معدل الإصابات في إسرائيل يقدم نموذجاً عن مستقبل "كوفيد" للعالم أجمع

فتاة تتلقى جرعة من لقاح "فايزر - بيونتك" في أحد مراكز التطعيم في تل أبيب، إسرائيل
فتاة تتلقى جرعة من لقاح "فايزر - بيونتك" في أحد مراكز التطعيم في تل أبيب، إسرائيل المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أصبحت إسرائيل، التي تصدَّرت السباق عالمياً في الخروج من أزمة "كوفيد-19" سابقاً، تمثِّل في الوقت الحالي أحد أكبر البؤر العالمية للوباء.

وفقاً لأرقام جامعة "جونز هوبكنز"، فقد أظهرت الدولة- التي كان من المتوقَّع أن تكون الأولى من ناحية تطعيم جميع سكانها- أعلى معدل للإصابات لكلِّ فرد مقارنةً بالدول الأخرى خلال الأسبوع المنتهي في 4 سبتمبر. في غضون ذلك، تراجع معدل التلقيح في إسرائيل، التي كانت متفوقة عالمياً في هذا الإطار، وفقاً لتصنيف منظمة الصحة العالمية.

نموذج تجريبي

كانت الدولة التي يبلغ تعدادها تسعة ملايين نسمة قد شكَّلت نموذجاً تجريبياً لإعادة فتح المجتمعات والاقتصادات خلال إبريل الماضي، وذلك في الوقت الذي استمر فيه إغلاق معظم دول أوروبا والولايات الأمريكية إلى حدٍّ ما.

لكن حالياً، تُظهر إسرائيل كيف يمكن أن تتبدَّل الحسابات في الدول التي كانت متقدِّمة في وقت ما. فلم يعد الأمر يتعلَّق بإصابة الناس بفيروس كورونا فقط؛ وإنما أيضاً بمدى سوء إصابتهم، وكذلك التأكُّد من أنَّ اللقاحات ما تزال فعَّالة إزاء تهديد سلالة "دلتا" المتحوِّلة شديدة العدوى التي تُضعف المناعة.

في الآونة الأخيرة، اضطلعت إسرائيل بدور ريادي فيما يتعلَّق بتطعيم الأطفال، وإعطاء جرعة معززة من لقاح "فايزر- بيونتك" بعدما أشارت الأبحاث إلى تراجع فعالية اللقاحات مع مرور الوقت. حالياً، يتمُّ تلقيح نحو 100 ألف مواطن إسرائيلي يومياً، تتلقى الغالبية العظمى منهم جرعة ثالثة مُعززة.

يقول إيال ليشيم، الأستاذ المتخصص في الأمراض المعدية في مركز "شيبا" الطبي بحي تل هشومير:

إذا استطعت الإبقاء على حركة الحياة مع تجنب الإغلاق، وخفض ارتفاع أعداد حالات دخول المستشفيات والوفيات بشكل كبير، فإنَّ هذا ما تبدو عليه الحياة في زمن "كوفيد"

هل أصبحت مناعة القطيع ضد "كورونا" شبه مستحيلة؟

فعالية لقاح فايزر تصل إلى 95 % وفق النتائج الكاملة للتجربة السريرية

تباطؤ التلقيح

منذ إبريل، تراجعت إسرائيل من المركز الأول إلى المركز 33 في مؤشر "بلومبرغ" الذي يتتبَّع الدول التي تمَّ تلقيح سكانها بالكامل، فقد دخل برنامج التلقيح في الدولة بمرحلة ركود وسط حالة من التردد من قبل بعضهم في مجتمع اليهود الأرثوذكس، وفي المجتمعات العربية. وقد تلقى 61% من الإسرائيليين جرعتين، وهو يعدُّ أقل من معدلات التطعيم لدى الدول الأوروبية التي كانت متأخرة في وقت سابق من العام الجاري، مثل فرنسا وإسبانيا.

وشهدت إسرائيل ارتفاعاً في أعداد الإصابات بعد انتشار سلالة "دلتا" المتحوِّلة خلال الصيف، فقد وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق بواقع 11 ألفاً و316 حالة يومياً في الثاني من سبتمبر. ومع ذلك؛ فإنَّ أعداد الإصابات الخطيرة التي احتاجت لعناية المستشفيات هي أقل مما كانت عليه خلال موجة فيروس كورونا السابقة، فقد بلغت الإصابات الخطيرة خلال الموجة الحالية من الانتشار ذروتها في أواخر أغسطس عند 751 حالة، مقارنة بـعدد ألف و183 إصابة خطيرة في منتصف يناير الماضي، وقد أخذت أعداد الإصابات الخطيرة مساراً تنازلياً منذ ذلك الحين.

