تاجر نفط فاسد ينقلب على زملائه في قضية رشوة ضخمة بأفريقيا

المقر الرئيسي لشركة "غلينكور" في بار، سويسرا
المقر الرئيسي لشركة "غلينكور" في بار، سويسرا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما غادر أنتوني ستيملر شركة "غلينكور بي إل سي" في أغسطس من عام 2019، كان لديه سران كبيران: دفع رشاوى بالملايين لمسؤولين ووسطاء أفارقة، على مدى عشرات السنين. وهو حالياً يساعد على تحقيق وزارة العدل الأمريكية بشأن الشركة وعديد من الزملاء السابقين.

الفساد لم يسمع به أحد تماماً في استخراج السلع وتداولها، لا سيما في العالم النامي، لكن تفاصيل صفقة تعاون ستيملر، التي جرى الحصول عليها من مكتب المدعي العام الأمريكي في مانهاتن والتي لم يُبلَغ عنها من قبل، توفّر فرصة نادرة لمعرفة كيفية عملها بما في ذلك الحجم والنطاق والطبيعة الروتينية الغالبة لمثل هذه المعاملات.

أحد الجوانب هو دور الوسطاء، الذي تفضّله غالباً الحكومات في المنطقة. يعمل ما يسمى شركات الحقائب كقنوات لرشوة التجار للمسؤولين، مما يؤدّي إلى اقتطاع جزء من الأموال وإعادة توجيه أعمال الدولة إلى التجار. كانت شركة "غلينكور" لاعباً مهيمناً في نيجيريا وتشاد وجمهورية الكونغو وغينيا الاستوائية، وتقول إنها لم تعد تستخدم الوسطاء كجزء من عملية جرى تجديدها وتنظيفها.

قالت ألكسندرا غيليس، المستشارة في معهد حوكمة الموارد الطبيعية، الذي يسعى للقضاء على الفساد في موارد الأسواق الناشئة: "المشكلة التي تظهر مع فساد التجار هي الوكلاء والوسطاء في هذا المزيج". وتابعت: "من الواضح أنها أفضل أسلوب لكيفية تنفيذ هذه المؤامرات.

غلينكور من بلدة بار في سويسرا، هي واحدة من عدد قليل من الشركات التي تهيمن على التجارة العالمية للنفط والوقود والمعادن والمواد الغذائية، والوسطاء الذين يشترون من المنتجين ويبيعون إلى المصافي الذين يحولون البضائع إلى منتجات نهائية.

تعود جذورها إلى شركة شارك في تأسيسها مارك ريتش في عام 1974، وهو تاجر وممول أسطوري فر من الولايات المتحدة في عام 1983 للهرب من الملاحقة القضائية بسبب التجارة مع إيران خلال أزمة الرهائن الأمريكية. كانت الشركة حققت إيرادات بلغت 142 مليار دولار في عام 2020.

قبل القبض عليه أمضى ستيملر سنوات في اللعبة بدأت في وقتٍ مبكر من عام 2007، وعلى الرغم من أن الأمر يبدو كأنه نشاط فاضح، فإنه يقدّم مظهراً مهذَّباً. إنه ودود ومهذَّب، وهو معروف في مجتمعه اليهودي في لندن بلقب "هيرشي" وفقاً للغة يهود أوروبا، وخدم في مجلس إدارة مؤسسة "كامب سيمشا"، التي تساعد الأطفال المرضى. أخذ استراحة لمدة عامين في منتصف فترة ولايته لرعاية طفله الذي كان يعاني من مرض اللوكيميا (وتعافى لاحقاً).

اعتراف بالرشوة

يوضح اعترافه في شهر يوليو الماضي بتهم الرشوة الأجنبية وغسل الأموال، وهو أول اعتراف من قبل تاجر في شركة "غلينكور"، أنه كان يعلم تماماً ما كان يفعله، وأنه لم يتصرف بمفرده. رفض محامي ستيملر التعليق على هذا المقال، وكذلك فعلت شركة "غلينكور". خرج ستيملر بكفالة في المملكة المتحدة وينتظر النطق بالحكم في تاريخ لاحق.

