لماذا تتأخر الصين في الموافقة على لقاح "فايزر- بيونتيك"؟

عامل رعاية صحية يحمل قنينة لقاح "فايزر-بايونتيك" في موقع التلقيح في هندرسون ، نيفادا
عامل رعاية صحية يحمل قنينة لقاح "فايزر-بايونتيك" في موقع التلقيح في هندرسون ، نيفادا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يُستخدم لقاح كوفيد-19 الفعَّال الذي طوَّرته شركتا "فايزر"،و"بيونتيك" على نطاق واسع في الولايات المتحدة وأوروبا، إلا أنَّ الصين لم توافق بعد على هذا اللقاح، مما يُثير التساؤلات حول خطط بكين إزاء اللقاح المرغوب بشدَّة في بقية العالم.

في هذا الصدد، لم يُوقِّع المنظِّمون في البر الرئيسي للصين على اللقاح بعد ما يقرب من تسعة أشهر من حصوله على أوَّل تصريح تنظيمي له في المملكة المتحدة. كما تراجع سهم شركة "شنغهاي فوسون فارماسوتيكال غروب" – التي أبرمت اتفاقية مع "بيونتيك" لبيع اللقاح في الصين، وهونغ كونغ، وماكاو، وتايوان - بنحو 23% عن أعلى مستوى سجله على الإطلاق في أوائل أغسطس.

وقد كانت شركة الأدوية الصينية من بين الأوائل على مستوى العالم الذين أدركوا إمكانات لقاح رسول الحمض النووي الريبي (mRNA)، الذي طوَّرته في الأصل شركة "بيونتيك"؛ فخلال اجتماع جرى في شهر يوليو مع المستثمرين، قال الرئيس التنفيذي لشركة "فوسون فارما"، وو يفانغ، إنَّ اللقاح قد تجاوز مرحلة مراجعات الخبراء الصينيين، وهو يخضع للتدقيق الإداري النهائي، بحسب ما أفادت وكالة أخبار الأعمال المحلية كايكسين.

دراسة: جرعة لقاح "فايزر" الداعمة تقلل مخاطر الإصابة بـ"كورونا"

أزمة ثقة

مع ذلك، فقد مرَّ أكثر من شهر، ولم يتم الإعلان عن الموافقة التي طال انتظارها. كما أنَّها تأخرت أيضاً لما يقرب من شهرين عن نهاية الجدول الزمني المحدَّد في شهر يونيو الذي جرى ذكره في مقالات نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، و"غلوبال تايمز" الصينية. وفي الحقيقة، لا تحتاج الصين بشكل عاجل إلى لقاحات جديدة؛ لأنَّها أوقفت جميع حالات تفشي المرض حتى الآن.

في هذا الصدد، يرجع بعض المحللين هذا التأخير إلى إحجام الحكومة عن إعطاء الضوء الأخضر للقاح أجنبي، إذ تشعر بكين بالقلق من أنَّ الموافقة على لقاح "بيونتيك"، يمكن تفسيرها على أنَّها إقرار بأنَّ اللقاحات المحلية أقل فعالية من اللقاحات الغربية. كما تصاعدت حدَّة التوترات بين الصين والغرب بشأن قضايا عدَّة، بدءاً من أصول الفيروس وصولاً إلى التجارة في الأشهر الأخيرة.

كما أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" أنَّ السلطات الصحية الصينية تشعر بالقلق الآن من أنَّه في حال تمَّت الموافقة على لقاح "بيونتيك"؛ فإنَّ عدم الثقة في اللقاحات المحلية سيجعل من الصعب تحقيق أهدافها بشأن معدلات التطعيم، مستشهدةً بهدف التطعيم البالغ 80% الذي حدَّده الرئيس شي جين بينغ. وقالت الصحيفة، إنَّ تأخير الموافقة يترك أيضاً مزيداً من الوقت لشركات الأدوية المحلية للعمل على لقاحات mRNA الخاصة بها.

"سينوفاك" الصينية تحقق مكاسبَ خيالية من بيع لقاح كورونا

وفي 25 أغسطس، قال رئيس شركة "فوسون إنترناشونال"، الشركة الأم لشركة صناعة الأدوية الصينية، إنَّ المراجعة التنظيمية تسير بشكل طبيعي، إلا أنَّه لم يُقدِّم جدولاً زمنياً. هذا ويُوزَّع اللقاح في بقية أنحاء العالم بواسطة شركتي "بيونتيك"، و"فايز"، وهو يستخدم تقنية mRNA المتطوِّرة، ويُعدُّ من بين أكثر اللقاحات فعالية ضد كوفيد. وفي الواقع، سيؤثِّر قرار الصين على أرباح شركتي "فوسون فارما"، و"بيونتيك"، ويمكن أن يلعب دوراً أيضاً في تحديد كيفية قيام الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم بتخفيف قيود كوفيد في نهاية المطاف.

