كأعلاف.

وبحسب الأمم المتحدة، يمكن أن تكون تربية الأحياء المائية أكثر طرائق إنتاج البروتين استدامة على الأرض؛ إذا تمَّت بطريقة سليمة. ويعتبر استزراع أسماك السلمون الأكثر تأثيراً على البيئة في جميع أنظمة تربية الأحياء المائية؛ فهو يستهلك موارد أكثر من استزراع أسماك البلطي، أو السلور (القراميط)، أو أسماك القد مثلاً. لكنَّ أسماك السلمون اقتصادية أكثر في إطعامها مقارنة بالحيوانات البرية. والأسماك عموماً تحتاج كمية أقل من السعرات الحرارية، لأنَّها من الكائنات ذات الدماء الباردة، ولا تحتاج إلى رفع حرارتها، أو إلى تكوين طبقات من الدهون، أو الفراء لتدفئة أجسامها. كما أنَّها لا تحتاج إلى طاقة لمقاومة الجاذبية الأرضية، أو السير قائمة على أربعة أرجل. وفي حين نحتاج إلى رطلين من الأعلاف تقريباً حتى ننتج رطلاً واحداً من لحم الدجاج؛وثلاثة أرطال لإنتاج رطل واحد من لحم الخنزير، وسبعة أرطال لإنتاج رطل من لحم البقر؛ فإنَّ انتاج رطل واحد من لحم السلمون يحتاج إلى رطل واحد تقريباً من الأعلاف.

"حتى يظل السمك على المائدة".. تحركات دولية لوقف الصيد الجائر

ولأنَّ استزراع أسماك السلمون كذلك أكثر أنشطة تربية الأحياء المائية ربحية –بسوق عالمية تبلغ قيمتها 18 مليار دولار، وينتظر أن تتضاعف تقريباً بحلول عام 2027– يؤثِّر التقدُّم التكنولوجي في هذا المجال على جميع أنشطة الاستزراع السمكي الأخرى. والقول المأثور الذي ينتشر بين العاملين في هذه الصناعة هو: "أينما يتجه استزراع أسماك السلمون، تتجه صناعة تربية الأحياء المائية."

عودة للطرق القديمة

خلال الأعوام العشرة الماضية فقط، استطاع مزارعو أسماك السلمون تخفيض استخدام الأسماك البرية كأعلاف إلى النصف، وطوَّروا أطعمة تعتمد على النباتات بديلاً عنها؛ وقد اكتشفوا طرقاً للسيطرة على الطفيليات، وذلك باستخدام تكنولوجيا الروبوت والليزر التي يمكن أن تقضي على استخدام المبيدات الحشرية؛ وأدخلوا أنظمة احتواء مغلقة يمكنها أن تمنع تسرب الفاقد، والأسماك الهاربة.

وفي الواقع؛ فإنَّ أكثر الابتكارات الواعدة يرجع تاريخها إلى آلاف السنين، وهو نظام يعرف باسم تربية الأحياء المائية "متعدد المستويات" الذي استخدمه المزارعون في الصين في سنة 500 قبل الميلاد تقريباً، والذي يولَّد بيئات متنوعة للزراعة تحت الماء لأنواع متعددة من الكائنات: كالأعشاب البحرية، والكائنات الرخوية، والأسماك الزعنفية. إنَّها المعادل البحري لنظم الزراعة التجديدية على البر.

يجب على المستثمرين مساندة هذه الابتكارات، ويجب على أنصار البيئة أن يحدِّثوا أفكارهم المعارضة لتربية الأحياء المائية. وبدلاً من عرقلة نموها ينبغي أن يضغطوا على المنتجين من أجل تحديث ممارساتهم، وأن يطالبوا المشرِّعين بتنظيم هذه الصناعة تنظيماً فعَّالاً.

من يريد سمكَ سلمون صحي وأكثر نظافة فليُربه على البر

في الولايات المتحدة، حقَّق "قانون مانغوصن–ستيفنز لحماية المصائد وإدارتها" (Manguson-Stevens Fishery Conservation and Management Act) مهمة استثنائية؛ تمثَّلت في إدارة وصيانة المصائد الساحلية، ضارباً بذلك مثلاً على مستوى العالم. نحن بحاجة إلى سياسة بهذا الطموح حتى توجه النمو في مجال تربية الأحياء المائية، وتشترط أعلى مستويات الإنتاج والمعدَّات، كما تضعها منظمات مثل: "مجلس رعاية الأحياء المائية"، و"مراقبة المأكولات البحرية"، و"الصندوق العالمي للحياة البرية".

ماتزال المأكولات البحرية التي يجري صيدها هي المصدر المهيمن للبروتين بالنسبة لنحو 4 مليارات من البشر، معظمهم في العالم النامي. ومع احتدام الضغوط المناخية؛ يجب على الدول الصناعية أن تتحوَّل بسرعة عن صيد الأسماك، لتحافظ على هذه الموارد للسكان الذين يحتاجونها أكثر.

إنَّ تربية الأحياء المائية بطريقة سليمة يمكنها المساهمة في إزالة حمضية المحيطات، وإعادتها إلى حالة صحية، ودعم عرض الغذاء بأسلوب يتأقلم مع المناخ. ويجب أن تتصدَّر أمريكا القيادة للتأكيد على تحقيق نمو كبير في تربية الأحياء المائية يحمي النظم البيئية البحرية، بدلاً من أن يدمّرها.