هكذا يُحكِم حزب الله قبضته على لبنان الغارق بالأزمات

مناصرو حزب الله يُلوّحون بالأعلام خلال إحدى المناسبات
مناصرو حزب الله يُلوّحون بالأعلام خلال إحدى المناسبات المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أصبحت المواد الغذائية الأساسية بمثابة أصول سياسية في لبنان المدمَّر اقتصادياً. ولم يستغل أحد "عملة" الوقود، والحليب، والخبز، مثل حزب الله المدعوم من إيران.

فالحزب المُصنَّف إرهابياً من قِبل الولايات المتحدة؛ عزَّز قواته عبر تولي المزيد من الأدوار في دولةٍ تمَّ تجويفها بفعل الاقتصاد المنهار والصراع الطائفي. فمن خلال تقديم الطعام والنقود والخدمات الطبية، وسط انتشار الفقر في دولةٍ كان معظم سكانها في يوم ما من الطبقة المتوسطة، أصبح الحزب الشيعي شريان الحياة بالنسبة للكثيرين.

أمّا على الصعيد الدولي، فيتردد صدى تأثير حزب الله باعتباره أقوى ميليشيا تعمل بالوكالة عن إيران. ففي سوريا، فقد الحزب مئات المقاتلين، لكن من خلال تعاونه مع القوات الروسية خاض معارك معقَّدة يمكن أن يطبقها في ساحاتٍ أخرى. كما أنَّه مازال يتبادل إطلاق النار بشكل متقطع مع إسرائيل، بما في ذلك التبادل المدروس للصورايخ الشهر الماضي الذي لم يسفر عن وقوع خسائر في الأرواح.

يرى منتقدون لحزب الله أنَّه يستفيد من معاناة لبنان، وبالتالي ليس لديه أي حافز لحلِّها. ويقول لبناني، يبلغ من العمر 36 عاماً، وهو أب لطفلين يعارض حزب الله، لكنَّه يعيش في أحد معاقله، إنَّه اضطر للجوء للحزب من أجل البقاء، فقد حصل من أقاربه على بطاقة تمكِّنه من الوصول إلى مستودعات التخفيضات التابعة للحزب في منطقته الشيعية المكدَّسة ببضائع من لبنان، وسوريا، وإيران.

ويُضيف الشاب، الذي لم يذكر اسمه خوفاً: "كنت مضطراً لفعل ذلك، فأنا أعاني من البطالة منذ منذ عام ونصف، وزوجتي لا تعمل.. إنَّهم يمارسون التجويع ضدك كي تلجأ إليهم من أجل الطعام".

من جانبه، يَعتبر حزب الله أنَّ الولايات المتحدة تحاول تحريض اللبنانيين ضده من خلال منع وصول المساعدات للبلاد خلال الأزمة، التي تفاقمت قبل عامين، إذ أطاحت الاحتجاجات ضد النخبة الفاسدة الفاشلة بالحكومة.

وبحسب المسؤول الإعلامي في حزب الله محمد عفيف، فقد "تحوَّل الأمريكيون الآن للضغط من خلال الماء والوقود والبنزين تدريجياً - لأنَّهم لا يستطيعون القيام بذلك فجأةً - للضغط على المجتمع الشيعي وإبعاده عن حزب الله، وهذا ما دفعنا للتدخل، فقد اضطر الحزب لتوفير الطعام، والأدوية، والوقود من خارج النظام".

المقاتلون والدولار

تشكَّلت القوة المسلحة لحزب الله في ثمانينيات القرن الماضي، وهي الآن، بحسب بعض التقديرات، أقوى من الجيش اللبناني.

وأعاقت هيمنة الحزب- المكتسبَة ليس من خلال البنادق فقط؛ لكن أيضاً من خلال شبكة مترامية الأطراف من المدارس، والمراكز الطبية، والخدمات المالية- الاستثمار في لبنان.

فدول الخليج العربي التي تعارض إيران لا تريد أن تقع أموالها في أيدي حزب الله، كما أنَّ تورطه في اليمن إلى جانب الحوثيين المدعومين من إيران؛ أدى إلى توتر العلاقات مع المملكة العربية السعودية، التي كانت ذات يوم مانحة رئيسية للبنان.

