ارتفاع الأسعار قائم سواء دعوناه تضخماً أم لا

متسوق يعد دولارات في متجر في تشيسابيك بولاية فرجينيا
متسوق يعد دولارات في متجر في تشيسابيك بولاية فرجينيا المصدر: بلومبرغ
Justin Fox
Justin Fox

Justin Fox is a Bloomberg Opinion columnist covering business. He was the editorial director of Harvard Business Review and wrote for Time, Fortune and American Banker. He is the author of “The Myth of the Rational Market.”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

طرحت موجة التضخم الحالية أسئلة كان أهمها حول ما إذا ارتفعت أسعار الكثير من الأشياء عمَّا كانت عليه لتبقى كذلك؟ وهل يستمر ارتفاع الأسعار خلال الأعوام القليلة المقبلة؟.

كان السؤال الثاني موضوعاً مفتوحاً يبدو بلا نهاية من التحليل والنقاش هذا العام. إذ تعتمد أسعار الأصول المالية كثيراً على توقُّعات التضخم المستقبلي، لذا فهذا يُفهم عندما تحظى باهتمام كبير لدى المستثمرين. كما أنَّ منع خروج التضخم عن السيطرة، هو وظيفة أساسية للبنوك المركزية، لذا يهتم بهذه المسألة أيضاً المصرفيون المركزيون، والاقتصاديون الراغبون بالتأثير عليهم، والمستثمرون الذين يتتبَّعون كل تحركاتهم. كما تعمل وسائل الإعلام التجارية والمالية على تلبية احتياجات هؤلاء الأشخاص، وتعتمد عليهم كمصادر، بالتالي تهيمن هذه القضية على تغطيتنا الصحفية أيضاً.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي يُسعد الأسواق لكنه يخاطر بالخطأ

هذه المسألة ليست ضئيلة الأهمية لدى الأشخاص من خارج هذه المجموعات. على سبيل المثال، تسهم الآراء حول ما إذا كانت أسعار السيارات ستستمر في الارتفاع خلال السنوات القليلة المقبلة في تشكيل قرارات البيع والشراء على المدى القريب. مع ذلك، فإنَّ انطباعي هو أنَّ التضخم المحتمل في المستقبل أقل أهمية بالنسبة لمعظمنا في حياتنا اليومية من حقيقة ارتفاع الأسعار الآن، إذ تكلِّف الأشياء أكثر، وهذا أمر صعب بالنسبة للكثيرين. في حين يحظى هذا ببعض اهتمام وسائل الإعلام، إلا أنَّ ذلك أقل بكثير مما تحتله مسألة ما، إذا كان التضخم سيكون عالياً في المستقبل.

دعونا نوليه بعض الاهتمام. إجابة سؤال ما إذا كانت الأسعار أعلى هي: نعم بالطبع؛ هي أعلى بنسبة 5.4٪ عمَّا كانت عليه قبل العام المنتهي في يوليو. كذلك؛ فإنَّ الإجابة عن سؤال ما إذا كانت ستبقى على هذا الارتفاع هي: بالتأكيد نعم أيضاً. تنخفض أسعار بعض العناصر الاستهلاكية، ومعظمها من السلع الأساسية، في بعض الأحيان بمقدار ارتفاعها، إلا أنَّ معظم الأشياء التي ننفق عليها أموالنا لا تنخفض أسعارها. للإيضاح: إليكم كيفية تحرُّك مؤشر أسعار المستهلك للبنزين والإيجارات منذ 2005.

مؤقت وأساسي

يدفع هذا التقلُّب في أسعار الطاقة صانعي السياسة النقدية للتركيز على مقاييس التضخم الأساسي التي تستبعد الطاقة والغذاء. سبب ذلك هو أنَّ التضخم الأساسي مؤشر أفضل على الاتجاه التضخمي، بالتالي؛ هو مؤشر أفضل للتضخم المستقبلي. لاشكَّ أنَّ هذا منطقي، برغم أنَّه يزعج الناس بشكل مفهوم خلال فترات ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء أو أحدهما، إذ يختار صانعو السياسات التركيز على التضخم الأساسي بدلاً منه.