تعليقاً على الموضوع، قال يورغ ووتكي، رئيس غرفة تجارة الاتحاد الأوروبي في الصين، ومقرّه بكين: "تُعدُّ مسألة عدم وصول "بيونتيك" إلى المشافي لغزاً كبيراً".

في العام الماضي، كانت شركة "فوسون فارما" تسأل مثل هذه المجموعات عمَّا إذا كان أعضاؤها مهتمين بالحصول على اللقاح، إلا أنَّ توقيت إتاحة اللقاح في الصين بشكل فعلي غير واضح الآن، ويبدو أنَّه يستمر في التغيُّر.

لقاحات أجنبية

وافقت "بيونتيك" على توفير ما لا يقل عن 100 مليون جرعة إلى البر الرئيسي للصين هذا العام. ولدى "فوسون"، و"بيونتيك" اتفاقيات حول تقسيم أرباح اللقاح في منطقة الصين الكبرى، إذ لا تملك شركة "فايزر" الحق في بيعه. هذا ولم تستجب "فوسون فارما"، والإدارة الوطنية للمنتجات الطبية الصينية لطلبات التعليق؛ كما رفضت "بيونتيك" التعليق.

من جانبه قال رئيس مجلس إدارة "فوسون إنترناشونال"، غوه غوانغتشانغ، في مؤتمر الإعلان عن نتائج الأعمال عبر الهاتف في 25 أغسطس: "نأمل أن يصل اللقاح إلى سوق البر الرئيسي للصين في أقرب وقت ممكن"، مضيفاً أنَّ الشركة تلقَّت دعماً من جميع المستويات في البلاد، قائلاً: "لا أرى أنَّ هناك أية مماطلة متعمَّدة في العملية".

وفي الوقت نفسه، يمكن أن ينتهي المطاف باللقاحات المعدَّة أساساً للبر الرئيسي في مكان آخر، فقد قالت مراكز مكافحة الأمراض في تايوان في 25 أغسطس، إنَّ الجزيرة يمكن أن تحصل على لقاح "بيونتيك" في وقت أبكر من الموعد المقرر، لأنَّ دفعة مرخَّصة من قبل "فوسون فارما" كان من المفترض بيعها في أماكن أخرى ستكون جاهزة بحلول نهاية أغسطس.

لقاح "موديرنا" ينتج ضعف عدد الأجسام المضادة مقارنة مع "فايزر"

تجدر الإشارة إلى أنَّه في حال سُمح بلقاح "بيونتيك" في البر الرئيسي، فسيكون هو اللقاح الأجنبي الوحيد الذي ينضمُّ إلى سبعة من اللقاحات المصنوعة محلياً في الصين، التي وجدت الدراسات أنَّها أقل فعالية من لقاحات mRNA.

فضلاً عن ذلك، قال هوانغ يان تشونغ، مدير مركز دراسات الصحة العالمية في جامعة سيتون هول في نيوجيرسي، إنَّ الموافقة على لقاح "بيونتيك" ستؤدي إلى منافسة مع اللقاحات الصينية، ويمكن حتى أن يُنظر إليها على أنَّها تُضعف الثقة في اللقاحات الصينية. وأضاف: "لا يوجد سبب لعدم الموافقة على اللقاح في حال كانوا يحكمون على سلامته وفعاليته".

قريباً.. لقاح "فايزر" يحصل على الموافقة الكاملة من إدارة الغذاء الأمريكية

كما أشار ووتكي إلى أنَّ هناك تكهنات بأنَّ الصين قد ترغب في حجب الموافقة على لقاح أجنبي حتى يتم اعتماد اللقاحات الصينية في الاتحاد الأوروبي، وأوضح قائلاً: "في حال كانت موافقة الصين على "بيونتيك" مشروطة بالموافقة على "سينوفاك"،و "سينوفارم" في أوروبا، فأعتقد أنَّ الطريق سيكون طويلاً".

في وقت سابق من هذا العام، ناقش غاو فو، المدير العام للمركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، تغيير الأمور؛ مثل الجرعات أو خلط اللقاحات لتعزيز الحماية التي توفِّرها اللقاحات الصينية. وقد فُسِّرت تصريحاته على أنَّها اعتراف بتدني فعالية اللقاحات الصينية، ولكن في مقابلة أجراها في وقت لاحق مع وسائل الإعلام الحكومية، قال غاو، إنَّه قد أُسيءَ فهمه.

