محاولات مكافحة التغيّر المناخي لن تمر دون ثمن

ضمان مستقبل مستدام للبشرية يستلزم حدوث بعض الانتكاسات قبل إحراز أي تقدم يذكر

تفوق إيجابيات استخدام شبكات الناموس سلبياتها
تفوق إيجابيات استخدام شبكات الناموس سلبياتها المصور: Paula Bronstine/ Getty Images
Mark Buchanan
Mark Buchanan

Mark Buchanan, a physicist and science writer, is the author of the book "Forecast: What Physics, Meteorology and the Natural Sciences Can Teach Us About Economics."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

حددت الأمم المتحدة في عام 2015، أهداف التنمية المستدامة والتي بلغ عددها 17 هدفًا، لمساعدة البشرية في الحصول على مستقبل أفضل وتقليل نسبة عدم المساواة والقضاء على الفقر المدقع، وحل مشكلة التغير المناخي؛ حيث كان أمل الأمم المتحدة أن تحقق هذه الأهداف بحلول عام 2030.

وللإنصاف يجب الاعتراف بأن هناك تقدمًا مذهلاً تحقق في بعض المجالات، فاليوم على سبيل المثال بلغت نسبة الوفيات بين الأطفال البالغين 5 أعوام (1 من كل 25 طفلًا)، أي انخفض العدد بخمسة أضعاف منذ عام 1960، أما في مجال الكهرباء والماء النظيف فتتزايد أعداد الناس الذين يحصلون عليها كل عام.

مع ذلك، يبدو تحقيق جميع الأهداف بحلول 2030 هدفًا خياليًا بحد ذاته، ليس فقط لعدم إحراز أي تقدم من ناحية مواجهة التغير المناخي، فنسب انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون آخذة بالارتفاع، بل هناك مشكلة أكثر خطورة؛ وهي أن التقدم في الطريق إلى هدف واحد قد يعرقل العمل في أهداف أخرى.

وتظهر دراسة جديدة أنّ السعي وراء بعض الأهداف يؤدي إلى خفض معدل النزاعات وعدم إشعال غيرها، أي أن ترتيب أولوياتنا قد يحرز تغيرًا كبيرًا. ومع ذلك فإن تضارب الأهداف مع بعضها ليس أمرًا غريبًا، فبالإمكان تقليل المجاعات عبر تكثيف الزراعة ولكن ذلك سيضغط على النظام البيئي بكل تأكيد.

كما أن محاربة الملاريا عبر تزويد الناس بشبكات صيد للناموس يمكن أن يؤدي إلى الصيد الجائر للأسماك، على الأقل في الوقت الراهن حيث يجد السكان المحليون استخدامات أخرى للشبكات، وبشكل عام فإن ترابط الحلول ببعضها ليس واضحًا، لننظر مثلاً إلى تقليل نسب عدم المساواة؛ حيث ظهر أنّ لها آثارًا إيجابية على الصحة العامة.

ويُعد استخدام البيانات الواقعية لربط الحلول ببعضها هي المهمة الصعبة، إذ وجد عالما الأحياء "ديفيد لوسيو" (David Lusseau) و"فرانشيسكا مانسيني" (Francesca Mancini) من "جامعة أبردين" (University of Aberdeen)، طريقة لفعل ذلك عبر استخدام البيانات التي جمعتها الأمم المتحدة والبنك الدولي على مدى الـ25 سنة الماضية.

واستخدم " لوسيو" و"مانسيني" البيانات التي ترصد التقدم نحو كل من الأهداف الـ17 ليقدّرا الترابط بينها، سواء كان إيجابيًا أم سلبيًا عند مقارنتها ببعض، ويطلق الباحثان على نتائج هذا التحليل "الاستدامة"، وهي صورة مبنية على البيانات التي تُظهر كيفية تفاعل كل هدف مع الآخر. وتُظهر هذه الصورة بعض الحقائق المعروفة ولكن فيها بعض المفاجآت أيضًا، نستخلص منها 3 استنتاجات مهمة:

أولاً: توجد اختلافات كبيرة بين المجتمعات الغنية والفقيرة، كما تختلف الطرق التي تتفاعل بها الأهداف من بيئة لأخرى، فبالنسبة للمجتمعات ذات الدخل المنخفض الهدف ذو التأثير الأهم، والذي يؤثر إيجابيًا على جميع الأهداف الأخرى؛ هو تقليل نسبة الفقر، أما بالنظر إلى المجتمعات ذات الدخل المرتفع فالهدف ذو التأثير الأكثر إيجابيةً هو خفض نسبة عدم المساواة، لكن بحسب " لوسيو" آلية العمل في الحالتين متشابهة.

ويعمل خفض نسب عدم المساواة في المجتمعات، ذات الدخل المرتفع ولو بنسبة قليلة على توفير مرونة أكبر لملايين الناس كي يتمكنوا من تحقيق أهدافهم وعيش حياتهم بالطريقة التي يريدون، أمّا في المجتمعات ذات الدخل المنخفض فتنطبق عليها النتيجة ذاتها لكن عند خفض نسبة الفقر؛ فالأشخاص الذين كانوا يعانون للبقاء على قيد الحياة أصبح بإمكانهم تحديد الطريقة التي يريدون العيش بها، في كلا الحالتين يسهل على الأشخاص الذين لديهم وفرة في المصادر إيجاد كل من التعليم الجيد والعمل والعيش بطرق تعزز من فرص الاستدامة.

ثانيًا: وجد الباحثان أنّ الوضع في المجتمعات ذات الدخل المنخفض لا يُظهر أي تضارب بين الأهداف، بمعنى آخر؛ إحراز تقدم في أي من أهداف التنمية المستدامة الـ17 يسهم في إحراز تقدم في جميع الأهداف، وهذا أمر مشجع، لأنه يعني أنه لا يزال هناك مجالًا لتحقيق التقدم في الدول الفقيرة، وينبغي أن تساعد الجهود المستمرة في بناء الاستدامة بعدة طرق.

وتوضح البيانات وجود العديد من أوجه التناغم بين الأهداف المختلفة، والتي تفوق أوجه التضارب الموجود على أرض الواقع، كهدف مكافحة الملاريا الذي يهدد الحفاظ على الثروة السمكية على سبيل المثال.

صحيح أن هذه أخبار جيدة، لكن للأسف يحمل الاستنتاج الثالث خبرًا سيئاً؛ حيث تُظهر النتائج أنّ الجهود المبذولة في المجتمعات ذات الدخل المرتفع لمكافحة التغير المناخي أن هناك أثر سلبياً على باقي أهداف التنمية المستدامة، والسبب أن نظامنا لإنتاج الطاقة واستخدامها مهم جداً لجميع نشاطاتنا كبشر، لدرجة أن أي خطوة نحو تغييره تؤدي لإحداث خسائر قصيرة المدى لكنها فادحة.

ويعني ما سبق أن هذه الخسائر القصيرة تقف في وجه تحقيق الأهداف الأخرى، وبهذا نستخلص للأسف أن البيانات المتراكمة على مدى 25 عامًا تظهر عدم وجود أي طريقة خالية من التضارب تجاه تحقيق الهدف المتعلق بالمناخ. وبما أن الدول النامية في طريقها نحو الثراء فهذا يعني أنها ستواجه نفس التحدي.

وفي النهاية، فإن عدم مكافحة التغير المناخي سيجلب الكوارث على المدى البعيد، لكن على المدى القصير أي عمل نقوم به لنكافح التغير المناخي سيعيدنا إلى الوراء من ناحية التقدم في الأهداف الأخرى، بمعنى آخر؛ نحن عالقون في مأزق كبير.