المواقف المجانية للسيارات تقتل المدن

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

خلال اتصال عبر تطبيق "زوم" من لوس أنجلوس المشمسة، كان دونالد شوب يصرخ في وجهي بلحية بيضاء كثة، وسترة صوفية بنية اللون، وسماعة على رأسه، ويقول: "أوه، كم هو مروع. عليكِ تحريك سيارتكِ، حتى يتمكنوا من كنس الشارع. أعتقد أن هذا أمر مروع". وأضاف: "للتغلب على الرغبات الأساسية لأشخاص مثلك، (أشخاص مثلي!) عليكِ إعادة الأموال إلى الحي".

قد يهمك أيضاً: معركة إخلاء المنازل الأمريكية من مستأجريها تشتعل مجدداً

لقد بدوت كمن أخطأ في تحريك الملك على رقعة الشطرنج، فأصبح مضطراً للقيام بنقلات إجبارية متتالية. فعندما يتعلق الأمر بالمواقف، يتبين أن امتلاك سيارة في نيويورك هو أمر مزعج بالفعل. تُجبر أعمال التنظيف وكنس الشوارع مرتين في الأسبوع، الكثيرين على التسابق على المواقف المجانية القليلة المتاحة بجانب الرصيف، والتي يتعين عليهم إخلاؤها بشكل متكرر. يشبه الأمر إلى حد كبير لعبة الكراسي الموسيقية. وبالنسبة إلى معظم الناس، فإن المرائب ذات الأسعار الباهظة ليست خياراً حقاً. فالمساحات الشاغرة، هي الطريقة الوحيدة لجعل امتلاك سيارة في نيويورك، يبدو أمراً قابلاً للاستدامة.

إقرأ أيضاً: انبعاثات السيارات المتوقفة.. أزمة تواجه المدن في سعيها لهواء أنظف

لم يكن شوب مستعداً لتحمل الموضوع أكثر من ذلك، ويقول: "على الناس أن يسألوا أنفسهم -هل يريدون خدمة واي فاي مجانية، أم يريدون مواقف سيارات مجانية؟".

لم يقل الكثير، لكن -وحسب تعريفه، فقد كنتُ أنا شخصياً إنساناً يعاني من متلازمة اضطراب ركن السيارات في المساحات المأجورة. هو يصف في كتاباته هذه الحالة بأنها "البداية الحادة لجنون العظمة الشديد، كرد فعل على احتمال دفع رسوم ركن السيارات، ما يؤدي بالمصابين إلى التحدث بلغة متعالية، ويفقدون اتصالهم بالواقع". وبالتالي، فأنا مذنبة حسب التهمة الموجهة إلي.

إقرأ أيضاً: سعر البنزين في أمريكا يتجه لأعلى مستوى منذ 7 سنوات بسبب "إيدا"

هذا الثمانيني الساخر، هو أستاذ أبحاث متميز في قسم التخطيط الحضري بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس. وقد ألّف كتاباً من 765 صفحة حول هذا الموضوع بعنوان "التكلفة العالية لمواقف السيارات المجانية"، صدر عام 2005، والذي يشرح فيه قضيته ضد قرار أمريكا تسليم مساحات شاسعة من الأراضي المجانية، للسيارات. وبين المخططين الحضريين، والأكاديميين، والاقتصاديين، وموظفي الخدمة المدنية، وحتى بعض سكان المدن القديمة المنتظمين، يقف الكتاب باعتباره الحجة الأكثر بروزاً لإعادة التفاوض بشأن علاقاتنا الضارة مع سياراتنا، حيث يعتبر شوب أن ركن السيارات هو الطريقة الأكثر وضوحاً والأقل مناقشة لإحراز تقدم في مجموعة من القضايا التي غالباً ما يتم رفضها باعتبارها مستعصية على الحل، بما في ذلك الإسكان الميسور التكلفة، والاحتباس الحراري، والمساواة بين الجنسين، والعنصرية المنهجية. كما كتب في الكتاب عبارة "كل مواقف السيارات سياسية"، لا سيما لأننا نرفض دفع ثمنها، حيث يقول إنه ناقش تسمية الأطروحة "نهاية مواقف السيارات الآن" (Aparkalypse Now).

