العنف ضد المرأة يضع تركيا في موقف محرج تحت الضوء

من مظاهرة في إسطنبول في الأول من يوليو احتجاجاً على انسحاب تركيا من اتفاقية المجلس الأوروبي لمنع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي
من مظاهرة في إسطنبول في الأول من يوليو احتجاجاً على انسحاب تركيا من اتفاقية المجلس الأوروبي لمنع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي المصدر: رويترز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعثت امرأة في إسطنبول برسالة إلى محاميتها بدت فيها مذعورة، فزوجها السابق كان في طريقه لاصطحاب ابنتهما البالغة من العمر 9 سنوات، وقد هددها بالقتل إذا حاولت منعه.

جاء ذلك بعد ثلاثة أيام من إعلان تركيا في مارس انسحابها من اتفاقية إسطنبول، وهي معاهدة أوروبية لمكافحة العنف ضد المرأة. ومنذ ذلك الحين شعر الرجال بأنهم أكثر قدرة على التصرف دون خوف من العواقب، كما تقول ليلى سورين، المحامية التي تواصلت معها الأم طلباً للمساعدة.

تقول سورين: "كان هناك شعور بأنه مع انسحاب تركيا من الاتفاقية اختفت كل الحماية التي تتمتع بها النساء التركيات".

اقرأ أيضاً: مواقع التواصل الاجتماعي ملاذ آمن لمرتكبي التنمر الإلكتروني

جرى التوقيع على اتفاقية إسطنبول التي أبرمها المجلس الأوروبي في أكبر مدينة تركية، قبل عشر سنوات تقريباً، وفي عام 2012 أصبحت تركيا أول دولة تصدّق عليها. ولم تكن المعاهدة الملزمة دولياً كافية لمنع جرائم الشرف أو العنف المنزلي في تركيا، لكن النساء والجمعيات الخيرية اعتقدن أنها ضرورية في بلد أصبح فيه كثيرون يجاهرون بآرائهم المعادية للمرأة.

يُنظر إلى انسحاب تركيا من الاتفاقية، التي لم تعُد سارية فيها اعتباراً من الأول من يوليو، على أنه علامة أخرى على أن الدولة ذات الأغلبية المسلمة تتبنى نوعاً من النزعة المحافظة غير المتوافقة مع جيرانها الأوروبيين الذين سعت في وقت من الأوقات إلى إقامة علاقات أوثق معهم.

"تمكين المرأة" يُضيف 20 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي

أيضاً توجد تداعيات على اقتصاد تشكل فيه النساء نحو ثلث إجمالي القوة العاملة. ويكمن الخطر في أنه في بعض العائلات المحافظة، حيث تكون المرأة التي تعمل خارج المنزل منبوذة، يمكن أن تتغير الديناميات، على حد قول غوكسي أويسال، أستاذة الاقتصاد المشارك التي تركز على توظيف النساء.

تقول أويسال: "إذا كان الأزواج لا يريدون لزوجاتهم أن يعملن، فقد يختار بعض النساء البقاء في المنزل لتجنب احتمال التعرض للعنف المنزلي".

في سياق دفاعه عن قرار الانسحاب، أصدر مكتب الاتصالات في الرئاسة التركية بياناً قال فيه إن الاتفاقية لم تعُد متوافقة مع القيم العائلية للبلاد، بعد أن عوّلت عليها مجموعات المثليين، "في محاولة لتطبيع المثلية الجنسية". ولم يستجب الموظفون في المكتب لطلبات التعليق على هذه القصة.

وأثار الانسحاب احتجاجات كبيرة في إسطنبول ومدن أخرى في تركيا، إذ كانت قصص جرائم الشرف وغيرها من أعمال العنف ضد المرأة تتصدر صفحات الأخبار لسنوات، وكانت البلاد تخضع لإغلاق صارم عندما أعلنت الحكومة القرار، وفضّت شرطة مكافحة الشغب المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع، متعللة بإجراءات السيطرة على الوباء.

تلزم المعاهدة الدول الموقعة التحقيق في مزاعم العنف ومحاكمة الجناة. أوزليم، المرأة البالغة من العمر 34 عاماً والمتزوجة من رجل يسيء معاملتها منذ أكثر من عقد، ترجع الفضل إلى الاتفاقية في تعاون الشرطة معها لوضع زوجها وراء القضبان.

تقول أوزليم التي طلبت عدم الكشف عن هويتها إلا باسمها الأول لأنها تخشى انتقام زوجها الذي من المقرر إطلاق سراحه قريباً: "اختفاء المعاهدة يعني أنه لا يمكنني الحصول على الحماية بعد الآن.. وإذا كان لدى المعتدي دفاع جيد فهذا يعني أنه سينجو من العقاب".