قال ستيملر لقاضٍ فيدرالي في نيويورك، حسب نسخة من نص إقراره بالذنب: "عندما قدمت طلبات لمدفوعات لوسطاء، كنت على دراية بأن تجار شركة "غلينكور" الآخرين الذين عملوا معي كانوا يفعلون الشيء نفسه من خلال توجيه وسطائنا إلى دفع مبالغ رشوة لمسؤولين حكوميين".

وأضاف: "كنت أنوي تحويل جزء من المدفوعات للوسطاء العاملين في نيجيريا إلى مسؤولي شركة النفط النيجيرية المملوكة للدولة. وكان الغرض من الدفع هو التأثير في قرارات هؤلاء المسؤولين بشأن مخصصات الحكومة النيجيرية لشحن النفط الخام".

وتابع: "يا سيادة القاضي، كنت أعلم أن ما كنت أفعله كان خطأ وغير قانوني". أضاف: "أنا شديد الندم على سلوكي".

حياة مهنية طويلة

كان هذا السلوك، مع ذلك، يكافأ بسخاء.

طوال حياة مهنية دامت عقدين من الزمن بدأت في عام 1998، ارتقى ستيملر، البالغ من العمر حالياً 49 عاماً، في صفوف بيت التجارة السويسري متعدد الطوابق، ليصبح رئيساً لمكتب تجارة النفط في غرب أفريقيا. لقد أشرف على توسع قوي في تدفقات النفط الخام ومضاعفة أرباح مكتبه السنوية تقريباً إلى ما يقرب من 200 مليون دولار في عام 2017، وفقاً لمصادر مطلعة على البيانات الداخلية.

في نفس العام 2017، رفع المدَّعون العامون من فريق السرقة الحكومية بوزارة العدل دعوى في هيوستن بسبب الاستيلاء على ما يقرب من 145 مليون دولار من الأصول، تشمل 80 مليون دولار، ويختاً يبلغ 215 قدماً يسمى "غالاكتيك ستار"، وشقة بمبني رو الذي يقطنه المليارديرات بقيمة 50 مليون دولار في نيويورك، ومنازل في كاليفورنيا قيل إنها اشتُريَت لصالح وزيرة النفط النيجيري ديزاني أليسون مادويكي، بأموال مختلسة.

أموال مختلسة

قال ممثلو الادعاء إن اثنين من شركاء الوزيرة أسَّسا شركات بعد فترة وجيزة من تولّيها منصبها ومُنحَت عقوداً لبيع حصص كبيرة من النفط في الأسواق العالمية. وحسب الادعاء، حصل الاثنان على عشرات الشحنات الخام بقيمة 1.5 مليار دولار. لم تتلقَّ نيجيريا سوى قليل من عائدات هذه المبيعات، التي يقول المدّعون إنها حُوّلت لصالح مادويكي ومساعديها.

تقدمت إحدى مؤسسات التجارة الكبيرة لشراء تلك الشحنات، ووفقاً للمدعين العامّين هي شركة "غلينكور".

يقولون إنه على مدار عامَي 2013 و2014، اشترت شركة "غلينكور" 15 شحنة يبلغ مجموعها 7 ملايين برميل من الرجال، ودفعت أكثر من 800 مليون دولار. وزعموا أن ثلث ذلك المبلغ (272 مليون دولار) قد حُوّل إلى حساب في بنك نيجيري يُستخدم في مشتريات مادويكي.

عند جمع أدلة القضية، ساق المدّعون قرائن هائلة بما في ذلك السجلات المصرفية ورسائل البريد الإلكتروني وشهادات الشهود. أظهرت محادثة واحدة مسجلة على الأقلّ أن الوزيرة كانت قلقة بشأن حجم الكسب غير المشروع، كما وبّخَت أحد الشركاء بأن مثل هذه المشتريات ثمينة القيمة ستجذب انتباه السلطات. كانت محقة.

