مشاريع الطرق السريعة ليست دائماً مفيدة

مشروع طريق يحمل تكلفة مرتفعة دون جدوى اقتصادية
مشروع طريق يحمل تكلفة مرتفعة دون جدوى اقتصادية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

فيما قد يكون حقيقة طريفة، منذ قرنٍ من الزمن فقط، كان المصطلح الإنجليزي "boondoggle" يشير إلى سوار من الأشرطة يقوم بصناعته الأطفال خلال ألعابهم، وتعرف بأنها تستغرق الكثير من الوقت لحياكتها. وقد اكتسب هذا المصطلح معنى اقتصادي آخر في منتصف الثلاثينيات، بعد أن أعلنت تقارير إخبارية عن برنامج فيدرالي جديد يدفع للعاطلين عن العمل كي يتعلّموا حرفةً ويعلّموها بدورهم للشباب المحرومين. وهو ما حفز نقاد الرئيس روزفلت حينها، بينما استمرت إدارته بالدفاع عن هذه السياسة واستمرت بتطبيقها، ومع الوقت أصبح هذا المصطلح مرادفاً للإنفاق الحكومي عديم الفائدة.

وبعد حوالي 100 عام، اتّخذت المناقشات بشأن ما يشكّل نفقات تبذيرية منحاً فلسفيا بشكل أكثر حدة، ففي الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة أزمة صحية عامة وظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، تبرز بعض المشاريع في البلاد، والتي تطرح الأسئلة حول مدى فائدتها.

7 مشاريع بلا هدف

ويعدّ التقرير السنوي السادس الصادر هذا الشهر عن مجموعة أبحاث المصلحة العامة (PIRG)، والذي تناول مشاريع بناء الطرق السريعة عديمة الفائدة، مثالاً على ذلك. حيث أشار التقرير إلى "سبعة مشاريع بناء طرق سريعة مُستهلِكة للميزانية، ومن المقرّر أن تكلّف ما مجموعه 26 مليار دولار. وبحسب التقرير ستؤذي هذه المشاريع المجتمعات والبيئة، في حين أنه من المتوقع أن تفشل في تحقيق أهداف نقلٍ مفيدة فعليا.

وفي حين غالباً ما تحظى الطرق السريعة على الضوء الأخضر مقابل التكلفة باهظة الثمن، لأنها تتطلّب تحديثات هندسية أو صيانة عالية. إلا أن المشاريع المذكورة في قائمة مجموعة "PIRG" تتخطى تكلفتها هذه الحاجات الأساسية والضرورية.

وتماماً كتقارير المجموعة السابقة والتي دائما ما تستعرض المشاريع العديمة الفائدة، يسلّط هذا التقرير الضوء على المشاريع الممولة من دافعي الضرائب في الولايات المتحدة. والتي تستهلك الموارد البيئية، وتخترق المجتمعات، وتحبس عقوداً من الانبعاثات الكربونية الجديدة. وبحسب مجموعة (PIRG)، فإن مساهمة هذه المشاريع الاقتصادية ضئيلٍة. ويأتي تقرير 2020 هذا في وقتٍ تضرب فيه الجائحة المستمرة الحكومة والميزانيات المحلية بصورةٍ عنيفة، وتعيد تنظيم أنماط السفر والتنقل على نحوٍ دراماتيكي.

مشاريع نقل بلا حاجة للتنقل

إنّ أكبر مشروعٍ على القائمة هو مشروع طريق (M-CORES) في فلوريدا، وهو مخططٌ يمتد على مساحة 330 ميلاً وتبلغ تكلفته 10 مليارات دولار. ويهدف لبناء ثلاثة طرقٍ خاضعة للرسوم المرورية، تمرّ بريف فلوريدا الجنوبي الغربي ووسطها. وقد وجدت فرقة عمل حكومية مؤخراً أنّه ما من "حاجة محددة" لأي من هذه الطرق التي ستمر عبر مناطق حساسة بيئياً، ولُقّب المشروع الضخم بـ"شارع الملياردير" من قبل النقاد، الذين وصفوا تكلفة إنشائه بكونها بمثابة تبرع بالأموال لمتعهدي البناء.

