لا مزيد من التدليل السياسي.. عالم السيارات ينتظر حقبة ما بعد "ميركل"

سيارة "بورشه" من طراز "تايكان" الكهربائي الجديد
سيارة "بورشه" من طراز "تايكان" الكهربائي الجديد المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في معرض فرانكفورت الأخير للسيارات، قامت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بجولة في جناح شركة "بورشه"، فقد جرت دعوتها للجلوس خلف عجلة القيادة لسيارة من طراز "تايكان" الكهربائي الجديد. لقد رفضت بأدب، متجنِّبةً الوقوع في فخ التأييد العلني لسيارة رياضية باهظة الثمن.

أكَّدت مناورة ميركل المميزة - مراجعة سريعة للمخاطر متبوعة برد متجهم - علاقتها المعقدة مع قطاع رئيسي اعتمد لأطول فترة على الرعاية السياسية من مستشاري البلاد.

في حين تستعد ميركل لترك المنصب بعد 16 عاماً، يُترك مديرو السيارات يتساءلون عما يمكن توقّعه من خليفتها، قبل أقل من ثلاثة أسابيع من الانتخابات العامة التي ماتزال منافستها مفتوحة على مصراعيها.

هل ستكون حكومة غير متحيزة للقطاع أم مؤيدة له؟ ربما حتى المواجهة المفتوحة مع حكومة تهتم بالبيئة تدفع شركات صناعة السيارات ومورديها إلى تبني تغيير بطريقة أكثر حزماً، أو المخاطرة بالتعرض للتهميش؟

المستقبل الكهربائي

تنفِّذ ميركل زيارتها الأخيرة لمعرض السيارات قبل أن تغادر منصبها بعد التصويت المقرر في 26 سبتمبر الجاري. في صالات العرض بمدينة ميونخ التي شهدت الجولة، تكون أجواء التغيير واضحة. هناك مساحة شاسعة مخصصة للدراجات، والمركبات الكهربائية هي المعيار، وليست التجارب الغريبة، كما طغى مفهوم الحياد المناخي على القدرة الحصانية للمركبات، كما قال المشاركون في المعرض. يرسل ذلك برسالة إلى أي سياسي يسعى للعب دور في الحكومة المقبلة، مفادها أنَّ هناك خيطاً رفيعاً بين دعم قطاع رئيسي وحماية البيئة في الوقت نفسه.

بعد بداية بطيئة نسبياً، تتبنَّى شركات صناعة السيارات "بي إم دبليو"، "دايملر" و"فولكس واجن" المستقبل الكهربائي بطريقة مباشرة. في المعرض، أعلنت شركة "بي أم دبليو" أنَّها تضاعف طلباتها تقريباً لخلايا البطاريات مع ازدهار الطلب على السيارات الكهربائية، كما عرضت شركة "دايملر" سيارة من طراز "إي كيو إي" السيدان الجديدة التي ستأخذ دفعة من الإنفاق على بطارياتها بقيمة 40 مليار يورو (47.5 مليار دولار) للوصول إلى مجموعة عملاء أوسع، في حين كشفت شركة "فولكس واجن" عن تصميم سيارة كهربائية صغيرة تستهدف المشترين في المناطق الحضرية.

اقرأ أيضاً: "BMW" تطلب بطاريات بـ 24 مليار دولار لتلبية الطلب على السيارات الكهربائية

غير خائف

قال أوليفر زيبس، الرئيس التنفيذي لشركة "بي إم دبليو"، في إشارة إلى محرِّكات الاحتراق، والبطاريات، والمحرِّكات الكهربائية: "هناك الكثير من الأشياء التي تحدث في الوقت نفسه: التقسيم إلى أقاليم، والرقمنة، مع ظهور عدد من محرِّكات الدفع المختلفة".

وأضاف: " شركة بي إم دبليو قادرة على التعامل مع التعقيدات. وتعتبر القدرة على التعامل مع التعقيدات هي حجر الزاوية في استراتيجيتنا، ونحن لسنا خائفين من المستقبل".

من المنتظر أن تتمتَّع ألمانيا بأعلى معدل اعتماد للسيارات الكهربائية بين الدول الأوروبية، إذ من المتوقَّع أن تكون أكثر من 90% من مبيعات السيارات الجديدة كهربائية بحلول عام 2040، وفقاً للتوقُّعات الخاصة بالمركبات الكهربائية طويلة الأجل الصادرة عن "بلومبرغ إن إي أف".

ومن المتوقَّع أن تصل سوق السيارات الكهربائية في ألمانيا إلى 3.4 مليون مبيعات سنوية بحلول ذلك الوقت، وذلك بفضل القوة الشرائية العالية، ودعم السياسات، والعروض الواسعة من شركات صناعة السيارات المحلية.

بالنسبة إلى شركة "روبرت بوش" (Robert Bosch AG)، أكبر مورِّد لقطع غيار السيارات في العالم، يجب أن يكون تركيز الحكومة القادمة على تحقيق الأهداف الحالية بدلاً من إنشاء أهداف جديدة.

قال الرئيس التنفيذي، فولكمار دينر، في مقابلة أثناء المعرض: "عليك أن تتوقَّف عن صياغة أهداف جديدة، وبدلاً من ذلك نفذ الخطوات الأولى لإظهار كيف يمكن الوصول إلى هذه الأهداف، لأنَّها بالفعل طموحة للغاية تماماً".