ديزاني أليسون مادويكي

يشير ملف المحكمة في قضية ستيملر إلى "مسؤول أجنبي رقم 1"، وهو نيجيري رفيع المستوى في الفترة من 2010 إلى 2015، كان قد طالب وحصل على مدفوعات الرشوة. ووفقاً لمصادر مطلعة على الأمر، فإن مادويكي هي المسؤول الأجنبي رقم 1. لم يستجب محامو مادويكي لطلبات التعليق.

فيما كان المدّعون العامّون في قضية هيوستن يحاولون استرداد المنازل واليخوت، تلقت شركة "غلينكور" مذكرة استدعاء للمثول أمام القاضي من وزارة العدل في شهر يوليو من عام 2018 بشأن الوثائق المتعلقة بأعمال شركة "غلينكور" في نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وفنزويلا التي يعود تاريخها إلى عام 2007، وفقاً لما ذكرته صحيفة "ذا غارديان" البريطانية في ملف إفصاح الشركة في ذلك الوقت.

بعد أكثر من عام بقليل، غادر ستيملر شركة "غلينكور"، وهي خطوة فُسّرَت خطأً في ذلك الوقت كجزء من تغيير تنفيذي بعد رحيل "ألكس بيرد"، رئيس تجارة النفط بشركة "غلينكور" منذ فترة طويلة ومستشار ستيملر، وفقاً لمصدر على دراية بأمورهم. في ذلك الوقت تقريباً بدأ ستيملر التعاون مع المدعين العامين.

غرامات باهظة

حالياً تواجه شركة "غلينكور" وبعض مسؤوليها التنفيذيين احتمال فرض غرامات باهظة والسجن في تحقيق بعيد المدى حول التكتيكات المستخدمة في عديد من البلدان وأسواق السلع الأساسية.

تتابع السلطات الأمريكية مثل هذه القضايا لأنها، على الرغم من أنها تنطوي على أحداث في بلدان أخرى، دُفعَت المكافآت بالدولار الذي يمر عبر النظام المصرفي في نيويورك. وتستهدف دول كبرى أخرى تجارة السلع الأساسية بشكل متزايد.

أصبحت السلطات الأمريكية أكثر قوة في إنفاذ القوانين ضد الرشوة الأجنبية، وفرضت غرامات بمليارات الدولارات على الشركات. وبموجب قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، يمكن للمدعين العامين حساب الغرامات بناء على مقدار سعي الشركة للاستفادة من دفع الرشوة، ثم مضاعفة المبلغ في فرض العقوبة.

تقول شركة "غلينكور" إنها شركة مختلفة حالياً وتتعاون مع المدعين العامين. وقد خصصت مبلغ 216 مليون دولار في النصف الأول من العام لتغطية التكاليف المتعلقة بعنصر معين في عديد من التحقيقات التي تواجهها.

قواعد جديدة ضدّ الفساد

قال جاري ناغل، الرئيس التنفيذي الجديد لشركة "غلينكور"، للصحفيين في مؤتمر عبر الهاتف في شهر أغسطس الماضي، إن الشركة تبنت قواعد امتثال جديدة تهدف إلى القضاء على السلوك غير المشروع، وإن كل شخص ورد ذكره في قضية ستيملر تَعرَّض للتأديب أو رحل عن الشركة. تعمل الشركة أيضاً على تقليل أعمالها في المناطق عالية المخاطر، ولم تعُد تعمل من خلال الوسطاء.

قال ناغل: "ليس لدينا أي وسطاء في أعمالنا النفطية"، وتابع: "إنه نموذج عمل مختلف عما استخدمناه قبل فترة تمتد من خمس إلى عشر سنوات، ولا نخطط لاستخدامه مرة أخرى في أعمالنا النفطية".

تجني شركة "غلينكور" مليارات الدولارات كل عام من شراء السلع وبيعها، علاوة على الأموال التي تجنيها من استخراج المعادن أو ضخ النفط الخام أو حصاد المحاصيل.

في عام 2020 تمتعت الشركة بأفضل تداول لها على الإطلاق، إذ حققت أرباحاً بقيمة 3.3 مليار دولار قبل خصم فوائد الديون والضرائب، بزيادة 41% على العام السابق على الرغم من تأثير وباء كوفيد-19 في الاقتصاد العالمي.

