السباق بين اللقاحات والسلالات الجديدة.. صراع البشرية مع "كوفيد" لن ينتهي قريباً

مركز لإجراء فحوص كورونا داخل السيارات في ولاية كنتاكي الأمريكية
مركز لإجراء فحوص كورونا داخل السيارات في ولاية كنتاكي الأمريكية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

إذا كان هناك من يعلق أمله على انتهاء كورونا خلال الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة، فإن العلماء يحملون أنباء سيئة له، ألا وهي: سيكون علينا جميعاً الاستعداد لمواجهة المزيد مما سبق.

سيدفع التفشي الوبائي من جديد نحو إغلاق المدارس وإلغاء الصفوف، فيما ستتجدد مخاوف الإصابة بالفيروس لدى نزلاء دور الرعاية ممن سبق وتلقوا اللقاح. في حين سيوازن الموظفون مخاطر العودة إلى المكاتب بعد أن تمتلئ المستشفيات مجدداً بما يفوق طاقتها الاستيعابية.

كيف نفهم بيانات "كوفيد" الكثيرة والمتباينة؟

أخطار تطال الجميع

يتفق الخبراء على أن جميع الناس إمّا سيصابون بالعدوى أو سيتلقون اللقاح قبل انتهاء الوباء، وربما بالأمرين معاً. حتى أن بعض الأشخاص سيئي الحظ قد يصابون بالفيروس أكثر من مرّة. فالسباق بين موجات التفشي الوبائي التي تتسبب بسلالات متحولة جديدة، والمعركة نحو تلقيح سكان العالم لن تنتهي قبل أن يمسّ فيروس كورونا كل شخص منا.

في هذا الصدد، يقول مايكل أوستيرهولم، مدير مركز البحوث والسياسات للأمراض المعدية في "جامعة مينيسوتا" في مينيابوليس. وأحد مستشاري الرئيس جو بايدن: "أرى أعداد الإصابات ترتفع حول العالم، ثم تعود وتنخفض بشكل حاد نسبياً"، وأضاف:

أعتقد أنه من المحتمل جداً أن نرى ارتفاعاً آخر في الإصابات خلال الخريف أو الشتاء

بما أن مليارات الأشخاص حول العالم لم يتلقوا اللقاح بعد -في حين يبدو احتمال القضاء على الفيروس ضئيلاً جداً- يمكن أن نتوقع المزيد من التفشي الوبائي في الصفوف المدرسية، وفي وسائل النقل، وأماكن العمل، خلال الأشهر المقبلة، في ظلّ التوجه نحو إعادة فتح الاقتصادات. فعلى الرغم من ارتفاع نسب التطعيم، يبقى هناك أشخاص عرضة للفيروس، مثل الأطفال حديثي الولادة، والأشخاص غير القادرين على تلقي اللقاح، أو غير الراغبين بتلقيه، أو الأشخاص الذين على الرغم من تلقيهم اللقاح إلا أنهم يصابون بالعدوى مع انخفاض مستوى الحماية الذي يؤمّنه اللقاح لهم.

مستوى الأجسام المضادة يدخل مرحلة المنافسة بين "فايزر" و"موديرنا"

يتوقع أن تكون الأشهر القليلة المقبلة صعبة، بالأخص في حال نشوء سلالة متحولة مقاومة للقاح. إلا أن ذلك ليس الخطر الوحيد الذي يترصد بنا. ففي الأشهر المقبلة، ستغوص "بلومبرغ" في التأثير بعيد المدى للفيروس على الاقتصادات والأسواق وقطاعات مثل الصناعات الدوائية والسفر وغيرها.

يقول أوستيرهولم: "سنرى ارتفاعات وانخفاضات، على الأقل خلال السنوات القليلة المقبلة فيما يتم إنتاج المزيد من اللقاحات التي ستساعدنا. ولكن التحدي سيكون متعلقاً بمدى حجم الارتفاعات والانخفاضات في الحالات، والزمن الفاصل بين كل ارتفاع وانخفاض"، وأضاف: "نحن لا نعرف ذلك. ولكن يمكنني أن أقول لكم إن كورونا بمثابة حريق غابات لن يتوقف إلى أن يجد كلّ الحطب البشري القادر على حرقه".

"كوفيد" والأوبئة الأخرى

تقدم أوبئة الانفلونزا الخمسة الموثقة جيداً -التي حصلت خلال السنوات الـ130 الماضية- لمحة حول المسار الذي يحتمل أن يسلكه وباء "كوفيد–19" بحسب لون سيمونسين، اختصاصية الأوبئة وأستاذة علوم صحة السكان في "جامعة روسكايلد" في الدنمارك، التي تتمتع بخبرة واسعة في المدّ والجزر الذي يتخلل مثل هذه الأوبئة.