إصلاحات بسيطة

في الواقع، يوجد في أمريكا 250 مليون سيارة وما يقدر بملياري مكان لركن السيارات، حيث تقضي 95% من وقتها متوقفة. ولجعل المدن أكثر إنصافاً، وبأسعار معقولة، وأكثر وعياً بالبيئة، يعرض شوب ثلاثة إصلاحات بسيطة:

1. التوقف عن طلب مواقف سيارات بعيدة عن الشارع لمشروعات التطوير العمراني الجديدة.

2. تسعير مواقف السيارات بالشارع حسب القيمة السوقية، بناءً على مدى جاذبية المكان، والوقت من اليوم، وعدد الأماكن المتاحة.

3. إنفاق تلك الإيرادات على المبادرات لتحسين الأحياء المجاورة.

كما يجادل بأنه في حال كان يتعين على الناس أن يدفعوا مقابل ركن السيارات في الشارع، فسيؤدي ذلك إلى توفير المال لدفع تكاليف الإصلاحات المحلية والبنية التحتية، (مثل شبكة الواي فاي المجانية التي كان يتحدث عنها)، وتجميل المدينة. كما سيجعل النقل العام أكثر جاذبية، ويجبر العديد من المتجولين في سياراتهم قرب الرصيف على التوجه مباشرة إلى مرائب السيارات والمواقع الأخرى المأجورة - وهو فوز لجودة الهواء، ومستويات الغازات الدفيئة العالمية، وأولئك الذين مازالوا يلعبون تلك الألعاب التي تزن طنين من الكراسي الموسيقية.

هذا ويعلم أي شخص يعيش في مدينة، أن الجائحة أطاحت بمعظم ما نعرفه عن ركن السيارات في أمريكا. هل كان من الممكن طوال هذا الوقت جعل أماكن ركن السيارات مخصصة للمطاعم؟ وتحويل الشوارع كلها إلى ممرات للمشاة بشكل شبه دائم؟ وخفض حركة المرور بما يكفي لتحقيق تحسينات ملحوظة في جودة الهواء؟ كل ما تطلبه الأمر كان كارثة صحية عامة تحدث مرة واحدة في قرن من الزمن.

سألت شوب عمّا إذا كان قد توقع هذا الامر. فقال لا. ولفترة طويلة، لم يكن هناك أي شخص آخر يتحدث عن ذلك. قال لي: "أول مقال كتبته ويحتوي على عبارة ’ركن السيارات’ كان في عام 1970". أما في هذه الأيام، فيُعد شوب الشخصية الأكثر ذكراً في جميع المحادثات المعاصرة حول إصلاح مواقف السيارات المدنية، وهو الشخص الذي بدأت أفكاره الآن فقط في دخول حيّز التطبيق العملي في عدد قليل من المدن في كل أنحاء البلاد.

منذ 50 عاماً، يحاول شوب إقناع الناس بعدم وجود شيء اسمه مواقف مجانية للسيارات. وإذا كان الموضوع مطروحاً للنقاش أخيراً، فهل من يعانون من متلازمة اضطراب ركن السيارات في المساحات المأجورة، مستعدون للاستماع؟

