مستوى الأجسام المضادة يدخل مرحلة المنافسة بين "فايزر" و"موديرنا"

عامل رعاية صحية يحمل قنينة لقاح "فايزر-بايونتيك" في موقع التلقيح في هندرسون، نيفادا
عامل رعاية صحية يحمل قنينة لقاح "فايزر-بايونتيك" في موقع التلقيح في هندرسون، نيفادا المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قبل 10 أشهر، بدت نتائج التجارب السريرية الموسَّعة جيدة جداً لدرجة يصعب تصديقها تقريباً، إذ قلَّل لقاحان من فئة الحمض النووي الريبي (RNA) من حالات كوفيد- 19 المصحوبة بأعراض بأكثر من 90 ٪ في كل مجموعة تمَّ تلقيحها تقريباً.

الآن، تظهر اختلافات دقيقة بين لقاح شركتي "فايزر"، و"بيونتك إس إي" من جهة، ولقاح "موديرنا" من الجهة الأخرى عبر مجموعات المرضى بمرور الوقت.

أظهرت دراسة أمريكية مصغَّرة انخفاض مستويات الأجسام المضادة باستخدام لقاح شركة "فايزر"، خاصة في مجموعة من الأشخاص الأكبر سناً. ووجدت دراسة أكبر من بلجيكا أنَّ جرعة "موديرنا" قد تولِّد أجساماً مضادة أكثر من تلك التي تنتجها شركة "فايزر".

لكن ما يعنيه كل هذا في العالم الحقيقي ما يزال ضبابياً. ففي حين تمَّ إعطاء مليارات الجرعات من اللقاح في جميع أنحاء العالم، ما يزال الباحثون يعملون على فهم الفروق الدقيقة في المدَّة التي تدوم خلالها الحماية، وكيف تختلف من شخص لآخر.

يعدُّ الحصول على إجابات لهذه الأسئلة خطوة حاسمة لتحديد مَن قد يحتاج إلى جرعة معززة، خاصةً لكبار السن، وذوي الجهاز المناعي الضعيف. وأدى انتشار متحوِّل "دلتا" الأكثر عدوى -الذي تزامن ارتفاعه مع انخفاض طفيف في فعالية اللقاح- إلى زيادة المخاطر، ودفع الحكومات إلى البدء في طرح جرعة ثالثة من اللقاحات. وستستمع إدارة الغذاء والدواء إلى الحجج العامة في 17 سبتمبر الجاري حول ما إذا كان يجب المضي قدماً في استخدام اللقاحات المعززة من لقاح شركة "فايزر" أم لا.

خطوط الدفاع

تمَّ تسليط الكثير من التركيز على مستويات الأجسام المضادة، بوصفها واحدة من خطوط الدفاع الأمامية للجهاز المناعي. وإحدى النظريات حول لقاح "موديرنا" هي أنَّه ينتج المزيد من تلك الأجسام المضادة؛ لأنَّه يستخدم جرعة أكبر، ويتمُّ إعطاء الجرعتين على مدى أسبوع أطول من لقاح "فايزر".

لكنَّ الأجسام المضادة تعتبر مجرد عنصر واحد من مكوِّنات المناعة، وليس من الواضح ما إذا كانت هي الأهم، خاصة على المدى الطويل.

قال بول بيرتون، كبير المسؤولين الطبيين في شركة "موديرنا"، في مكالمة تمَّت يوم الجمعة الماضي مع الصحفيين: "هل نعرف مستوى الجسم المضاد الذي يحمي من كوفيد؟.. الإجابة البسيطة هي أنَّنا ما زلنا لا نعرف ذلك". مع هذا، تُظهر بيانات تجربة "موديرنا" أنَّ إعطاء جرعة ثالثة بعد 6 أشهر من الثانية ترفع مستويات الأجسام المضادة "إلى المستوى المريح هذا" ليعود مجدداً فوق المستويات التي تمَّ رصدها في تجربة المرحلة الثالثة المبدئية.

الذاكرة المناعية

بالإضافة إلى الأجسام المضادة التي تدوم لفترة أقصر؛ فإنَّ لقاحات كوفيد تؤدي أيضاً إلى تنشيط ذاكرة الجهاز المناعي طويلة المدى. ويبدو أنَّ هذه الذاكرة تزداد وتصبح أفضل في صنع أجسام مضادة تقاوم السلالات المتحوِّلة بمرور الوقت. وهذه الحماية طويلة المدى -التي تشمل ما يعرف بالخلايا بي (T cells)، وخلايا الذاكرة بي (B cells)- من الأصعب قياسها في المختبر مقارنة بحساب الأجسام المضادة. لكن يُعتقد أنَّها تلعب دوراً محورياً في الوقاية من حالات المرض الشديدة والاستشفاء.

بعد أقل من عام على حملة اللقاح، ركَّزت الكثير من الأبحاث على الأجسام المضادة المستمدة من اللقاح، التي تساعد في منع مسبِّبات الأمراض التي تقوم بغزو الجسم، وتوجيهها للهجوم من قبل بقية الجهاز المناعي.