"الفيدرالي الأمريكي" لديه 21 تريليون سبب لمواجهة التضخم المرتفع

في الوقت الحالي، ليس التضخم الرئيسي والتضخم الأساسي متباعدين بحدٍّ كبير، فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلك باستثناء المواد الغذائية والطاقة بنسبة 4.3٪ على أساس سنوي. مما يقرب ثلث ذلك، إن صحَّت حساباتي، كان بسبب جموح أسعار السيارات المستعملة التي شهدت بعض آليات العرض والطلب الفريدة جداً خلال العام الماضي؛ وذلك لأنَّ أسعارها بالكاد تحرَّكت بين يونيو ويوليو، وقد تنخفض إلى حدٍّ ما في الأشهر المقبلة، كما هو الحال بالنسبة لبعض مكوِّنات التضخم "الأساسي" الأخرى التي تأثَّرت بمشكلات سلاسل التوريد الناجمة عن الجائحة.

في هذا الصدد، قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جاي باول في خطابه الكبير في جاكسون هول يوم الجمعة: "مع بدء حل مشكلات الإمدادات، تباطأ التضخم في السلع المعمرة بخلاف السيارات، وربما يبدأ في الانخفاض... لا يبدو مرجحاً أن يستمر تضخم السلع المعمرة بالمساهمة بشكل مهم في التضخم الكلي مع مرور الوقت". كما أشار إلى انخفاض أسعار السلع المعمرة في العقود الأخيرة، إلا أنَّه لم يقل إنَّه يتوقَّع عودة الأسعار إلى ما كانت عليه قبل الجائحة.

كان هذا يحدث بالفعل فيما مضى، فقد كانت هناك عدَّة فترات تضخمية كبيرة في الولايات المتحدة قبل القرن العشرين، إلا أنَّ الأسعار انخفضت بعدها، وكان مستوى السعر العام في الولايات المتحدة في عام 1900 هو نفسه تقريباً في عام 1776.

بلاء الديون

أنشأ الكونغرس نظام الاحتياطي الفيدرالي عام 1913، ومنذ ذلك حدث انكماشان رئيسيان في عام 1921، وأوائل الثلاثينيات، على أنَّ أيَّاً منهما لم يَعُد بمؤشر أسعار المستهلك إلى مستوى عام 1900. أدى الكساد الكبير بالفعل إلى تراجع الأسعار إلى ما كانت عليه عام 1917، لكن تبيّن أنَّ العواقب على اقتصاد صناعي، فيه الكثير من الديون التجارية والاستهلاكية كانت مروعة للغاية، كما أوضح الاقتصادي إيرفينغ فيشر في مقالته المؤثِّرة عام 1933، " نظرية الديون والانكماش للكساد الكبير". ومنذ ذلك الوقت، كان محافظو البنوك المركزية يبذلون قصارى جهدهم لتجنُّب الانكماش الكبير.

زيادة أجور

تبدو الصفقة التي أبرمها محافظو البنوك المركزية معقولة بما فيه الكفاية، طالما أنَّهم لا يرتكبون كثيراً من الأخطاء كما حدث في السبعينيات عندما خرج التضخم عن السيطرة بالفعل. لكن هذا يعني أنَّه من المرجح أن تستمر معظم الزيادات في الأسعار هذا العام. كما أنَّ الدخل آخذ في الارتفاع أيضاً، مع زيادة أرباب العمل للأجور من أجل ملء 10.1 مليون فرصة عمل، وهو رقم قياسي، كذلك من المرجح أن تتضمَّن مدفوعات الضمان الاجتماعي للعام المقبل تعديلاً لتكلفة المعيشة يزيد عن 6٪. ومع ذلك؛ فإنَّ المستهلكين على المدى القصير قادرون على شراء كميات أقل، كما أنَّ كثيراً من تعديل الدخل التصاعدي يخاطر بخلق دوَّامة تستمر فيها الزيادات في الأسعار في المستقبل.

لا تخطئوا.. فخطر التضخم حقيقي هذه المرة

يبدو أنَّ الإجماع الحالي لعديد من الأذكياء الذين يناقشون ويحللون هذه الأمور هو أنَّ الدوامة لن تتطور، وأنَّ التضخم سيستقر قريباً. أعتقد أنَّ هذا ربما يكون صحيحاً، على الرغم من أنني لن أكون واثقاً جداً من ذلك؛ نظراً لأنَّ الإجماع قد قلَّل بشكل عام من مدى سوء التضخم هذا العام. في حين ننتظر معرفة ما سيؤول إليه التضخم في المستقبل، لا يمكننا إنكار أنَّ أسعار الأشياء أعلى حالياً، وهذا غير مستحب.