هناك أيضاً الطريق الجانبي الشرقي في سينسيناتي، وهو طريقٌ سريعٌ بتكلفة 7.3 مليار دولار من المقرّر أن يحاوط الجانب الشرقي من سينسيناتي. ويتألف الطريق من أربعة ممرات ممتدة على طول 120 كيلومترا، وكان قد اقتُرح أساساً كبديلٍ عن الجسر القديم المؤدي إلى وسط المدينة، وهو مصممٌ لتحويل الشاحنات عبر المنطقة بشكل يخفف الاحتقان على السائقين المحليين، وذلك بحسب مؤيدي المشروع.

إلا أنّ التقرير أفاد بأنّه من المتوقع أن يضيف الطريق السريع المئات من رحلات السيارات يوميا، ما سيعزز التمدد الجغرافي ويعارض أهداف سينسيناتي المتمثلة بزيادة "التوجه نحو استخدام وسائل النقل العامة" وخفض استخدام الوقود الأحفوري بنسبة 20٪.

ولن تكتمل أي مناقشة تطال السياسة الخاصة بالطرق السريعة بدون مساهمةٍ من تكساس. حيث إنّ مشروع توسيع الدوار 1604 الذي تبلغ تكلفته 1.36 مليار دولار في سان أنطونيو، سيزيد بين أربعة وستة ممرات إضافية على طريقٍ سريعٍ قائم أصلا من أربعة ممرات على مساحة 37 كيلومترا. وتقول وزارة النقل في تكساس إنّ الممرات الجديدة ضرورية لمجاراة النمو السكاني، إلا أنّ مخططي النقل يقولون إنّ مبدأ الطلب المحفّز سيلغي المزايا بينما يتسبب بالتلوث. وينظر تقرير مجموعة "PIRG" إلى الموضوع من هذا الجانب: "إنّ طاقة الاستيعاب الإضافية تتسبّب بالمزيد من القيادة والتلوث".

مشاريع تخلق أزمات مالية

ويختلف وضع هذه المشاريع، حيث إنّه في حين سُمِح لبعضها بتلقي الأموال الحكومية، لا تزال مشاريع أخرى قيد التدقيق من قبل المخططين والمحللين البيئيين. وقد يتم إيقاف بعضها بسبب الأزمات المالية التي تواجه حكومات الولايات نتيجة الجائحة، والتي شهدت أعلى نسبة بطالة منذ الكساد العظيم.

ولكن يقول مات كاسالي، مدير الحملات المناخية في مجموعة "PIRG" الأمريكية وكاتب مشارك في التقرير، إنّ وزارات النقل في الولايات أبدت استعداداً متزايداً لاقتراض مبالغ مالية طائلة من أجل بناء هذه الطرقات. وبناءً على تحليل بياناتٍ من إدارة الطرق السريعة الفيدرالية الأميركية، وجد التقرير أنّ الديون الناتجة عن الطرق السريعة والتي تتحمّلها وكالات النقل في الولايات بلغت أكثر من الضعف، حيث ارتفعت من 111 مليار دولار في 2008 إلى 228 مليار دولار في عام 2018.

وفي الوقت عينه، تخطّط وكالات النقل العام إلى تقليص بعض الخدمات بشكلٍ حاد لسدّ فجوات الميزانية المقدّرة بملايين الدولارات والتي تسبّبتها خسائر الركاب الناتجة عن الجائحة. ويقول كاسالي: "يمكنك أن ترى بصورةٍ آنية كيف تتجلى أولويات النقل الموضوعة في غير مكانها". وأضاف: "نجد طرقاً للاستدانة من أجل تسديد تكاليف الطرق السريعة، ولكن مع مؤسسات النقل، أول ما نفكر بالقيام به هو تقليص الخدمات، رغم أنه ولأسبابٍ مناخية، يعدّ ذلك عكس ما يجب أن نقوم به".

