"جلد التكنولوجيا" المزعوم لا يحدث إلا في خيال وسائل الإعلام

مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك
مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك المصدر: بلومبرغ
Leonid Bershidsky
Leonid Bershidsky

Leonid Bershidsky is Bloomberg Opinion's Europe columnist. He was the founding editor of the Russian business daily Vedomosti and founded the opinion website Slon.ru.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

هل تتذكر أن صحيفة الفايننشال تايمز أعلنت في أواخر عام 2018 أن كلمة "جلد التكنولوجيا" (techlash) – أي رد الفعل العنيف ضد شركات التكنولوجيا العملاقة بالولايات المتحدة وكل ما تمثله – هي كلمة العام؟ وقد أضيفت الكلمة أيضاً إلى القائمة المختصرة لكلمة العام التي يعدها "أكسفورد للغات" (Oxford Languages) حتى فقدت مركزها لصالح كلمة "سام" (toxic) فيما بعد. وإذا احتكمنا إلى كمية الدعاية السلبية التي تستفزها هذه الشركات، نجد أن كلمة "جلد التكنولوجيا" مستمرة معنا حتى الآن – لكنها تتحول إلى كلمة خاوية من أي معنى إذا نظرنا إليها من وجهة نظر المستخدمين والأسواق.

الصمود

منذ عام 2018 على الأقل، تتصدر شركة "فيسبوك" جميع الشركات المدرجة على مؤشر "إس أند بي 500" في عدد الأيام التي تواجه فيها مشاعر سلبية نتيجة الأخبار، كما تأتي شركة "غوغل" التابعة لـ"ألفابيت" و"تويتر" ضمن أعلى عشر شركات في نفس القائمة. بلغ متوسط عدد أيام الأخبار السلبية سنوياً لدى "فيسبوك" 255 يوماً في الفترة من عام 2018 حتى نهاية عام 2020، وقد سجلت 157 يوماً حتى الآن في العام الجاري؛ تليها شركتا "غوغل" و"تويتر" بمسافة ليست بعيدة. وتتناقض الضربات المستمرة التي تتلقاها هذه الشركات في الإعلام مع الارتفاع المتواصل في أسعار أسهمها. ففي عامي 2018 و2019، كانت "فيسبوك" هي الشركة المدرجة بمؤشر "إس أند بي 500" التي سجلت أكثر عدد من الأيام التي يرتفع فيها سهمها رغم الأنباء السلبية. وفي عامي 2020 و2021، قفزت "غوغل" إلى مركز الصدارة تليها مباشرة "فيسبوك".

تستطيع أن تنشر أي شيء عن هذه الشركات، ممارساتها في جمع البيانات التي تخترق الخصوصية، ترويجها لآراء سياسية ضارة، والدعاية ضد اللقاح، نفوذها الاحتكاري، تستطيع حتى أن تكتب عن غرامات كبيرة فرضتها الأجهزة الرقابية في أوروبا والولايات المتحدة على هذه الشركات، وعن قضايا وإجراءات تقاضي تتعلق بالاحتكار – غير أن شيئاً من ذلك لن يردع المستثمرين عن شراء أسهمها. فمنذ بداية عام 2018، ارتفع رأس المال السوقي لـ"تويتر" بمعامل 2.8 مرة، وبـ 2.6 مرة لـ"غوغل" ، وتضاعف رأس المال السوقي لشركة "فيسبوك". في نفس الوقت، ارتفع رأس المال السوقي لمؤشر "إس أند بي 500" بنسبة 69% فقط – وكانت هذه السنوات تحديداً هي سنوات انتشار أسوأ الأنباء بصورة منتظمة عن شركات التكنولوجيا الثلاث مقارنة مع أي شركات أخرى على مؤشر "إس أند بي 500".

الثقة

نستطيع القول بأن السوق تفاعلت مع المراكز المالية الممتازة لهذه الشركات – فخلال هذه الفترة، مثلاً، ارتفع صافي دخل "غوغل" بنسبة تزيد عن 30% سنوياً، وبلغ متوسط معدل نمو الأرباح لدى "فيسبوك" ما يزيد على 40% - ولم تتأثر بكل هذه التغطية الإخبارية السلبية. من جهة أخرى، أصبح المستخدمون العاديون ينظرون إلى حيتان التكنولوجيا باعتبارها شريرة. وسجل مؤشر إيدلمان للثقة للعام الحالي أدنى مستوى من ثقة الجمهور في شركات التكنولوجيا في تاريخه، متراجعاً إلى 68% مقارنة بنسبة 76% في عام 2017. فيما يعد معدل الثقة في شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة أقل من ذلك بكثير، حيث بلغ 57%. كما سجلت الثقة في مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات أدنى مستوى في تاريخها.