بحث قديم من الستينيات

يقول شوب: "لا أحد يريد أن يكبر ويذهب إلى موقف السيارات". في الواقع، نشأ شوب في لونغ بيتش، كاليفورنيا، مفترضاَ أنه سيدرس الاقتصاد، وهو ما فعله إلى حدّ ما، حيث اختار اقتصاديات الأرض لرسالة الدكتوراه الخاصة به. ولذلك قام نوعاً ما بدفع نفسه لخوض هذا المجال. ووفقاً لبحثه، تُخصص المدن الأمريكية المزيد من الأراضي لمواقف السيارات أكثر من أي استخدام فردي آخر، بما في ذلك المساحات السكنية والتجارية. هذا ولم يولِ أي من الأكاديميين الكثير من الاهتمام لدراسة السبب وراء ذلك، أو للتحقق مما إذا كان هذا القول صحيحاً. في عام 1968، وبعد حصوله على درجة الدكتوراه من جامعة ييل، قرر شوب الاستمرار في البحث، حيث قال: "بدا الأمر غريباً"، إلا أنه مهم وسري. وتتطلب مثل هذه الموضوعات عناداً. فكما يقول: "غالباً ما يتعين عليك التمسك بمثل هذه المسائل لفترة من الزمن، حتى لو كان ذلك محبطاً".

إقرأ أيضاً: فرض الضرائب على منازل الأثرياء الفارغة لن يحلّ أزمة الإسكان

في هذا القسم، فإن الجدل ضد إعانات ركن السيارات هو منطقي بالتأكيد. وفي العديد من المدن، تتطلب المراسيم التي مضت عليها عقود من الزمن من مطوري العقارات تخصيص قدر معين من المساحة لركن السيارات -عادة ما يكون حجمها صادماً. فأمريكا تملك ما معدله 1000 قدم مربعة من مواقف السيارات لكل سيارة، مقابل 800 قدم مربعة من المساكن للفرد الواحد. ويعزو شوب هذا الوضع المقلوب رأساً على عقب إلى تخطيط المدينة الذي كان بمثابة حسابات تقريبية مرتجلة، حيث يقول: "اعتاد الناس على الاعتقاد بأن متطلبات ركن السيارات كانت مكافئة للأعداد الطبيعية، مثل درجة غليان الماء أو سرعة الضوء. إلا أنها كانت مجرّد تخمينات".

في الواقع، التقى شوب عدداً قليلاً من المسؤولين الحكوميين أو مطوري العقارات أو سكان المدن المتحمسين لجعل مواقف السيارات أكثر صرامة وأغلى سعراً. ولم تبدأ أفكاره في اكتساب ما يشبه قوة الدفع، حتى أواخر التسعينيات، عندما بدأ التدريس في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس والعمل على كتابه بجدية. ومع توظيفه لسلسلة من طلاب الدراسات العليا كمحررين، بدأ العديد من أولئك الذين رأوا الاقتصاد وسيلة لحل مشكلات المدينة الأخرى في مشاركة وجهة نظره بأن فرض رسوم على ركن السيارات سيساعد. وقد التقى أحد هؤلاء المحررين، وهو دوغلاس كولوزفاري، بشوب قبل 20 عاماً، عندما ذهب لتقديم طلب إلى قسم التخطيط الحضري بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، ورأى الأستاذ جالساً في مكتب السكرتارية. "سألني عن المجال الذي كنت مهتماً به"، يتذكر كولوزفاري. وكان جوابه هو جودة الهواء. وإلى جانب طلب التقدم، سلّم شوب الشاب فصلاً من مخطوطته وطلب منه قراءتها.

النقد ضروري

يقول كولوزفاري إن شوب شجعه على انتقاد المخطوطة بقوة، قائلاً: "لقد أراد أن يكون الناس منتقدين قدر المستطاع حتى يتمكن من تحسين الكتاب. وقد أحبّ أيضاً نكاته الواردة فيه". وفي حين لم يرق أسلوب شوب وتعصبه لبعض أقرانه، إلا أن معجبي الأستاذ في الغالب، أصبحوا متحمسين له، ثم مساعدين ينقلون أفكاره إلى المراكز الحضرية في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأماكن أخرى. كما يقدر البعض تأثيره، في حين يرى آخرون أن تخصصه البحثي لم يكن يشهد منافسة كبيرة، حيث يقول مايكل مانفيل، وهو طالب آخر سابق من طلاب شوب: "إن صنع اسم لك من خلال دراسة الازدحام المروري هو أمر صعب، لأن الكثير من الدراسات قد تمت في هذا المجال، إلا أن مجال ركن السيارات، مفتوح على مصراعيه". كما يحذر قائلاً إن هناك جوانب سلبية لكون هذا المجال غير مطروق: "ليس الأمر كأن تكتب مقالاً عن ركن السيارات وتصبح فجأة المتخصص الذي لا مثيل له".

