بكين تسعى إلى السيطرة على "ديدي"... أكبر شركة لنقل الركاب في العالم

تطبيق "ديدي" (Didi) للنقل على هاتف ذكي
تطبيق "ديدي" (Didi) للنقل على هاتف ذكي المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

اقترحت حكومة بلدية بكين استثماراً في شركة "ديدي غلوبال" (Didi Global)، ما قد يمنح الشركات التي تديرها الدولة السيطرة على أكبر شركة لنقل الركاب في العالم، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.

وفقاً للاقتراح الأوّلي، ستحصل "مجموعة شوكي" (Shouqi Group) -جزء من مجموعة بكين للسياحة ذات النفوذ- وشركات أخرى مقرها في العاصمة، على حصة في ديدي، حسب الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لأن المعلومات خاصة. وأضافوا أن السيناريوهات قيد النظر تشمل تشكيل كونسورتيوم يأخذ ما يسمى "الحصة الذهبية" مع حق النقض ومقعد مجلس الإدارة.

ارتفعت أسهم "ديدي" بنسبة 8% قبل تقليص المكاسب إلى نحو 3% في تداولات ما قبل افتتاج السوق في نيويورك. وليس من الواضح حجم الحصة التي تتطلع إليها المدينة، وما إذا كان ستجري الموافقة على اقتراحها من قِبل كبار المسؤولين الحكوميين.

الصين تُنذِر 11 شركة نقل تشاركي لتصحيح مخالفاتها

هل ستستثمر في الشركات الصينية بعد مطاردة "ديدي"؟

يدير "ديدي" حالياً فريقُ إدارة المؤسس المشارك، تشينج وي، والرئيس جان ليو، الذين حصلوا على قوة تصويت إجمالية نسبتها 58% بعد الطرح العام الأوّلي للشركة في الولايات المتحدة. ويعتبر كل من مجموعة "سوفت بنك" و"أوبر تكنولوجيز" أكبر مساهمي الأقلية في "ديدي".

لم يردّ ممثلو "ديدي" على طلب مكتوب للتعليق، كما لم يردّ المكتب الصحفي للجنة الحزب ببلدية بكين على طلب بالفاكس للتعليق، في حين لم يُرَدّ على المكالمات المتكررة لرقم هاتف قدمه موظفو "شوكي". ولم تردّ مجموعة بكين للسياحة على طلب للتعليق أُرسل بالفاكس إلى رقم مكتب عام قدمه موظف استقبال.

كان للحكومات المحلية تقليد رأي كبير في إعادة هيكلة الشركات في مناطقها، ويتوافق الحل المتصور مع أولويات الرئيس الصيني، شي جين بينغ، لإعادة توزيع الثروة وكبح تأثير قطاع الإنترنت. وقال الأشخاص المطلعون، إن اقتراح المدينة قد ينطوي على أخذ حصة كبيرة من "ديدي" أو حصة رمزية مصحوبة بحصة ذهبية ومقعد مجلس إدارة. وسيكون النموذج الأخير مشابهاً لاستثمار سابق من قبل الحكومة في الوحدة الصينية التابعة لشركة "بايت دانس" (ByteDance Ltd) التي أعطت لكيان حكومي حق النقض على القرارات المهمة.

يأتي مقترح الاستحواذ فيما تُفكّر إدارة الرئيس "شي" بفرض مجموعة من العقوبات على رائدة الركوب التشاركي في البلاد، والتي ظهرت للمرة الأولى في نيويورك في يونيو، جرّاء اعتراضات إدارة الفضاء الإلكتروني الصينية. رأى المشرفون على صناعة الإنترنت في هذا القرار تحدياً لسلطة الحكومة المركزية، وبدأ المسؤولون في كل من إدارة الفضاء الإلكتروني، ووزارة الأمن العام، ووزارة أمن الدولة، وعدة وزارات أخرى، في إجراء تفتيش بمقر مكاتب "ديدي" في شهر يوليو.

منذ ذلك الحين، تعرّضت الشركة إلى عدة تحقيقات تتعلق بأمن البيانات والطريقة التي تعامل بها الملايين من سائقيها.

تدرس بكين عدة خيارات تتضمن إعادة تأكيد سيطرة الدولة على شركة عملت تقليدياً في منطقة رمادية قانونية، وفقاً لما نشرته "بلومبرغ نيوز". ويُقال إن "ديدي" ستُجبر على إعطاء كنوزها الثمينة من البيانات إلى طرف ثالث وعلى إلغاء إدراجها في البورصات الأمريكية.