لا يمكن بسهولة أن يوفق المرء بين مستويات الثقة هذه وبين عدد المستخدمين الذين تفصح عنهم شركات التكنولوجيا للمستثمرين. تؤكد "فيسبوك" أن لديها 1.9 مليار مستخدم نشط يومياً، بزيادة 460 مليون منذ الربع الأول من عام 2018؛ أما "تويتر" فلديها 206 ملايين مستخدم، بزيادة 86 مليوناً. وحتى إذا كانت هذه الشركات تبالغ في أرقامها التي يصعب مراجعتها وتدقيقها من خلال، مثلاً، عدم التدقيق في أرقام المستخدمين ذوي الحسابات المتعددة، فإن الأرباح التي تنمو باستمرار ليست على أية حال نتيجة مغالاة في الأسعار – فهذه التهمة لم تواجهها "غوغل" ولا "فيسبوك" حتى الآن. ولكنها تعكس استمرار الجهات المعلنة في الاعتماد عليها، وهو اعتماد لا يمكن أن يستمر إذا لم تترجم الإعلانات إلى زيادة في حجم المبيعات.

فيسبوك تنتقد هيئة رقابية بريطانية دعتها لبيع "جيفي"

لو اعتبر المستخدمون فعلاً شركات التكنولوجيا الكبرى شريرة، لتخلوا عنها جماعات. قطعاً، يصعب أن نتغلب على تأثير الشبكات، كما كتب مؤخراً زميلي بارمي أولسون، مستخدماً برنامج المراسلة "واتساب" التابع لشركة "فيسبوك"، الذي بدا أنه يفقد المستخدمين بعد تغيير معايير حماية الخصوصية وانتهي به الأمر محققاً ازدهاراً نموذجياً.

إن قوة هذا التأثير قد تكون مرعبة: فعندما فرضت الحكومة الأمريكية حظراً على استخدام شركة "هواوي" لتطبيقات "غوغل"، فإنها قتلت تقريباً نشاط هواتف "أندرويد" التي تتبع الشركة الصينية، وكانت تتصدر السوق آنذاك، ودفعت شركة كانت تنتج أجهزة عالية الجودة إلى التواري في خندق صغير، لأن معظم المستخدمين لا يتصورون الحياة بدون "غوغل". ومع ذلك، تبقى البدائل الناجحة موجودة، حتى في المجالات التي تخضع للاحتكار الشديد مثل محركات البحث على الإنترنت، ناهيك عن خدمة رسائل الهاتف المحمول. كل ما في الأمر أن الأسماء الحالية ليست أقل جاذبية حقيقة لدى معظم الناس من هذه البدائل. فهي ليست شريرة بما يكفي بالنسبة للمستخدم العادي حتى يزعج نفسه بأي تفاصيل على الإطلاق.

ضغوط إعلامية

عندما تتخذ الأجهزة الرقابية إجراء ضد شركات التكنولوجيا الكبيرة، يكون مفهوماً أنها تستجب لتقارير إعلامية – لهذا الطوفان من المشاعر السلبية للأخبار. غير أن وسائل الإعلام هي المنافسة المباشرة لشركات التكنولوجيا الكبرى في صراع على جذب اهتمام الجمهور وأموال الإعلانات. إنني أزعم أننا كصحفيين مدفوعون بطبيعتنا إلى اعتبار "غوغل" و"فيسبوك"، وحتى "تويتر" شركات شريرة، بغض النظر عن محاولة أن نبدو موضوعيين. وسوف أكون أنا أول من يعترف بالانحياز عند التفكير في شؤون هذه الشركات: فهي التي دمرت تقريباً العالم المهني والصناعة التي بدأت فيها ممارسة المهنة والتي بت أفهمها وأحبها. وقد ترعرع كثير من المسؤولين والسياسيين أيضاً في عالمي؛ إن الاستجابة للمشاعر السلبية المتواصلة الناتجة عن وسائل الإعلام من النوع الذي أحاط بشركات التكنولوجيا الكبيرة هي بالنسبة لهم أمر طالما فعلوه.