إنه خبير التخطيط الحضري النادر الذي يملك قاعدة معجبين بالآلاف، وشوب هو واحد منهم. فهناك أكثر من 5000 عضو في مجموعة فيسبوك تسمي نفسها "أنصار شوب" (Shoupistas)، وتشمل قائمة أعضائها خريجي جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، والأكاديميين، والاستشاريين، والمسؤولين العموميين من جميع أنحاء العالم الذين يمتدحون الأستاذ على أنه أسطورة، وشخص شغوف، ومرح، وحتى حسن المعشر.

ربما يكون من المدهش أن يقول شوب ومعظم أنصاره الذين تحدثت معهم، إنهم يمتلكون سيارات ويعارضون فقط مواقف السيارات ذات الأسعار المنخفضة. ("لا أُحبّ الدفع مقابل ركن السيارة مثل أي شخص آخر"، كما يقول كيفين هوليداي، الذي أنشأ مجموعة الفيسبوك في عام 2008: "كما لا أُحبّ أن أدفع ثمن الوقود أيضاً"). ولن نتخلص من السيارات في أي وقت قريب، لذلك نحن بحاجة إلى جعل ركن السيارات مفيداً للمجتمعات المحيطة بالمساحات. وعلى الرغم من وجود فرق كبير بين المعجبين الحاصلين على درجات علمية في التخطيط الحضري والمشجعين الذين يمكنهم توقيع مشروعات قوانين، إلا أن العمل الذي بدأه شوب منذ نصف قرن قد بدأ في تغيير السياسة أيضاً.

حتى الآن، وجدت أفكار شوب قبولاً أساسياً بين الليبراليين. وبهدف وضع إصلاحاته موضع التنفيذ، يحتاج المسؤولون إلى البدء من الموقف الذي يعتبر أن السيارات شرّ لا بد منه، كما تقول ليا بوجو، إحدى أنصار شوب التي تعمل كمستشارة لاستخدام الأراضي في أوستن، وركزت على المبادرات الصديقة للبيئة، حيث تقول: "ليس من الرائع أن يكون لديك الكثير من السيارات في المدن، ما يُسهم في تلوث الهواء والبحث طويلاً عن مكان لركن السيارة. هناك حالات معينة تكون فيها الخيار الأفضل، وهذا كله لا بأس به".

في عام 2011، ساعدت بوجو في إنشاء أول مناطق لركن السيارات في أوستن، حيث وضعت المدينة عدادات على مساحات خالية سابقاً في منطقة بالقرب من الحرم الجامعي الغربي لجامعة تكساس –والتي كانت تشهد تدفقاً للطلاب، ولم يكن هناك سكن كافٍ- مع تخصيص العائدات لتمويل ممرات الدراجات وممرات المشاة وغيرها من التحسينات. وقد استطاع سكان الحي اختيار بعض المشروعات، في حين ذهب باقي الإيرادات إلى جهود مماثلة في أجزاء أخرى من المدينة، كما تقول. وفي الواقع، فإن الآراء إيجابية، ويوجد اليوم في أوستن أربع مناطق من هذا القبيل، حيث ستذهب الإيرادات من عدادات مواقف السيارات التي تمت الموافقة عليها مؤخراً بالقرب من مسار الجري الشهير على ضفاف البحيرة جزئياً إلى تمويل المناظر الطبيعية والإصلاحات.