توقعات بزيادة الجرائم

يتوقع مؤيدو المعاهدة أن يؤدي انسحاب تركيا إلى زيادة جرائم القتل والانتحار. وتقدر مبادرة "سنوقف قتل النساء" (We Will Stop Femicide) أن في البلاد 300 امرأة على الأقل قُتلن في عام 2020، معظمهن على أيدي شركائهن، إلى جانب العثور على 171 امرأة أخرى لقين حتفهن في ظروف مريبة.

علاوة على ذلك، كانت الاتفاقية بمثابة مظلة لملاجئ النساء والخدمات الاستشارية، فضلاً عن القوانين الوطنية والدولية. "لقد فقدنا كل هذا، كما فقدنا القدرة على تحدي السلطات العامة عندما ترفض التصرف وفقاً للقانون"، حسب ما تقوله ليلى سويدنك، 30 عاماً، عالمة نفس من "مور كاتي" (Mor Cati)، وهي منظمة أنشأتها ناشطات نسوية تركيات.

يبدو أن اللغة المستخدمة في البيان الصادر عن مكتب الاتصالات الرئاسي مصممة لحشد الدعم من الإسلاميين والمحافظين الذين يشكلون العمود الفقري لحزب العدالة والتنمية الحاكم. وتظهر الاستطلاعات الأحدث تأييداً لتعامل الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه مع الاقتصاد، وكيف يستخدم الرئيس سلطته.

لقد تجنّب أردوغان الانتقادات الموجهة إلى هذه الخطوة بالقول إن القوانين المحلية تضمن بالفعل سلامة المرأة. كما أطلق خطة مدتها أربع سنوات لتعزيز التدابير الهادفة إلى مكافحة العنف ضد المرأة. وقال في الأول من يوليو: "مثلما لم تبدأ معركتنا ضد العنف ضد المرأة باتفاقية إسطنبول، فإنها لن تنتهي بانسحابنا منها".

هذا لا يعني كثيراً بالنسبة إلى ألينا تولاي كاكير، 25 عاماً، التي أفرجت الشرطة والنيابة عن زوجها بعد كل اعتداء عليها -رغم الشكاوى الجنائية المتعددة ضده- إلى أن طعنها 20 طعنة قبل بضعة أشهر، لكنها نجت. وقالت: "يمكن لأي شخص أن يفعل ما يحلو له للمرأة.. لا أحد يهتم، هذه هي الرسالة".

وعند مناقشة التأثير المحتمل في الاقتصاد، أشارت أويسال، الأستاذة الأكاديمية، إلى أن تعزيز مشاركة المرأة في العمل، التي بلغت 33% اعتباراً من عام 2019، ليست أولوية في تركيا، فغالباً ما يُنظر إلى الموظفات والعاملات على أنهن يمكن الاستغناء عنهن.

وأضافت أن حزب العدالة والتنمية لا يبدو أن لديه خطة واضحة ومتسقة عندما يتعلق الأمر بالمساواة، على الرغم من التدابير الإيجابية مثل منح الإعانات للنساء في 2008-2009 خلال الأزمة المالية العالمية، وتعديل إجازة الأمومة في عام 2016، والسماح لموظفي الخدمة المدنية -من الرجال والنساء- بالعمل بدوام جزئي حتى يبلغ الأطفال سن المدرسة.

تقول أويسال: "إنهم يمضون خطوتين إلى الأمام، وخطوتين إلى الوراء".

بين اليوم والأمس

في عام 1934، تحت قيادة مصطفى كمال أتاتورك، كانت تركيا من بين الدول الأولى التي منحت المرأة حق التصويت والترشح لمنصب الرئاسة. لكن في العام الجاري احتلت البلاد المرتبة 133 من بين 156 دولة في التقرير العالمي عن الفجوة بين الجنسين، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يعتمد على معايير مثل المشاركة في العمل، والقيادة، والوصول إلى التمويل، والحريات المدنية والسياسية، والتعليم، والصحة.

قالت المحامية سورين إن موكلتها اتصلت بالشرطة التي طلبت من زوجها الذهاب إلى مركز الشرطة، وبدلاً من ذلك -كما تقول- عاد إلى مسقط رأسه. وتضيف أن المدعي العام لم يقبل أقوال المرأة وابنتها، ورفض فتح قضية جنائية، قائلاً إنه لا يوجد دليل كافٍ على أن لديه نيات عنيفة.

المرأة وابنتها وابنها من ذوي الإعاقة الآن تحت حماية مؤسسة خيرية. وتقول سورين: "نُزع الغطاء الأمني النسائي عنهم جميعاً".