وبرغم أنَّه مكروه من جانب كثيرين خارج الطائفة الشيعية، إلاّ أنَّ حزب الله عزز نفوذه من خلال تحالفه السياسي مع الرئيس ميشال عون، وهو مسيحي ماروني، ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

ويرى جوزيف ضاهر، مؤلف كتاب "حزب الله: الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني"، أنَّه بدون توافر أي بديل سياسي، فلن ينقلب المؤيدون والمتعاطفون ضد الحزب. متابعاً: "إنَّهم يريدون أن يعتمد الجميع على الحزب، سواء كان ذلك عبر أعمال تجارية، أو متاجر كبيرة، أو حتى في مؤسسات تعليمية".

بدأت الأسس الاقتصادية اللبنانية في الانهيار عام 2019، بعد عقود من الفساد، وسوء الإدارة. وتخلَّفت الحكومة عن سداد ديون بقيمة 30 مليار دولار، وفقدت العملة نحو 90% من قيمتها مقابل الدولار.

إلى ذلك، أدّى وقوع انفجار هائل في مرفأ بيروت العام الماضي إلى مزيد من الفوضى. وتمكَّن مؤخراً نجيب ميقاتي من تشكيل حكومة جديدة، بعد فشل مصطفى أديب، وسعد الحريري في تشكيلها على مدى 13 شهراً.

الطبقة السياسية

تتحمَّل الطبقة السياسية بأكملها مسؤولية مشاكل لبنان، فقد أدى الفشل في إجراء الإصلاحات إلى تقويض خطة الإنقاذ المحتملة من جانب صندوق النقد الدولي.

في الوقت الذي كان فيه لبنان يعاني من تفاقم انقطاع التيار الكهربائي ونقص البنزين الشهر الماضي؛ أعلن أمين عام حزب الله أنَّ سفينةً تحمل وقوداً من إيران، وهي خاضعة لعقوبات أمريكية، في طريقها لتقديم المساعدة.

لينا الخطيب، من مركز أبحاث "تشاتام هاوس" (Chatham House)، كتبت في تقرير صدر مؤخَّراً أنَّ المحاولات الغربية لتقليص تأثير حزب الله من خلال العقوبات لن تنجح دون إصلاح شامل للنظام السياسي.

لكن كعلامةٍ على محدودية نفوذه داخلياً؛ بدأت الفجوة تتسع بين حياة العديد من اللبنانيين ومؤيدي حزب الله "الأثرياء". إنَّ مقاتلي الحزب أصبحوا أكثر ثراءً خلال الأزمة؛ لأنَّهم يتقاضون أجورهم بالدولار، إذ يتقاضى هؤلاء مرتباتٍ تفوق بـ15 ضعفاً الحد الأدنى لأجور الموظفين. ومع تصاعد الأزمة؛ كافح الحزب في أوقاتٍ عدَّة لتأمين الإمدادات لمجتمعه الخاص.

برأي سامي نادر، رئيس مركز أبحاث معهد المشرق في بيروت: "صحيح أنَّ لدى حزب الله أموالاً أكثر من غيره، سواء عن طريق إيران، أو عبر أنشطة غير مشروعة، وهذا يمنحهم اليد العليا. غير أنَّ الأزمة أظهرت لهم أنَّهم لا يستطيعون أن يكونوا بديلاً للدولة بالكامل.. إنَّهم يعانون أقلّ قليلاً من الآخرين، لكن ذلك غير مستدام".

تُعاني القرى التي تُشكِّل معاقل لحزب الله في جنوب لبنان من نقص الخبز، والطحين، والوقود، والمياه. وفي الشهر الماضي؛ تمَّ إرسال الجيش اللبناني لضبط حركة المرور قرب محطة وقود في بلدة بنت جبيل الحدودية الجنوبية، معقل حزب الله، إذ اصطفت 70 سيارة على الأقل عند محطة الوقود. وعندما نفد البنزين، ترك الناس سياراتهم متوقفة في طابور حتى اليوم التالي.

ويُفصح صاحب متجر في بنت جبيل: "لدينا تحفظات كثيرة على حزب الله بالطبع، لكنَّنا نظل ممتنين لما فعله من أجلنا.. علاقتنا أعمق من ذلك".