إلى جانب ذلك، يتطلَّب التحوُّل الأكثر صداقة للبيئة نفقات ضخمة، وهذا هو السبب في أنَّ قطاع السيارات سيظل بحاجة إلى الدعم من أجل تحقيق النمو، على حدِّ قوله.

الازدهار الاقتصادي

في الوقت الحالي، ما يزال قطاع السيارات، وهو حجر الزاوية في صعود ألمانيا بعد الحرب كقوة صناعية عالمية، على مفترق طرق. ارتفعت أسعار البنزين في الأشهر الأخيرة، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة القيادة. اشتد الازدحام داخل المدينة حيث تحوَّل المسافرون القلقون من فيروس كورونا من ركوب وسائل النقل العام إلى استقلال مركباتهم الشخصية. و ماتزال البنية التحتية للشحن الكهربائي غير مكتملة في أحسن الأحوال، مما يثني المستهلكين عن إجراء هذا التغيير.

كان النقاش السياسي الواسع المحيط بانتخابات هذا العام حول تعهد حماية المناخ وتقنيات المستقبل. وقد ظهر هذا التعهد مغايراً تماماً للفيضانات التي تسبَّبت في حالات وفيات في غرب ألمانيا خلال شهر يوليو الماضي، فضلاً عن الكوارث الطبيعية الأخرى في جميع أنحاء العالم التي وضعت التهديد الحقيقي المتمثِّل في الاحتباس الحراري ضمن اهتمام الرأي العام.

يتوقَّع الرئيس التنفيذي لشركة "دايملر"، أولا كلينيوسن، أن تسعى الحكومة المقبلة إلى تحقيق "مزيج من الطموح العالي في حماية المناخ، وطموح كبير مماثل في تحقيق الازدهار الاقتصادي".

دعم أكبر للسيارات الكهربائية

بزغت علاقة الحكومة المضطربة مع هذا القطاع العام الماضي عندما كشفت الدولة النقاب عن حزمة ضخمة للتعافي بقيمة 130 مليار يورو. على عكس ما حدث في أعقاب الأزمة المالية، عندما تلقى قطاع السيارات القوي مساعدة مالية في شكل حوافز شراء، لم تُخصص أي أموال لمركبات محركات الاحتراق التقليدية هذه المرة. وبدلاً من ذلك، حصل مشترو السيارات التي تعمل بالبطاريات الكهربائية على إعانات أكبر.

إذا حكمنا من خلال استطلاعات الرأي الحالية؛ فإنَّ حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي قادته ميركل لما يقرب من عقدين من الزمان يخاطر بهزيمة لاذعة في نهاية الشهر، ويمكن الإطاحة به من السلطة لأوَّل مرة منذ 16 عاماً. هناك أيضاً فرصة جيدة أن يكون حزب الخضر جزءاً من الحكومة المقبلة.

ومن شأن هذا أن يُعقِّد العلاقة مع قطاع السيارات الذي كثيراً ما اعتبره الناخبون الشباب في الحزب الذين يهتمون بالبيئة، والحضريون شيئاً عفا عليه الزمن. اقترحت أنالينا بربوك، المرشحة لمنصب المستشارة عن حزب الأخضر، أنَّ الدولة يجب أن تدعم الدراجات الضخمة الحاملة للأحمال بدلاً من الصناعات التي لم تعد في أوج عظمتها.

ردَّاً على ذلك، صرخ العنوان الرئيسي في صحيفة "بيلد تسايتونغ" الأكثر مبيعاً في ألمانيا، "الخوف على سيارتنا"، معرباً عن أسفه؛ لأنَّ الدعامة الأساسية لحرية البلاد وازدهارها تتعرض للتهديد من ارتفاع أسعار الوقود والتدخل السياسي.

وصرَّح ماركوس ديسمان، الرئيس التنفيذي لشركة "أودي" للصحفيين قبل انطلاق معرض ميونخ: "بغضِّ النظر عن المجموعة التي ستمتلكها الحكومة المقبلة، يجب أن يكون للتغير المناخي تأثيره، كما يجب أن يكون للازدهار الاقتصادي تأثيره في المقابل".

أمة المهندسين

في كلتا الحالتين، سيكون حجم الاضطراب كبيراً، كما قالت شركة "ماكينزي" في تقرير قبل المعرض. تقدِّر المعاهد البحثية والنقابات العمالية، مثل: "أي جي ميتال" أنَّ أكثر من 100 ألف وظيفة ستتغير في صناعة السيارات الألمانية بحلول عام 2030. وهذا يعادل 10 أضعاف حجم الوظائف مقارنة بتغيُّر الوظائف الناجم عن التخلص التدريجي من طاقة الفحم التي أعلنت عنها ألمانيا حتى عام 2038، بحسب ما ذكرته "ماكينزي" .

تدعو بعض الأحزاب السياسية إلى التحرُّك التدريجي نحو التقنيات الجديدة بدلاً من الإلغاء السريع لمحرِّك الاحتراق التقليدي. وقال رئيس الحزب الليبرالي، كريستيان ليندنر، في ندوة عبر الإنترنت عقدتها "بلومبرغ"، "إنَّ محرك الاحتراق التقليدي ما يزال يملك مستقبلاً لا ينبغي استبعاده تماماً".

أوضح ليندنر قائلاً: "نحن أمة من المهندسين، ويجب أن نطور تقنيات فائقة". وأضاف: "لا يمكن للنهج السياسي الذي يركِّز فقط على الحظر وانتهاك أسلوب الحياة الفردي أن يكون نموذجاً للعالم".