باسكال لامي: الحملة القمعية على التكنولوجيا قد تؤثر سلباً على نمو اقتصاد الصين

باسكال لامي، المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية
باسكال لامي، المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قال باسكال لامي، المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية، إنَّ الجهود التنظيمية الصينية لزيادة سيطرة الدولة على قطاع التكنولوجيا في البلاد بمثابة "محرِّك فاصل" آخر يُضاف إلى الاقتصاد العالمي، وهو ما قد يؤثِّر على توقُّعات النمو في الصين.

وأضاف لامي، الذي حذَّر مراراً من التأثيرات السلبية لجهود الولايات المتحدة الرامية إلى "فصل" عناصر اقتصادها عن الصين، أنَّ الاتجاهات السياسية في الصين قد تؤدي إلى تعطيل عزم البلاد على زيادة صادرات الخدمات الرقمية، الأمر الذي قد يحبسها في مكانة الدول ذات "الدخل المتوسط".

في مقابلة حديثة مع لامي، تحدَّث المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية عن تلك التطورات، والتوترات بين الصين والاتحاد الأوروبي بشأن الخدمات الرقمية، و ضرائب الكربون الحدودية.

باعتباره مفوضاً تجارياً سابقاً للاتحاد الأوروبي، ثم مديراً عاماً لمنظمة التجارة العالمية؛ فقد شارك لامي بشكلٍ مباشر في السياسات التي شجَّعت على التعاون التجاري الأوروبي الأوثق والتكامل الاستثماري في الصين.

إليكم ما ورد في مقابلة لامي، التي جرى تحريرها بشكلٍ محدود بغرض التوضيح:

ما هو تفسيركم للتحرك الذي قامت به بكين مؤخراً لكبح جماح قطاع التكنولوجيا لديها وتعزيز اعتمادها على ذاتها في مجال التكنولوجيا؟

قد تتعلَّق إحدى التفسيرات بأنَّ الرئيس شي جين بينغ يريد التحرُّك قدماً باتجاه وضع استراتيجية لزيادة السيطرة على الاقتصاد، ويتصرَّف كما لو كان هناك تهديد للنظام وللحزب، برغم أنَّ المؤشرات لدينا لا تدل على وجود تهديد. وهو لديه وجهة نظر خاصة تتعلَّق بحاجة الصين إلى المزيد من الجرعات للانفصال عن رأسمالية السوق العالمية، وإذا أضفت ذلك إلى موقف الولايات المتحدة، فإنَّ أمامنا مُحرِّكين فاصلين حالياً.

هذه مشكلة طويلة الأجل، وخصوصاً بالنسبة إلى قطاع الخدمات التقنية الذي سيأتي من خلاله معظم نمو الاقتصاد المستقبلي. لم تطرأ مثل هذه الغمامة على مستقبل النجاح الصيني قبل بضع سنوات.

ما هي احتمالات الفصل بين الصين والولايات المتحدة وأوروبا؟

إنَّ فكرة استغناء أوروبا عن الاقتصاد الصيني مستحيلة، فضلاً عن أنَّ ردَّ الفعل السياسي الغاضب في هونغ كونغ و شينجيانغ يؤثِّر على التصورات العامة، ولكنني أعتقد أنَّ التوترات مع الصين سوف تؤثِّر على الاقتصاد الجديد أكثر من تأثيرها على القديم. السيارات أو القمصان محايدة أيديولوجياً، لكنَّ الأمر سيؤثِّر على العالم غير المستقر من الناحية الإيديولوجية، وتعدُّ الرقمنة مزيجاً من الإيديولوجية والتكنولوجيا. المشكلة هي أنَّ أغلب النمو سيأتي من خلال الاقتصاد الجديد.

لا أعتقد أنَّ الصين سوف تستبدل محرِّك التصدير مع محرِّك الاستهلاك المحلي، وستظل الأسواق الغربية بالغة الأهمية بالنسبة إليها. لدى الصين إمكانات هائلة، ولكن إذا قالت الولايات المتحدة وأوروبا، إنَّه لا يمكنك تصدير الخدمات الرقمية إلينا، فستكون هذه مشكلة.

