التلوث الناجم من الوقود الأحفوري يقلل العمر الافتراضي للإنسان 5 أعوام

تقرير: تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة أكثر خطراً على صحة الإنسان من الملاريا والتدخين والصراعات
تقرير: تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة أكثر خطراً على صحة الإنسان من الملاريا والتدخين والصراعات المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يشكل احتراق الوقود الأحفوري سبباً رئيسياً لتغيّر المناخ، سواء كان ذلك من السيارات التي تسرف في استخدام الوقود، أو عبر توليد الطاقة. لكن هذا ليس السبب الوحيد الذي يدفع نحو كبح الانبعاثات عالمياً، حيث يعتبر الوقود الأحفوري كذلك مصدراً رئيسياً مباشراً لتلوث الهواء، الذي يشكل بدوره خطرا صحيا يمكن أن يسرق سنوات من حياة البشر.

حيث يؤدي النوع الأصغر حجماً والأكثر خطورة من تلوث الهواء، من خلال الجسيمات الدقيقة، والذي يعرف باسم "بي إم 2.5"، إلى تقليص متوسط عمر الشخص العادي بنحو 2.2 سنة. وبالنسبة للأشخاص في الأماكن الأكثر تلوثاً، تكون الخسارة أكبر بكثير، ذلك وفقاً لتقرير مؤشر جودة الهواء السنوي الذي نُشر مؤخراً.

شديد الخطورة

وقد توصل التقرير إلى أنه عند قياس تأثير هذا التلوث على متوسط العمر المتوقع للإنسان، يكون التلوث بالجسيمات أكثر خطورة من العوامل الأخرى التي تؤثر على صحة البشر، بما في ذلك: تدخين السجائر، والمياه غير الآمنة، والملاريا، والصراعات، والإرهاب. ومقابل كل 10 ميكروغرام لكل متر مكعب من الـ"بي إم 2.5" يتعرض لها الإنسان، ينخفض متوسط العمر المتوقع له بمقدار 0.98 سنة.

يقول كين لي، مدير مؤشر جودة الهواء للحياة (AQLI)، الذي كتب التقرير بالاشتراك مع مايكل جرينستون، المحلل الاقتصادي في "جامعة شيكاغو": "يبدو أن هناك إجماعاً أيضاً على أن الجسيمات المنبعثة من احتراق الوقود الأحفوري تعتبر خطيرة بشكل خاص".

يوضح الباحثون وراء المؤشر أن نفس التغييرات في السياسات التي تتصدى لقضية تغير المناخ، يمكنها أيضاً عكس مسار هذه الخسارة في العمر. ويشير التحليل كذلك إلى أن خفض تركيز الجسيمات بما يتماشى مع إرشادات منظمة الصحة العالمية يمكن أن يرفع متوسط العمر العالمي المتوقع للبشر بنحو عامين. وفي الأماكن الأكثر تلوثاً، خاصة في دول جنوب آسيا مثل الهند وبنغلاديش ونيبال، يمكن أن يؤدي ذلك لإضافة ما يصل لأكثر من 5 سنوات إلى متوسط عمر الأشخاص هناك.

تدهور جودة الهواء

يؤدي الوقود الأحفوري إلى تدهور جودة الهواء بشكل مباشر وغير مباشر على حد سواء. وذلك من خلال تسببه بظاهرة تغير المناخ، كذلك فإنه يؤدي أيضاً إلى ازدياد شدة الكوارث الطبيعية الاستثنائية مثل حرائق الغابات، التي تطلق أطناناً من التلوث بالجسيمات في الغلاف الجوي.

والتي كان منها، ما حدث في عام 2015، حينما اندلع أكثر من 100 ألف حريق في غابات إندونيسيا، وقد دعمت الظروف الجافة للغاية التي سببتها ظاهرة "إل نينيو" (التردد الجنوبي) تلك الحرائق. وأدى الدخان الناتج إلى زيادة تركيز جزيئات الـ"بي إم 2.5" في الجزر الإندونيسية إلى 40 ميكروغرام لكل متر مكعب، بزيادة قدرها 30% مقارنة بعام 2013. وهذا المعدل أيضاً يعادل 4 أضعاف المستوى الذي حددته منظمة الصحة العالمية، والبالغ 10 ميكروغرام لكل متر مكعب. ويقدر تقرير مؤشر جودة الهواء للحياة أنه في حال استمرت هذه الزيادة، فإن متوسط العمر المتوقع في المنطقة سينخفض بنحو عام تقريباً.

تقرير : تلوث الهواء في الهند تسبب في خفض أعمار مواطنيها 8 سنوات

إسبانيا وإيطاليا تتصدران.. تلوث الهواء أكثر سبب للوفيات في أوروبا

تجربة الصين

يذكر أن تقديرات العمر الافتراضي تستند إلى مراجعة دراستين سابقتين قاستا تأثير تلوث الهواء على العمر الافتراضي للأشخاص في الصين بين عامي 2013 و2017.

في تلك السنوات، نفذت الصين خطة عمل لتحسين جودة الهواء بقيمة 270 مليار دولار، مع تمويل إضافي قدره 120 مليار دولار من بكين، لتقليل تركيز الجسيمات بنسبة 10%. ومن خلال التغييرات السياسية، مثل، حظر محطات إطفاء الحرائق الجديدة العاملة بالفحم في بعض المناطق، وتقليل عدد السيارات على الطرقات في المدن الكبيرة، وتركيب الآلاف من أجهزة مراقبة الهواء في جميع أنحاء البلاد. فقد شهدت البلاد انخفاض التلوث بالجسيمات بنسبة 29% وفقاً للتقرير.

وبينما يشيد التقرير بنجاح الصين، يدرك الباحثون أيضاً أن الدول النامية، التي يمكن أن تستفيد أكثر من تحسين جودة الهواء، تواجه عدداً من العوائق التي تحول دون تحقيق ذلك. على سبيل المثال، لا يزال معظم الناس في لاغوس بنيجيريا يعتمدون على السيارات القديمة، التي ينبعث منها كم عالٍ من الكبريت، مما يجعل انبعاثات المركبات المصدر الرئيسي لتلوث الهواء. أيضاً، تعني مصادر الكهرباء غير الموثوقة أن الكثيرين يعتمدون على مولدات الديزل.

ويقول لي: "نتيجة لذلك، لديك الآن هذا التصادم بين الطاقة والفقر وسوء إدارة مرافق الطاقة، والتي تؤدي مجتمعة إلى مزيد من التلوث".

كذلك، يذكر لي أن هناك نقصا في بيانات جودة الهواء في العديد من الأماكن الأخرى. ومع ذلك فإن المناشدة العامة للهواء النظيف كانت مفتاحاً للعمل على تحسين الهواء في الصين. حيث يبدأ ذلك من خلال زيادة الوعي العام حول ما يقع على المحك في عالم يصبح غير صالح للتنفس، بشكل متزايد.