تفشٍ محلي

نجت الصين في الأسابيع الأخيرة أيضاً من أسوأ تفشٍ محلي شهدته منذ ظهور فيروس كورونا في ووهان في أواخر عام 2019، وقد نجحت في فعل ذلك من خلال الاعتماد إلى حدٍّ كبير على تقنيات، مثل: الاختبارات الجماعية، والحجر الصحي.

في هذا الصدد، قال براد لونكار، الرئيس التنفيذي لشركة " لونكار إنفستمنتس" (Loncar Investments) عن لقاح "بيونتيك": "ربما السبب وراء عدم وجود اللقاح في الصين، هو إشارة إلى أنَّه لا يُنظر حالياً إلى الوضع هناك على الأرض بوصفه حالة طوارئ".

وفي الحقيقة، فقد تمَّ تطعيم حوالي 55% من سكان الصين بشكل كامل، وما يزال هذا الرقم بعيداً عن نسبة 80% التي يرى بعض الخبراء أنَّها بالغة الأهمية. كما تجعل السلالة المتحوِّلة دلتا الأكثر عدوى صعبةً حتى على الدول الساعية إلى تحقيق مناعة القطيع.

هل تسهم الجرعات الإضافية من لقاح "كورونا" في خفض الإصابات بأمريكا حقاً؟

فضلاً عن ذلك، كانت فعالية اللقاحات المعطلة من شركتي "سينوفاك بيوتك"، و"سينوفارم" الصينيتين، ولقاح الناقل الفيروسي بجرعته الواحدة من شركة "كانسينو بيولوجيكس" (CanSino Biologics) أقل من 80% في التجارب السريرية. كما يوجد لدى بعض صانعي اللقاحات الصينيين أيضاً لقاحات تجريبية تعتمد على mRNA، وهي في اختبار المرحلة الثالثة.

في مواجهة السلالة المتحوِّلة دلتا، وجدت دراسة بريطانية أنَّ لقاح mRNA من شركة "بيونتيك" فعَّال بنسبة 88% في الوقاية من المرض المصحوب بأعراض. في حين وجدت دراسة منفصلة أجريت على مرضى كوفيد ومخالطيهم الذين تمَّ تطعيمهم خلال التفشي السابق في مقاطعة غوانغدونغ بجنوب الصين أنَّ اللقاحين المعطلين من "سينوفارم"،و"سينوفاك" لهما فعالية مجمعة تبلغ 70% ضد الالتهاب الرئوي الناجم عن كوفيد، و100% ضد المرض الشديد.

تحذير من إصابة نادرة بالتهاب في القلب بعد تلقي لقاحَي فايزر وموديرنا

في الأشهر الأخيرة، قال أشخاص مطَّلعون، إنَّ بكين تدرس استخدام "بيونتيك" كجرعة معززة في الصين. وما يزال الجدل العالمي حول استخدام الجرعات المعززة أكثر تعقيداً؛ فقد حثَّت منظمة الصحة العالمية في الأسابيع الأخيرة الدول الأكثر ثراءً على التوقُّف عن استخدام الجرعات المعززة في الوقت الحالي لضمان توزيع أكثر إنصافاً للقاحات على مستوى العالم. كما قالت الصين يوم الجمعة، إنَّ المعرَّضين لخطر أكبر للإصابة بكوفيد-19، يمكنهم الحصول على جرعة معززة بعد ستة أشهر من تطعيمهم بالكامل، على الرغم من أنَّ المسؤولين لم يحدِّدوا اللقاحات التي سيتم استخدامها كجرعات معززة.

وفي حال كان لقاح "بيونتيك" قيد المراجعة الإدارية، كما صرَّح وو يفانغ من شركة "فوسون"، فهذا يعني أنَّ الجهة التنظيمية للأدوية عادةً ما تتخذ قرارها في غضون 20 يوماً. وفي حال الموافقة على اللقاح، فسيتمُّ تقديم شهادة الموافقة في غضون 10 أيام، وفقاً لقواعد تسجيل الأدوية في الصين. إذ يمكن لهذا أن يترك الباب مفتوحاً أمام الحصول على الموافقة قريباً.

علاوةً على ذلك، قال هوانغ من جامعة سيتون هول: "سمعتُ أشخاصاً يقولون، إنَّ هناك فرصة بنسبة 90% للموافقة على اللقاح في البر الرئيسي في أغسطس؛ ولكنْ ليس هناك ما يشير إلى أنَّه ستتمُّ الموافقة عليه في أيِّ وقت".