الحالات الحرجة

قفزت الإصابات بسبب انتشار العدوى بين غير الملقَّحين وخاصة الأطفال. كما كان هناك أيضاً ما يعرف بحالات العدوى الخارقة للقاح بين أولئك الذين تمَّ تطعيمهم سابقاً، فضلاً عن تراجع فعالية اللقاحات.

مع ذلك، يمثِّل الأشخاص غير الملقَّحين أكثر من 10 أضعاف عدد الحالات الخطيرة، في مقابل نظرائهم ممن تلقوا جرعتين من اللقاح، مما يدل على أنَّه حتى مع تضاؤل المناعة؛ فإنَّ اللقاحات ما تزال توفِّر الحماية.

وبالنسبة لمسؤولي الصحة العامة والسياسيين؛ يدور الفصل الأخير من الوباء حول التركيز على ضمان استمرار حماية كبار السن المعرَّضين للخطر، في الوقت الذي ترتفع به أعداد الإصابات بين الأطفال. وتزداد أهمية ذلك بالتزامن مع عودة ملايين الأطفال إلى المدارس مؤخراً، والاحتفال بالعام اليهودي الجديد هذا الأسبوع.

فئة محمية

من جهتهم، أفاد علماء الأوبئة بتراجع الإصابات بالفعل بين أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 30 عاماً بفضل تلقي اللقاحات المعززة، واستمرار القيود المفروضة على الحانات والمطاعم بإتاحتها لمن تمَّ تطعيمهم بالكامل فقط. ووفقاً لران باليسر؛ رئيس لجنة الخبراء الاستشارية للحكومة، فقد حقَّقت الإصابات الجديدة بين الأطفال دون سن 12 عاماً المعدل الأعلى خلال الأسابيع الأخيرة. كما بلغت معدلات الاختبارات مستويات قياسية مؤخراً.

يقول باليسر، الذي يشغل أيضاً منصب كبير مسؤولي الابتكار في مؤسسة خدمات الصحة الشاملة الإسرائيلية "كلاليت": "تضاؤل المناعة يمثِّل تحدياً حقيقياً، إذ تحتاج كل الدول لإعداد خطط طوارئ للتعامل معه". وأضاف أنَّ البيانات التي سترد من إسرائيل في الأسابيع المقبلة ستسمح للعالم بتقييم فعالية برنامج اللقاحات المعززة.

ووفقًا لوزارة الصحة الإسرائيلية؛ فقد حصل ما لا يقل عن 2.6 مليون شخص في إسرائيل على جرعة معززة من اللقاحات، بواقع ما يقرب من 28% من السكان، الذين تمَّ تلقيحهم بجرعات معززة من "فايزر- بايونتك" اعتباراً من السادس من سبتمبر. وترتفع هذه النسبة إلى 64% على الأقل، للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً. والأهم من ذلك أنَّ اللقاح المعزز متاح أيضاً لأيِّ شخص يزيد عمره عن 12 عاماً، على أن يكون قد تمَّ تطعيمه منذ خمسة أشهر على الأقل.

"موديرنا" تقول إن لقاحها ضد كوفيد-19 أثبت فعالية بنسبة 94%

حملة تطعيم لقاح فايزر في إسرائيل تكبح عدوى كورونا والإقامة في المستشفيات

العودة إلى المدرسة

من جهة أخرى، لا يمكن توقُّع نتائج خطوة العودة إلى المدارس بعد، فقد قال باليسر، إنَّ ذلك من شأنه تغيير ديناميكيات انتقال العدوى، وتعريض جميع الفئات العمرية للإصابة، بسبب احتمالية عودة الأطفال إلى منازلهم وهم مصابون بـ"كوفيد-19".

وعلى خريطة منظمة الصحة العالمية لمناطق الذروة؛ جاءت إسرائيل ضمن المراكز الخمسة الأولى في المنطقة الأوروبية الأوسع نطاقاً. وتظهر البيانات أنَّ المناطق التي كانت تعاني من أعلى معدلات الإصابة على مدى سبعة أيام، هي اسكتلندا؛ فقد تمَّ تطعيم 68% من السكان بشكل كامل. يُذكر أنَّ الإصابات تصاعدت في الدولة الأوروبية كذلك، بعد رفع القيود، وعودة المدارس عقب انتهاء الإجازة الصيفية في منتصف أغسطس الماضي.

يضيف ليشيم: "إذا عدنا إلى الوراء، ونظرنا للوضع قبل عام من الآن فقط، سنجد أنَّه لم يكن لدينا أي وسيلة حماية تقريباً بخلاف الإغلاق الكامل. أما الآن، فلدينا نظام تعليمي مفتوح، وتجارة مفتوحة بالكامل. وعلى الرغم من وجود أكثر من 50 ألف إصابة أسبوعياً، إلا أنَّنا لا نشهد زيادة في عدد الحالات الخطيرة والإدخال إلى المستشفيات".