قطر قد تعاني لتقديم طالبان "الجديدة" للعالم

مقاتلو طالبان على مشارف مطار كابول في 31 أغسطس
مقاتلو طالبان على مشارف مطار كابول في 31 أغسطس المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعدما أحكمت طالبان قبضتها على كابول، وتوجّه عشرات الآلاف من أهل العاصمة الأفغانية إلى المطار، كانت قطر أول من فتحت أبوابها للاجئين، لترسّخ نفسها بذلك سريعاً كجهة الاتصال الرئيسة بين الغرب والمنظمة الموسومة بإيواء أسامة بن لادن.

منذ ذلك الحين، نقلت الولايات المتحدة وبريطانيا سفارتيهما في أفغانستان إلى الدوحة، وأشاد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن بالدور الحيوي لقطر. إلاّ أن العلاقة المضنية التي تم ترتيبها على مدى العقد الماضي قد تتحوّل بسرعة إلى عبءٍ على قطر، في حال فشلها بتقديم الصورة الجديدة لطالبان التي روّجت لها دولياً، وهي صورة أكثر ترحيباً بالمرأة وأقل احتضاناً للإرهاب.

لطالما كانت روابط قطر بحركة طالبان والجماعات الإسلامية الأُخرى مصدراً للتوتر مع جيرانها وللقلق مع حلفائها الغربيين. وفي ظل انهيار الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة ورحيل القوات الأميركية، لم يكن لدى القوى الغربية سوى القليل من القنوات للاتصال بالممثلين السياسيين لطالبان.

من خلال استضافتها للمحادثات مع طالبان، اكتسبت قطر ثقة قادتها السياسيين. ويُفصح أحد الدبلوماسيين الخليجيين بأن نحو 500 إلى 600 من أفراد طالبان يعيشون في مدينة الدوحة مع أسرهم، ومنهم رئيس الجناح السياسي للحركة الملا عبد الغني بارادار، الذي أجرى محادثاتٍ في فنادق العاصمة القطرية الفخمة من فئة 5 نجوم.

الجناحان السياسي والعسكري

وفّرت الدوحة لطالبان منصة لإعادة تقديم نفسها باعتبارها أكثر اعتدالاً واستعداداً لتولّي الحكم، من خلال قناة الجزيرة التلفزيونية. في المقابل، منح ذلك قطر فرصةً لتعزيز مكانتها كلاعب جاد على المسرح الدولي، وهي التي تمكّنت من تقوية علاقاتها مع إيران والجماعات الإسلامية، بموازاة كونها مقرّاً إقليمياً للعمليات العسكرية الأمريكية.

إلاّ أنه من غير الواضح كيفية قيام قطر بسد الفجوة بين قادة طالبان الذين استضافتهم المُعتنقين لصورة الحركة الجديدة، وبين الجناح العسكري الأقرب إلى باكستان، البلد المجاور لأفغانستان والذي يلعب دور الوسيط السياسي منذ فترة طويلة، ولا يرى حاجةً مُلحّة لتعديل دوره القائم.

إلى ذلك، هناك تباعد في الذهنية بين قطر وأفغانستان، على عكس حال الأخيرة مع باكستان، وفقاً لدبلوماسيين غربيين. حيث وجد القطريون صعوبة في التعامل حتى مع بارادار، المعارض للباكستانيين، بحسب دبلوماسي، رفض الكشف عن هويته. وفي الواقع، لا تُعتبر باكستان، الطرف الوحيد المهتم بالوضع الأفغاني، إذ أن أفغانستان غير الساحلية محاطة بجيران أقوياء مثل إيران والصين المعنيتان بمصيرها أكثر من قطر البعيدة عنها.

ترى جين كينينمونت، محللة شؤون الشرق الأوسط في "شبكة القيادة الأوروبية" البحثية، أن "قطر تُعدُّ قناة هامة بين طالبان وبقية العالم، لكنها لا تمتلك التأثير العميق الذي تحوزه باكستان على الحركة. فقد ركّزت علاقة الدوحة بطالبان بشكلٍ كبير على الوساطة والعلاقات الدولية، وهي بذلك تؤثر على جزء محدد من الحركة، يتمثل بالفئة التي ترغب في التفاعل مع العالم الخارجي، فتلعب قطر من خلال شبكة علاقاتها دوراً في حصولهم على الدعم وقيامهم بالصفقات".

عبء ثقيل

أعلنت الحكومات الغربية أن أي علاقة مع النظام الأفغاني الجديد ستكون مشروطة بالسماح بمرور آمن للذين يرغبون بالخروج من كابول، وبتدفق المساعدات الإنسانية، وعدم تحوّل البلاد إلى ملاذ للمنظمات الإرهابية، واحترام حقوق الإنسان، وتشكيل حكومة شاملة.

مع ذلك، لا يوجد دليل على قدرة قطر في التأثير على نهج طالبان بما يتعلّق بتعليم النساء والفتيات، رغم أن الأسرة القطرية الحاكمة حدّدت ذلك كأولوية.

وبينما قال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إن بلاده تعمل مع طالبان وتركيا لاستئناف تشغيل مطار كابول، لكنها لم تُقنِع طالبان حتى الآن بقبول نقطة شائكة رئيسية، تتمثل بالموافقة على تواجد فريق أمني أجنبي في المطار.

لم تستجب الحكومة القطرية لطلب بلومبرغ بالتعليق على علاقاتها مع طالبان.

منافسة باكستان

إدراكاً منها للحدود التي تحكم حركتها، ركّزت قطر بشكل أقل على محاولة إحداث تغيير في موقف طالبان، وبشكل أكبر على استخدام أموالها الضخمة لشراء النفوذ في منطقة ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للقوى الكبرى، وفقاً لمصدر آخر مُطّلع، طلب عدم الكشف عن هويته نظراً لحساسية الموضوع.

تتمتع قطر، أكبر مُصدّر للغاز في العالم وإحدى أغنى الدول، بالنفوذ المالي بموازاة توفر جماعات ضغط لديها في واشنطن، وهو الأمر الذي تفتقر إليه باكستان. هذا الأمر أصبح أكثر أهمية لطالبان، في ظل إحجام الحكومات الغربية والمنظمات الدولية عن دعم نظام لم يثبت حتى الآن أنه يختلف عن ذاك النظام المنبوذ دولياً في تسعينيات القرن الماضي.

وفي حال أصبحت أفغانستان ملاذاً للإرهابيين مرة أخرى، يُمكن أن تتحول روابط قطر مع طالبان إلى مشكلة سريعاً.

وكانت السعودية قد تعرضت لانتقادات لاعترافها بنظام طالبان في التسعينات، وهو الذي استضاف تنظيم القاعدة قبل هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة. لكن حكام الخليج ينظرون اليوم إلى أي حركة سياسية إسلامية باعتبارها تهديداً للأمن الوطني ولحكمهم المتوارث. وبالتالي، يراقبون بقلق سياسة قطر الخارجية عالية المخاطر.

وبرأي كينينمونت: "يُمكن لقطر أن تجد نفسها بوضع محرج بسهولة، وقد ترغب بأن تنأى بنفسها عن طالبان أو على الأقل عن بعض قادتها. ومع أن بعض أعضاء طالبان يستخدمون الآن لغة تستميل العالم، لكن من غير الواضح ما إذا كان هذا المظهر الجديد أشبه بإعادة رسم لعلامة تجارية".