فضلاً عن ذلك، تكون المساحة المخصصة لركن السيارات لدى معظم المطاعم الأمريكية أكبر بما لا يقل عن ثلاثة أضعاف المساحة المخصصة للمطعم ذاته. وخلال الجائحة، أصدرت أوستن، مثل العديد من المدن، تشريعات تسمح للمطاعم بتحويل مساحات ركن السيارات والأرصفة إلى مساحات إضافية لتناول الطعام، حيث تقول بوجو: "كانت هناك كل هذه المطاعم التي أراد الناس الإبقاء عليها. ولم تكن الأزمة هي ما اعتقد الناس أنها ستكون عليه". وعلى الرغم من جراثيم كوفيد، فإن جودة الهواء في أوستن في معظم الأيام، أفضل بشكل ملحوظ مما كانت عليه قبل الجائحة.

"سيقولون جميعاً: حسناً، هذه المقاهي الموجودة إلى جانب الرصيف رائعة جداً. ولم يكن هذا متصوراً من قبل"

تجربة بيركلي

في بيركلي، بكاليفورنيا، نظرت لوري دروست، عضو مجلس المدينة وواحدة من أنصار شوب، إلى ركن السيارات كوسيلة لدعم القدرة على تحمل تكاليف الإسكان. وهذا، في بعض النواحي، تصحيح. وفي ورقة بحثية صاغها منذ بضع سنوات، قدّر شوب أن متوسط تكاليف تشييد هياكل ركن السيارات في عشرات المدن الأمريكية قد بلغ 24 ألف دولارٍ لكل مساحة فوق الأرض و34 ألف دولار لكل مساحة تحتها - أو ما يقرب من ضعفين إلى ثلاثة أضعاف صافي ثروة متوسط ​​الأسرة ذات البشرة السمراء أو الإسبانية في ذلك الوقت. وتميل هذه التكاليف إلى تمريرها إلى المستأجرين، حيث تقول دروست: "بصفتنا أعضاء في المجلس، نكتب الكثير من السياسات، إلا أن المجال الوحيد الذي يمكننا أن نحقق فيه أكبر تأثير في حياة الناس اليومية، هو استخدام الأراضي".

في فترة انتخاب دروست في عام 2014، طلبت مدينة بيركلي مكاناً واحداً لركن السيارات بعيداً عن الشارع لكل وحدة سكنية، وكانت تفكر في إضافة المزيد من الأماكن إلى منطقة وسط المدينة، حيث كانت موجودة بالفعل. وقد رأت دروست أن هذا الاقتراح هو هبة غير ضرورية من المحتمل أن ترفع تكاليف الإسكان. وتقول: "في السنوات الأولى التي كنت فيها عضوة في المجلس، كنت لا أُحتمل في أي نوع من حفلات الكوكتيل لأنني كنت أتحدث مع الناس حول ركن السيارات. وكنت أعلم أن الطريقة الوحيدة التي سأتمكن من خلالها من الحصول على بعض الحركة في هذا الشأن، هي إذا كان لدي اقتراح مثير للسخرية حقاً لتمريره، لذلك أطلقت على مشروع القانون اسم حزمة الإسكان الميسور التكلفة. وبالتالي كيف يمكنكم التصويت ضد ذلك؟"

خلال اجتماع مجلس مدينة بيركلي في وقت سابق من هذا العام، قال المسؤولون إن 60% من الغازات المسببة للاحتباس الحراري في المدينة تأتي من النقل، وقد نما عدد سكان مدينة بيركلي بمقدار 10 آلاف شخص خلال 10 سنوات. وفي الواقع، فإن عدم مطالبة المطورين بإنفاق عشرات الآلاف من الدولارات على أماكن ركن السيارات سيوفر الأموال لبناء مساكن ميسورة التكلفة وتحفيز المزيد من استخدام وسائل النقل العام. يهدف مشروع قانون دروست إلى خفض تكاليف الإسكان والانبعاثات، بشكل أساسي عن طريق إلغاء مطلب مدينة بيركلي بأن يكون لكل منزل مكان مخصص لركن السيارات. "هل نريد مساكن للسيارات أم مساكن للناس؟" كان شعارها. وحتى في بيركلي، ظل مشروع القانون قيد دراسة لجنة التخطيط من عام 2015، حتى وقت سابق من هذا العام، عندما طُرح على التصويت وتم إقراره بالإجماع.