من الممكن أن تحبس بكين نفسها في فئة الدخل المتوسط، فالخدمات هي المفتاح للخروج من ذلك الفخ، وبالتالي؛ هناك حاجة إلى قطاع خدمات أكثر كفاءة، مما يعني زيادة المنافسة الأجنبية.

أنت من أنصار جهود الاتحاد الأوروبي لفرض ضريبة الكربون الحدودية، التي تقول إن الصين تنتهك مبادئ منظمة التجارة العالمية. فهل ستزيد الضريبة من تأجيج التوترات بين الاتحاد الأوروبي والصين؟

في هذه المرحلة، سيكون ردُّ الفعل الصيني تقليدياً، وستعتبر أنَّ الأمر يُشكِّل عقبة أمام التجارة، مما يجعله سيئاً. لكن المستقبل هو الكفيل بإظهار ما إذا يتعيَّن على الصين دفع الثمن أم لا.

ربما لن يؤثِّر الأمر كثيراً على الصين، أو لن يؤثر عليها مطلقاً، فالصينيون قادرون على تصدير منتجات بمستوى منخفض من الكربون إلى الاتحاد الأوروبي.

في غضون ذلك، أعتقد أنَّ الصين ستحافظ على موقفها، الذي يتلخص في الآتي : "الدول الغنية تضع العراقيل أمام التجارة في البلدان الفقيرة". سيقول الأوروبيون للصين، إنَّها إذا كانت جادة في رفع سعر الكربون إلى مستوى مناسب، يُمكننا التوصل إلى تسوية.

تدرك ألمانيا أنَّه إذا قررت الصين الانتقام؛ فإنَّها ستكون أوَّل من سيتأثر بذلك، نظراً لأنها أكبر من يُصدِّر إلى الصين في دول الاتحاد الأوروبي.

رسالتي إلى المسؤولين الألمان هي أنَّ هناك طريقة لإنشاء آلية متوافقة مع منظمة التجارة العالمية. أنا أتفهم المخاوف، ولكن ما هو البديل؟ إذا قمت برفع ضريبة الكربون إلى 80 يورو (94.91 دولاراً) مثلاً، فكيف ستتجنَّب تسريب الكربون؟

ما هي احتمالات إحياء دور منظمة التجارة العالمية، وما هو التحدي الأكبر أمام مديرتها الجديدة نغوزي أوكونجو- إيويلا؟

ينصب تركيز المديرة الجديدة على مكافحة الفكرة القائلة بأنَّ منظمة التجارة العالمية انتهت. لديها عدد قليل من القضايا قصيرة الأجل، مثل مسألة الصيد الضئيلة اقتصادياً، ولكنَّها خطوة أولى مهمة. أعتقد أنَّها وضعت منظمة التجارة العالمية في مكانة جيدة، فيما يختص بمسائل الوباء واللقاحات، وإذا سألتني، فسأقول لك لا توجد نتائج حتى الآن. لا شيء بعد. لكنَّني أعرف أنَّك تحتاج بضع سنوات، وأنَّ قضايا هيئة الاستئناف ستُحل مستقبلاً، لكنَّني لا أعتقد أنَّ الولايات المتحدة سوف تدفعها قبل منتصف المدة.

القضية الكبرى الحقيقية تتعلَّق بإمكانية مساواة الفرص مع الصين الأكثر شيوعية عمَّا كانت في السابق. كيف يمكنك معالجة هذا الاختلاف بين النظام الاقتصادي الصيني ورأسمالية السوق؟ شهدت كلٌّ من فرنسا وألمانيا هذه المشكلة في الخمسينيات، عندما لم ترغب ألمانيا في فتح اقتصادها مع فرنسا ذات الاقتصاد المملوك للدولة بنسبة 30% مثل الصين الآن. جاء الحل الوسط من خلال خلق انضباط أوروبي على مساعدات الدولة، ونحن بحاجة إلى شيء من هذا النوع على مستوى منظمة التجارة العالمية. المشكلة الرئيسة الأخرى تتعلَّق بكيفية تنظيم التعايش بين الصين وبقية العالم في الاقتصاد الرقمي.