وتقول سيمونسين إن أطول تفش لوباء الإنفلونزا بقي لمدّة خمس سنوات، وقد استمر بضرب البشرية بشكل أساسي على موجتين إلى أربع موجات من الإصابات، خلال معدل عامين إلى ثلاثة أعوام. ويبدو أن "كوفيد" هو من الأوبئة الأكثر شدّة، إذ يشارف العام الثاني من التفشي على الانتهاء، ولا يزال العالم يتخبط وسط موجة وبائية ثالثة، فيما لا يبدو أن النهاية قريبة.

ثمّة احتمال أيضاً ألا يتبع فيروس "سارس–كوف–2" المسار الذي سلكته الأوبئة في الماضي. فهو عامل جديد من حيث كونه مسبباً للمرض جديد ومختلف عن غيره، كما أنه على الأرجح أكثر قدرة على الانتقال. وقد أدّى الفيروس حتى اليوم لوفاة أكثر من 4.6 مليون شخص، وهو يعتبر أكثر فتكاً بمرتين من أي تفش وبائي آخر منذ الانفلونزا الإسبانية التي حصلت في عام 1918.

على الرغم من الموجات الأولى القاسية ومعدلات التلقيح العالية نسبياً، إلا أن دولاً مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وروسيا، وإسرائيل تسجل مجدداً أعداداً قياسية من الإصابات. وفيما يسهم التلقيح في خفض نسب الحالات الخطيرة والوفيات، إلا أن اتساع رقعة الإصابات يعني أن الفيروس بات يصل إلى صغار السنّ والأشخاص الآخرين غير الملقحين، ما يؤدي إلى ارتفاع نسب الإصابة بأمراض خطيرة وسط هذه المجموعات.

في غضون ذلك، تشهد الدول التي سجلت معدلات تلقيح منخفضة، مثل ماليزيا، والمكسيك، وإيران، وأستراليا، أكبر تفشٍ وبائي حتى الآن، تغذيه سلالة "دلتا" المتحولة شديدة العدوى. ومع خروج الفيروس عن السيطرة في مناطق واسعة حول العالم، يمكن لسلالة متحولة جديدة أن تنشأ.

1.2 مليار جرعة لقاح "كورونا" فائضة عن حاجة الدول الغنية.. أين ستذهب؟

بحسب سيمونسين، اختصاصية الأوبئة، فإن التاريخ يثبت لنا خطأ الاعتقاد السائد بأن الفيروسات تخفّ حدتها مع مرور الوقت حتى تتجنب القضاء على كامل الأجسام المضيفة لها. حيث تقول إنه على الرغم من أن السلالات المتحولة الجديدة ليست دائماً أشد قسوة من تلك التي تسبقها، إلا أن "الأوبئة يمكن أن تصبح أكثر فتكاً خلال الفترة الوبائية، فيما يكون الفيروس يتأقلم مع مضيفه الجديد".

الأمل باللقاحات

في بداية تفشي وباء كورونا، كان هناك سبب وجيه للأمل بأن تؤمّن اللقاحات حماية على المدى البعيد، تماماً مثل اللقاحات في الطفولة التي تحمي من الأمراض مثل شلل الأطفال.

هذا ومن المعروف حالياً أن فيروسات كورونا تتمتع بآلية "تدقيق" تتولّى تصحيح الأخطاء الفطرية التي قد تنتج بها حين يتكاثر الفيروس، وهو ما يحدّ من خطر نشوء السلالات المتحولة مع انتقال الفيروس من شخص إلى آخر.

إلا أن أعداد الإصابات كانت هائلة جداً حول العالم، لدرجة أن السلالات المتحولة نشأت على الرغم من هذه الخاصية التي يحظى بها الفيروس.

في هذا الصدد، قالت كانتا سوباراو، مديرة المركز المتعاون مع منظمة الصحة العالمية للمراجع والأبحاث حول الإنفلونزا في "معهد بيتر دوهرتي" المتخصص بالعدوى والمناعة في ملبورن: "الوباء يتمتع بقدرة هائلة على التسبب بالعدوى، وهو ما أدى إلى زعزعة القدرة على القيام بالتدقيق".

بالتالي، يمكن أن يصبح "كوفيد-19" مثل الانفلونزا، ما يعني أنه يتطلب تجديد اللقاحات بشكل منتظم لتبقى فعّالة وتواكب تطور الفيروس.

يتوقع بعض الباحثين أن يصبح فيروس "سارس–كوف–2" مقاوماً بشكل كامل للجيل الأول من اللقاحات. وفي هذا الإطار، أشارت دراسة أجريت في اليابان، لم تنشر أو تتم مراجعتها من النظراء بعد، إلى أنه تم رصد تحولات خطيرة في السلالة المتحولة "دلتا" ضمن قواعد البيانات التي تستخدم من أجل تتبع مثل هذه التطورات. إلا أن التقارير عن السلالات الحالية القادرة على التسبب بالإصابة على الرغم من اللقاح أو التسبب بمعدلات مرتفعة من الوفيات لم تجتز حتى الآن مرحلة للتدقيق المكثف.

