هل تأخذ التحالفات ألمانيا بعد الانتخابات لأقصى اليسار وأقصى الخطأ؟

المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل
المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل المصدر: بلومبرغ
Andreas Kluth
Andreas Kluth

Columnist at Bloomberg Opinion. Previously editor-in-chief of Handelsblatt Global; 20 years at The Economist. Author of "Hannibal and Me."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

على النقيض من النظام الرئاسي الأمريكي الذي يتمحور على شخصية المرشح، فإن الديمقراطية البرلمانية الألمانية لا تبنى على مناظرات متلفزة بين المرشحين. فما هو المشهد المنتظر في الحملات التي تسبق الانتخابات الفيدرالية في 26 سبتمبر.

ظهر المرشحون الثلاثة لخلافة أنغيلا ميركل في منصب المستشارية الألمانية الأحد في أول مناظرة تلفزيونية من ثلاثية وصفتها وسائل إعلام ألمانية على سبيل التلاعب بالألفاظ بكلمة تعني المبارزة الثلاثية بالمسدسات، التي يطلق فيها الجميع النار كلٌ على الآخر أملاً بالنجاة.

كيف أدارت أنغيلا ميركل عقارب ساعة التاريخ الألماني إلى الوراء؟

أكّد استطلاع سريع جرى مباشرة بعد المناظرة، إلى حد ما، استطلاعات رأي أخرى أجريت مؤخراً. حظي أولاف شولتس، وزير المالية الألماني الجاف والتكنوقراطي الذي يمثل الديمقراطيين الاشتراكيين من يسار الوسط، بالمرتبة الأولى بنسبة 36% من تأييد من شملهم الاستطلاع. بينما سجلت أنالينا بيربوك من "حزب الخضر" البيئي، وهي المرشحة التي تحاول تدارك أخطاء فادحة واستهزاءات مشاكسة ارتكبتها، نسبة 30%. حاول أرمين لاشيت، الزعيم الضعيف للكتلة المحافظة من يمين الوسط التي ظلت في السلطة طوال 16 سنة في ولاية ميركل، أن يوجه لكمة لكنه أقنع 25% فقط.

استنتجت أن المرشحين الثلاثة كانوا: أولاً، أفراداً لائقين وغير هجوميين ما يجعلهم جديرون أن يدعوهم المرء لحفل عشاء، ثانياً، من الواضح أنهم عاديون مقارنةً بمستوى مستشارين مثل ميركل أو هيلموت كول أو كونراد أديناور، ثالثاً، تفضيلاتهم السياسية تشبه بعضها بعضا لدرجة تفوق ما يرغبون بالإقرار به.

كيمياء عضوية

أين يتركنا ذلك؟ إذا كان كل ما يهمك هو معرفة من سيكون المستشار المقبل، فإن شولتس يبدو مرجحاً بشكل متزايد، وهذا بحد ذاته مفاجئ بعد سباق بدا حتى هذا الربيع تنافساً بين لاشيت وبيربوك.

لكن إن كنت تحاول التكهن حول وجهة السياسة الألمانية، فلن تزيدك تلك المناظرة حكمة ومردُّ جلّ ذلك إلى أن السياسة في هذه الحضارة تشبه إلى حد ما الكيمياء العضوية، حيث تعتبر العناصر الفردية أقل أهمية من المركبات الناتجة عنها، وتسمى في هذا السياق بالتحالفات.

بعد 16 عاماً من حكم "ميركل".. ما أهمية المستشار الألماني التالي لأوروبا والعالم؟

يكاد يكون محتوماً وجود الخضر في المجموعات التي يمكن تصورها حسابياً وسياسياً بعد سبتمبر، رغم أنهم على الأرجح لن يكونوا في صفوف القيادة. يعكس هذا جزئياً التخضير الدراماتيكي على المستوى الصغير للسياسة الألمانية. إذ إن جميع الأحزاب الرئيسية تدعي الآن أنها متحمسة بنفس القدر لمكافحة تغير المناخ، وأنها تساوم فقط حول أفضل السبل لتحقيقه.

قد يكون أحد الخيارات أن يقود لاشيت وكتلته المحافظة تحالفاً مع "حزب الخضر" والديمقراطيين الأحرار من المناصرين للأعمال وأولئك المعارضين للضرائب. ستؤكد مثل هذه الحكومة في سياسة المناخ على آليات السوق مثل رفع أسعار الكربون بدلاً من الحظر والدعم الحكومي. كما ستعيد الالتزام بالشراكة عبر الأطلسي، وتعيد تجهيز الجيش الألماني تلبية لحث من الحلفاء، وسيبقي هذا التحالف الأمور مستقرة قدر الإمكان في الاتحاد الأوروبي وفي الداخل الألماني.