الكشف عن الشركاء

إن إقرار ستيملر بالذنب والصفقة التي أبرمها مع المدعين العامين سيثير قلق زملائه -والشركة نفسها- مع استمرار تحقيق وزارة العدل.

تتطلب اتفاقية التعاون منه الكشف عن أنشطته وجميع أنشطة زملائه ذات الصلة بالقضية، والموافقة على الإدلاء بشهادته أمام هيئة محلَّفين كبرى للتحقيق، وحتى العمل كشاهد حكومي إذا أُحيلَت أي قضية إلى المحاكمة. وقد ظهر عن طريق الفيديو من المملكة المتحدة خلال جلسة الاستماع، التي أخبر خلالها القاضي كيفن كاستل من محكمة مانهاتن الفيدرالية أنه كان يساعد وزارة العدل على مدى أكثر من عامين.

ورّط ستيملر سبعة أشخاص آخرين، بينهم أربعة تجار على الأقلّ في "غلينكور"، في دفع رشوة، وتقول السلطات إن المؤامرة بدأت خلال الفترة التي سبقته.

ووفقاً لمصادر مطّلعة على الأمر، يوجد في "غلينكور" شخصٌ واحد جرى تسميته كان أحد كبار تجار النفط الأفارقة، ويعود تاريخ نشاطه إلى فترة التسعينيات من القرن الماضي، وقد بزغ تفوُّق ستيملر خلال صعوده المبكر هناك، وذلك بخلاف شخص آخر عمل معه في تجارة النفط في غرب إفريقيا خلال الجزء الأخير من المؤامرة حسب المصادر.

رشوة مالية

بينما بدأ ستيملر تقديم الرشوة عام 2007، غالباً باستخدام لغة مشفرة في رسائل البريد الإلكتروني، يبدو أن المدفوعات تسارعت خلال فترة مادويكي في المنصب، وفقاً لوثائق المحكمة.

وافق ستيملر في أواخر عام 2013 على دفع أكثر من ثلاثة أضعاف الرسوم المعتادة لشركة وسيطة كان من المقرر تمريرها كرشوة للحصول على درجات مواتية من الجودة ومواعيد تحميل أفضل للنفط النيجيري، وفقاً لما جاء في إقراره بالذنب.

بعد ثلاثة أشهر دفع هو وزملاؤه مبلغاً إضافياً قدره 500 ألف دولار ليكون مؤهَّلاً للحصول على شحنات نيجيرية إضافية. قال ممثلو الادعاء إن ستيملر "طلب من شركة وحصل على موافقتها"، وهي تابعة لشركة "غلينكور"، لتسديد المبلغ، بلا تحديد للجهة التي منحها المبلغ.

في وقتٍ لاحق من ذلك الخريف، تلقى عريضة اتهام أخرى، تقول إن "المسؤول الأجنبي رقم 1" كان يسعى للحصول على 300 ألف دولار شهرياً من عملاء شركة النفط الوطنية النيجيرية، وذلك اتصالاً بانتخابات مقبلة. وأصدر ستيملر إذناً بالدفع، وفقاً للمدّعين.

ملاحقة قضائية

غادرت مادويكي منصبها عام 2015 وظلت تعيش في لندن. ووجهت إليها السلطات النيجيرية اتهامات بالفساد، لكنها نجحت حتى الآن في الإفلات من التسليم، وهي حالياً قيد تحقيق سلطات المملكة المتحدة أيضاً.

بِيعَ اليخت "غالاكتيك ستار" بالمزاد العلني منذ ذلك الحين. أصبح مالكه الجديد هو شركة صورية تسمى "باكسفورد ليمتد"، وقد أُعيدَ تسميته باسم "إليوشين"، وشوهد آخر مرة رسا فيه على ساحل "سردينيا"، وفقاً لبيانات تتبُّع السفن من وكالة "بلومبرغ".

في مايو أصدرت شركة النفط الوطنية النيجيرية قائمتها الجديدة لشركائها التجاريين للعام المقبل، التي تطمع في عقود شراء نفطها وبيعه من البنزين المكرر. لم تكن "غلينكور" من بينهم.