"كوفيد" في طريقه للتحول إلى مجرد فيروس عادي

التعايش مع كوفيد سيكون هو شكل العلاقة مع هذا المرض في المستقبل مع انتشار اللقاحات وزيادة المناعة
التعايش مع كوفيد سيكون هو شكل العلاقة مع هذا المرض في المستقبل مع انتشار اللقاحات وزيادة المناعة المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

فيما مضى قبل كوفيد، غالباً كنت أشعر بالإحباط بسبب ردِّ فعل الأطباء الذي كانوا يقدِّمونه عندما أذهب إلى عياداتهم على أنَّني مصاب بنوع أو آخر من العدوى، إذ كانوا يقولون لي: "إنَّه مجرد فيروس".

ولأنني كنت مفتوناً كثيراً بالعمل البوليسي الذي يمتد إلى تتبُّع أصول وتاريخ العدوى؛ كانت هذه الإجابة دائماً ما تبدو سطحية للغاية بالنسبة لي.

ما هو نوع الفيروس؟.. أين ومتى ظهرت هذه السلالة؟.. وكم عدد الأشخاص الذين أصيبوا بالسلالة نفسها هذا العام؟.. هذه الأسئلة ليست ذات أهمية كبيرة بالنسبة لمعظم الممارسين الطبيين العامين، لأنَّ غالبية الفيروسات ببساطة تقتل نفسها بنفسها كجزء من خلفية العدوى المتوطنة المتكدِّسة التي تنتشر حول العالم كل عام.

وفي مرحلة ما، مع ارتفاع المناعة الناتجة عن اللقاحات، والالتهابات، والجرعات المعززة، سينضمُّ كوفيد- 19 إلى هذا الفريق.

عدوى روتينية

في أوائل العام الماضي، كان العالم بحاجة ماسة إلى رفع إحساسه بالقلق بشأن فيروس"كوف- سارس-2"، والنظر إليه على أنَّه تهديد وشيك، وليس عدوى روتينية مثله كمثل الإنفلونزا.

على الرغم من ذلك، ففي الوقت الحالي يجب على أجزاء الكوكب التي تمَّ تلقيح السكان فيها إعادة ضبط أنفسهم ذهنياً في الاتجاه المعاكس.

وحان الوقت حتى نذكِّر أنفسنا أنَّه بالنسبة لأولئك الذين تمَّ تلقيحهم، لم يعد كوفيد- 19، يمثِّل لهم أحد فرسان نهاية العالم، لكنَّه بدلاً من ذلك أصبح تدريجياً "مجرد فيروس".

هذه إلى حدٍّ كبير المرحلة التي تصل إليها بعض البلدان التي تقدَّمت بأكبر قدر في برامج التطعيم الخاصة بها.

وفي سنغافورة، حيث تمَّ تحصين 81% من السكان بشكل كامل، بدأت وزارة الصحة في إعطاء الأولوية للبيانات المتعلِّقة بدخول المستشفيات بدلاً من العدوى، لأنَّ الغالبية العظمى من الحالات أصبحت حالياً غير خطرة نسبياً.

وتعمل إسرائيل على احتواء زيادة عدد الحالات الجديدة دون العودة إلى فرض الإغلاق على من تمَّ تلقيحهم، لأنَّ الغالبية العظمى من الإصابات لم تعد تؤدي إلى مرض خطير.

من وبائي إلى متوطِّن

قد تكون الدعوات من بعض الجهات لوقف نشر إجمالي الحالات اليومية سابقة لأوانها بالنسبة لمرض ما يزال يقتل آلاف الأشخاص يومياً.

لكن على الرغم من ذلك، ففي مرحلة ما، عندما يتجاوز كوفيد حالته الوبائية الحالية، ويصل إلى المرحلة المتوطِّنة التي يتلاشى فيها بالخلفية، فمن المحتمل أن نحجب أرقام الحالات اليومية أو حتى السنوية، كما هو الحال مع الإنفلونزا.

من الصعب تصديق أنَّ العدوى التي أودت بحياة أكثر من 4.5 مليون شخص يمكن التفكير فيها بهذه الطريقة الروتينية، لكنَّ الفيروسات عبر التاريخ تقلَّبت بين متوطِّنة ووبائية بوتيرة ملحوظة.

وتبين أنَّ جائحة "الإنفلونزا الروسية" التي انتشرت حول العالم في أواخر السبعينيات كانت عبارة عن سلالة إنفلونزا موسمية غير ملحوظة، وقد ظهرت في الفترة بين أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وربما تمَّ إطلاقها للعالم من جديد عن طريق حادث في معمل.

وكان الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 25 عاماً، والذين تعرَّضوا للسلالة في طفولتهم، محصَّنين إلى حد كبير.

أما الحمى الصفراء، التي شكَّلت تاريخ الأمريكتين لمدَّة أربعة قرون من خلال آثارها المدمِّرة على القوات العسكرية الاستكشافية التي تفتقر إلى المناعة، اختفت حالياً إلى حدٍّ كبير من المناطق الحضرية في نصف الكرة الأرضية الغربي، في حين ظلَّت كعدوى مدمِّرة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (إفريقيا السوداء).

قدَّمت دراسة نُشرت في يوليو الماضي بمجلة "مايكروبيل بيوتكنولوجي" حجة مفادها أنَّ سلالة فيروس كورونا التي تسمى (HCoV-OC43) قد تكون مسؤولة عن تفشي عدوى في عام 1889 عرفت أيضاً باسم الإنفلونزا الروسية، التي يمكن القول، إنَّها أول جائحة عالمية حقيقية حديثة.

وتظهر هذه السلالة بصفة خاصة حالياً كأحد الأسباب الرئيسية لنزلات البرد الشائعة، وتعدُّ مثالاً كلاسيكياً على عدوى متوطِّنة يأمر فيها الأطباء بتسريح المرضى بأمان.

لسنا في تلك المرحلة بعد

نحن لسنا في تلك المرحلة بعد. وبرغم أنَّني تلقيت التطعيم بالكامل، وأشعر بالاطمئنان نسبياً بشأن احتمالية التعرُّض أيضاً في وقت ما خلال السنوات المقبلة لكوفيد-19، إلا أنَّ أصدقائي الملقَّحين بالكامل الذين انتقلوا مؤخَّراً من سيدني إلى نيويورك، وأصيبوا بالفيروس في غضون أسابيع من وصولهم، يعانون من عدوى شرسة انتقلت إلى ابنهم الذي لم يصل إلى سن المراهقة، ولم يتم تطعيمه.

هذا هو السبب في ضرورة مواصلة علاج هذا المرض دون استهانة، على الأقل حتى يتاح للجميع فرصة التطعيم، ويكون لدينا مؤشر أوضح حول مدى استمرارية الحماية من حالات العدوى الخطيرة.

سيظل هذا البلاء الرهيب معنا دائماً، لكن بشكل أكثر اعتدالاً، وأقل إثارة للقلق. وبعد صدمة العامين الماضيين؛ من الصعب تصديق أنَّنا سننظر إلى هذا الاحتمال برباطة جأش، لكن هذا ما يجب أن يحدث في النهاية.

لن تكون اللحظة التي هزمنا فيها كوفيد هي اللحظة التي نقضي فيها عليه بين جموع البشر؛ لكن عندما نصل إلى مستوى من المناعة الطبيعية والتطعيم إلى درجة

لا يعود لدينا أي سبب للخوف منه.

ستأتي تلك اللحظة.. وعندما تأتي، ستكون حتى هذه العدوى الرهيبة مجرد فيروس آخر.