معدل الإصابات في إسرائيل يقدم نموذجاً عن مستقبل "كوفيد" للعالم أجمع

تقول سيمونسين: "هذا السيناريو الذي نأمل ألا يحدث"، مضيفة: "يا إلهي، سوف نضطر لخوض الأمر كلّه مجدداً".

وتشمل المخاطر التي قد تطرأ في الأشهر المقبلة نشوء سلالة جديدة من الانفلونزا أو فيروسات كورونا الأخرى التي قد تنتقل من الحيوانات إلى البشر.

وقالت سوباراو: "طالما أن الحيوانات تشكل مخازن لفيروسات كورونا، ثمة احتمال أن يظهر فيروس كورونا آخر من منشأ حيواني في المستقبل"، وأضافت: "بعد أخذ الأمر في عين الاعتبار، هناك خطر بأن نكون لا نزال نتعامل مع (الفيروس) الحالي حين ينشأ الفيروس التالي".

كيف سينتهي "كوفيد"؟

الواضح أن الفيروس لن ينتهي خلال الأشهر الستة المقبلة. إذ يتفق الخبراء بشكل عام أن التفشي الحالي سينحسر حين يكوّن معظم السكان، أي ما بين 90 و95% منهم، درجة ما من المناعة، سواء بفضل التلقيح أو الإصابة السابقة. وهم يرون أن العامل الأساسي يجب أن يكون اللقاحات.

وقالت سيمونسن: "بدون اللقاح سنكون هدفاً سهلاً، لأن الفيروس سوف ينتشر بشكل واسع ويصل إلى الجميع في هذا الخريف أو الشتاء".

بحسب مؤشر تتبع اللقاحات من "بلومبرغ"، تم إعطاء أكثر من 5.66 مليار جرعة من اللقاحات حول العالم، إلا أن نجاح حملات التلقيح في بعض المناطق مثل الاتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية والصين يخفي الفشل في مناطق أخرى. ففي معظم الدول الإفريقية، نسبة الأشخاص الذين حصلوا على جرعتين من اللقاح لم تتجاوز ـ5%، فيما أعطت الهند اللقاحات لما نسبته حوالي 26% من السكان فقط.

وبحسب إيريكا تشارترز، الأستاذة المساعدة لمادة تاريخ الطب في "جامعة أوكسفورد" ومنسقة مشروع يبحث في كيفية انتهاء الأوبئة، فإن الوباء سينتهي بأوقات مختلفة باختلاف المناطق الجغرافية، كما حصل مع الأوبئة التي سبقته. وقالت إن على الحكومات أن تقرر حجم الوباء الذي يمكنها التعايش معه.

كذلك، تختلف الأساليب المعتمدة لمواجهة الفيروس من مكان إلى آخر. ففيما لا تزال بعض الدول تحاول بلوغ صفر حالات "كوفيد"، من المستبعد أن يتمكن العالم من القضاء على الفيروس كلياً.

بعض الدول مثل الدنمارك وسنغافورة التي تمكنت من احتواء الفيروس إلى حدّ ما، باتت تتجه نحو مستقبل ما بعد الوباء من خلال التخفيف من قيود السلامة. أمّا بعض الدول الأخرى، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فأعادت فتح اقتصاداتها على الرغم من تسجيل معدلات قياسية من الإصابات.

في غضون ذلك، تعهدت الصين وهونغ كونغ ونيوزيلندا أن تحافظ على التيقظ من أجل القضاء على الفيروس محلياً، بالتالي، قد تكون هذه الدول من آخر المناطق التي تزيل قيود التصدي للوباء.

تضيف تشارترز: "العملية النهائية لن تكون موحدة"، مضيفة أن الوباء: "ظاهرة بيولوجية، ولكنه أيضاً يعد ظاهرة سياسية واجتماعية"، و"حتى الآن، يتم اتباع طرق مختلفة للتعامل مع الأمر".

لذا على الأرجح سيكون الأمر فوضوياً وسيخلّف الوباء إرثاً سيستمر لسنوات. وإلى ذلك الحين، على أغلبنا الاستعداد لعيش المزيد من الأشهر تحت سيطرة الوباء.

من جهته، دعا أوستيرهولم الجميع للمراقبة "بعينين مفتوحتين، وقدر كبير من التواضع"، وتابع: "كل من يعتقد أننا سوف نتخطى هذا الأمر خلال أيام أو أشهر، فهو مخطئ بشكل مؤكد".