يهدف التوجه الرئيسي لاقتراح حكومة بكين إلى استعادة السيطرة على واحدة من كبريات الشركات في المدينة، وخصوصاً على بياناتها المُجمّعة يومياً حول مئات الملايين من المستخدمين، وهو أمر حيوي للاقتصاد والاستقرار الاجتماعي. وقد اقترحت الحكومة الصينية إنشاء مشروع مشترك، بقيادة بنك الشعب الصيني، مع شركات الإنترنت للإشراف على هذا النوع من المعلومات، وفقاً لما نشرته "بلومبرغ نيوز".

في نفس الوقت، ستلعب "شوكي" دوراً في تشغيل منافسها الأكبر، وسبق لها أن أسست خدمة الركوب التشاركي، "شوكي يويتشي" (Shouqi Yueche) في العام 2015، التي تضم حالياً أكثر من 100 مليون مستخدم على مستوى البلاد. تُعدّ الشركة واحدة من أهم أصول مجموعة بكين للسياحة، التي تدير سلسلة من وكالات السفر، والمراكز التجارية، والمطاعم، والفنادق في جميع أنحاء العاصمة.

إلى جانب ذلك، تنظر الجهات التنظيمية الصينية في فرض عقوبات صارمة على "ديدي"، تتراوح بين الغرامة ووقف بعض العمليات، كما ذكرت "بلومبرج نيوز"، ويُمكن أيضاً إجبارها على إلغاء إدراجها أو سحب أسهمها في الولايات المتحدة، رغم أنه لا يتضح كيفية إتمام مثل هذا الخيار. بيد أن مسألة إلغاء إدراج "ديدي" وخصخصتها لا تزال مطروحة، في حال قيام الحكومة المركزية بإعطاء الضوء الأخضر لتنفيذ خطة الحكومة البلدية ببكين.

وأياً كانت النتيجة، من المرجّح أن تفرض بكين عقوبات أشد قسوة على "ديدي" عن تلك القياسية المفروضة على "علي بابا هولدينغ ليميتيد" بقيمة 2.8 مليار دولار، بعد تحقيق لمكافحة الاحتكار دام شهراً، وموافقتها على اتخاذ تدابير لحماية التجار والعملاء، حسب إفادة بلومبرغ نيوز.

أصبحت "ديدي"، والتي تم الاحتفاء بها يوماً لإلحاق الهزيمة بـ"أوبر" في الصين، حالة اختبار للجهود الحكومية الأوسع لكبح قوة عمالقة الإنترنت في البلاد. تستهدف إدارة الرئيس "شي" الحريصة على تعزيز رؤيته الخاصة بتقاسم الثروة أو "الازدهار المشترك"، قطاع الإنترنت الذي تراكمت فيه الثروات الهائلة خارج حدود القانون، وخلق عدد غير مسبوق من المليارديرات، وأثرى قدراً كبيراً من المستثمرين المحليين والأجانب خلال مسيرته.

كما كان اكتتابها العام الأولي المثير للجدل في تاريخ 30 يونيو بمثابة الدافع إلى تجديد الهجوم على عمالقة الإنترنت، والذي توّسع إلى ما هو أبعد من المنافسة غير العادلة في التجارة الإلكترونية، ليشمل كل شيء بدءاً من التعليم الخاص الإلكتروني إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وهو هجوم نتج عنه خسارة تزيد عن تريليون دولار من القيمة السوقية للأسهم الصينية. دفعت الحملة المشددة، التي دخلت شهرها الحادي عشر وامتدت تداعياتها بشكل كبير، المستثمرين إلى التفكير في العواقب الطويلة الأجل المترتبة على شركات من أمثال "آنت غروب"، المملوكة لجاك ما، و"علي بابا"، و"عملاقة توصيل الأغذية "ميتوان".

إلا أنه لا يتضح حالياً ما يحمل المستقبل لشركة "ديدي" التي فقدت ثلث قيمتها السوقية منذ جمع 4.4 مليار دولار أميركي عبر ثاني أكبر اكتتاب عام أولي لشركة صينية في السوق الأمريكية. وعقب سنوات من خلافات مع الجهات التنظيمية بعد ردود الأفعال الشعبية العنيفة جرّاء وقوع جريمتي قتل في شبكتها، حوّل دخول الشركة إلى السوق مؤسسها المشارك، تشينغ، إلى ملياردير، وكافأ داعميها القدامى، بما في ذلك "سوفت بنك"، و"تايغر غلوبال مانجمنت"، و"تيماسيك هولدينغز".

تعتمد "ديدي" حتى اليوم على عدد كبير من السائقين والسيارات غير المرخصين فعلياً، لتوفير نحو 25 مليون رحلة يومية. وأفزعت وزارة النقل المستثمرين يوم الخميس عندما حذرتهم حول ضرورة توّصل "ديدي" ومنافسيها إلى خطط لتصحيح هذه الانتهاكات بشهر ديسمبر، فيما يعتبر أحدث خطوة في سلسلة التحذيرات التي تم توجيهها إلى عمالقة الاقتصاد التشاركي.