في الحقيقة، إنه ليس مقياساً مثيراً بشكل خاص وفقاً لمعايير معظم الناس، ولكن بالنسبة إلى أنصار شوب، يعد إنهاء متطلبات ركن السيارات السكنية مشكلة كبيرة. والآن، تقول دروست، إنه سيتعين على مطوري مدينة بيركلي طلب الموافقة على إضافة المزيد من مواقف السيارات، والتي تقول إنها ستخفف على الأرجح من ارتفاع التكاليف.

تؤكد دروست أن ركن السيارات في بيركلي لم يتحول فجأة إلى ألم مثل نيويورك؛ حيث يعود ذلك لسبب واحد، وهو أن العديد من سكان بيركلي الذين في سن القيادة اليوم، بما في ذلك العمدة جيسي أريغوين، ليست لديهم رخصة قيادة ولا يبدو أنهم مهتمون بالحصول عليها. من ناحية أخرى، يدرك مجلس مدينة بيركلي المخاوف المتعلقة بالآثار غير المباشرة لقانونها. كما تقول دروست إنه لا يزال يوجد في المدينة الكثير من مواقف السيارات، وسوف تراقب الإمدادات. "لا أحد يقول لك إنه في حال اخترت القيادة، فسيتعين عليك أن تدور حول المبنى مراراً كي تجد مكاناً لركن سيارتك".

ترجمة الأفكار

الجدير بالذكر أن دروست وبوجو، هما من بين حفنة من أنصار شوب الذين تمكنوا من ترجمة أفكار الأستاذ إلى سياسة. وهم يراهنون على أن المزيد من القادة المدنيين سينضمون إليهم قريباً، حيث تقول دروست: "يمكنكم النظر إليّ بوصفي مبشّرة من مبشّري ركن السيارات وتقسيم المناطق؛ لأن ركن السيارات يمسّ كل شيء حقاً".

علاوةً على ذلك، تحاول بعض جهود إصلاح مواقف السيارات الأخرى، إخراج السيارات بشكل كامل من المعادلة. ففي فينيكس المليئة بالسيارات، يقوم مطورو العقارات ببناء حي مساحته 17 فداناً يسمى "كولديساك تيمبي" (Culdesac Tempe)، والذي لن يحتوي على أي موقف سيارات، ونقطة على السطر. (سيتعين على السكان والزوار ركوب الدراجات أو استخدام وسائل النقل العام). وفي العام الماضي، قالت عمدة باريس، آن هيدالغو، إنها تنوي إزالة ما يقرب من نصف أماكن ركن السيارات في المدينة البالغ عددها 140 ألفاً، لصالح أرصفة أوسع وممرات للدراجات، ومساحة أكبر لمشاركة السيارات والدراجات. وقالت هيدالغو، إن هدفها هو جعل المدينة تبدو وكأنها مجموعة من الأحياء، حيث يمكن للناس أن يسيروا على الأقدام لتلبية أي من احتياجاتهم الرئيسية في غضون 15 دقيقة.

في المدن الأمريكية، حيث أصبحت أماكن ركن السيارات مطاعم في الهواء الطلق أو في كثير من الحالات، منازل خشبية طويلة مغلقة، لا تبدو الأمور مستقرة. يقول أنصار شوب إن هذا سبباً إضافياً لمزيد من القرارات الدائمة.