فحصت دراسة أمريكية صغيرة مجموعة من مرضى دار التمريض والموظفين الذين حصلوا على جرعتين من لقاح "فايزر". ووجدت أنَّ مستويات الأجسام المضادة في كلا المجموعتين تضاءلت بمرور الوقت. لكنَّ الأشخاص البالغ عددهم 120 في الدراسة، والذين كان متوسط ​​أعمارهم 76 عاماً، بدأوا بمستوى أقل بكثير من الأجسام المضادة، مقارنة بالموظفين الأصغر سناً.

قال ديفيد كانادي، طبيب الأمراض المعدية وأستاذ الطب في جامعة كيس ويسترن ريزيرف في كليفلاند بولاية أوهايو، الذي قاد الدراسة التي تمَّ إصدارها كمطبوعة أولية قبل نشرها في أواخر أغسطس: إنَّه بعد مرور عدَّة أشهر "انتهى بهم المطاف في مستوى أسوأ".

وبعد أسبوعين من التطعيم الثاني، تراجعت الأجسام المضادة المعدلة إلى ما دون مستوى الكشف عنها في 16% من سكان دور رعاية المسنين، ممن لم يكونوا مصابين بكوفيد قبل التطعيم. وبعد 6 أشهر من التطعيم، كان لدى 70% منهم مستويات منخفضة للغاية. لكن على النقيض من ذلك؛ وجد البحث أنَّ 16% فقط من 64 من مقدِّمي الرعاية الأصغر سناً لديهم مثل هذه الأجسام المضادة الضئيلة خلال 6 أشهر.

قال كانادي: "من المؤكَّد أنَّ الحماية ستنخفض بمعدل لا بأس به في ظل هذه المستويات من فقدان الأجسام المضادة". لكن من غير المحتمل أن تؤدي هذه الخسارة إلى انعدام الحماية.

موديرنا يعطي أجساماً مضادة أعلى

قارنت دراسة أخرى بين مستويات الأجسام المضادة في 167 من موظفي النظام الصحي بجامعة فرجينيا، ممَن تمَّ تطعيمهم، إمَّا بلقاح "موديرنا"، أو "فايزر". وقال الباحثون، الخميس الماضي، لمجلة "جاما نتوورك أوبن" (Jama Network Open)، إنَّ مستويات الأجسام المضادة بعد الجرعة الثانية كانت أعلى بنحو 50% لدى الأشخاص الذين حصلوا على جرعة "موديرنا".

الفروق الدقيقة

عندما تعمَّق الباحثون أكثر، وجدوا أنَّ الاختلاف تمَّ تفسيره في الغالب في ظل وجود استجابة أدنى للقاح "فايزر" لدى الأشخاص الذين يبلغون من العمر 50 عاماً أو أكبر، بحسب ما يقول جيفري ويلسون، عالم المناعة في جامعة فيرجينيا، والمؤلف المشارك في الدراسة. لكن مع لقاح "موديرنا"، لم تختلف استجابة الجسم المضاد بعد الحصول على جرعتين بشكل كبير حسب تغيُّر الفئة العمرية.

قال ويلسون: "من المحتمل أن تكون هناك اختلافات دقيقة بين لقاحي "فايزر"، و"موديرنا". مضيفاً: "يبقى أن نرى ما إذا كان لذلك تأثير سريري مؤثِّر على الحماية من الفيروس".

تتفق نتائج جامعة فيرجينيا إلى حدٍّ كبير مع دراسة أكبر تمَّت على أكثر من 1600 عامل في مستشفى ببلجيكا، إذ وجدت أنَّ الأشخاص الذين حصلوا على لقاح "موديرنا" لديهم في المتوسط ​​ضعف مستويات الأجسام المضادة الموجودة لدى من تمَّ تطعيمهم بـ"فايزر". لكنَّ الدراسة البلجيكية، التي نُشرت يوم الإثنين في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية، وجدت أنَّ لقاح "موديرنا" أنتج مستويات أعلى من الأجسام المضادة في جميع الفئات العمرية.

لم تقم الدراسات بقياس ما إذا كان عدد الأجسام المضادة الأدنى يؤدي إلى حماية أقل بمرور الوقت. لكن مع انتشار متحوِّل دلتا، تظهر البيانات الناشئة بشكل متزايد تدهور مستوى الحماية من التطعيمات، مما يؤدي إلى صدور المزيد من التقارير عن حالات العدوى المخترقة، التي يصاب فيها الشخص الذي تمَّ تطعيمه بالمرض.

وظلَّت الحماية من الأمراض الشديدة والحاجة إلى دخول المستشفيات -التي تعدُّ أهم فائدة من التطعيم بالنسبة للصحة العامة- قوية بشكل عام.

تقول أنجيلا راسموسن، عالمة الفيروسات في منظمة اللقاحات والأمراض المعدية في جامعة ساسكاتشوان بمدينة ساسكاتون: "لا نرى المستشفيات تمتلئ بالأشخاص الملقَّحين". واختتمت: "ما نراه في الغالب هو الأشخاص غير الملقَّحين، ممَن

ما يزالون يشكِّلون الجزء الأكبر من الحالات الجديدة".