لكن المحافظين يتخلفون الآن عن الاشتراكيين الديمقراطيين في استطلاعات الرأي، وبالتالي فإن النتيجة الأكثر ترجيحاً هي تحالف بقيادة شولتس. الذي لديه خيارات أكثر من لاشيت.

ألمانيا حمائمية؟

الخيار الذي يفضله شولتس بشكل مزاجي هو أن يقوم أيضاً بشراكة مع "حزب الخضر" والديمقراطيين الأحرار. هذا من شأنه أن يميل ألمانيا قليلاً فقط نحو اليسار، مع سياسات مثل رفع الحد الأدنى للأجور، وموقف مالي حمائمي أكثر في الاتحاد الأوروبي، وعلاقة أكثر تشككاً مع الولايات المتحدة، لكن السياسة الألمانية لن تنحرف بشكل كبير.

مع ذلك، ثمة احتمال آخر لم يُفهم جيداً خارج ألمانيا، لكنه الآن أكبر موضوع نقاش في برلين. يمكن أن يتعاون الاشتراكيون الديمقراطيون أيضاً مع "حزب الخضر" و"الحزب اليساري الألماني"، وهو حزب متطرف ينحدر إلى حد كبير من الشيوعيين الذين حكموا ألمانيا الشرقية ذات يوم.

انتخابات ألمانيا.. نقطة تحوّل في تاريخ ما بعد الحرب بأكثر من طريقة

ستكون مثل هذه الحكومة اليسارية الكاملة بمثابة ثورة صغيرة. سيتمحور خطاب هكذا حكومة في الداخل الألماني حول التحديث، لكنها ستسير في طريق الحصول على المزيد من مال الأثرياء، مع فرض ضرائب أعلى وضرائب جديدة كجبايات الثروة التي من شأنها إغراق أصحاب الشركات العائلية وغيرهم بالملفات. ستصبح ألمانيا غير موثوقة في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي لأن اليسار لا يحب كلتا المؤسستين. أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والدفاعية، من المحتمل أن تصبح ألمانيا دولة مارقة.

لا يرأس حزبه

من الواضح أن شولتس لا يحب وقع كل هذا على الأذن. فلماذا إذن الشبح موجود رغم ذلك؟

ذلك لأن شولتس، على عكس لاشيت وبيربوك، هو رسمياً ليس جزءاً من قيادة حزبه ولا يمكنه اتخاذ القرار. لقد حاول أن يصبح رئيس "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" في عام 2019. خسر، بعد جولة داخلية عامة ومجانية تفتقر للتكريم أشبه ما تكون بندوة جامعية حرة لمناقشة الماركسية، أمام زوج من المتحمسين اليساريين الغامضين وهما ساسكيا إسكن ونوربرت فالتر-بوريانس وأحد شبانهما، الشخصية الساحرة كيفن كوهنرت، الذي وصل به الخيال لحد التفكير بتحويل شركة "بي إم دبليو" (BMW) لملكية جماعية، إضافة لأمور أخرى.

سياسة لاغارد تؤشر لعصر تعاون بين البنك المركزي الأوروبي والألمان

ليس هناك شك في أن إسكن وبوريانس وكوهنرت وغيرهم من الجناح اليساري للحزب الاشتراكي الديمقراطي سيرغبون بالشراكة مع "الحزب اليساري الألماني"، وتلك هي النتيجة التي يفزع منها شولتس. من المنصف التساؤل هنا أي منهم سيكون له التأثير الأكبر في النهاية.

التخويف حول احتمال حصول تحالف يساري كامل هو أفضل أداة متبقية بحوزة حملة لاشيت. مع ذلك، هناك شيء يمكن أن يفعله شولتس وبيربوك لتحييده. استبعد المحافظون صراحة حتى التفاوض مع حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف أو "الحزب اليساري الألماني". لكن "الحزب الديمقراطي الاشتراكي" و"حزب الخضر" قطعوا هذا الالتزام فقط فيما يتعلق بحزب "البديل من أجل ألمانيا".

إذا أراد شولتس و"الحزب الديمقراطي الاشتراكي" إنجاز أكبر المفاجآت الانتخابية في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب، ومن ثم حكم ألمانيا بشكل جيد وبحكمة، فيمكنهما تقديم خدمة للجميع. يجب عليهما ببساطة أن يقولوا الآن إنهم لن يدخلوا أبداً بشراكة مع "الحزب اليساري الألماني".