ومع ذلك، وعندما يتعلق الأمر بالمستخدم العادي، فإن وسائل الإعلام المحترفة بالنسبة له مجرد مصدر آخر غير موثوق للمعلومات. ربما نشمت في تراجع الثقة في شبكات التواصل الاجتماعي، غير أن نفس مؤشر إيدلمان للثقة يكشف عن تراجع الثقة في وسائل الإعلام التقليدية إلى أدنى مستوى منذ عام 2012 على الأقل – لتصل إلى 53% عالمياً، انخفاضاً عن مستوى 63% في عام 2018، عند بداية "جلد التكنولوجيا"؛ وقال 59% ممن استطلع المؤشر آراءهم أن الصحفيين يتعمدون تضليلهم وأنهم أكثر اهتماماً بترويج الأيديولوجيا من نشر الحقائق. لا عجب إذاً وشعور الغالبية على هذا النحو ألا يعطي الناس أهمية تذكر لهجوم وسائل الإعلام على قطاع التكنولوجيا.

"تويتر" تطلق آلية حظر تلقائي للحد من الانتهاكات

حتى نعطي مثالاً حديثاً، كشفت منظمة "بروبوبليكا"، وهي منظمة غير ربحية تدعم الصحافة الاستقصائية، الحقيقة غير المعروفة بأن عمالاً متعاقدين مع "فيسبوك" لا يراجعون فقط الرسائل التي يبلغ عنها المستخدمون كرسائل ضارة أو مؤذية، وإنما أيضاً يراجعون الرسائل التي تظهر مباشرة أمامهم؛ وبدلاً من إنكار هذه الممارسات، تقول "فيسبوك" إن من الطبيعي اختبار السياق عندما تصلنا شكوى، وأن هذا لا يقوض معايير حماية الخصوصية التي يوفرها تشفير الرسائل بين طرفين. وأنا أميل إلى تأييد موقف "بروبوبليكا" باعتباري صحفي – لكن بالنسبة لمستخدم عادي، حتى إذا لاحظت وجود هذا الجدال أصلاً، فإنها تقارن مصدراً غير جدير بالثقة نسبياً مع مصدر آخر يماثله.

في ضوء مناخ الأخبار وسلوك الأجهزة الرقابية، فإن شركات التكنولوجيا بالطبع هي من أكبر جهات الإنفاق على الحملات. وطبقا لمجموعة "أوبن سيكريتس" البحثية المعنية بشئون الشفافية (OpenSecrets)، أنفقت "فيسبوك" 19.7 مليون دولار خلال العام الماضي و9.6 مليون حتى الآن خلال العام الحالي على حملات الضغط. لكن هذه الأموال ضئيلة جداً مقارنة بحجم أعمالها. فإذا كانت عملية "جلد التكنولوجيا" حقيقية، فلن تكفي هذه الأموال للدفاع عن عملاق التواصل الاجتماعي من الغضب الشعبي.

وزارة العدل الأمريكية تستعد لمقاضاة "غوغل" حول احتكار الإعلانات

ستستمر وسائل الإعلام في تفتيت قوة شركات التكنولوجيا، وستهاجمها الأجهزة الرقابية هجوماً مؤلماً في بعض الأحيان. لكنها لن تقوم بتفكيك نموذج ممارسة هذه الشركات لنشاطها الذي تنتابه شكوك عديدة وتقوم عليه صناعة الإعلانات الرقمية؛ كما أن المستخدمين لا يعبؤون كثيراً بشأن اندلاع ثورة تكنولوجية مضادة.

إنني أبحث باستمرار عن بدائل للخدمات التي تقدمها شركات التكنولوجيا العملاقة. وقمت باستبدالها في كل مجال أمكنني ذلك، وسوف استبدل الخدمات التي ما زلت استخدمها بمجرد أن تتوافر أمامي بدائل مناسبة. ومع ذلك، ليس لدي أي أوهام عن قدرة أشخاص مثلي على تقويض قوة شركات التكنولوجيا الكبيرة في السوق بدرجة مؤثرة. إنما يوجد بيننا ما يكفي للحفاظ على بقاء المنافسين الأصغر، وهذا أقصى ما نستطيع. فلنواجه الحقيقية إذاً، إن "جلد التكنولوجيا" ظاهرة ضيقة ومحدودة.