تغيّرات نظام النقل ووجهة النظر المستقبلية

ويقول روك موريتي، مدير السياسة والأبحاث في "TRIP"، وهي مجموعة بحثية خاصة بقطاع النقل، إنّ تقرير مجموعة "PIRG" قد فشل في معالجة الضغوط الناتجة عن احتياجات السكان مستقبلا، وإيصال الشحنات من خلال وسيلة النقل الأساسية لدى معظم الأشخاص، وهي القيادة. وقال: "الناس منهكون، ويحتاج نظام الطرق السريعة بالفعل إلى تحديث وفي بعض الحالات، إلى توسيع قدرته الاستيعابية على نحوٍ قليل".

وفيما يتعلّق بأمورٍ محددة مذكورة في التقرير، يقول موريتي: "إنّ أفضل القرارات المرتبطة بما إذا كان يجب المضي قدماً بهذه المشاريع، هي حقيقة ما إذا كانت هذه المشاريع ستعزز إمكانية الوصول السكني، والوظيفي، والثقافي، والترفيهي، والتجاري. بالإضافة إلى مدى التحليل العميق والاستشارة التي تتّخذها حكومات الولايات والحكومات المحلية للوصول لقرارات صحيحة".

ويعد من الصّعب إيقاف مشاريع بناء الطرق السريعة بعد أن يبدأ تنفيذها. وتستعرض مجموعة "PIRG" في ملحق بها 51 مشروعاً خصّتها بالذكر في قوائم سابقة للمشاريع عديمة الفائدة، وتحدثت بها عن الحالة الراهنة لهذه المشاريع، ومنها أربعة مشاريع تمّ إلغاؤها بالكامل، بينما تمّ تعليق العمل في خمسة أخرى. أمّا ما تبقى، فإمّا قد تمّ إنجازه أو أنه قيد البناء، أو قيد المراجعة.

مؤسسات بناء الطرق

وتمّ تشكيل وزارات النقل المحلية في الأساس كمؤسسات لبناء الطرق، مع الحفاظ على روابط وثيقة مع قطاعات بناء الطرق، ولا تزال العديد من هذه الوزارات تتمحور حول هذه المهمة بالأغلب. وبمعزلٍ عن الاعتقاد القوي المتمثل بأنّ الطرق الجديدة تحفّز النمو الاقتصادي، وهو اعتقادٌ توصّلت الأبحاث في الدول النامية إلى استنتاجات متباينة بشأنه، بشكل ما تُكافئ ممارسات التمويل الفيدرالية، الولايات ذات الأعداد السكانية الأكبر أو تلك التي تقود أكثر.

ويطرح السؤال حاليا حول ما إذا كانت إدارة بايدن المقبلة، والتي وعدت بإعطاء الأولوية لخفض الانبعاثات والانضمام مجدداً إلى اتفاق باريس للمناخ، ستستطيع تغيير هذه المعادلة في السنوات القادمة؟ وتتضمن خطط المناخ وتعزيز البنى التحتية للنقل لدي الرئيس المنتخب، تعزيز المركبات الكهربائية أيضا. وهو ما يعيد إحياء جهود إدارة أوباما التي ركزت على السكك الحديدية البعيدة المدى، ودعم وسائل النقل العام، وتشجيع المشي وركوب الدراجات الهوائية.

وقد أشار أيضاً عمدة مدينة ساوث بند السابق، بيت بوتجيج، الذي اختاره الرئيس المنتخب وزيراً جديداً للنقل، إلى رؤيةٍ تتمحور بشكلٍ أقلّ حول السيارات من بين أولويات البنى التحتية للبلاد. ويوصي تقرير مجموعة "PIRG" بعدد من البدائل لعمليات توسيع الطرق السريعة، تتماشى مع صورة القيادة الفيدرالية التي يعكسها بايدن، بما في ذلك تدابير تسعير الطرق، وتحليلات أفضل للتكاليف والأرباح، ومشاريع نقلٍ تخفف من القيادة بدلاً من تشجيعها. إلّا أنّ تاريخ المشاريع عديمة الفائدة، الخاصة بالبنى التحتية وبغيرها، تشير إلى أنّه سيكون من الصعب التخلص من التخطيط لهذا النوع من المشاريع.