عندما يعود الناس إلى العمل، ويبدؤون في السفر مرة أخرى، وفي الاعتماد على سياراتهم لأداء المهمات، أو مقابلة الأصدقاء، أو الخروج لتناول الطعام، يبدو أنه من المحتم أنهم، كما تعلمون، يريدون استعادة أماكن ركن السيارات هذه. يقول شوب، الذي كانت شهادته الجامعية في الهندسة الكهربائية، إنه واثق من أنه سيكون هناك تأثير طويل المدى. "إذا كان لديك مغناطيس وقمت بتعريضه للفافة كهربائية، فإنه يغير المغناطيسية – حيث يجعلها تتحرك ذهاباً وإياباً"، كما يقول، موضحاً المفهوم ببطء. "لقد غيّر التيار الكهربائي المغناطيسية. لذلك عندما تزيل التيار، لا تعود اللفافة إلى ما كانت عليه؛ أي لا تعود مرة أخرى مثل شريط مطاطي". وهنا توقف ليرى ما إذا كنت أفهم: "لقد تغيرت إلى الأبد".

يقول شوب إنه يأمل أن تكون هذه النظرية صحيحة حتى في الأماكن التي يكون فيها العثور على مواقف مجانية للسيارات رياضة تنافسية. "في المناطق الأكثر كثافة مثل مانهاتن أو بروكلين، سيرون أن ركن السيارات إلى جانب الرصيف ليس هو الاستخدام الأعلى قيمة للأرض". ويضيف: "سيقولون جميعاً: حسناً، هذه المقاهي الموجودة إلى جانب الرصيف رائعة جداً. ولم يكن هذا متصوراً من قبل". كما يُشير إلى أن الفوائد المحلية الفورية هي المفتاح الأساسي. ففي مكان مثل نيويورك، يجب أن يكون رفع أسعار ركن السيارات بناءً على الطلب وساعات الذروة، قضية رابحة في حال تم تخصيص الأموال لتمويل شوارع أنظف وأرصفة أكبر وامتيازات أخرى.

كما يمكن أن يُغفر للمتشككين على الفور، حيث تُعد نيويورك مثالاً رائعاً لمدينة يميل سكانها إلى عدم الثقة –لسبب وجيه– في أن الرسوم الإضافية سوف تجد طريقها بالفعل إلى مشروعات الأشغال العامة الموعودة. (على سبيل المثال، أصبحت قطارات الأنفاق في المدينة أقل موثوقية بشكل مطرد على مدى عقد من الاستثمار المتهور من قبل الحاكم السابق أندرو كومو). وفي أي مدينة، هناك بعض الركاب الذين لا يهتمون بمقاهي الأرصفة، أو الأشخاص الذين يمثل موضوع دفع أسعار مرتفعة في المناطق المركزية المزدحمة مصاعب مالية حقيقية بالنسبة إليهم. لذلك، يمكن لأنصار شوب أن يقولوا فقط إنه في حال كنت تملك سيارة، يمكنك تحمل تكاليف ركنها. وبخلاف ذلك، فإن شخصاً آخر يدفع الثمن.

فضلاً عن ذلك، يقول شوب إنه يؤمن بأن القوس الأخلاقي للكون ينحني نحو مواقف أقل. وهو لا يتوقع أن يعيش ليرى كل أحلامه الإصلاحية تتحقق، إلا أن أنصاره سيشهدون على ذلك، بحسب قوله. معاً، تجاوزوا بالفعل الحد الأدنى المحدد للقلة النسبية في المجال الذي اختاره، حيث يقول: "المواد التي ندرسها في الأوساط الأكاديمية هي هرمية، حيث تبدو الشؤون الوطنية والشؤون الدولية مهمة حقاً، في حين تحتل حكومة الولاية درجة أدنى. وماذا عن الحكومة المحلية؟ هذا المجال ضيق الأفق. وما هو أدنى فصل يمكنك دراسته في الحكومة المحلية؟ إنه موضوع مواقف السيارات بلا شك". وإلى جانب القيمة المجتمعية المحتملة، فقد انجذب شوب إلى أبحاث ركن السيارات منذ كل تلك العقود، لأنه بدا أن هناك الكثير لنتعلمه، ويقول: "طوال هذه السنوات، كنت أتغذى في القاع؛ ولكن يوجد الكثير من الغذاء هناك".